التواضع (2) – حديث الجمعة – 11/4/2014
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم (يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
مقدمة : مواصلة لحديثنا حول التواضع..
في سلسلة الأحاديث المرتبطة بتهذيب النفس والأخلاق تحدثنا حول التواضع والآن نواصل الحديث في هذا الموضوع , وحديثنا اليوم حول أقسام التواضع وهي:
التواضع لله سبحانه وتعالى.
والتواضع للرسول والآئمة سلام الله عليهم أجمعين.
والتواضع مع الناس.
أولا : معنى التواضع
التواضع هو حالة في النفس تتجسد بالخضوع واحتقار النفس وهوانكسار يمنع النفس أن ترى ميزة على غيرها..
التواضع هو أن يخضع الانسان ، ويظهر الاحترام والتقدير ورفعة شأن الأخرين وعدم رؤيته لنفسه , وعدم الإغترار في نفسه وعدم الكبر في نفسه ، لذلك دائما يكون الحديث عن التواضع مقابل الحديث عن التكبر
ثانيا : فضل التواضع
التواضع كما هو معلوم بفطرة الإنسان أنه أمر راجح وأمر مطلوب ، فطرة الإنسان تعرف هذا , حتى لو لم يوجد حديث في ذلك ولم توجد آية في ذلك ، الإنسان بفطرته وسجيته وطبيعته يدرك أن التواضع أمر مطلوب ويدل على فضله:
1: أمر الله تعالى لرسوله بالتواضع.
أن الله تبارك وتعالى أمر به رسوله وهو أحب الخلق إليه بدل أن يأمره مثلا أن يظهر عزة الملك والسلطة على الناس , كان أمره على العكس , أمر بالتواضع مع الناس , مع أنه ليس هناك أفضل من النبي (ص) حتى يقال مثلا أن النبي بعظم فلان لأنه أعلى منزلة من النبي (ص) لذلك أعطاه منزلته.
النبي أرفع شأن من الجميع وهو صاحب المكانة العالية على البشر والخلق قاطبة ومع ذلك يقول تعالى ( وأخفض جناحك للمؤمنين ) يأمره الله سبحانه وتعالى بهذا التواضع
2: نسب الله المتواضعين لنفسه
نسب الله سبحانه وتعالى المتواضعين إلى نفسه وشرفهم بهذه النسبة فقال تعالى في وصفه لهم وهم مقربون منه فقال
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا )
يعني متواضعون غير متكبرين وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، لا يعتدون ويردون الإساءة بالسلام ، هذا هو وصف المؤمنين وقد خصصهم الله تعالى بهذا الوصف ونسبهم إلى نفسه تشريفا لهم.
3: قرب المتواضعين من الرسول يوم القيامة:
قال رسول الله (ص)
(إن أحبكم وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا وأشدكم تواضعا ، وإن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون وهم المتكبرون )
(إن أحبكم وأقربكم مني يوم القيامة مجلسا أحسنكم خلقا وأشدكم تواضعا )
المتواضعون يوم القيامة أقرب للنبي (ص) في محلهم في مجلسهم في مكانتهم و(إن أبعدكم يوم القيامة مني الثرثارون وهم المتكبرون ) متكبر يترفع على غيره ويرى نفسه أفضل من غيره ، يوم القيامة هو البعيد عن رسول الله (ص)
4: الله تعالى يوكل الملائكة برفع المتواضعين:
قال الصادق (ع) :
( إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع رفعاه ومن تكبر وضعاه )
هناك بعض الأحاديث تقول يمسكان بناصية العباد فمن تواضع رفعاه ومن تكبر وضعاه, وهو عناية الله تعالى بالمتواضعين.
ثالثا : أقسام التواضع وهي:
1: التواضع لله سبحانه وتعالى
وهذا هو الأمر الطبيعي أن يكون الإنسان خاضعا لله سبحانه وتعالى ، فمن يتكبر يتكبر على من؟!
ليس هناك قياس حتى ينظر الإنسان لنفسه أمام الله سبحانه وتعالى لأنه لا يعد و ليس له وجود , وكل شيئ هو من الله سبحانه وتعالى وفيض من الله فيجب عليه أن يكون كذلك في نفسه ونظره لنفسه.
متى يتحقق التواضع لله ؟
يتحقق التواضع إذا تفكر الإنسان في نفسه وعرف نفسه وعرف أنه لا شيئ وأن وجوده هو من الله وأنه لا يستطيع أن يوجد نفسه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ضرا ولا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعا , إذاً هو في واقعه صفر ، إذا كان هوظل فهو من الله سبحانه وتعالى , وإن كان له أثر يراه فهو من الله سبحانه وتعالى , إذا جعل ذلك في نفسه وعرف أن هذا كله من الله من دون إسحقاق من العبد .
أنعم الله عليه وكرمه وجعل له الملذات وجعل له الدنيا وجعل له الآخرة ليس من عند الإنسان ومن غير إستحقاق الإنسان , الإنسان لم يكن مقدِما لشيئ ثم أعطاه الله نتيجة تقديمه , وإنما هو تفضل من الله سبحانه وتعالى إبتداءا ، إذا جعل الشخص في نفسه ذلك يرى هنا الخضوع أمرا طبيعيا فيخضع لله ويتواضع لله .
من لوازم التواضع لله من الآثار المترتبة على التواضع , الذي يشعر نفسه التواضع لله دائما هو الذي يفكر في وجوده ، يفكر في ذاته ، يفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى ويلزم على ذلك أمور منها :
1: الطاعة والإنقياد
إذا صار الإنسان متواضع لله , يفكر في عظمة الله , يفكر أن كل شيئ من الله ، أن كل نعيم من عند الله ، أن الدنيا من الله والآخرة من الله والصحة من الله, وكل شيئ من الله , هنا يجد في نفسه لزوم الإنقياد والطاعة لله , فيطيع الله ولا يعصيه ، يجتنب المعاصي إذا كانت كذلك.
2: الشعور بالتقصيروالمبادرة والجد والسعي لله.
يشعر بالتقصير لأنه كلما قدم , كلما عمل , كلما شكر الله , كلما عبد الله , يجد نفسه مقصرا
كلما أتى بخير , يجد نفسه لا شيئ , يحتاج إلى شكر على شكره , ويحتاج إلى حمد لأنه توفق للحمد وهكذا ، فيسعى بجد وإجتهاد لينال بذلك في النتيجة الخير له يوم القيامة
3: إستمرار الحمد والشكر لله تعالى على مننه ونعمه كلها
يلزم من التواضع أن يكون الإنسان شاكرا لله حامد لله مداوما على ذلك وغير منقطع.
2: التواضع للرسول والآئمة (ع)
التواضع للرسول (ص) حقيقته ماذا؟
حقيقته هي التواضع لله تعالى , لأن الرسول والآئمة سلام الله عليهم أجمعين هم آيات الله العظمى وهم الطريق للخير للإنسان والطريق للهداية فهم بينات وآيات لله سبحانه وتعالى , فمن يتواضع لهم إنما يتواضع لله سبحانه وتعالى.
كيف يتواضع الإنسان للرسول (ص)كيف يتواضع للآئمة ؟
أول التواضع للرسول والأئمة (ع) هو إمتثال الأوامر وإجتناب ما ينهون عنه , وهو الطاعة التي أمر بها الله تعالى في كتابه.
وأن يكون في ذكرهم تبجيل وإحترام , لايذكرهم كما يذكر أي شخص آخر، يأتي و يقول الإسم هكذا من غير أن يبجلهم ويبين عظمتهم , فإذا قال رسول الله يقول (ص) إذا ذكر الإمام يقول سلام الله عليه إذا ذكرهم فليذكرهم مع بعث التحية والسلام ، يذكرهم بهذه الأمور حتى يكون دائم التعظيم لهم والخضوع لهم ، لا يصلي مثلا أمام قبورهم ، إذا كان في زيارة ووصل للمكان لا يصلي أمام القبر إحتراما ، إحتراما لصاحب القبر وتعظيما له ، إذا وجد إسمهم مكتوبا على كتاب لا يمسه من غير طهارة هذا إظهار للإحترام والتبجيل والتقدير لهم (س)
3: التواضع للأبوين
التواضع للأبوين وهو أيضا من التواضع لله سبحانه وتعالى , فهو يصب في نفس هذا المجال لماذا , لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي قرن بر الأبوين والخضوع للأبوين والطاعة للأبوين والإحترام للأبوين بتوحيد الله سبحانه وتعالى ، فهو يتفرع على العبودية لله والتوحيد لله سبحانه وتعالى لذلك , قال تعالى:
(وقضى ربك آلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب إرحمهما كما ربياني صغيرا)
يجب أن يكون هكذا التعامل مع الأبوين , وهذه الآية لا تتحدث فقط عن جهة كبر الأباء في السن مثلا , وإنما عن الأباء بصورة عامة , وعو كبرهم في السن بصورة خاصة .
فيجب أن يظهر الإنسان المؤمن الإحترام لأبويه , المؤمن يقدرهما ويحترمهما سواء كانا مؤمنين أو لم يكونا كذلك ، كانا مسلمين أم لم يكونا كذلك , إحترامهما واجب ، إحترام الأباء واجب على المؤمنين
4: التواضع للناس
التواضع أيضا للناس بصورة عامة ، الناس من حيث الخلقة متساوون ليس هناك فرق بين أحد من هذه الجهة ، العنوان الأول إنسان مع إنسان كلهم سواسية , ولا يحق لأحد أن يتكبر على أحد , ولا يحق لأحد أن يرجو من أحد أن يتواضع له ، الناس كلهم سواسية فعلى الإنسان في نفسه أن يكون متواضعا كما أراده الله , أن يكون متواضعا في نفسه لا يرى نفسه ذا مكانة وإنما يرى نفسه خاضعا لغيره ومتواضعا لغيره , يتواضع للآخرين ويحترم الآخرين.
5: التواضع المرفوض
هناك تواضع مرفوض وهو التواضع للكافر والفاسق والمتكبر هذا التواضع مرفوض شرعا ، أن يذل الإنسان نفسه ويخضع نفسه للكافر مرفوض , للفاسق مرفوض , للمتكبر مرفوض ، أن يذل نفسه أيضا ويظهر تواضعه للغني بسبب ماله مثلا لغناء عنده أموال ويتواضع له من هذه الجهة أيضا مرفوض وليس من الصحيح.
الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث عن ذلك يصف المؤمنين بأن المؤمنين يتواضعون ومتواضعون بعضهم لبعض ولكن ليسوا متواضعين للكافرين
يقول تعالى ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) فيما بين المؤمنين يخضعون ويتواضعون ولكن ليس للكافرين
ويقول تعالى: ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) فيما بينهم الرحمة واللطف والمحبة والخضوع والتواضع.
التواضع أيضا للمتكبر مرفوض ، إذا كان الشخص متكبر ليس كافرا ولكنه متكبر يتعالى عن الناس ويرى في نفسه , ويظهر ذلك طبعا هنا ليس صحيحا أن يتواضع المؤمن له ويظهر له الخضوع.
جاء شخص مثلا يريد أن يُقَدَم له نعلُه هو متكبر، المتكبر لا يتواضع له لماذا ؟
أولا: لأنه حماقة وقلة عقل أن يأتي شخص يريد أن يذل الناس والناس يأتون لإذلال أنفسهم غير صحيح.
ثانيا: التواضع للمتكبر نوع من هتك حرمة النفس , نوع من الذل ولا يليق عقلا وشرعا للمؤمن أن يذل نفسه بهذه الصورة لأنه إسحتقار للنفس في غير موضعه ، إما أنه يتواضع شخص مؤمن لشخص مؤمن متواضع , وذاك الشخص يرفع شأنه أيضا , وهذا يقدم هذا , يتبادل الإحترام فيما بينهم هذا هو المطلوب ، إما أن يأتي شخص يهتك حرمة نفسه بخضوع لشخص يريد أن يهين هذا غير صحيح
ثالثا: التواضع للمتكبر يدعوه للجرأة وإحتقار الآخرين , كأنك تثبت له أنك دونه , وأنك أقل وأنه أرفع شأن وهو مقدم , هذا غير صحيح بمعنى آخر بدل ان تعالجه انت تسيئ إليه ، تجعله يصر ويتمادى في خطأه في تكبره وهذا مرفوض .
رابعا: ترك التواضع له لينتبه
الشخص الذي يريد أن يحترمه الناس فوق المعدل غير طبيعي وهو متكبر في نفسه إذا جاء ينتظر الناس مثلا يفتحون له الباب لايفتحون ، ينتظر الناس يقدموا له الحذاء مثلا لا يقدمون هنا يراجع نفسه وهذا إسلوب لعلاج مرضه النفسي , مايعاني منه من العقدة النفسية والكبر والطغيان الذي في نفسه.
الآن نعلق على شيئ مما فصلناه , وهو عندما نقول التواضع للكافر مرفوض فماذا يعني؟
التتواضع للمتكبر مرفوض ماذا تعني؟
التواضع للغني مرفوض ماذا تعني؟
هل يعني أن يتكبر الإنسان عليه ؟ طبعا لا
عدم التواضع للكافر ليس معناه التكبرعليه , ولكن هناك بعض العبارات جاءت بلفظ التكبر أيضا بعض الروايات النبي (ص) مضمون الرواية
(إذا رأيتم المؤمنين من أمتي فتواضعوا لهم وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم )
هنا يقول العلماء ليس معناه أن تأتي وتتكبر وتترفع هكذا وإنما معناه الإعتزاز بالدين فقط , وعدم إظهار الذل مقابل الكفر , بمعنى آخر ربما يتعامل شخص معك على أنه إنسان مع إنسان وليس لقضية الكفر دخل أو المعتقد وربما يأتي وقت أو ظرف يتعامل من جهة العقيدة أنه متقدم , وكما يقولون منفتح ومتحرر وعنده أفكار وعنده كذا.
وهذا للأسف يأتي في بعض المجتمعات الإسلامية يرون مثلا مجتمع ديني متحجر متخلف رجعي ، والمجتمع الكافر منفتح الكافر متقدم أفكار وإنفتاح و….
هنا ليس صحيحا أن تخضع له هكذا وإنما تثبت له وتبين له عزة الدين وأن الدين هو المتقدم أما إذا كان التعامل هوتعامل الإنسان العادي تتعامل معه عادي ، لا تخضع له وتذل نفسك ولا تتكبرعليه
كما أن المسألة نفسها مثلا نستطيع أن نأتي ونطبقها على المتكبر والغني , التعامل مع الغني قد يكون الغني شخص عادي ليس متكبرا , ولكنه عنده أموال تتعامل معه بتواضع ليست ناظرا للأموال وهذا أمر طبيعي , أما أن تتعامل معه ونظرك له ناظرا لأمواله لأنه الشخص الفلاني الذي يملك الأموال الفلانية فترفع شأنه وتقدمه لأنه يملك , هذا أمر مرفوض.
يقول الحديث : عن علي(ع) (من اتى غنيا فتواضع لغناءه ذهب الله بثلثي دينه ) كأنه يقدم شيئ لتتنازل عن دينك , مقابل الأموال لا تتنازل عن دينك لاتقدم الأموال فيذهب ثلثا دينك.
يجب أن لا يرى المؤمن في نفسه تكبر بصورة عامة . المؤمن المرتبط بالله أن لا يرى في نفسه كبر, أن لا يرى لنفسه علوا على الآخرين سواء كانوا من هذه الفئات أم لا , سواء كان الطرف الآخر كافرا أم فاسقا أومتكبرا أوغنيا أومؤمنا , المؤمن يتواضع للمؤمن ولا يرى لنفسه كبر أو منزلة أو ذاتية تميزه , ليس له إغترار بذاته حتى في مقابل الكفار , لا يكن هناك خلط بين موضوع الإعتزاز بالدين وبين موضوع العزة بالنفس أو الإعتزاز بالذات أو الغرور لأنه قد يختلط على الإنسان .
في بعض الأمور وفي بعض المواقف يحتاج الإنسان أن يتخذ موقف ويقول هذا صح أو هذا خطأ , عليه أن يقول مثلا إذا رأى منكرا , عليه أن ينكر المنكر ويقول هذا منكر ، هذا منكر وتقوم بوظيفتك بردع المنكر وإيقاف المنكر ولكن لا تقل في نفسك أنا لا أرتكب المنكر إذاً أنا أفضل منه , فالإغترار شرعا مرفوض , حتى على الكافر ، مع الكافر تقول هذا كافر وأنا لست كافر، موحد لله ولكن ربما عنده صفات تجعله محط نظر الله تعالى , ربما فيه خير من جهة أخرى , لا نعلم , ربما يهتدي , ربما يتوب ويكون أفضل مني ، إذاً أتعامل مع الآخرين بوظيفتي الشرعية فقط يقول السيد دستغيب يذكر مثال في هذا المجال يقول :
لو أن ملكا مثلا عنده ولد سيئ وعنده خادم وأمر خادمه أن يعاقب ولده يقوم الخادم ويضرب الولد عقوبة أو تأديبا له ولكن لا يرى الخادم نفسه أفضل من الولد , ليس من حقه ذلك , كذلك نحن عيال الله سبحانه وتعالى كلنا خاضعون لله إذا رأينا الإنحراف ، رأينا الفسوق ، رأينا شخصا عنده فجور , نقف ونقف بصرامة بأمر الشرع ، ليس إغترارا من أنفسنا وليس غرورا بذواتنا وتطهيرا وتزكية بأنفسنا , لانقول نحن أفضل لا ، لا نقول نحن أفضل وإنما نقول هذا خطأ ومن ضمن وظيفتنا وتكليفنا الشرعي أن ننهى عن الخطأ ، هذا منكر ومن ضمن وظيفتنا أن ننهى عن المنكر ، لا نتجاوز ذلك.
رابعا : أسباب التواضع
من أسباب التواضع من الأمور التي تحمل الإنسان على التواضع
1: المعرفة والتفكر
المعرفة :
المعرفة بالنفس وبخالقها عندما يعرف الإنسان نفسه , الإنسان في نفسه عندما ينظر لنفسه يجد نفسه لا شيئ , يجد الإنسان نفسه معقد في تركيباته وفي خلقته وفي كل تركيبات الإنسان تعقيد غريب , ولكن هل لك دخل في ذلك التركيب المعقد؟!
عندما يرى نفسه ويقول مثلا أريد أن أعوض غدة واحده من غددي هل يستطيع إيجادها أوإيجاد خصائصها , ولو مصانع لا يستطيع ، إذاً الإنسان معقد في وجوده وهذا التعقيد لا يملك الإنسان له شيئ , يجد نفسه قبال هذه الخلقة المعقدة التي تركيبها غريب لا يستطيع أن يصل إلى فهمه , يجد نفسه حائرا ولا يملك شيئ , إذا تأمل في ذلك وعرف أن الله سبحانه وتعالى هوالذي أوجد هذا الوجود وأكرم هذا الوجود وجعل فيه هذا التعقيد الذي لا يمكن أن تصف الشيئ اليسير منه كيف يكون ؟!!!!
هنا العاقل يخضع ويتواضع لله , ويقول أنا الضعيف وهو الخالق وهو المالك وهو القادر وهو المنعم وهو المتفضل وأنا لا شيئ
2ـ الإعتبار بمن مضى :
التفكر أيضا , عليه أن يتفكر ويقول أنا أتكبر على ماذا ؟ نفسي وجدتها لا شيئ أنظر لمن تواضع ومن تكبر، من تكبر إلى مزبلة التاريخ وإنتهى ومن تواضع من أولياء الله وصل إلى ما وصل إليه وصارت له المكانة والمنزلة عند الله سبحانه وتعالى
إذاً أنظر إلى نفسي , أتفكر أيضا في هذه الدنيا والمنزلة ربما يقول شخص الذكر في الدنيا إعتبار وليس مفيد بعد الموت , فلنفكر فيما بعد الموت , أفكر بالآخرة الآخرة لمن ؟
الآخرة هي المقر وهي الحيوان (يعني الحياة الحقيقية) وليست هذه الدنيا الزائلة ، الدنيا تنتهي وكأنها حلم عابر ولا شيئ تبقى الدار الآخرة الدار الآخرة لمن ؟
يقول تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )
إذا الإنسان غير المتكبر المتواضع مع نفسه لله وللنبي والأئمة والصالحين هو الذي يحصل على الآخرة ، أما الشخص الذي يسعى للدنيا فهو لا يحصل وإن حصل فإنما يحصل منها الشيئ اليسير الزائل فقط .
3 : العبادة :
من الأمور التي تجعل الإنسان يتوفق للتواضع العبادة
لأن العبادة في حقيقتها هي تواضع أيضا ، تواضع لله وتجعل الإنسان يقف على حقيقة ذاته وتصفي روحه ، الإنسان بالعبادة تطهر نفسه ، الإنسان يحتاج إلى صفاء للنظر للمعرفة للبصيره ، البصيره لا تكون إلا بالعبادة ، بالخضوع لله سبحانه وتعالى لذلك تأتي الأحاديث كثيرة وذكرنا كثيرا منها
قال النبي (ص) لأصحابه : (مالي لا أرى عليكم حلاوة العبادة قالوا وما حلاوة العبادة قال التواضع )
التواضع حلاوة العبادة هو نتيجة لهذه العبادة إذا صار الإنسان يعبد الله ويداوم على عبادة الله سبحانه وتعالى تحقق عنده التواضع
قال علي (ع) (عليك بالتواضع فإنه من أعظم العبادة )
أيضا التواضع هو دليل كمال العقل , الإنسان العاقل هو الذي يتواضع ، الإنسان الجاهل هو الذي يتكبر من لا شيئ ، يتكبر وهو لا شيئ ، أما الإنسان العاقل هو الذي يضع نفسه موضع يرى قيمة نفسه فلا يتجاوز عنها
قال الصادق عليه السلام : ( كمال العقل في ثلاث التواضع لله وحسن اليقين والصمت إلا من خير)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد آله الطاهرين