حديث الجمعة – 3/8/2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
وقال تعالى )قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (
مقدمة : أهمية الدعاء مما لا يشك فيه أحد ومما لا يحتاج إلى دليل..
وإنما هو أمر واضح لكل مسلم , وأنه لا بد أن يكون مواظبا على الدعاء ، محافظا على الدعاء .
وفوائد الدعاء كثيرة
الدعاء أمر مهم في حياة الإنسان المسلم بل يجب أن يكون أقرب إلى الإنسان من أكله وشربه
أولا: معنى الدعاء في الآية
فما هو معنى الدعاء في الآية، قال سبحانه وتعالى (وقال ربكم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَعَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فما هو معنى الدعاء؟
1ـ الدعاء هو التوحيد كما ينقل عن بن عباس .
أنه التوحيد ، الآية تتحدث عن التوحيد ، يعني الإنسان الموحد , عليك أن تدعوا يعني أن توحد الله ، فالذي يوحد الله هو الذي يدعوا الله ، هذا المعنى ، الدعاء يساوي في هذه الآية بنقل إبن عباس يساوي التوحيد
2ـ هو الدعاء بالمعنى المعروف وهو الطلب من الله تعالى
وهذا هو المعنى الأوضح للآية المباركة ، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى في نفس الآية قوله: (أستجب لكم ) يعني تطلبون وأستجب لكم ، فهذا يعني أن الدعاء هو الطلب ويؤكد عليه أحاديث كثيرة منها :
عن رسول الله(ص) أنّه قال: (الدعاء هو العبادة)
لأن الآية هنا قالت (إن الذين يستكبرون عن عبادتي)
ما هي العبادة ؟ العبادة في هذه الآية هي الدعاء
عن الإمام الصادق (ع) أنّه سئل: ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعاً، كان أحدهما أكثر صلاة ، والآخر دعاءً فأيهما أفضل؟
قال (كلّ حسن).الأمران مطلوبان
لكن السائل عاد وسأل الإمام (ع): قد علمت ، ولكن أيهما أفضل؟
أجاب الإمام(ع): (أكثرهما دعاء) أما تسمع قوله الله تعالى: (ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). ثمّ أضاف بعد ذلك: قال (هي العبادة الكبرى) الدعاء هو العبادة الكبرى ، فهو أفضل ،
الدعاء أفضل من الصلاة أيضا ، المعنى الذي يستنتج أن الآية تتكلم عن الدعاء وليس عن عبادة غير الدعاء ، المعنى ليس التوحيد وليس العبادة من صلاة وصوم وغيرها وإنما هو معنى الدعاء
ثانيا: حقيقة الدعاء :
هو توجه الناقص إلى الكامل لرفع نقصه.
الدعاء هو توجه الناقص للكامل لرفع نقصه كما يقولون الدعاء هو من الداني للعالي والطلب من الداني للعالي يطلب منه ليساعده ، يقضي حاجته ، يرفع نقصه ، فهذا هو معنى الدعاء ، أن يتوجه الإنسان الذي يعيش النقص لله ويدعو الله ويطلب من الله ، إذا كان كذلك فهو داعي ، فإما أن يكون هذا الدعاء بألفاظ وعبارات فهو صحيح وأمر مطلوب وإما أن يكون بمناجاة وإما أن يكون بإنقطاع في القلب يتوجه الإنسان حتى من غير أن يتلفظ وينقطع لله في كل أمر ويطلب من الله سبحانه وتعالى ، هذا أيضا دعاء ، مطلوب أن يقرأ الإنسان الدعاء ولكن كما يقول الإمام الراحل رضوان الله عليه ليس المطلوب أن يقرأ الدعاء الطويل وإنما المطلوب أن يتمعن في معنى الدعاء ، يقول الإمام نحن لسنا كزين العابدين (س) إذ لا نستطيع أن نقرأ الدعاء بطوله مثلا والإمام يقرأه ويتوجه فيه ويكون عنده حضور , نحن لا نستطيع ولكن يجدر بنا أن نقرأ ولو الشيئ اليسير ونتوجه ونتمعن في هذه العبارات ، في هذا الدعاء حتى يحدث الإرتباط بين الروح وبين الله سبحانه وتعالى ، الذي ندعوه ونطلب منه
ـــ الدعاء هو الحركة الفطرية نحو الكمال , كحركة الطفل..
الدعاء من الأمور الفطريه عند الإنسان هذا واضح والروايات تؤكد هذا حتى قال بعض الغربين الذين كانوا ينكرون وجود الله سبحانه وتعالى ، عندما تعرضوا لأمراض وجدوا أنفسهم يتعلقون بالله ويدعون فأثبتوا وجود الله سبحانه وتعالى لأنهم مرضوا ، إذا مرض الإنسان يجد في نفسه أنه يتوجه ويتعلق بالله سبحانه وتعالى من غير تعليم وهذا يدل على أن الأمر فطري ، يقولون كما يكون الطفل مثلا عندما تلده أمه يتوجه للحليب ليشرب الحليب , فهو توجهه من غير تعليم وإنما هو بأمر فطري ، غريزة فطرية أودعها الله فيه فيتوجه ويبحث عن الحليب
يقول الشهيد المطهري عندما يبحث عن شيئ يعني هذا الشيئ موجود ، له وجود ، لأن هذه أمور تكوينية ترتبط بتكوين هذا الكون بأكمله ، الإنسان موجود من ضمن هذه المنظومة والكون ، فإذا توجه الطفل إلى أمه يعني هناك شيئ يؤخذ عن طريق الفم وهو الحليب ،
الإنسان أيضا بفطرته إذا أصابته مصيبة وإضطرار فإنه يتوجه لله وينقطع لله حتى لو لم يكن يعلم بوجود الله ، بل حتى المنكر لوجود الله ، كما تذكر الرواية وهي أن الإمام الصادق (س) عندما يسأله شخصا عن وجود الله , الإمام(ع) يسأله هل ركبت سفينه إلى آخر الرواية ….) ذاك ينقطع لله وهو ينكر وجود الله ولكنه يجد في نفسه أنه يرتبط بشيئ يريد تخليصه مما وقع فيه من مأزق ومن مصيبة هذا يدل على علم الإنسان فطريا بوجود الله ، فالعلم بوجود الله مودع ، العلم به مودع في فطرة الإنسان وفي وجود الإنسان
ثالثا: الدعاء والداعي عند الله سبحانه وتعالى
ماهي منزلة الدعاء وما هي منزلة الداعي ؟
1ــ الدعاء محبوب عند الله تعالى :
فالدعاء له أهمية لذلك آيات ذكرت كثيرة كلها تركز على الدعاء ونحن إنما نتحدث في الدعاء لأننا في شهر رمضان وليالي القدر آتية ولا بد أن يكون عند المؤمن شيئ من الدعاء ، لا بد أن يكون عنده توجه لجعل نفسه مرتبطا بالله ، ذكرت عبارة سابقا ولا بأس أن أعيد هذه العبارة وهي أن الشهيد المطهري يتحدث عن ليالي القدر وأن الإنسان في ليالي القدر يدعوا وإذا دعا ماذا يكون؟
الإمام المهدي (س) هو الذي يدعوا وينقطع لله (فتتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر )الملائكة والروح تتنزل ، تتنزل متى ؟
الآية لم تقول نزلت في زمن النبي وإنما هي تتنزل بإستمرارفي كل سنة في كل عام ، يقول الشهيد المطهري أنه تتنزل عندما ينقطع الإمام المهدي (س) لله ويبلغ العروج ويبلغ الكمال في إنقطاعه وذلك في ليلة القدر يقول عندها تنفتح أبواب السماء فإذا إنفتحت أبواب السماء من توجه للدعاء ومن توجه لله تشمله الرحمة ويستجاب دعائه ، أما الذي يكون غافلا ولا يدعوا ولا يصلي مثلا في ليالي القدر, ليس عنده توجه ولا إحياء تمر عليه ليلة القدر وهو خاسر ،
فالدعاء محبوب عند الله تعالى
عن علي (ع) : يقول : ( أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء) هذا احب شيئ إلى الله ، الدعاء أحب شيئ عند الله سبحانه وتعالى
2ــ الداعي محبوب لله :الداعي الذي يدعوا والداعي ايضا محبوب
عن النبي (صلى الله عليه وآله ) ، أنه قال : (يارب وددت أن أعلم من تحب من عبادك فاحبه؟ فقال : اذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك وأنا أحبه ، واذا رأيت عبدى لايذكرني فأنا حجبته وأنا أبغضه) الذي يتوجه وينقطع لله يكون محبوبا عند الله وأعظم شيئ يسبب الإرتباط والإنقطاع إلى الله هو الدعاء
3ـــ من تكبر عن الدعاء مصيره جهنم ذليلا فيها.
رابعا: تارك الدعاء عند الله
تارك الدعاء مصيره جهنم لأن الآية قالت (الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) الآية تتحدث عن الدعاء والذي يتكبر عن العبادة كما فسرتها الروايات يتكبر عن الدعاء لا يدعوا الله فإن مصيره جهنم وأي دخول جهنم داخرا ذليلا في جهنم
خامسا: من فوائد الدعاء:
الأولى: الإفتخار بمناجات الرب.
الإنسان يتوجه لله فهو يفتخر بأنه مع الله سبحانه وتعالى ، عندما تتوجه للدعاء مثلا إذا علمت أن الله لا يجيبك ولا ينظر إليك فأنت تشعر بالدونية تشعر بأنك غير مقبول غير مطلوب ولكن عندما تشعر بأنك محترم ، وأنه ينظر إليك فهذا الأمر يختلف تشعر بالفخر .
مع الناس العاديين إذا كنت تتحدث ولا يعيرونك إهتمام تشعر بالنقص أما إذا كانوا يعيرونك إهتمام وإذا كان هذا الشخص الذي يهتم بك له منزلة أو مكانه فأنت تشعر بالفخر أكثر ، إذا كان مثلا القائد الفلاني أو العالم الفلاني يهتم بك وإذا تحدثت جلس ليستمع إليك ونظر إليك ويستمع الكلام تشعر بالعزة والفخر ، إذا كان مثلا الإمام المعصوم تتحدث إليه وينظر إليك ويستمع إليك تشعر بالعزة والفخر ، إذا كان نبي من أنبياء الله تحدثه فينظر إليك فأنت تشعر بالعزة والفخر أكثر ،
إذا كان الله سبحانه وتعالى مالك الملك وهو الخالق هو الذي ينظر إليك ويهتم بكلامك ويقول أنت قريب مني فهنا تشعر بالفخر أكثر وهنيئا لك هذا الفخر وهذه المنزلة
عن الامام الصادق (ع) : ( فيما اوحى الله تعالى الى موسى (كذب من زعم أنه يحبني فاذا جنه الليل نام عنى ، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟؟ ها أنا ذا يابن عمران مطلع على أحبائى ، اذا جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقربتى بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور) شخص يقول أحب الله ولكنه لا يذكر الله في شيئ هذا لا يحب الله ، لذلك التركيز على ذكر الله سبحانه وتعالى كثير خصوصا عند الليل ، خصوصا عند النوم يستغفر الله يقرأ بعض الآيات ، ووصايا النبي (ص) في ذلك كثيرة كثيرة
النبي يوصي فاطمة الزهراء أنه لا تنامي حتى تعملي ثلاثا من ضمنها (تحجي و تشفعي جميع الأنبياء فيكي وتختمي القرآن ) فيذكر لها أن تعمل ثلاثة أمور تقرأ الإخلاص ثلاث مرات ، أن تصلي على النبي عليه وآله ، إذا قرأت ثلاث مرات ختمت القرآن ، إذا صلت على النبي شفعت فيها جميع الأنبياء ، إذا قالت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، حصلت ثواب الحج ، هناك أعمال كثيرة الإنسان يستطيع أن يعمل بعضها ، لا يرهق نفسه كثيرا , مثلا يستغفر الله عند نومه في بعض الأوقات بحيث أنها لم تأخذ من وقته الكثير ويسجل له الموقف الصحيح
يقول (كذب من زعم انه يحبني فاذا جنه الليل نام عنى ، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه ؟؟ ها أنا ذا يابن عمران مطلع على أحبائي ، اذا جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم ، ومثلت عقربتي بين أعينهم ، يخاطبوني عن المشاهدة ، ويكلموني عن الحضور) تجدهم حاضرين في قلوبهم منقطعين لله تعالى , الذي يحب الله يكون بهذه المثابه وبهذه المرتبة , يجب أن يوجد عنده توجه , عنده إنقطاع لله لا أن يدخل عليه شهر رمضان ويخرج وهو لم يعمل شيئا
الثانية: الدعاء أحد العوامل التي تربي الإنسان وتطهر باطنه
كيف يطهر الإنسان باطنه ، إذا كان توجه لله ودعا الله ، الدعاء فيه فائدة وتأثير على قلب الإنسان ربما أكثر حتى من كثير من الأعمال
قال النبي (ص) في خطبته : ( فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه ، وتلاوة كتابه ، فإنّ الشقي كل الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ) هذا الشهر لا يدخل علينا ويخرج وكأننا لم نكن في شهر رمضان
ـــ القرآن كلام الله النازل , والدعاء كلام العبد الصاعد.
القرآن كلام الله سبحانه وتعالى ، منزل من الله هو يخاطبنا
الدعاء : نحن نناجي الله ، يجب أن نكون بين هذين الإثنين
بين قرآة القرآن متوجهين ، نسمع كلام الله وما يعطينا من تعليمات وإرشادات ونناجي الله ونشتكي لله مانحن فيه ونطلب من الله التسديد
يقول الإمام الراحل رضوان الله عليه الخميني : (يتمكن البشر من بناء نفسه , الإنسان يستطيع أن يبني نفسه بشيئين : الأول القرآن , والثاني : الدعاء) إن ركز على هذين الأمرين بنى نفسه
الثالثة:من الفوائد حصول الثواب : للدنيا والآخرة
الدعاء نفسه فيه ثواب إذا كان الشخص يقرأ الدعاء يحصل الثواب لا انه فقط إذا صلى ركعتين حصل ثواب وإذا قرأ الدعاء لا يحصل ، لا الدعاء فيه ثواب بل ربما هو أكثر كما في الاحاديث التي مرت أكثر حتى من الصلاة
قال الإمام الرضا(ع) : (سئل علي بن الحسين (ع) ما بال المجتهدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟الذين يناجون الله في الليل أحسن الناس وجوها
قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره) الذي يخلوا بالله ويدعوا الله يتأثر بذلك وتبين الانوار على وجهه لأنه يدعوا الله ويتوجه لله سبحانه وتعالى ، فالثواب يحصله على الدعاء ، هذا الثواب الذي يحصله على الدعاء بغض النظر عن إستجابة الدعاء أو عدمه ، فقط نفس العمل هو مطلوب ، نفسه فيه ثواب مجرد أنك تدعوا الله أنت تحصل على الثواب
الرابعة: التخلص من الهموم
إذا كان الشخص يدعوا الله لا تبقى عنده هموم
يذكر علماء النفس أن كثير من المشاكل والإضطرابات النفسية التي تحدث عند الإنسان يستطيع علاجها لو جلس يدعوا الله ، لو جلس في محرابه وتوجه بالدعاء , كثير من الأمور تنتهي عنده لأنه يفرغ ما يحمله من العبئ والهموم إلى الله سبحانه وتعالى ، وأمله بالله سبحانه أيضا يعطيه حافز ويجعله في إستقرار ويخلصه من اليأس القاتل ومن الهموم والأمراض
الخامسة: الإستجابة وقضاء الطلب.
من الفوائد إستجابة الدعاء وإن كان لها شروط ، إستجابة الدعاء كما ذكرت الآية : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) لمجرد أن يدعوا الإنسان ربه ويخلص في دعائه ويصدق في دعائه فإن الإستجابة كما يقول السيد الطباطبائي تكون حتمية ، لا بد أن يستجيب الله له ربما تكون الإستجابة على خلاف ما يتصور ، لكن الإستجابة لا بد أن تكون ،
السيد الطباطبائي يقول ربما يدعوا الإنسان لشيئ فلا يجد الإستجابة فيه ظاهرا , يقول هناك إستجابة هو يغفل عنها لأن الإستجابة في الخير فيما دعى فإذا كان تحقيقه في الخارج ليس خيرا له يجده لم يتحقق وإنما تحقق الخير الذي هو يرجوه
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين