الدين و طلب الحياة 2
15/2/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (1)
مقدمة ،
حديثنا حول الدين و طلب الحياة وهو متصل بما مر من هذا الحديث ،
التضليل القديم الحديث حول الدين وتعارضه للحياة ، يقولون ان الدين يعارض الحياة و يحرم الإنسان من سعادته في هذه الحياة و في هذا الحديث ننظر هل الدين مخالف للحياة ورافض ٌ لها مطلقا ً كما مر ام لا و الجدير بالذكر في هذا الحديث هو التساؤل حول اي شيء من احكام الدين جاء مخالفا ً لسعادة الإنسان و سببا لمحرامنه من السعادة في هذه الدنيا و معارضا ً لحياة الإنسان الطبيعية ،
اولا ً : تعارض الدين و الحياة ،
- تصور خاطئ و ساذج أن الدين يبغض الحياة لانه يحببب الزهد و هذا خلط ٌ في المفاهيم ، يقولون لان الدين يدعو للزهد فإنه محارب ٌ للحياة و لسعادة الانسان في هذه الحياة .
- التضليل الغربي و الإستعماري في هذا المجال يقولون الناس قسمان قسم ٌ قيميون يحملون المُثل العليا و هم من يرفض الحياة ، صوروا ان أصحاب المُثل و من يحمل القيم و من يدعو للقيم هو محارب لحياة الإنسان و لا يريد للإنسان ان يعيش الحياة الطبيعية السعيدة ، و القسم الآخر هم الواقعيون وهم من يرفض المُثل وهم من يحفظ الحياة ايضا قالوا ان هناك حرب ٌ بين هاذين القسمين ، القسم الذي يحمل المُثل شأنه و دأبه أن يحارب من يُحب الحياة و من يحبون الحياة شأنهم يحاربون من يحمل القيم و المُثل و يدعو إليها ، ثم يصف الغرب نفسه أنه هو المدافع عن القيم ليكون الجميع أسيرا ً له سصف نفسه المدافع عن الحياة و يرفض المُثل التي يدعو لها القيميون ، يقول نحن الذين نحفظ الحياة لاننا نعيش الواقع و نريد للإنسان ان يكون سعيدا ً أينما كان ، فهم القيمون على الناس لحفظ حياة الناس ، هذا ما يطرحونه و هو تضليل ٌ للناس .
ثانيا ً : الدين يضمن السعادة ،
الدين يضمن السعادة و لا يعارض سعادة الانسان و حياة الإنسان بل العكس هذا الطرح و هذا التصور هو تضليل ٌ في الواقع ان الدين يحارب الحياة و يعارض الحياة و هناك تباين بين الدين و متطلبات الحياة هذا هو التضليل و الدين على العكس من ذلك هو الذي يضمن سعادة الإنسان و إستقرار الإنسان ،
- الله سبحانه و تعالى يضمن لآدم من أول ما خلقه إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (2) يضمن له ان اموره الحياتيه و المادية مطلوبة ٌ عند الله سبحانه و تعالى و لا يرفضها الله بل الله يضمنها لك و يحفظ لك ذلك .
- أحكام الدين كلها لمحبة الإنسان و راحة الإنسان ، ما هي الاحكام التي يمكن ان يُتصور انها تعارض حياة و سعادة الإنسان ليس هناك احكام مخالفة ، اكثر ما هناك من الاحكام و القوانين العملية لصيانة الإنسان و حفظ الإنسان و إستقرار الإنسان ليس هناك أحكام لتحرم الإنسان من سعادته حتى القصاص وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لأن الإستقرار عند الإنسان بأن يكون هذا القانون مطبقا ً كما كان في بعض الدول الغربية رفضوا بعض أحكام القِصاص و الإعدام للقاتل فزادت الجريمة و إنتشرت فخرجت الناس تطالب بتطبيقها فطبقت لتحد من الجرائم لأن بتطبيق القانون و الأحكام يكون الإنسان مستقرا ً ، إذا ً هل هناك أحكام تجعل الدين يرفض الحياة و يحرم الإنسان من الحياة ، حتى الصلاة كما في الاحاديث عن النبي صل الله عليه و اله الصلاة راحة في البدن ، حتى الصلاة التي هي عبادة ٌ و ليست قانون مع الاخرين ، صلاة ٌ هي بين العبد و ربه هي سبب ٌ قس سعادته و راحته و قال أمير المؤمنين عليه السلام قِيام الليل مصحة ٌ للبدن ، و الان كم من الابحاث تثبت ان الإنسان إذا قام في الليل يصلي يوقى كثيرا ً من الأمراض من الجلطات و غيرها ، أحكام الإسلام كلها خير ، النبي صل الله عليه واله يقول صوموا تصحوا ، هذه هي الأحكام بل يدعو الاسلام للحياة الدؤوبة و المستمرة و المثابرة في الحياة و لا يدعو للتقوقع و ترك الحياة و العمل ، شخص يريد التفرغ و ترك العمل حتى الاعمال و التجارة فيسألون الامام الصادق عليه السلام فيجيب الامام و يقول يا معاذ أضعفت عن التجارة أو زهدت فيها فإن تركها مذهلة ٌ للعقل ، الإمام يقول له إعمل لا تقل كَبرت و متقاعد كن دائم المثابرة ، و يقول بعملك يكون عقلك سليم و عبادتك بعقلك السليم أفضل من عبادة شخص ٍ مذهول في العقل فلا يدعوه للتقوقع و ترك المثابرة و العمل ،
الدين و المعاش ،
كان الامام الباقر عليه السلام يحرث في ساعة ٍ حارة و يَصب العرق فأراد أن يعظه رجل فقال له أصلحك الله شيخ ٌ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا لو جائت الموت و انت على هذه الحال فقال عليه السلام لو جائني و الله الموت و أنا في هذه الحال جائني و انا في طاعة ٍ من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس و إنما كنت أخاف الموت لو جائني و أنا على معصية ٍ من معاصي الله ، الإمام يقول العمل هو المطلوب في الحر و في البرد و في كل وقت ٍ و إذا مت ُ في عملي فأنا في طاعة الله ، إذا المثابرة و الجهد و الإجتهاد في العمل هو مطلوب ٌ لدى الدين و لا يدعو الدين للإنزواء و التقوقع و العبادة فقط .
ثالثا ً ، الدين و نفس الإنسان ،
- الدن لا بنكر على الانسان ما يصلح لنفسه في حدود الدين ابدا ً ، بل الدين يعتبر كل مكسب ٍ لنفس الإنسان أولا ً و أخيرا ً ، الدين يعتبر ان الدين هو المكسب لنفس الانسان و كل ما ياتي به الانسان من التزام بالدين و عمل ٍ من الطاعات إنما هو مكسب ٌ لنفس الإنسان ، الإسلام يريد الكسب للإنسان و يريد المصلحة للإنسان يقول تعالى إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ، جميع ما تسعى لنفسك ، إسعى لما يصلح نفسك إحرص على مصلحة نفسك فلتكن على لمصلحتك و المصلحة الحقيقية كما قال الله تعالى من جاهد فإنما يجاهد لنفسه و قال تعالى وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ و قال تعالى وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ، تشكر الله إنما الشكر لنفسك يعود لك ، تعبد الله يعود لك تعمل يعود لك تتزكى و تطهر نفسك إنما هو لنفسك انت و قال تعالى مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ، تعمل الصالحات لا تقل نفعت الاخرين و أنا في خسارة إنما هو لنفسك .
- ترك الدين من قلت العقل ، نظرة الاسلام ان الذي يتجنب الدين هو قليل العقل كما قلنا لانه مهما تبحث في الدين لن تجد شيئا ً يضر الإنسان أحكام لسعادتك قانون لسعادتك لرخائك لمصلحتك لدنياك و لآخارتك ، فإن انت إبتعدت عنها فأنت قليل العقل يقول تعالى وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ، الذي يبتعد و يرغب هو قليل العقل الذي لا يفكر إما الواعي هو الذي يتحرك من أجل نفسه و حركته من أجل نفسه أن يستقيم .
- ترك الدين و القيام بالعمل السيء هلاك ٌ لصاحبه إذا ترك الدين و توجه للاعمال السيئة هو أهلك نفسه ، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال إن العمل السيء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم ، العمل السيء يضر بصاحبه أما الإنسان المستقيم هو الذي يكون متزنا ً و إتزانه هو الموافق للدين ، لذلك جاء عن أبي جعفر محمد إبن علي الباقر عليه السلام في شأن جعفر الطيار قال أوحى الله عز و جل إلى رسوله أني شكرت لجعفر إبن ابي طالب اربع خصال فدعاه النبي صل الله عليه واله فأخبره فيقول جعفر لولا ان الله تبارك وتعالى اخبرك ما أخبرتك ، ( جعفر فيه صفات قبل الإسلام هذه الصفات شكرها الله تعالى عليها ومدحه عليها لانها صفات الإتزان صفات العقل صفات الإستقامة و ليست صفات من سفه نفسه فكان يكتمها ) فدعاه النبي صل الله عليه واله فأخبره فقال لولا ان الله اخبرك ما اخبرتك يقول ما شربت خمرا ً قط لأني علمت ُ إن شربتها زال عقلي و ما كذبت قط لإن الكذب يُنقص المروؤة و ما زنيت قط لأني خفت إني إن علمت ُ أن عملت ُ عمل بي و ما عبدت صمنا ً قط لأني علمت ُ أنه لا يضر و لا ينفع قال فضرب النبي صل الله عليه واله يده على عاتقه و قال حق على الله عز و جل أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة ، النبي صل الله عليه واله بشره و شكره على ذلك قبل إستشهاده .
رابعا ً : تصورات ٌ عن الدين و الحياة ،
- يتصور البعض أن الارتباط بالدين و المسجد هو تراجع ٌ في الحياة و الدراسة و في كل شيء و هذا تصور ٌ خاطئ و ليس مقبولا و ليس مطلوبا ً انما الصحيح ان الحياة ينبغي ان تكون و تنطلق من الدين و المسجد اكثر من غيره و لا يعفى غيره ولكن يجب ان يكون المسجد هو المنطلق هو الباعث هو المحرك و إلا فإن هناك خلل في التدين هناك خلل في المسجد إذا كان من يرتاد المسجد هم البعيدون عن التقدم و العلم و الدراسة فإن هناك خلل لأن العلم من صفات الله و ركيزة من ركائز الدين ، لأن العلم في هذا الدين فرض ٌ على كل مسلم ومسلمه فليس صحيح ان يكون هناك تأخر ، إذا ً لا نقول أن الدين يرفض العلم ، الدين يفرضه على كل مسلم ٍ ومسلمة يريد التقدم للإنسان لان طلب العلم فريضه لا يتوقف عند حد بل هو من المهد إلى اللحد .
- الدين و المناجات وقت الضيق ، البعض يتوجه لله تعالى فقط عندما تصيبه مصيبه و لكنه في حال الرخاء بعيد و هذا من الخطأ أيضا ً لا يمكن أن يكون صحيحا ً ومستقيما ً إذا كان يناجي فقط في حال الضيق ، مع أنه مطلوب ٌ من الإنسان في كل محنه و في كل شدة و لكن الصحيح أن يربط الإنسان نفسه بوعي في جميع الأوقات مع الله سبحانه و تعالى .
- التصور الصحيح للعبادة ، التصور الصحيح للعبادة أنها ضمان ٌ لصحة الإنسان و مستقبله ، عندما ترى اشخاص يعملون رياضة في الصباح فتقول يحرمون انفسهم من الراحة ليمارسون هذه الرياضة تقول هم اذكياء لانهم يحرمون انفسهم من الراحة الجزئية ليضمنوا راحة أكبر و صحة و سلامة اكثر ، إذا هذه النظرة يجب ان تكون عندما تنظر لاشخاص يقومون ويذهبون لقراءة الدعاء و يخرجون لدعاء الندبة لصلاة الجماعة انما هم يتحركون ليضمنوا سلامة لأرواحهم و تزكية ً لأرواحهم و ضمانا ً لمستقبلهم و هو أهم شيء .
- صاحب الفكر الواعي هو من يتأمل فيما أمره الله و نهاه فيصل إلى الشكر و الطاعة فليس هناك شيء ٌ في طاعة الله إلا وهو في صالح العبد ، عندما يفكر الانسان يقول نحن تحت أوامر كثيرة توجه إلينا من صلوات ٍ و عبادة ٍ و قيود ٍ و أحكام الواعي هو الذي يفكر فيها فإن وجد فيها شيئا ً مخالف يقف عنده و لن يجد إلا كل حكم ٍ يحمل الإنسان لصالحه و كماله و سعادته في الدنيا و الاخرة حتى الأحكام التي تفرض على علاقة الإنسان بينه و بين اخيه بينه و بين المرأة تأمل فيها فلن تجد فيها إلا السعادة فلن تجد فيها إلا القانون الذي ينظم الحياة و يحفظ الحياة و يجعل الإنسان مع بعضه بعضا ً متماسا ً قويا ً ، حتى أحكام النساء هي ضمان ٌ لعدم الخيانة ، خير ٌ للمرأة ان لا ترى الرجال و لا الرجال تراها لانه يكون هناك إنتظام لانه يكون هناك إنسجام بين الزوج و زوجته لأن الزوج لن يمد عينه إلى خارج البيت أما مع الإنفلات هنا و هنا سوف تفقد الأسرة إستقرارها و الزوجة علاقتها بزوجها ، أما الاسلام هو الذي يربط هذا كله بنظام ٍ دقيق ٍ يتامل فيه الإنسان ليخرج شاكرا ً لله سبحانه و تعالى ، إذا ً صاحب الفكر الواعي هو من يرى الدين ميزانا ً للإعتدال الروحي الإعتدال مادي و الإعتدال الأخلاقي يجعله إنسانا ً متزنا ً في جميع الأبعاد .
- إن الحياة حركة و سعي ٌ لنيل الرغبات السامية ، حقيقة الحياة حي الحركة و الذي لا يسعى لنيل مصالحه و رغباته هو الميت و الذي يسعى لنيل رغباته هو الحي ، ولكن اي رغبات ، و هنا يجب ان يعي الإنسان ما هي الرغبات ، الإنسن يقع بين رغبات ٍ كثيرة و متزاحمة ، لا بد ان يميز الرغبات المُثلى و الانفع و الأصلح له و يسعى إليها ، و الدين لا يحرمه من ذلك كله للدنيا و الاخرة كلما كان واعيا ً سوف تكون نظرته أبعد و كما ذكرنا في عنوان ٍ مشابه ٍ لهذا أن الإنسان يجد نفسه يحمل طموحا ً كثيرة و رزحه يكبر و جسده يصغر طاقته تضمحل و تنتهي و هي في الحياة وروحه لا تنتهي إذا ً لا بد ان يحدد هذا الطموح الذي يكبر ان يسعى لتحقيق هذا الطموح جسده الذي يضمحل و شيبه الذي يزداد ليصل إلى القبر يجب ان يجعله لذلك الطموح و لذلك الإستقرار الاكبر فكلما كان واعيا ً جعل هذه الدنيا و سيلة ً و قوة ً و سعادة ً فيها و طريقا ً للآخرة و الله سبحانه و تعالى لا يجعلك بين نقيضين إما الدنيا و إما الآخرة ، الدنيا و الآخرة للإنسان إجعل كل شيء ٍ تعمله لللآخرة فلتنوي لله سبحانه و تعالى و الله يسددك و يأخذك للآخرة أما إذا كنت غافلا و تشبثت باأمور التافهة تنتهي الحياة و تنقضي و يأتي قوله تعالى لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (3) .
الهوامش ،
- سورة العنكبوت الاية 64
- سورة طه الاية 118
- سورة ق الاية 22