الدين و طلب الحياة
23/12/2018
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم
و يقول تعالى
وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(1)
الحديث حول الدين و طلب الحياة ،
يتصور البعض ان الدين و الحياة أمران متناقضان و يتعارضان و لا يمكن ان يكون المؤمن محققا ً لشيء من الدنيا و انما كلما كان ضعيفا ً او فقيرا ً كان أقرب الى لله سبحانه و تعالى و الواقع ليس كذلك ،
نقول يمكن ان يكون طلب الحياة طريق ٌ لمعرفة الله سبحانه و تعالى طلب الحياة بدل ان يكون مبعدا ً ومنفرا ً من عبادة الله و طاعة الله ان يكون هو داعي لطاعة الله و معرفته و الالتزام بأمره و الإنتهاء عنما ينهى عنه .
أولا ً : الناس و الإيمان و الحياة ،
كثير ٌ من الناس منشغله في كل اوقاتها بالحياة و تحصيل الحياة المادية فقط بالطريق الصحيح و الطريق الخطأ ، غالبا ً ما يبدو أن الدعوة للدين تناقض الدعوة للحياة و ذلك بسبب التشوية الذي يكون من بعض المتدينين او من يتصف بالدين قاصدا او غير قاصد و ربما يكون بعضهم مدفوعا ً كالدواعش و غيرهم الذين يصورن ان الدين أمر ٌ سيء و انه متحجر و أنه يجعل الانسان بعيدا ً عن السعادة و الحياة المبتهجة ،
الدعوة لمعرفة الدين و الخالق بالطريق العقلي المعهود صحيح ٌ و ليس خطأ و لكن بما ان الانسان منشغ ٌ في هذه وهو يسعى و راء رزقه و ما يريده و يطلبه ان تقول له فقط و إبحث بعقلك من اين اتيت و الى اين تنتهي ربما في بعض الاحيان لا يتقبل هذا الطريق و لكنه طريق صحيح في نفسه لانه طريق ٌ عقلي ملزم ٌ للإنسان ان يتفكر و يتأمل في وجوده لا يبقى لاهيا غافلا ً طوال وقته منشغلا ً عنما يهمه كما اشارت الاية الثانية و يلهو بالحياة وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ فيلهو بها عنما هو اهم و لكن و ان كان هذا الطريق صحيحا ً ولكن يمكن ان يوجه بطريق ٍ اخر و يقال ان البحث عن الحياة السعيدة هو ايضا بحث ُ عن الله سبحانه و تعالى فإذا طلب الشخص ان يحقق الحساة السعيدة يقال له ابحث عنها عند الله سبحانه و تعالى ، الله سبحانه و تعالى الذي يدعوك و يبشرك أنك إذا اطعته و إلتزمت بأمره و انتهيت عنما ينهاك عنه فإنه يقول وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم يمكن ان يكون هذا الطريق طريق ٌ يتأمل و يتدبر في خالقه من هو الخالق و ما هي الغاية و يطيعه ليحقق الدنيا و الآخرة بل يجعل الدنيا ايضا طريقا ً للاخرة و هي بما فيها من إبتهاج ايضا عبادة و طاعة لله سبحانه و تعالى .
ثانيا ً : الحياة الحقيقية ،
الحياة في الحقيقية في رؤية الاسلام هي الاخرة و هذا لا يتعارض كما يأتي مع الحياة الدنيا في السعي بجعلها طريقا ً و مزرعة ً للاخرة ،
القران الكريم يقول وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الحياة الدنيا و الحياة الاخرة الله سبحانه و تعالى ان الحياة الحقيقية التي يجب ان تطلب و يجب ان تقصد هي الاخرة و هذه الدنيا انما هي في الواقع لهو و اللهو هو ما يشغلك عن المهم ، في حقيقتها ان لم تجعلها طريقا ً للاخرة فهي لهوٌ
و لعب ٌ اللعب مثال القران يضربه يقول الحياة هي لعب اللعب كفرق جماعة يلعبون و اللعب كما يقولون منتضم لكنه ليس هناك غاية زراء اللعب ، مجموعة تعمل لها فريق مثلا تجعل لها قافلة تسير و حراس يسيرون و سراق يعترضون القافلة و تكون بينهم مواجهة و تنتهي تلك اللعبة و يرجع كل شخص الى حاله و انتهى كل شي و لم يكن لهذا التمثيل او اللعبة شيء انتهى الحياة الدنيا هكذا لعب ٌ عمل ٌ منتظم و لكن ليست له غاية حقيقية و ليست هي الغاية الحقيقية و المطلوبة وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الحياة الحقيقة المطلوبة حقيقة هي الاخرة فلا يلهو عن الاخرة و يتعلق بغيرها ، ولكن هنا التساؤل كيف تقول الحياة الاخرة هي الحياة الحقيقية و هي المطلوبة في الوقت الذي تقول القران لا يرفض الحياة الدنيا ، القرآن الكريم لا يرفض الحياة الدنيا المستقيمة الصحيحة التي تكون طريقا ً و مزرعة ً للاخرة يرفض الحياة الدنيا التي فيها إنحراف ٌ وتعدي و خلاف لإرادة الله سبحانه و تعالى أما الحياة الحقيقية التي هي حياة ٌ توصل للاخرة يُصلح الانسان فيها نفسه و يستقيم فهو مطلوب ، المؤمن القوي خير ٌ من المؤمن الضعيف مطلوب ان يكون الانسان قويا ً قادرا ً ،
و بين هذا و هذا القرآن يعطينا قاعدة النبي صل الله عليه واله يعطينا هذه القاعدة و الاساس الاخرة و لكن من غير ان يكون الانسان في الدنيا معدما فيقول رسول الله صل الله عليه واله إعمل عمل من يرجو ان يموت دائما و إحذر حذر من يتخوف ان يموت غدا كما ينسب لعلي ٍ عليه السلام قوله المشهور و المعروف إعمل لدنياك كانك تعيش ابدا و إعمل لاخرتك كأنك تموت غدا ً إعمل في الجهتين و لكن لا تلهو ولا تغفل عن الاخرة لا تجعل العمل المرتبط بالدنيا ينسيك الاخرة إجعل الاخرة نصب عينيك دائما و في عملك للدنيا ايضا و إجعله طريقا للاخرة و مزرعة ً للاخرة تستقيم من خلاله و تربح و تفوز بالاخرة .
ثالثا ً : العقل و الدين و طلب الحياة ،
العقل هو الذي يحرك الانسان لطلب الحياة ، عندما تجد اناس يسعون لطلب الدنيا ليلا ً ونهار يؤمنون بالله المحرك لهم العقل يقول اضمن احصل إكتسب الدنيا لك و لابناءك ،
إنما يتحرك الانسان لتحصيل الاخرة بعقله الذي يدعوه لحياة ٍ أفضل ، لنرى اين هو العقل من الدين ،
العقل هو الذي يدعو للدين ايضا كما ان العقل يدعو لتحصيل لحياة سعيدة هو ايضا يدعو للدين إذا صار الانسان منصفا بينه و بين نفسه تجده لابد ان يفكر في الدين حتى ان علماء النفس يقولون ان الدين أمر ٌ اساسي عند الانسان بل يقول بعض الغربيين لابد ان يعتقد الانسان بإله يتوجه اليه و يعبده حتى لو لم يكن هذا الاله موجودا ً لانهم يجدون ان حب الدين و العبادة أمر ٌ فطري موجودا ً عند الانسان كما ذكرنا سابقا ان علامة الامر الفطري انه موجودٌ في كل زمان و في كل مكان ،
إذا ًالعقل كما يدعو للدنيا يدعو ايضا للدين و قال النبي صل الله عليه واله إنما يدرك الخير كله بالعقل ، بالعقل يدرك الخير لذلك العقل ليس مرفوضا ً ليس مرفوضا دعوة العقل لتحصيل الدنيا و ليس مرفوض دعوة العقل لتحصيل المعرفة و الدين ثم قال صل الله عليه واله و لا دين لمن لا عقل له ، ليس له دين الذي ليس له عقل ولا يعمل بعقله و قال أمير المؤمنين عليه السلام ملاك الدين العقل يعني اساس الدين العقل ملاك الدين العقل يعني اساس من غير العقل الانسان ليست له قيمة ة تدينه باطل و لكن اساسه ان يكون عاقل و ليس هناك تعارض بين العقل و بين الدين و بين تحصيل الدنيا بشرط ان لا تكون ملهية ً منقطعة ً عن الاخرة ان تكون في نفس الطريق لذلك المتدين الواعي هو الذي لا يتحدث عن القيم منفصلة ً عن العقل ، قيم و أخلاق و لكن من غير عقل هي مرفوضه ،
الدين من صميم العقل لذلك يقول تعالى إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (2) الذين لا يعقلون لا يعملون بعقولهم هؤلاء شر من يمشي على الارض ،
و قال النبي صل الله عليه واله لا عقل كالدين لان هناك ترابط وهناك تلازم بين العقل و الدين عاقل لا بد ان يكون متدين و الذي يرفض الدين هو الانسان الجاهل و قال امير المؤمنين عليه السلام الدين و الادب نتيجة العقل .
رابعا ً : الدين و طلب الحياة ،
يتصور البعض ان الحياة في الغرب مثلا تكون سعيدة لانهم ابتعدوا عن الدين و هذا التصور خاطئ ليس لانهم ابتعدوا عن الدين بل ليسوا سعداء و فيهم التعاسة و الشقاء و ما يحكم بعض الضروف بين البلدان من الظروف السياسية و الاستعمار و إستغلال الثروات هذا امر ٌ لوحده و إلا في الإعتقاد نفسه ليست هو السعادة بل يشعر الذي يفتقد للدين ان فيه نقص كما ذكرنا ليس هناك تعارض بين السعادة و الرخاء و التدين يمكن ان يكون الانسان متدينا و صادقا ً و في نفس الوقت يتمتع بالحياة و يتمتع بالحياة ليس معناه الإنفلات و إنما يعيش الانسان الإتزان و يأخذ من الحياة و في الواقع انما التدين هو تقنين لحياة الانسان
إذا ً هل الدين يبشر بالحياة الدنيا ام يرفض الحياة الدنيا هل الدين يضمن سعادة للانسان في الحياة الدنيا ام لا يضمن للمجتمع حياة سعيدة لو افترضنا ان المجتمع صار متدينا ً ملتزما بالدين هل تتحقق له سعادة ام لا القران الكريم كما افتتحنا بالاية الكريمة يقول يكون المجتمع سعيدا ً إذا صار متدينا ً ملتزما ً لان الدين لا يتعارض مع الحياة ، الدين يدعوا الانسان لتحصيل الحياة و يحمل الانسان المتدين للسعي ان يكون قويا ً يملك مبتهجا ً سعيدا ً في حياته و يضمن له ذلك ايضا إذا كان في الطريق الصحيح ،
بعض النصوص في هذا المجال ،
أ . تحقق الحياة السعية بالالتزام الصادق ، الحياة السعيدة اذا صار الانسان صادقا يحقق هذه الحياة السعيدة في نفسه في جانبه الروحي و في جانبه المادي ايضا وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم كناية عن نزول الخير و وجود السعة و الحياة الطيبة في كل مجال الشرط أنهم أقاموا ما أُنزل اليهم التزموا بما أنزل الله إليهم من تعليم ٍ و أحكام .
ب . العبادة ، إذا صار الانسان يعبد الله التزم بأوامره و نواهيه ثم صار يعبد يعني صار يضع نفسه موضع العبودية لله خضوع لله سبحانه و تعالى لا التعالي لا التكبر فيتحقق عنده الغنى الورحي و الغنى المادي روي عن الامام لصادق عليه السلام قال في التوراة مكتوب ٌ تفرغ لعبادتي املئ قلبك غنى إذا صار يعبد الله يكون غني النفس وهو من اهم الامور لان الانسان الذي يملك و كلنه يعيش الفقر النفسي هذا صعب حياته تعيسة ، إذا صار في نفسه يشعر بالغنى و السعادة و الإستقرار اينما يكون حتى لو كان في مكان ٍ ضيق لكنه في روحه طلق يعيش سعادة إذا الامام يقول في التوراة مكتوب تفرغ لعبادتي املئ قلبك غنى و لا اكلك الى طلبك و علي َّ أن أسد فاقتك و أملئ قلبك خوفا ً مني و إلا تفرغ لعبادتي أملئ قلبك شغلا ً بالدنيا ثم لا أسد فاقتك و أكلك الى طلبك ، تشتغل بالدنيا و لكنك تعيش الفقر ولا تنجز شيء بل طلبك يتحكم فيك و هواك يتحكم فيك ما تريده تكون أسرا ً له مقيدا ً له اما بطاعة الله و بعبادته الله يقول انا أجعلك سعيدا ً إذا التفكير بتحصيل الدنيا طريقه الصحيح طاعة الله سبحانه و تعالى و لا مبرر عن الاشتغال بالدنيا عن طاعة الله و عبادته البعض ربما يقول ليس عندي مجال ان اعبد الله ان اتي ببعض الاعمال الاحاديث و الايات تبين ان الالتزام بأمر الله و بطاعة الله يحقق لك ما تريد و يجعلك غنيا ً في نفسك و في جانبك المادي ايضا ً .
جـ . الاقبال على طاعة الله تعالى ، داوم على ذكر الله إجعل ذكر الله في لسانك دائما حتى يصل للقلب فإذا كنت تداوم على ذكر الله سبحانه و تعالى نلك الحياة الحقيقية والسعادة المطلوبة في الدنيا و الاخرة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ و إلتزم و إذكر الله سبحانه و تعالى و لا تعرض عن ذكر الله إجعل ذكر الله عادة ً و هي عادة ٌ مطلوبة كما في الاحاديث البعض يقول ربما هي تكرار و إعتياد و تكرار لسان بغير وعي بل هذه عادة مطلوبة ان يتعود الشخص كلما سنحت له الفرصة اسانه يشتغل بذكر الله سبحانه و تعالى و يذكر الله لان الذكر لله لابد ان يكون له أثر على القلب و الجوارح ايضا ً وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (3) ليست فيها سعادة لانه لا يذكر الله لانه لا يذكر الله و لا يجعل ذكر الله مؤثرا ً فيه و في حياته .
د . الالتزام ايضا طريق ٌ للحياة الأفضل بقدر ما يلتزم بطاعة الله بطاعة أولياء الله بالطريق الصحيح الذي سنه الله له و سنه رسوله نال الخير كله قال أمير المؤمنين عليه السلام ولو أن الامة منذ ان قبض الله نبيه إتبعوني و أطاعوني لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم رغدا ً الى يوم القيامة ، إذا أطاعوا أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو منهاج عملي و ليس فقط بالانتساب إليه من غير إلتزام أطاع تكون حياته سعيدة دنيا و آخرة و يقول الامام الصادق عليه السلام يبن جندب لو ان شيعتنا إستقاموا لصافحتهم الملائكة و لاظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا ً و لاكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئا إلا اعطاهم إذا ً يمكن تحصيل الدنيا بطاعة الله و الالتزام و كلما إلتزم حقق ما يريد و قال علي عليه السلام دوام العبادة برهان ُ الظفر ، بالسعادة ان يداوم الإنسان على الطاعة و العبادة فهو برهان ٌ للفوز برهان ٌ للسعادة إذا ً التدين الصادق و الطاعة الصادقة تجعل المجتمع سعيدا ً المطلوبة و لابد ان تتحقق يوما ً ما لذلك يقول تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (4) .
الهوامش ،،
- سورة العنكبوت الاية 64
- سورة الانفال الاية 22
- سورة طه الاية 124
- سورة الانبياء الاية 105