الصبر ( 1 )
16/3/2012
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ( 1 )
حديثنا حول الصبر ،
تحدثنا سابقا ً حول الإبتلاء و أن الإنسان لابد ان يبتلى في هذه الدنيا ما دام الإنسان موجودا ً في هذه الدنيا فلابد ان يتعرض للإبتلاء و الإمتحان و الإختبار و هذا امر ٌ طبيعي لطبيعة هذه الدنيا و هذا العالم ان يختبر الإنسان فيه و هذا الإختبار الذي هو يخرج نتيجة الإنسان هل انه إنسان صالح ام لا وهو يصقل الإنسان و يبين معدنه لذلك فيه فوائد كثيرة ،
الدنيا بصورة ٍ عامة كلها ابتلاء و كلها إختبار يقول أمير المؤمنين عليه السلام ( الدنيا دار ٌ بالبلاء محفوفة و بالغدر معروفة لا تدوم احوالها و لا يسلم نزالها ) الإنسان الذي يعيش في هذه الدنيا لا يستطيع ان يعول على وضع ٍ معين و يقول انا في خير بهذا الوضع و يركن إلى الدنيا إذا كان مرتبطا ً بالله و معتمدا ً على الله سبحانه و تعالى فهو في خير و إذا كان يعول على انه حصل من القدرة درجة ً معينه او من المال او من الجاه و المنزلة المكانة فهذه كلها تزول فكم كان من الأثرياء تحول وضعه إلى بؤس و كم من اصحاب الجاه تحول وضعه بالكامل و كم مِن مَن كانت بيده السلطة و الحكم في العالم و إذا هو يكون مطارد و يتحول إلى وضع ٍ سيء فالدنيا ليست محلا ً للإستقرار و إنما هي طريق ٌ للآخرة ،
عدم الصبر طريق ٌ لكل ذل ،
الإنسان الذي لا يتحلى بالصبر يكون جزعه و عدم صبره طريقا ً لكل ذل ، من لا يتحلى بصفة الصبر هو يكون على إستعداد ان يبيع نفسه من اجل المال إذا كانت رغبته في المال ، يستطيع ان يدلس و ان يكذب و مستعد ان يعمل كل سيء من اجل ان يحصل على شيء من حطام الدنيا ،
من لا يستطيع ان يصبر و لا يتحلى بالصبر في قبال الشهوات يرتكب الفواحش و يرتكب المحرمات و لا يبالي في شيء من لا يستطيع ان يتحلى بالصبر يخضع للظالمين و يبيع نفسه لهم و يركع لهم بل و يعبدهم من دون الله سبحانه و تعالى لانه لا يحمل صفة الصبر في نفسه فهو لا يعيش العزة و لا يعيش الكرامة ،
الدنيا كلها آلام ربما يتصور متصور ان الدنيا فيها لذائد و الواقع كما يقول العلماء ان كلها الم و ليست فيها لذائذ نتصور ان هناك لذة و لكن الواقع ان ما يوجد في الدنيا هو رفع ٌ للألم فقط و ليس هو اللذة ،
إذا شعر الإنسان بالجوع يحتاج للأكل فيرفع ألم الجوع و ليس انه كلذة و إنما يرفع الألم لذلك لو لم يكن جائعا ً يكون كارها ً لهذا الأكل و لا يقبل عليه ، في الواقع ان الدنيا كلها آلآم و ما يشعره فقط هو رفعا ً للآلام التي يعاني منها .
الصبر انواع كثيرة ،
منها ،
اولا ً : الصبر على المصائب
ثانيا ً : الصبر على العبادة
ثالثا ً : الصبر على ترك المعصية
نتكلم فيها بصورة مختصرة ،
الصبر له فوائد كثيرة منها الثواب العظيم الذي ليس له حصر ولا عد ،
الله سبحانه و تعالى عندما يصف ثواب الصابرين يقول إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ليس هناك حساب و لا درجة لنيل هذا الأجر اجر و ثواب عظيم يحصله الصابر ،
اما اذا لم يتحلى بالصبر فلا يحصل على هذا الثواب العظيم ، العبادات المختلفة يحصل الإنسان فيها على ثواب و ثوابها بدرجات ٍ متفاوته يعد الثواب و يذكر و لكن الذي لم يحدد وهو ثواب عظيم هو اجر الصبر .
الفائدة الثانية ، الصبر طريق الإنتصار ،
الصبر طريق الإنتصار في الدنيا و في الآخرة طريق الإنتصار في حركة الإنسان في مطالبه في مشروعاته في عمله في حياته المادية و حياته العنوية الذي يريد ان يبلغ الكمال و الدرجات العالية يحتاج ان يواظب على اعمال معينة و عبادات معينة ليصل لهذا المكان و لهذا المقام ،
الذي يريد ان يدرس و لو دراسة دنيوية ايضا يحتاج الى الصبر فالصبر طريق للوصول لهذا و لما يصبو إليه ، الذي يريد ان يتغلب على المعاصي و على الشهوة ايضا يحتاج إلى الصبر ،
قصة تبين فائدة الصبر يقال في زمن النبي صل الله عليه واله كان هناك رجل متزوج رزقه الله طفلا ً و بقي هذا الطفل ثلاث سنوات و هو مريض ، الرجل يذهب للعمل ثم يرجع و إذا بالمرأة تعمل بوظيفتها و تراعي زوجها في كل شيء و لا تقصر معه ، هذه المرأة التي تراعي زوجها يكون لها درجة عالية عند الله سبحانه و تعالى ،
طبعا بالنسبة لعلاقة الزوجة بزوجها ان تكون كما هي مطلوبة شرعا ً من الرعاية و العناية الخاصة ، يعني بصورة ٍ عامة عندما نقول الزوج مع زوجته يجب ان يكون الجو الديني و الجو الاسلامي العمل بنصيحة الإسلام ياتي الزوج لزوجته لا يحمل لها الهموم من الخارج و يجعل البيت نكد و انما يكون بدرجة عاليه من الفهم ما يعانيه من المشاكل في العمل ينتهي عند باب المنزل ،
يذكر احد العلماء عبارة في هذا المجال يقول الحذاء فيه الطين اذا مشى الشخص في الخارج و لكن عندما يأتي للبيت يتركه في الخارج و يأتي بنظافته للبيت ، المشاكل التي يعاني منها في عمله يجب ان تكون كذلك اذا وصل للبيت ترك كل شيء في الخارج و يرجع لبيت الاستقرار البيت الذي يوفر فيه الحنان و المحبة و الألفة بينه و بين زوجته ، الزوجة كذلك ما تعانية من مشاكل البيت أيضا إذا جاء الزوج تعتبرها كالزبالة تلقيها بعيدة عن الزوج لتكون الحياة حياة حقيقية حياة الإستقرار بين الاثنين ،
لا تكون حياة فيها النكد يعني يخشى الشخص ان يلتقي بالثاني في البيت هذا مرفوض شرعا ً و إنما يجب ان تكون الحياة المطلوبة بنظر الإسلام الحياة التي توجد فيها الألفة و المحبة و العطف و الترابط هذا الرجل في القصة رجع إلى بيته بعد ثلاث سنوات هو يذهب و يعمل و يرجع إلتقى بزوجته زوجته ترحب به ، مستحب طبعا امور في التعامل كثير منا يغفل عنها الزوجة تستقبل زوجها من الباب تدخله تقدم له ماء شيء من هذه الامور التي تولد الحب و الالفة دخل ، في القصة دخل الزوج يسأل عن الولد ما هو حال طفلنا قالت الحمد لله هو بخير جلس معها تحدثا ثم ناما طلع الفجر و اراد ان يذهب للمسجد قالت له زوجته إذا اعطاك شخص امانة ثم طلبها منك هل يجدر بك ان لا تردها له او ترفض او تزعل فقال لا من القبيح ذلك الأمانة ترد لصاحبها قالت له الله اعطانا امانة من ثلاث سنوات و قد إستردها ابنك مات قال الحمد لله فقالت له اذهب صل ِ خلف رسول الله صل الله عليه واله ثم إئتي بأصحابك و باشر دفن إبنك فذهب للنبي صل الله عليه واله و النبي إستقبله و رحب به و قال بارك الله لكما ليلتكما الماضية يقال بعد ذلك زوجته كانت حامل في تلك الليلة إنعقدت النطفة و ولدت له ولد من المؤمنين المعروفين و لكن لم يرد من وهو من حواري امير المؤمنين عليه السلام كان يصلي صلاة الليل 32 سنة بوضوء صلاة المغرب مواظب على العبادة و الإرتباط بالله وهو من حواري علي عليه السلام ثم إستشهد معه ،
الله سبحانه و تعالى جازاها و حصلت هذه المرأة بصبرها على هذا الإبن و هذه المنة و الإبن ليس شيء عابر و إنما يكون له أثر في الدنيا لأهله لابويه و في الآخرة ايضا فهذه فائدة من فوائد الصبر صبرت و نالت .
الفائدة الثالثة ،
الاية تقول الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ الفائدة صلوات من ربهم و رحمة ، الصلوات التي تُصلى على شخص نحن نصلي على النبي صل الله عليه واله صلاتنا على النبي و ترحمنا على النبي صل الله عليه و اله تقبل او لا تقبل ما هو قدرنا و شأننا في هذه الصلاة و لكن إذا كان الله سبحانه و تعالى يعد بالصلاة على الصابر فهذه فائدة عظيمة .
الفائدة الرابعة ،
صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ رحمة الله سبحانه و تعالى واسعة و هنا رحمة مطلقة ليست محصورة في جهة بل في جميع الجهات يعني الإنسان يكون مرحوما ً من الله سبحانه و تعالى في حياته في جميع ما يتعلق بشؤونه في هذه الدنيا في الآخرة في صحته مع اولاده لمستقبله رحمة من الله سبحانه و تعالى مطلقة و ليست مقيدة بشيء .
الفائدة الخامسة ،
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ الذي يصبر الله سبحانه و تعالى الله يقول عنه مهتدي ، مهتدي لان الصبر طريق الهداية طريق النجاة ، إن كان الإنسان يصبر فهو في الطريق السليم و طريق النجاة لأنه يصبر إذا كان الله سبحانه و تعالى يعد الإنسان بأنه مهتدي الله يتكفل بهدايته بتكفل برعايته و حفظه حتى يكون مهتدي و لا يتركه ،
النبي يوسف عليه السلام تعرض لما تعرض له اخذ على انه عبد و صبر مرتبط بالله ، أرداوا منه الفاحشة فرفض و صبر لله سبحانه و تعالى هنا تأتي عناية الله سبحانه و تعالى فيجعله من المهتدين إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ الجاهل عكس المهتدي مخالف للمهتدي الشخص المهتدي هو الذي يهتدي للطريق السليم و ليس الجاهل الذي يضل عن الطريق ، هنا بهذا الصبر الذي صبره نبي الله يوسف الله سبحانه و تعالى جعل العناية له و صرف عنه الكيد و حفظه الله من كل سوء .
الفائدة السادسة ،
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، البشارة للصابر ليست امر عابر ليست امر سهل ، كل شخص يبشر بحسبه انا و انت نبشر انفسنا بشيء عندما تقول لشخص سوف اعطيك تعطيه بما تملك و بقدرك و تبشره بمستواك الله سبحانه و تعالى يبشر المتقين و يبشر الصابرين بشارة مطلقة يعني هناك شيء عظيم يناله الإنسان إذا كان صابرا ً فالصبر امر ٌ عظيم و يجب ان يتحلى به الإنسان لينال الدرجات العالية ،
الإمام الراحل رضوان الله عليه عندما تُوفي إبنه السيد مصطفى ، كان السيد مصطفى شخص عظيم و عالم و مجتهد و مدرس للفقه و مدرس للتفسير و قائد سياسي وكان اليد اليمنى للإمام الراحل رضوان الله عليه لم يكن شخص عادي ، أخبروا الإمام انه انه استشهد الإمام قال الحمد لله رب العالمين و لم يكتفي بهذا و إنما قال إن لله في خلقه اللطاف خفية و من هذه الألطاف وفاة السيد مصطفى سلم و رضي و اعتبر انه هناك شيء لا ندركه هو لطف من الله لان الله حكيم ، بعد هذا الصبر يبلغ الدرجات العالية ،
يقول الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ( الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد و لا خير في جسد ٍ لا رأس معه و لا في إيمان ٍ لا صبر معه ) كما ان هناك حديث بصياغة ٍ اخرى ( الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد و إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان ) لانه لا يمكن للإنسان المؤمن ان يكون مؤمنا ً من غير ان يكون صابرا ً فالصبر أمر ٌ مهم ٌ أمر ٌ عظيم .
ذكر قصة يقال ان الأصمعي ذهب للبادية و هناك وجد خيمة فنظر فيها فوجد شابة ذهب لتلك الخيمة فظيفته البنت أعطته حليب و إذا برجل ٍ عجوز يأتي على جمل شخص قبيح المنظر على ما يقول و ليس عنده اخلاق فقامت البنت و انزلته من على الجمل ثم دخل الخيمة فصار يتكلم بالكلام النابي و لم يهتم بوجودي فقلت اخرج و اجلس في الشمس افضل من ان اجلس معه فخرجت و الزوجة معي فقلت لها في طريقي للخارج ما الذي يجبرك على الجلوس مع هذا الذميم انتي شابة جميلة و هذا رجل عجوز و ليست عنده اخلاق و هو فقير فقالت له انتي تريد ان تفرق بيني و بين زوجي ثم قالت الذي حملني على الصبر حديث ٌ عن رسول الله صل الله عليه واله يقول ( الإيمان نصفه الصبر و نصفه الشكر ) فهي تلتزم لتنال هذا الإيمان و تنال ما عند الله سبحان و تعالى و لا تتعلق بأمر ٍ زائل ٍ لا يدوم .
الهوامش ،
- سورة البقرة الايات 155-156-157