بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (1)
اولا ً: العبادة هي من الفطرة و يدل على فطريتها ،
- انها من اقدم تجليات النفس البشرية و هي مستمرة ، من اركان الامور الفطرية انها تكون موجودة من القِدم مع الإنسان و مستمرة معه في كل زمان فإذا كانت كذلك فهي من الامور الفطرية .
- انها موجودة ٌ مع الإنسان في كل مكان ، نعلم ان العبادة فطرية لانها موجودة مع الانسان في كل مكان ليست خاصة ليست خاصة بالجزيرة العربية او بالمنطقة الفلانية ، من قديم الزمان موجودة في هذه الأماكن وموجدة في الدول الغربية التي لم تكن متصله مع هذه المنطقة إذا ً العبادة أمر ٌ فطري يدل عليها انها موجودة في كل زمان وموجودة في كل مكان .
ثانيا ً : التفاوت في العبادة انما هو لتفاوت الثقافة ،
تجد التفاوت في العبادة مختلف و هذا الإختلاف ناشئ بسبب إختلاف الثقافة و المحيط الذي يعيش فيه الانسان و لكن الإصل يحفظ ،
- تتفاوت العبادة من حيث الكمية إبتدائا ً بالرقص و الحركات الرتيبة و إنتهاء ً بأسمى صور الخضوع و أرقى انماط الذكر للخالق ، إذا ً العبادة تجدها مختلفة و لكن كلها تعبير عن عبادة ، أن الإنسان يجد في نفسه أنه يخضع لجهة معينة هي في نظره المتفضل في نظره المؤثرة في وجودة إذا ً هو يخضع لها و خضوعه يتفاوت بصور مختلفة .
- تتفاوتالعبادة من حيث طبيعة المعبود إبتدائا ً بالحجر و الخشب و حتى الذات الازلية المنزهة عن الزمان و المكان ، شخص يعبد السماء و شخص يعبد الشمس و يقول هي مصدر الخير فيعبدها هذا التفاوت بسبب إختلاف الثقافة التي يحملها الانسان فالذي ينظر هذه الامور و لا ينظر ابعد منها يقول هي المؤثرة في الوجود و هي الموجدة و هي سبب الخير بعضهم يعبد الابقار يرى انها المؤثرة لها خير و يغفل عن مصدرها والمؤثر فيها الموجد لها فهو بحسب ثقافته .
ثالثا ً: الأنبياء و العبادة ،
- الانبياء لم يخترعوا العبادة و إنما علموا الانسان كيفية العبادة لا يتصور متصور ان الانبياء جاءوا و اخترعوا للإنسان العبادة و قالوا له اعبد الله و إنما جاءوا يعلمون الناس كيفية العبادة يوجهون الإنسان ان هذا يعتبر عبادة , هذا يعتبر إستنقاص ، فيعطون الإنسان الصورة الصحيحة للعبادة ، وهذا يستدعي ان نقول ان الانسان يحتاج في كل شيء لتعليم الأنبياء حتى في عبادة الله هو يريد الخضوع لله و لكن مع ذلك لا يستغني عن المعلم لذلك نحن ونصلي و نقرأ إهدنا الصراط المستقيم لا نأتي بها من عند أنفسنا الله سبحانه و تعالى كيف نذكره و كيف نعبده .
- الأنبياء نهوا عن عبادة غير الله جاءوا للانسان عندما وُجد إنحراف عند الانسان وصارت عنده ميول هنا و هنا فيرى امور و يرى لها اثر كالشمس او المطر الذي يكون في صحراء و يجد الامطار تنزل و يتخلص من عطشه يتصور ان السماء هي الاثر هي السبب لانقاذه من العطش او الذي ينظر للاشجار و يقول هي السبب الانبياء يعلمونه و يقولون لا يجوز عبادة غير الله هناك شيء مؤثر هو سبب لوجود هذه النعم و لهذه الامرو التي نتصور انها منعمه و هي وسائط خلقها الله و اعطاها هذه الخصيصه بأن يرتفع بها الجوع او العطش عندنا .
- الإنسان كان في بدايته موحد ثم حدث الإنحراف و ليس العكس ، لا نتصور ان الانسان كان منحرفا ً ثم بعد ذلك صار موحدا ً بل العكس ، الانسان خلق موحد عارفا ً بالله سبحانه و تعالى و لكن نشأ بعد ذلك الانحراف عندما خُلق آدم وانزل الى الارض نزل وهو موحد قال تعالى قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (2) ينزل الى الارض و ياتيه الوحي و ياتيه الارشاد فهو مرتبط بالسماء و الواده مرتبطون بالسماء ثم نشأ الانحراف و الانبياء يعيدون الانسان بعد ذلك عن هذا الانحراف لله سبحانه و تعالى حتى بعض علماء الغرب يقول ( ويليم جيمز ) من ينكر الرقيب الداخلي يخادع نفسه ، ويقول ابعد من ذلك يقول ان جميع البشر حتى من ينكرون الاله هم في داخلهم يعبدون الله لان الانسان في داخله لا يمكن ان يستغني عن وجود المؤثر لهذا الكون لا يستغني عن هذا التصور و هذا الارتباط الداخلي عند الانسان ربما يسمونه في بعض الحالات كما يقول الشهيد مطهري عبادة في العقل الباطني او بالاوعي و لكن هو في صميم نفسه ان هناك خالق يؤمن بذلك لهذا اذا تعرض لمصيبة او مشكله تجده مباشرة يتوجه لله حتى غير المسلم الذي يقول بغير الله اذا تعرض لمصيبة او مشكلة مباشرة يجد قلبه تعلق بالله بقوة خفية ينتظر منها ان تختلف إذا ً هو في داخله يقر بالله سبحانه و تعالى ، يقول كارل ماركس اريد تحرير الانسان من عبادة غير الانسان لاجل عبادة ذاته هذا يدعو لعبادة الانسان إذا ً في باطنه يقول هناك عبادة و لكن يقول هذه العبادة هي لغير الانسان و المفروض ان يعبد الانسان نفسه و هذا التصور خاطئ ، لابد ان يعبد من اوجده من انعم عليه من اعطاه القدرة من اعطاه الخير .
رابعا ً: نداء التوحيد في كل الاديان السماوية ،
جميع الاديان تدعوا للتوحيد ، ما هو التوحيد ،
- الدعوة لمعرفة الله ، الانبياء يدعون الناس لمعرفة الله و تعريفهم على الله سبحانه و تعالى أن الله موجود و أنه الخالق و انه القادر .
- العبادة لله لا شريك له الانبياء يدعون لمعرفة الله و يدعون لتوحيده و يدعون لعبادته فيقولون الله سبحانه و تعالى موجود و هو الذي يجب ان يعبد .
خامسا ً : العبادة إنعكاس ٌ للمعرفة ،
- من يعبد الشمس يعتقد انها مصدر الخير و من يعبد السماء يعتقد انها مصدر الخير و هكذا يخضع لها لانه يتصور انها مصدر الخير إذا ً هذا الخضوع إنعكاس لمعرفته فإذا كانت المعرفة خاطئة سوف يخضع للجهة الخاطئة .
- من يعبد الله الواحد بإعتباره أكمل ذات و منزه عن كل نقص وهو مبدأ الوجود ومصدر الرحمة و الفيض و العطف هذا معرفته تختلف لانه ينظر ابعد من وجود الامور المادية و انما ينظر من الذي اوجد هذه الامور فمعرفته تختلف عن ذاك .
- لا يعبد غير الله إلا الجاهل الذي ليست عنده معرفة او الذي لا يفكر ابعد مما يراه مع ان الانسان يجب عليه ان يفكر و ان يكون نظره بعيدا ً لا يكون محدود بالامور المادية ،بعد من انكر وجود الله و قالوا اننا لم نرى الله إذا ً هو ليس موجود ، تقول لهم الاثر يدل على المؤثر و قضايا كثيرة و قصص تذكر ، مثلا اشخاص يخرجون في الصحراء فيأتي شخص لهم و يسألهم هل رأيتم جملي فيقولون ما هي صفاته احدهم يقول مقطوع الذيل الثاني يقول انه اعرج الثالث يقول انه اعور فيقول هو جملي فيقولون لم نره فيقول كيف لم تروه و يذهب يشتكي عليهم و يقول قالوا بصفاته و يقلولون لم نره فيشرحون له شخص يقول رأيت في المشي رجل وطؤها يختلف و الثاني يقول بعره غير موزع إذا ً مقطوع الذيل و الثالث يقول رأيت النبات مقطوع على طرف إذا ً هو اعور على اي حال هذه يستنتجونها على ان يستنتجون الصفاة بالاثر إذا يمكن للانسان ان يصل و لكن من ينكر و يقول لا ، بعض الغربيين الشيوعيين يقولون لا هذه الامور في المادة فقط يعني ان يكون لكل مُسبب ٍ سبب و لكل أثر ٍ مؤثر يقولون لا نؤمن بها و هذه قضية عقلية ، الجواب يقال لهم مثلا لماذا تقتحون المختبرات و تبحثون عن اسباب الامراض ربما هذه الامراض ليست لها اسباب ، و لكن نقول لانكم تؤمنون في بواطنكم أن لكل أثر ٍ مؤثر و لكل سبب ٍ مسبب لذلك تفتحون المختبرات و تبحثون هذا يدل على وجود إيمان بهذه القاعدة انه لا يمكن ان يوجد شيء بعد ان لم يكن من غير سبب .
سادسا ً : العبادة هي عمل ٌ ذو معنى يؤديه الانسان لفظيا ً او عمليا ً ليعبر عن المعرفة و الخضوع لله تعالى ، الانسان يعمل اعمال كثيرة بعضها يكون بقصد و بعضها لا يكون بقصد فيقوم و يجلس من غير قصد العبادة هذه ليست عبادة ينحني كالعركوع و لكنه من غير قصد الركوع هذه ليست عبادة ، اما اذا كان يقصد بها تعبير كما انه لو حرك رأسه تعبيرا ً عن الرضا يكون لها معنى ايضا العبادة اما لفظية او انه عمليا ً يقوم ويجلس و يركع و يطوف حول البيت الحرام مثلا و غيره من العبادات او يمسك عن الطعام بقصد فتكون عبادة يعبر بها عن الخضوع لله سبحانه و تعالى .
سابعا ً : جوهر العبادة ،
- الثناء على الله بصفاته الخاصة صفاة الكمال ، يثني على الله يذكر عظمة الله يذكر صفاة القدرة و العلم و النعم التي ينعم بها على الانسان فعندما يذكر صفاة الله و يثني عليه بهذه الصفاة فهذا يعبد الله .
- تسبيح الله سبحانه و تعالى تنزيهه عن كل نقص ، فكلما رآى شيء يقول سبحان الله الحمد لله فتسبيح الله ايضا عبادة .
- شكر الله سبحانه و تعالى بإعتباره المصدر الاصلي لكل خير و نعم ان يداوم الانسان على شكر الله و يشكر الله فهذه عبادة عليه ان يعيش هذه الاجواء اجواء الثناء على الله و ذكر صفاته و تسبيحهه و تنزيهه عن النقص و ان يشكره دائما يبقى في شكر ٍ لله سبحانه و تعالى .
- الاقرار بالتسليم و الطاعة المطلقة ليس فقط ان يذكر الله و انما يسلم عمليا ً و نفسيا ً لله سبحانه و تعالى فيجعل في نفسه انه خاضع و مطيع لله و اذا لم يكن كذلك او رآى في نفسه شيء في فعله في حكمه في فهو لا يعد عابدا ً لله بل يعد كافر كما يقول تعالى مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ و اية اخرى تقول وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ و اية اخرى تقول وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فالذي لا يلتزم و لا يخضع لله و لا يسلم لله تسليما ً مطلقا ً فهو ليس عابدا ً لله تعالى .
- نفي الشريك له تعالى و يعتقد في قرارة نفسه انه ليس هناك مؤثر في الوجود إلا الله فإذا كان كذلك فهو عابد طبعا ً لا يقال انه تعظمون الانبياء و تعظمون الاولياء لان تعظيم الانبياء و تعظيم الاولياء ليس القول بأنها خالق او انها مؤثر في الوجود بل تعظيمها من تعظيم الله سبحانه و تعالى لانه امر ٌ من الله و لانه طاعة لله سبحانه و تعالى و لان الانبياء و الأولياء يدعون لله لا يدعون لغيره .
ثامنا ً : العبادة ليست خاصة بالانسان ،
جميع الموجودات تعبد الله تعالى جميع الخلائق عابدة لله سبحانه و تعالى كما يقول تعالى وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ جميع الموجودات تسب لله سبحانه و تعالى ،
هذه الاية تقول وَإِن مِّن شَيْءٍ ، يعني كل شيء إِلَّا يُسَبِّحُ ، تثبت التسبيح لله من جميع المخلوقات جماد و غير جماد وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، هنا إنظر الى ضمير تسبيحهم هذا ضمير العاقل لا يستعمل إلا للعاقل يعني الذي يفعل بإدراك إذا ً جميع الموجودات تسبح لله سبحانه و تعالى و تنزه و تقدس الله و هي تؤمن بالله و تعلم بفعلها ليس لسان الحال انها تسبح لانها مخلوقه و انما تسبح بإدراك بنص هذه الاية وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ هنا عبرت بما يشمل العاقل و غير العاقل انه الجميع يسجد لله سبحانه و تعالى و ليس خاصا ً بالانسان و هناك ايات ٌ اخرى كثيرة .
تاسعا ً : تحقيق معنى العبادة ،
العبادة لها معنى و لها هدف و هو تربية الانسان ليبقى الانسان خاضعا لله ليقوم نفسه لذلك يجب علينا ان نرتقي و نقوم انفسنا و نربي على انفسنا على معاني العبادة والهدف من العبادة نربي انفسنا و اولادنا لا ان تكون عبادتنا فقط ركوع و سجود من غير ان نتعلم معنى العبادة وحقيقة العبادة .
الهوامش ،
- سورة الذاريات الايات 56-57-58
- سورة البقرة الاية 38