العبودية لله – 17/2/2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي
موضوعنا حول العبودية لله سبحانه وتعالى
جاء في الحديث بالمعنى ،
عن سفيان الثوري بما هو المعنى:
قال من أجل أن أحصل على رحابة الصدر وضياء القلب ذهبت للإمام الصادق (س) كي أتغير لما هو أفضل
يقول : عندما جلست في محضر الإمام (ع) لم يقبلني وقال : عندي عمل ولذلك لا أستطيع أن أجلس معك ، يقول : خرجت وذهبت إلى قبرالنبي (ص) وصليت ركعتين وتوسلت بالرسول الأكرم (ص) وقلت أرجو منك أن تجعل الإمام الصادق يقبلني وأن يرفق بي ، وبعد أن توسلت جئت للإمام الصادق (س) وإستقبلني بحفاوة فعلمت أن توسلي قبل من قبل النبي (ص)
قال الإمام : عندما جاء سفيان إلى الإمام قال الإمام لسفيان جئت إلى هنا لينشرح صدرك
فقال سفيان : أجل يا إبن رسول الله جئت لينشرح صدري ويتنور قلبي
قال الإمام :
الصادق (س): ياسفيان إذا أردت أن ينشرح صدرك عليك أن تواظب على ثلاث
الأولى : إعلم أنك عبد وهو مولى
سفيان الثوري يذهب للإمام لينشرح صدره ويتغير لما هو أفضل لماذا ؟
لأن الجلوس مع الإمام لا إشكال أنه يؤثر ويغير لما هو أفضل .
الجلوس حتى مع الصالحين من الأشخاص العاديين الذين يحملون الصلاح هذا يؤثر على صلاح المرء ، فسفيان كان يريد أن يجالس الإمام ليتحول لما هو أفضل
تذكر قصة لعبد مع مولاه
مولى مديون وعنده عبد غلام وهذا الغلام يرفق بمولاه ويستشعر من أجل مولاه فيرى مولاه يعاني من الديون وأنه لا يستطيع سداد ديونه، يسأل مولاه لماذا هذا الهم الذي أراه باديا على وجهك فيجيبه أنني مديون بديون كثيرة لا أستطيع سدادها ،
يقول الغلام لمولاه : بعني وخذ ثمني وسدد به ديونك ، فيقول المولى للغلام : ثمنك لا يساوي عشرما علي من الديون ، لو بعتك لا يساوي شيئ لا يساوي سداد ديوني فيقول الغلام : إعرضني في السوق وقل لهم إن فيه ميزة وهي أنه يعرف معنى العبودية ، فإذا رأوا هذه الميزة سوف يأخذونني بما تجعل لي من ثمن أو سعر، يذهب به للسوق ويعرضه بالسوق ويثمنه بثمن يساوي ديونه ، ثم يقول ثمنه كذا ، الناس يأتون إلى أن يأتي شخص عاقل ويقول إذا كان يعرف معنى العبودية آخذه وإذا لم يكن يعرف العبودية فأرجعه لك ، يأخذه ثم بعد أن يذهب به إلى بيته يضربه بالسياط ويعذبه بالسياط ، ولا يجد منه كلمة ولا إستنكار ولاإعتراض ، فيقول يكفي هذا لغلمانه ثم يسأله ألم تتألم ؟
يقول: نعم
ألا تشعرأن ضربك من غير سبب ؟
قال : نعم لا أرى سبب
قال : إذا لماذا لم تعترض؟
قال : لأنني عبد وأنت مولى والعبد يسلم لمولاه تسليما كاملا .
هذه طبعا القصة وإن كان واقعها ليس صحيحا , ليس مقبولا هذا المعنى في حق البشر، لأن البشر مع البشر متساوون ، ولا يحق لأحد أن يعذب أحدا من غير سبب
أولا: حقيقة العبودية
ولكن المعنى الحقيقي والعبودية الحقيقية المقبولة والتي هي الواقع ، هي العبودية لله والملك الحقيقي هو لله ، وأن شخص يملك شخص فهو ملك إعتباري لا يحق له أن يعذبه ، وحتى إذا حصل منه أذى يسأله ما هو السبب ،هذا في ما بين الناس ،
أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى (فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) الله سبحانه وتعالى لا يسأل عن فعله لأنه مالك ملكا حقيقيا ، يملك الإنسان ملكا حقيقيا ، وله الحق في أن يتصرف كيف يشاء ، ومع ذلك نقول الله سبحانه تعالى لا يعمل شيئا إلا من أجل الإنسان ولا يشرع شيئا إلا من أجل الإنسان لماذا ؟
لأن الله غني عن العالمين
ثانيا: التشريع الإسلامي
لنا أن نتعرف على بعض الحكم بالتشريع ، التشريع الإسلامي فيه حكم وله علل ،علل التشريع أكثرها لم تبين ، لم يبين السبب الحقيقي التام لحرمة الأفعال أو لوجوب الأفعال ، ولكن بالنسبة لحكم التشريع يعني بعض الفوائد التي تذكر من أجل حرمة ذلك الفعل أو أنه واجب , هناك بعض الحكم ، وللإنسان أن يتطلع ويتعرف على بعضها
لماذا تذكر هذه الحكم وبعض علل التشريع ؟
إنما تذكر من أجل أن يزداد الإنسان إيمانا ويقينا بالله سبحانه وتعالى ، وإلا فإن المفروض من الإنسان أنه يسلم لله ويطيع الله طاعة من غير أن يسأل لماذا هذا لأنه يعرف أن الله سبحانه وتعالى رؤوف رحيم بخلقه لا يريد لهم إلا الخير
ثالثا : من فوائد العبودية
التي يجب أن تكون هي واقية للإنسان من الإنزلاق من الوقوع في كيد الشياطين
قال سبحانه وتعالى عن لسان إبليس قال:
(فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )
فالعبد لله سبحانه وتعالى يرتقي درجات عالية إذا جعل نفسه عابدا لله ، إذا وضع نفسه موضع العبودية الحقيقية فإنه يكون في أمان من مكر الشياطين وكيدهم
رابعا: العبودية فخر الأولياء
يقول أمير المؤمنين (س)
(كفى بي فخرا أن أكون لك عبدا )
الإمام يفتخر ويرى أن لنفسه الحق أن يفتخر، بل هي أعلى درجات الإفتخار أن يكون عبدا لله سبحانه وتعالى
خامسا: العبودية أعلى من درجة النبوة
نرى أيضا أن العبودية كما يقول العلماء درجة عالية بل هي أعلى من درجات النبوة أيضا ، أن يكون الإنسان عبدا لله ، لذلك نتشهد في التشهد نقول أشهد أن محمد عبده ورسوله ، نقدم العبودية على الرسالة بمعنى أن العبودية درجة أعلى
قال الصادق (س) (العبودية جوهرة كنهها الربوبية) العبودية جوهرة ، شيئ مكنون في حقيقته , وواقعه الربوبية ، الربوبية تعني القدرة على التصرف أن يدير أن يتصرف فيما يشاء ، إذا كان عبدا لله حقيقة ، فالإمام الصادق (س) قال لسفيان في كلمته الأولى
إعلم أنك عبد وهو مولى
إعلم أنك عبد وأن الله سبحانه وتعالى هو المولى
الثانية : وإعلم أن لمولاك غضب كما له رضى
وعليك أن تطيع مولاك ، أن تلتفت لهذا الأمر أن الله يغضب ، كما أنه يرضى كذلك يغضب ، لا ترتكب مخالفة ، لا تجعل نفسك موضع سخط الله سبحانه وتعالى , لا تستصغر الذنب وتقول هذا ذنب صغير فإن الذنب ما دام مخالفة لله سبحانه وتعالى فهو عظيم
تقول الرواية بالمعنى
( يا عبدي لا تستصغر الذنب لأنك قد ترتكب ذنبا أخاطبك بعده لن أغفر لك )
، ذنب صغير ولكنك تخاطب بعده ، هذا الذنب لن أغفر لك إذا قبض الإنسان ولم يغفر له خسر كل شيئ ، بمعنى أنك لن تنال التوبة ، يعني بعض الذنوب تحرم الإنسان من التوفيق للتوبة أيضا ، وتقول الرواية أيضا (ولا تستخف بالثواب لأنك قد تقوم بثواب بسيط بعمل بسيط وعلى آثره يخاطبك ياعبدي لقد وفقت وأصبحت سعيدا ويد عنايتي فوق رأسك دائما )
شخص جاء بعمل صالح بعمل بسيط ولكن يخاطب على آثرهذا العمل أنه تحت عناية الله , يد الله ويد العناية على رأسه تحيطه فلا نستنقص ولا نستصغر الذنوب ولا نستنقص ولا نستصغر أيضا الأعمال الصالحة
أولا : العبودية والطاعة
من العبودية الإهتمام بالواجبات وترك المعاصي
فالعبودية أن يضع الإنسان نفسه عبدا لله ، يرى نفسه مملوكا لله ، ويلتزم بالواجبات ويجتنب المعاصي كلها
ثانيا: الذنوب كلها كبيرة
الذنوب كلها كبيرة ولها درجات ، كل الذنوب كبيرة
كما يقول الإمام الراحل رضوان الله عليه ( كل الذنوب كبيرة ولا يوجد ذنب صغير)
لا ترى ذنبا وتقول هذا صغير كل الذنوب كبيرة قد يرتكب الإنسان ذنبا ويتصور أنه صغير ثم يرى نفسه خسر كل شيئ كما في الرواية السابقة
قصة لأحد أصحاب النبي (ص)
النبي(ص) خرج في بعض غزواته وجعل شخصا لخدمة النساء في المدينة ، جاء هذا الشخص إلى بيت رجل من أصحابه ورأى زوجته ، فلمسها بيده فصرخت النار النار يعني ما هذا الذنب العظيم الذي ترتكبه ، عندما سمع ذلك أيضا صرخ وقال نار جهنم وخرج للصحراء ، عندما رجع النبي (ص) من غزوته قال لقد نزل وحي يخبر أن فلان قد تاب وأن الله قد قبل توبته ، قبلت توبته ، جاؤوا به إلى المدينة وكان النبي (ص) في المسجد يخطب ويقرأ
(ألهكم التكاثر) لما سمع الوعيد بالنار صعق ووقع على الأرض جاوؤا يحركونه وإذا هو ميت شهق ثم مات لصدق هذه التوبة لما رأى بأن هذه المعصية التي يتصور أنها صغيرة هي عظيمة عند الله سبحانه وتعالى فالتفت ثم ترك وخرج تائبا
قصة المرأة العجوز والطبيب
يذكر الإستاذ المظاهري قصة لطبيب مع إمرأة عجوز يقول ينقلها عن أحد أصحابه يقول
كنت ذاهبا لطبيب للعلاج وكانت هناك إمرأة عجوز من بين الحاضرين عندما دخلت على الطبيب
قالت للطبيب لقد طبخت الوصفة ثم شربتها ولم أستفد منها ، ضحك الطبيب عليها وقال الخبز الذي يعطيك إياه زوجك خسارة عليك ، ضحك الطبيب وضحك بعض الحاضرين
يقول عندما خرجوا دخلت على الطبيب وقلت له ماذا صنعت أنت إرتكبت ذنوبا عظام كبائر وليس ذنبا واحدا منها
1ـ أنك إستهزات بمسلم (مع أن الطبيب) جاء بكلمة كأنه يتصور أنها لطيفة وملاطفة ولكنه أهان هذه المرأة يقول أنت إستهزأت بمسلم والرواية تقول (يكتب على ناصيته آييس من روح الله )، من أهان أحد أولياء الله أو أهان مؤمنا يكتب على ناصيته آييس من روح الله يعني يخسر كل شيئ إذا كان آييسا من رحمة الله سبحانه وتعالى لأنه إستهزأ بهذه المرأة ،
وفي الرواية أيضا (من أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة )، هذا تعامل مع هذه الإمرأة ولكن تعامل سيئ , حاول أن يستنقص منها أن يستهزى بها فالرواية تقول من أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة , من بارز الله حارب الله فهو خاسر
2ـ كنت سببا في إستهزاء الأخرين ، الأخرون أيضا ضحكوا عليها وأنت السبب فأنت تحمل أيضا وزرهم كما يحملون
3ـ أنك كذبت وقلت مالا تعلم , قلت أنه خسارة الخبز الذي يعطيها زوجها ومن أين لك العلم بذلك ، أنت قلت شيئ ولا تعلم به ، ربما تكون هذه المرأة قائمة بأمورها الباقية في حياتها ولكنك إتهمتها بهذا الإتهام
هذه القصة تعطينا أيضا أن نتأمل بأمورنا بتعاملاتنا مع بعضنا البعض خصوصا مع الأشخاص البسطاء في المجتمع ، إذا كان هناك شخص بسيط ونتعامل معه بإستهزاء أو إستنقاص فنحمل إثما ونحمل ذنوبا بسبب هذا التعامل إذاجعلنا الآخرين يضحكون عليه .
الثالثة: أنت وما تملك لمولاك
يقول الإمام (ع) لسفيان إعلم أنك وما تملك لمولاك ، فأنت لا تملك شيئ لنفسك وإنما أنت ملك لله سبحانه وتعالى .
إستيعاب هذا المعنى حقيقة فيه الخير الكثير إذا كنا نعلم ونعرف أننا ملك لله سوف نحصل على الخير الكثير
من الخير الذي نحصل عليه بمعرفتنا أننا ملك لله
1ـ أداء الحقوق والواجبات
الشخص الذي يعلم ويعرف أن كل ما لديه هو لله سبحانه وتعالى سوف يكون أدأه للحقوق أكثر من غيره ويلتزم بأنه لا يرى شيئ لنفسه ، وإنما هو لله , فإذا أعطى الأخرين يرى أنه لا يملك هذا الشيئ من الأساس وإنما هو واسطة في ذلك .
2ـ زوال الصفات الرذيلة عن أنفسنا
زوال الصفات الرذيلة عن أنفسنا، كالتعلق بالدنيا والبخل الذي يلازم كثيرا من الناس .
أما إذا رأى الإنسان نفسه لا يملك شيئ فيزول عن نفسه هذا البخل والأمراض النفسية
قصة خادم الحوزة والحجة (ع)
هناك قصة لخادم الحوزة والإمام المهدي وأختم بها هذا الموضوع
يذكر الشيخ وحيد الخراساني أحد المراجع الكبار المعروفين يقول يوجد خادم في الحوزة (الناس ينظرون للمراجع أن يكون لهم هذا المقام ولكن تراه هذا المقام العالي لشخص خادم في الحوزة ) يقول الشيخ الوحيد الخراساني:
يوجد خادم في حوزة من الحوزات وهذا الخادم من المؤمنين العاملين القائم بوظيفته يصلي الليل يعمل الأمور الشرعية ملتزم بأموره الشرعية , يقول في يوم من الأيام كان في غرفته يتحدث فسأله أحد العلماء
مع من تتحدث وأنت جالس لوحدك في الليل ؟
حاول أن يمتنع عن الجواب فأصر مع من تتحدث؟
قال : كنت أتحدث مع الإمام المهدي (س)
ماذا قال لك ؟ وماذا قلت له ؟
قال : الإمام طلبني أن أكون معه من الأبدال .
أن يكون مع الإمام من الأشخاص الخاصين القريبين الذين يعتمد عليهم الإمام وهوخادم في الحوزة .
يسأله ماذا قال لك ؟
قال : قال لي غدا الظهر سوف يأخذني
كيف يأخذك ؟
يقول عندما علم العالم بهذا صارت عينه على الخادم كيف يؤخذ ؟!
في اليوم الثاني في نفس الوقت الذي أخبر عنه وهو في باحة المدرسة تحت العيون مراقب يرونه قد إختفى مباشرة فيكون مع الإمام (س)
وهو ليس بمرجع ولا عالم وإنما هو خادم ، ولكن هذا المقام وهذه الدرجة التي يصل إليها إنما هي لأنه جعل نفسه عبدا لله رضي بخدمة الدين وخدمة من يخدم الدين ووطن نفسه على هذا وصارمواظبا على واجباته مبتعدا عن المعاصي ينال هذا المقام وهذه الدرجة .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين