c القرآن(1)

القرآن(1)

القرآن(1) – حديث الجمعة : 27/7/2012

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم

 بسم الله الرحمن الرحيم

 (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)

هذه الآية تحدثت عن نزول القرآن

أولا: متى نزل القرآن ؟

1ـ النزول هو الورود من الأعلى

إذا ورد من الأعلى فهو نازل ، فقد يكون نزول الشيئ من الأعلى من مكان مادي فيقال نزل الشيء المعنوي كذلك يقال نزل

2ـ الفرق بين الإنزال والتنزيل

هناك فرق بين الإنزال والتنزيل والقرآن الكريم في آياته تحدث عن الأمرين ونتيجة كل واحد منهما تختلف عن الأخرى .

 الإنزال : هو النزول الدفعي ، دفعة واحدة أنزل القرآن ، هذا الإنزال

والتنزيل : هو التنزيل التدريجي الذي يستمر فترة , متفرق في تنزيله 

3ـ الآية التي إبتدأنا بها تدل على نزول القرآن في شهر رمضان دفعة واحدة, قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) فنزل القرآن بحسب هذه الآية دفعة واحدة

4 ـ هناك آيات أخرى تبين نزول القرآن تدريجيا وليس دفعة

واحدة كقوله تعالى ﴿وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا﴾ يعني القرآن نزل بحسب هذه الآية تنزيل وتدريج وليس دفعة واحدة

5ـ الواقع يثبت وجود التنزيل التدريجي

نرى في سيرة النبي (ص) وتاريخ الدولة الإسلامية في زمن النبي (ص) أنه كان الوحي ينزل على النبي وتنزل الآيات تدريجا ، كل حادثة تنزل فيها آية تخص تلك الحادثة ، تبين الحكم فيها ، الموقف فيها ، فالنزول تدريجي بحسب الواقع

وينتج عن هذا إشكال أو توهم :

أنه يوجد تعارض بين الآيات ، يعني قد يتسأل البعض أنه إذا قلنا بهذا المعنى آيات تتحدث عن نزول القرآن لمدة الرسالة وآيات تتحدث عن نزول القرآن في ليلة واحدة(إن أنزلناه في ليلة مباركة ) و(إن أنزلناه في ليلة القدر )ليلة واحدة وآيات تتحدث عن النزول التدريجي المستمر لفترة طويلة ، إذا هذا التعارض ماهو علاجه

وأجيب على ذلك الإشكال بعدة أجوبة منها:

الجواب الأول: قال صاحب هذا الجواب بأنه نزل دفعة إلى سماء الدنيا في شهر رمضان ، يعني الآيات التي تحدثت عن نزول القرآن يقول هذا الجواب أنها نزلت دفعة واحدة ولكن إلى السماء ثم بعد ذلك نزلت  نجوما مقطعة مجزءة إلى النبي (ص) عن طريق الوحي

ــ واستشكل على هذا الجواب بعدم كونه هاديا في السماء.

كيف يكون القرآن هداية إذا كان في السماء وليس في الأرض يعمل به ، لأن الآية تقول (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) فكيف يكون هدى و بينات من الهدى والفرقان وهو في السماء يقول هذا المستشكل .

ويجيب البعض على هذا الإشكال بجواب غير تام وهو أن كون القرآن هداية لا ينافي كونه في السماء لماذا ؟

لأن من شأنه الهداية ، القرآن من شأنه يكون هاديا ، إذا عمل به إذا وصل للناس إذا أخذ به الناس فهو هداية في نفسه ، كالقوانين التي تسن وتشرع في المجتمع ، إذا وضعت القوانين في المجتمع ولا زال لم يعمل بها الناس هل يقال أنها ليست هداية ؟

الجواب يقول لا ، بل هي هداية وإن لم يعمل بها الناس ، هذا ليدفع هذا الإشكال .

ولكن يرد عليه أن القرآن ليس فقط قوانين عامة ، القوانين العامة التي تطبق في قضايا خاصة وإنما القرآن يختلف عن القوانين بأنه خطابات موجهة ، فيه خطاب موجه لأشخاص وفيه حكم في قضايا معينة بعد أن وقعت كقوله تعالى

﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما﴾

هذه تشير على أن هذه الآية قيلت بعد وقوع الحادثة ، فلا يمكن أن يكون هذا المعنى أو هذه الآية بنفسها بلفظها قبل حدوث الحادثة ، إذا هذا الجواب ليس تام

الجواب الثاني : أن المراد من نزول القرآن في شهر رمضان هو أول آية نزلت من القرآن ، فإذا نزلت أول آية يقال نزل القرآن ، يعني نزل القرآن في شهر رمضان بنزول أول آية منه ولم ينزل القرآن بأكمله.

ويرد على هذا الجواب ويستشكل عليه:

إنما بعث النبي بالقرآن، البعثة كانت بالقرآن وبعثة النبي (ص) لم تكن في شهر رمضان ، بعثة النبي في (السابع والعشرين من شهر رجب) , وأول سورة نزلت (اقرأ باسم ربك الذي خلق ) في ذلك الوقت ، كيف يكون أول آية نزلت في شهر رمضان ؟ إذا هذا الجواب أيضا ليس مقبول

الجواب الثالث: هو التفصيل بين معنى النزول ومعنى التنزيل ولكن بعد التدبر في أمور

1ـ أن الآيات التي تتحدث عن الإنزال

 هي التي تتحدث عن إنزال القرآن ونزوله في شهر رمضان , الآيات كلها التي نقرأها كما نقرأ هذه الآيات(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) تتحدث عن النزول في شهر رمضان (حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) نزل في ليلة مباركة وقال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر ) وهو أيضا إشارة إلى نزول القرآن في تلك الليلة في شهر رمضان 

2ـ توجد آيات تدل على التدريج

هناك آيات تدل على التدريج ، نتأمل في هذا المعنى لنرى كيف يكون الجمع بين هذه الآيات ، يقول تعالى  (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً)هذه الأية تدل أن القرآن نزل تدريجا وليس دفعة واحدة .

 إذن المعنى موجود فهناك نزول دفعي وهناك تنزيل تدريجي

3ـ آيات تدل على وجود القرآن عند النبي (ص) قبل نزول الوحي

 هناك دلالة على وجود القرآن عند النبي (ص) قبل أن ينزل عليه الوحي

كقوله تعالى (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) قبل أن يأتيك الوحي لا تعجل به ، إذا هو موجود عند النبي (ص) والله يقول لا تعجل به ، يعني لا تخبر به لا تتعجل لا تتكلم فيه حتى يقضى إليك وحيه ، وقوله تعالى(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)هذه الآيات تبين أن النبي (ص) كان عنده القرآن وتبين أن هناك أمر من الله سبحانه وتعالى بعدم التعجل في بيان معاني القرآن بل تطلب أو تأمر النبي (ص) أن يدع ذلك لصياغة الوحي من الله سبحانه وتعالى فتقول إن علينا جمعه ، جمع هذا القرآن الموجود وهو عندك ، وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ، فإذا قرأنا وصغنا لك الآيات بعد ذلك تبينها ، إذا هو موجود عند النبي (ص) ما هي النتيجة؟

النتيجة والجواب: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن﴾وقوله: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ وقوله ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ يدل على إنزال حقيقة الكتاب ومعاني الكتاب المبين إلى قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني المعاني التي يشتمل عليها القرآن وليس الحوادث الجزئية وإنما المعاني للقرآن المحكم والثابت أنزل على قلب النبي (ص) أولا ثم بعد ذلك ينزل التفصيل من الوحي بالآيات المفصلة تبين الحادثة الفلانية ، حكمها كذا ، القضية الفلانية ، الموقف فيها كذا ، هذا يأتي تدريجا على مدى الدعوة الإسلامية  .

ثانيا: القرآن كتاب هداية

 قال تعالى ﴿هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾القرآن كتاب هداية ، ما هو المقصود بالناس ؟

1 ـ الناس وهم الطبقة المتوسطة

الطبقة المتوسطة أو الذين فهمهم أقل من المتوسط (الدانية) يقول تعالى ﴿وتلك الأمثال نضربها للناس ولا يعقلها إلا العالمون﴾ فكأنه هناك طبقة أقل وهناك عالمون ، العالمون هم غير ذلك فهم يعون ويدركون الآيات والبينات. 

2ـ ( وبينات من الهدى ) هنا القسم الآخر وهم العالمون  

العالمون هم الذين عندهم إستعداد للمعرفة والبحث وإتباع الأدلة ، لذلك قال تعالى (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) بينات يعني (أدلة) ، أدلة تبين الحق وتفرق بين الحق والباطل ، يتبعها العالم العارف الذي يكون عنده إستعداد للتفكير وإختيار الصحيح 

يقول تعالى: ﴿يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم) هذا هو القرآن طريق الهداية

3ـ الخلاصة : القرآن هداية للجميع

الذي يلتزم بالقرآن ، الذي يتبع القرآن يستفيد ، هداية للجميع ، عندما صار هذا التفريق في الآية المباركة بين عموم الناس وبين من يتبع البراهين 

هل أن القرآن ليس هدى للناس ؟ طبعا قالت الآية هدى للناس يعني هناك خصوصية في هذا القرآن أن الجميع يستفيد ، كل إنسان من المجتمع يستطيع أن يستفيد من القرآن وكل بحسبه ، العالم يتبحر في القرآن ، وفي علوم القرآن ومفاهيم القرآن وما يدل عليه من ظاهر وباطن،  والإنسان العادي أيضا يستفيد من القرآن ويهتدي بالقرآن ولو بقراءة آياته , هكذا يقرأها ويتأمل بقدره ويسمع الآيات فهي تؤثر فيه ويهتدي بها ، لأن الأية قالت(هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) الناس كلهم يستطيعون الإستفادة منه ، وهذا من خصائص القرآن وإعجاز القرآن أن يكون الإنسان الكبير والواعي والعالم يقرأ في القرأن وكلما قرأ أو تبحر وجد علما غزيرا ووجد نفسه لم يصل إلا إلى القليل ، والإنسان العادي أيضا يقرأ القرآن ويجد فيه الروعة والجمال ويجد فيه الخير والمفاهيم التربوية والصالحة ويستفيد منه كذلك ،

فالقرآن للجميع ، لذلك على المؤمن أن يواظب على القرآن ويستفيد من القرآن , بل يجعل القرآن هو المدّرس له وهو المتعلم من القرآن , ولا يأتي بنظريات مسبقة من عنده ويفرضها على القرآن وإنما يضع نفسه تلميذا متعلما للقرآن فيستفيد بذلك ، النبي (ص) يقول  (الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ، وَمَاحِلٌ مُصَدِّقٌ ، مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ) الذي لا يأخذ القرآن ولا يجعل القرآن قدوته وطريقه ومنهجه وبرنامجه يكون مصيره إلى النار ، والذي يجعل القرآن هو المصدر وهوالأساس وهو المعتمد وهو المنهج وهو الطريق فلا شك أنه إلا الجنة .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

شاهد أيضاً

تساؤلات ماذا بعد عاشوراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *