بر الوالدين ( 2 )
2/5/2014
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (1)
و قال رسول الله صل الله عليه واله بر الوالدين أفضل من الصلاة و الصدقة و الصوم و الحج العمرة و الجهاد في سبيل الله ،
مقدمة ،
أصل كل خير هو الإعتقاد بالله ، كل تشريع و كل خير ٍ في الوجود ركيزته هي التوحيد لله سبحانه و تعالى و تتفرع على هذه الركيزة كل التعاليم الدينية و موضوعنا وهو بر الوالدين يصب في هذا المجال فهو من جهة ٍ يربط الإنسان بتوحيد الله سبحانه و تعالى حيث أنه يجعل الإنسان المسلم مستحضرا ً دائما ً النظر إلى أصله ، أصل وجوده ، دائما ً ينظر إلى أصل وجوده القريب و هما الأبوان وهو في ذلك يبتعد بذلك في نظره بتعمق ٍ أكثر و ببعد ٍ اكثر و هو النظر إلى أصل هذه النشأة و أن كل شيء ٍ له أصل و أصل هذا الوجود الموجود هو الله سبحانه و تعالى ،
كل حادث ٍ لم يكن موجودا ً كما هو الانسان و الطفل يوجد ينظر إلى وجوده فرع عن ابويه كذلك ينظر إلى هذا الوجود بأسره و التغيرات تدل على حدوثه و ان له بداية و ان هذه البداية أنشأها موجد ٌ و منشأ ليس له بداية وهو الله سبحانه و تعالى فهو يدل على ذلك و يربط الإنسان بتوحيد الله سبحانه و تعالى هذا الجانب يسمونه بالنظرية الكونية ،
و من الجانب الآخر يربط الإنسان بالنظام و هذا النظام هو النظام الديني الإسلامي الذي يرتب علاقة الإنسان بينه و بين محيطه بينه و بين من معه بينه و بين المجتمع يبتدأ بذلك بإرتباطه بأسرته بأبوية مباشرة ً و ينطلق بعدها ليكون مُرتبا ً منظما ً في علاقته بالمجتمع بأكمله .
أولا ً : حكم بر الوالدين و حكم عقوق الوالدين في الشريعة الإسلامية ،
بر والدين واجب ٌ شرعي في مختلف مجالاته واجب ٌ شرعي ليس تفضلا ً من الولد ان يبر أباه ليس تفضلا ً أن يحترم أبويه ليس تفضلا ً أن ينفق على أبويه ليس تفضلا ً أن يطيع أبويه ليس تفضلا أن يوجد لهما ما يوجب سعادتهما هذا فرض ٌ عليه و ليس تفضلا ً من عنده ، و عقوق الوالدين من أكبر الكبائر التي تُوعد َ عليها بالنار كما يأتي في الحديث .
ثانيا ً : من آثار بر ِ الوالدين ،
- يوجب براءة من النار ، قال رسول الله صل الله عليه و اله من حج عن والده بعد وفاته كتب الله لوالده حجة و كتب له براءة من النار .
- البر باب ٌ من الجنة ، إذا تحدثنا عن بر الوالدين تجد فيه ترغيب و ترهيب لتركه ، يبر والديه يحصل و يعق والديه فيُهدد بالنار و يُدخل النار ، قال رسول الله صل الله عليه واله من أصبح مرضيا ً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة .
- تعدد الثواب و الخير ببر الوالدين ، لا يقول إنني إذا أهديت ُ ثواب العمل سوف ينقص بل يُقال له تحصل الثواب و الأب يحصل زيادة ، قال الإمام الصادق عليه السلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنمها و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك ، إذا بر بأبويه يصل الثواب لأبويه و يحصل هو مثله و يزيده الله سبحانه و تعالى على ذلك ، إذا ً بر الوالدين كله خير .
- بر الأبناء من بر الآباء قال النبي صل الله عليه واله بروا أبائكم يبركم أبناؤكم ، يعني في هذه الدنيا تجد جزاء لفعلك و لعملك كما كنت تصنع مع ابيك يُصنع معك ، تُنقل قصة عن عبد الزهراء الكعبي انه كان في مكان فحدثت مشاجرة بين أب و أبنه فيقول جاء الشيخ ليفض النزاع أبعد الولد إلى جانب و أبعد الاب و راح يسليه وجد الاب يبكي قال له لماذا تبكي هل لان ولدك ضربك فيقول الاب انا لا أبكي من صفعتَ إبني لي و لكن أبكي لما صنعته أنا بمثل هذه الصفعة صفعت أبي قبل أربعين سنة في نفس هذا الموضع و انا ابكي هل ان الله غفر لي ام لا ، بر الابن لوالده يحصل و تجاوزه يُهئي له ايضا ً كذلك .
ثالثا ً : حقوق الوالدين على الولد ،
هناك حقوق للوالدين على الولد التي هي طريق البر للوالدين يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق و حق أبيك أن تعلم أنه أصلك و أنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فإعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فإحمد الله و اشكره على قدر ذلك و لا قوة إلا بالله ، إجعل دائما نظرك الى أن أباك هو الأصل فإذا توفقت لشيء تيسرت لك أمور فقل أن ابي هو أصل ذلك كله ،
و قال الإمام الصادق عليه السلام يجب على الولد ثلاث أشياء شكرهما على كل ٍ حال و طاعتهما فيما يأمرانه و ينهان عنه في غير معصية الله و نصيحتمها في السر و العلانية ،
يجب ان يشكر الولد الله سبحانه و تعالى أولا ً و يشكر الوالدين ثانيا ً و عليه طاعتهما ، طاعته لأبويه و شكره لأبويه واجب و هذا حق ٌ لهما و نصيحتهما في السر و العلانية يعني أن يكون صادقا ً في تعامله معهما في السر و العلانية أمامهما خلفهما أمام الناس أن يكون في تعاملهما صادقا ً مخلصا ً لوالديه ، لذلك حقوق للوالدين على الولد من هذه الحقوق ،
- الحب لهما ، يجب أن يُحب أبويه و هذا الحب امر فطري خصوصا ً إذا كان الأبوان يهتمان و يعتنيان به فيكون الحب فطري و لكن حتى مع التقصير حتى مع عدم الإهتمام من الأبوين أيضا ً يجب الحب للأبوين لإنهما الأصل الذي وجد الولد منه و يتحقق ذلك إذا نظر لهذا الأمر ان الأصل في وجودي هو أبي هو أمي إذا نظر لذلك صار يتوجه لطاعتهما .
- الشكر لهما ، و ليس له حد عليه ان يكون دائم الشكر للأبوين و يهتم بذلك ، يعبر عن هذا الشكر بالأعمال أن يقدم لهما ما يريدان ان يطيعهما و بذلك يكون قد كشف عن شكره لهما .
- طاعتهما فإنها تكشف عن إخلاصه و حبه ، فيطيعهما في كل شيء في غير معصية الله و إذا نصحاه يأخذ بهذه النصيحة و إذا طلبا منه شيء يجب ان يستجيب و يطيعهما في ذلك .
- رعاية أعلى درجات الإحترام معهما ، ان لا يرفع صوته ان لا يظهر تضجره إذا تكلما معه بأمور لا يرتضيها بل في الحديث حتى لو ضرباه عليه ان يقول غفر الله لكما لا أنه يغضب او يظهر ردة فعل ٍ تسيء إليهما .
من الطاعة الواجبة ،
أ . حرمة السفر بغير رضاهما في غير الواجب ، لا يسافر الولد من غير أن يأذن له أبوه إذا كان الاب غير راضي لا يحق له أن يسافر إلا في الواجب فقط ،
لو كان السفر فيه واجب و لكن يمكن تعويضه في المكان كالدراسة مثلا الولد إرتأى ان يسافر للدراسة و الأب يقول لا تسافر توجد دراسة في البلد كما في الخارج هنا يجب عليه ان يلتزم و لا يخالف أبويه .
ب. لو طلبا منه فعل و قد حضرت الصلاة هل يقوم يصلي ، يقول أصلي و أحصل ثواب الصلاة في اول وقتها ام انه يطيع الوالدين ؟ الفتوى و الرأي هو أن يطيع الوالدين يعني يؤخر الصلاة عن أول وقتها لان الصلاة في أول وقتها مستحبة و طاعتهما واجبة .
ج . لو منعاه من فعل ٍ مستحب ٍ شفقة ً به ، يعني الاب يرأف بإبنه و يرى مثلا صوم ولده في الصيف او صوم شهرين متتاليين او ثلاثة أشهر تضره فمنعه لذلك هنا تجب على الولد طاعة ابيه و لا يصح منه الصيام لان الأمر و النهي هنا شفقة على الولد وتجب طاعته إذا كان امره أو نهيه شفقة ً على الولد في غير الواجب ،
قال الامام الصادق عليه السلام ينبغي للرجل أن يحفظ أصحاب أبيه فإن بره بهم بِره بوالديه ، يتعامل مع أصحاب أبيه بإحترام فإنه بهذا بر بوالديه إذا نظر لاصحاب ابيه و قدمهم و إحترمهم فهو يحترم ابيه .
رابعا ً : عقوق الوالدين ،
- عقوق الوالدين وهو الإساءة إليهما بأي وجه ٍ يُعد تَنكرا ً لجميلهما على الولد ، الأب له فضل الأم لها فضل حملته و عاشت المشاق من اجله يجب عليه ان يكون محترما ً لهما ، كما يُحرم مخالفتهما فيما يوجب تأذيهما الناشئ من شفقتهما عليه هذا الكلام للسيد السيستاني حفظه الله ، هذه الإساءة تُعد ُ تنكر كأن الشخص يُنكر الجميل للأب على الولد ل ، التنكر لذلك هو عقوق بأي بصورة كان .
- قال الإمام الصادق عليه السلام أدنى العقوق اُف ولو علم الله عز و جل أهون منه لنهى عنه ، لو اطاع و قال أوف يُبدي تأذي خفيف يقول الامام هذا عقوق .
- قال رسول الله صل الله عليه واله من أحزن والديه فقد عقهما ، يطيعهما في كل شيء لكن تجد الأب متضايق متضجر من ولده ، النتيجة تكون فتح على نفسه بابا ً إلى النار ، قال رسول الله صل الله عليه واله من أصبح مسخطا ً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار ، يعني لو أوجب الحزن للأبوين فهو فتح على نفسه ابواب تؤدي به إلى نار جهنم لذلك ليس من الصحيح ان تبقى العلاقة بين الابن و ابيه علاقة متوترة متشنجة ليس بينهم إرتباط ليس بينهم إرتياح هذا خطأ ، يسعى الولد بكل ما يستطيع ان يرضي ابويه و يجعل العلاقة بينه و بين أبيه علاقة طيبة .
خامسا ً : تنائج عقوق الوالدين ،
- سوء العاقبة و العذاب الدائم ، قلنا أحزن أبويه عاق و نتيجة هذا العقوق سوء العاقبة قال رسول الله صل الله عليه واله كن بارا ً و إقصر على الجنة و إن كنت عاقا ً فإقتصر على النار ، ذكرنا ان العقوق حتى بعد مماتهما إذا لم يكن يدعو لأبويه و يستغفر لهما ، فحتى يكون الإنسان فائزا ً في هذه الامور عليه ان يكون ذاكرا ً لأبويه أحياء اموات يدعو لهما يستغفر لهما يحصل ثواب العمل لنفسه و لهما و يُحسب بارا ً و يكون فتح له أبوبا ً إلى الجنة .
- أهوال الموت في عقوق الوالدين ، هناك أهوال تنتظر الإنسان العاق لأبويه قال الإمام الصادق عليه السلام من أحب أن يخفف الله عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولا و والديه بارا فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ، و في ذلك قصص كثيرة النبي صل الله عليه واله يأتي عند شاب ٍ يحتضر يلقنه الشهادتين لكنه لا يلفظ الشهادتين النبي صل الله عليه واله يسأل هل له أم فتقول واحدة في جنبه انا امه النبي صل الله عليه واله يسألها انت ِ ساخطه عليه فتقول نعم يا رسول الله منذ ست حجج لم أكلمه فيقول لها النبي صل الله عليه واله أرضي عنه فتقول رِضى الله عنه لرضاك يا رسول الله فيرضى الله عنه فيلقنه فينطلق لسانه هكذا الآثر ببر الوالدين و رضى الوالدين فيقول الإمام الصادق عليه السلام من أحب أن يخفف الله عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولا و والديه بارا فإذا كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت و لم يصبه في حياته فقر ٌ أبدا .
- لا تقبل صلاة من عق والديه ، يصلي و عابد ولكنه في تعامله مع امه ليس بتلك الدرجة سيء مع أبيه فهنا لا تقبل منه صلاة فعن الإمام الصادق عليه السلام من نظر إلى والديه نظر ماقت ٍ و هما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة ، يعني ليس بر الوالدين إذا كان الاب صالح ليس فقط إذا كان يعتني بولده و يُحسِن إلى ولده يُطلب من الإبن ان يكون باراً بأبيه لا ، ليس من حق الولد ان ينظر نظرة مقت ٍ إلى أبيه حتى لو كان الأب ظالما ً .
- عدم قبول أعمال العاق ، الشخص الذي يعق أبيه أعماله ليست مقبوله مهما كانت ففي الحديث القدسي بعزتي و جلالي و إرتفاع مكاني لو أن العاق لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعا ً لم أقبلها منه فقط انه عاق بوالديه ، عاق بوالديه فقط يقول أف او انه يُحزنهما او انه يُمقتهما في النظر ، ممنوع ان ينظر الابن لأبيه نظرة حاده فهو من العقوق كما في أحدايث أخرى .
- العقوبة الدنيوية قال رسول الله صل الله عليه واله ثلاثة ٌ من الذنوب تعجل عقوبتها و لا تؤخر إلى الاخرة عقوق الوالدين ليس كأنه عصى بينه بين الله عقوق الوالدين يحصل مباشرة ً تجد بعض الناس لا يتوفق في شيء إذا تسأله يقول انا مقصر في تعاملي معى والدي ، و البغي على الناس و كفر الإحسان ، شخص ٌ أحسن إليك يجب ان تقابل الإحسان بالشكر بالاحسان و إلا تحصل العقوبة مباشرة ،
- الفقر و الذل قال الامام الهادي عليه السلام يُعقب القِلة ، في كل شيء مر حديث مشابه لهذا يعقب القلة في النسب في الإنجاب في صلاح الأولاد يعقب في الأموال يعقب القلة في المكانة و المنزلة الإجتماعية و العشيرة كما مر فهذه كلها آثار لقعوق الوالدين فالإمام يقول العقوق يعقب القلة و يؤدي إلى الذلة ، مهما حاول ان يكون عزيزا ً لا يُعز العِزة من الله سبحانه و تعالى و هذا بعقوقه لوالديه يكون ذليل ، و قلنا إذا كان يصلي و كان بارا ً كما في الحديث عن النبي صل الله علي واله اضمنوا لي بر الولادين اضمن لكم الجاه في العشيرة و السعة في الرزق و الاولاد .
سادسا ً : بر الوالدين الروحيين ،
الأحاديث و الآيات التي تحدثت عن الوالدين هي تتحدث بصورة عامة عن الوالدين ومن ضمنهما الوالدان النسبيان الماديان و لكن أبعد من ذلك الوالد المعنوي كما يجب بر الابوين الجسميين كذلك يجب بر الابوين الروحيين و هما محمد ٌ صل الله عليه واله و علي ٌ عليه السلام قال الامام العسكري عليه السلام و لقد قال الله تعالى وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا قال قال َ رسول الله صل الله عليه واله أفضل والدِيكم و أحقهما بِشكركم محمد ٌ و علي ، و قالت فاطمة الزهراء عليه السلام أبوا هذه الأمة محمد و علي يقيمان أودهم و يتقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما و يبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما
الهوامش ،
- سورة الإسراء الآيتان 23-24