22/6/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ *
فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
مواصلة للحديث حول الجبر و الإختيار ، و مر تفسير الإختيار و الإشكالات على موضوع الجبر و ان يكون الإنسان مجبورا ً
ثابثا ً ، لا جبر و لا تفويض و إنما هو امر بين امرين ،
- ايات تدل على ان الهداية والضلال و الإختيار من الله عندما نتأمل في آيات القرآن نجد آيات تتحدث و تبين انه ليس للإنسان إختيار و إنما الإختيار لله وحده و هي ما تدعوا لمن يقول بالتفويض ، و آيات ٌ تقول ان الإنسان مخير و انه يفعل بإختياره فهي تكون علامة على التفويض و ايات اخرى تتحدث عن ان الإنسان لا يستطيع ان يعمل فتدل على الجبر و هناك ايات في الوسط و هي تجمع بين الايات التي تشير الى التفويض و الايات التي تشير الى الجبر فتكون جامعة بينها ،
1 . ايات تدل على الهداية و الضلال و الإختيار من الله تعالى ،
يقول تعالى ورَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ هذه الآية تقول ليس للإنسان ان يختار و الله هو الذي يختار و من يقول بالإختيار فهو مشرك ،
و يقول الله تعالى مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا الهداية من الله و الذي لا يهديه الله لا يمكن ان يهتدي و لا يمكن ان تجد له مرشدا ً ابدا ً .
2 . آيات ٌ تدل على إختيار العبد ، بعكس الآيات التي مضت يقول تعالى فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ هو يشاء فإذا شاء الإيمان آمن و إذا شاء الكفر كفر ،
و يقول تعالى فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 1 ) أنتم تختارون و انتم تعملون و الجزاء على ذلك ،
و يقول تعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ إذا ً إختيار ٌ عند الإنسان وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( 2 ) هم الذين يختارون و هم الذي يظلمون ،
و يقول تعالى إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ( 3 ) إذا المشيئة للإنسان هو الذي يختار الحق او يختار الباطل .
3 . آيات الأمر بين الأمرين ، يقول تعالى وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 4 ) انتم تشاءون و لكن مع مشيئة الله فلا تقع مشيئتكم من غير مشيئة الله
و يقول تعالى إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ هو اناب لله فالله سبحانه و تعالى يهديه ،
و يقول تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ( 5 ) هم جاهدوا و الله هداهم ، إذا ً لهم نصيب ٌ في الإرادة و الهداية من الله تعالى وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إذا ً هناك نسبة للعبد ونسبة من الله سبحانه و تعالى .
4 . نتيجة التوفيق بين هذه الآيات التي مرت ،
أ . من ذلك نعرف ان هناك هداية عامة لجميع البشر فمن أخذ بها هداه الله ، هداية عامة جعلها الله للناس و الذي يأتي إليها و يأخذ بها يهيده الله في جميع اموره .
ب . هداية و ضلال الإنسان ليس مستقل بنفسه انه يهتدي كيفما اراد إذا لم تكت إرداة الله في هدايته لا يهتدي ، و إذا لم تكن إرادة الله في ضلاله لا يضل لابد ان تكون الإرادة من الله سبحانه و تعالى و من العبد و لكن ليس جبرا ً على العبد و إنما هو مد ٌ و عطاء ٌ من الله للعبد و العبد يعمل بإختياره و إرادته كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا( 6 ) الله سبحانه و تعالى لم يمنع ،
و قد ورد عن النبي صل الله عليه واله انه قال ، قال الله عز و جل يا ابن آدم بمشيئتي كنت انت الذي تشاء لنفسك ما تشاء و بإرادتي كنت نت الذي تريد لنفسك ما تريد ، فالإرادة لابد ان تكون موجودة من الله و من العبد فيقع الفعل و إلا لو لم يرد الله سبحانه و تعالى ان يقع شيء لا يمكن ان يقع .
رابعا ً ، آثار عقيدة الجبر و لوازمها في جهتين ،
الجهة الأولى ، لوازم باطله تلزم التشريع و الإعتقاد ، إذا قلنا بالجبر تلزم منه لوازم باطله لا يمكن قبولها منها ،
1 . لغوية التكاليف الشرعية ، التكاليف الشرعية لا يكون لها معنى يقول الله تعالى
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 7 ) و يقول تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا إذا ً لماذا بعثت الرسول و لماذا هذا الهدى الذي لا يستطيع الإنسان ان يأخذ به ، إذا كان مجبور ليس له دخل ان يأخذ به و الله سبحانه و تعالى يقول خذوا هذا الهدى ، كمن يكلف الأعمى برؤية الهلال وهو اعمى ، الله سبحانه و تعالى يكلف الناس و يلزمهم بالتكليف و هم غير قادرين على الفعل و إنما مجبورين ، الذي سوف يختار المعصية مجبور عليها و الذي سوف يختار الطاعة مجبور ٌ عليها إذا التكليف ليس له معنى ، و كما يقولون القاه في اليم مكتوفا ً و قال له إياك إيام ان تبتل بالماء ، جعله مجبور لا يستطيع الإختيار و يقول له انت مكلف عليك ان تطيع هذه الأوامر و هو لا يستطيع ان يطيع ، هنا يكون التشريع لغو و باطل .
2 . لغوية الوعد و الوعيد ، التهديد و الوعيد بالنار ليس له معنى و نراه في القرآن موجود ،
يقول الله تعالى وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ( 8 ) لهم اللعنة و لهم سوء الدار وهم ليس بإختيارهم شيء ، إذا ً لماذا هذا التهديد ، الله يأخذ من يشاء من الناس الى النار و من يشاء الى الجنة من غير شيء ، لا معنى لهذا التهديد و لهذا الوعيد فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ( 9 ) ليس لهذه الاية معنى إذا قلنا بأن الإنسان مجبور و ليس له دخل في أفعاله .
3 . عدم صحة الثواب و العقاب ، يقول مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى هذا الثواب و هذا العقاب ليس له معنى ، الذي يهتدي له ثواب و الذي يضل له ثواب ليس لإهتدائه معنى اساساً و ليس للثواب معنى لأنه لا يكون لشيء ٍ إختياري ، يكون الإنسان كالآلة يُدخل الجنة او يُدخل النار فلا صحة للثواب و العقاب .
4 . عبثية بعثة الأنبياء و الرسول مع عدم قدرة الإنسان على الإختيار و الأخذ و الرد و الرفض ، إذا كان الإنسان لا يستطيع ان يرفض ما ياتي به النبي او يأخذ ما يأتي به النبي ، الله من بين الناس فرض على مجموعة ان تتبع الكلام و فرض على مجموعة ان تعصي ، إذا ً ليس لبعثة الأنبياء معنى و الله سبحانه و تعالى جعل في التعبير القرآني لها معنى قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ( 10 ) يعني هناك إختيار لكم و إستجابة للرسول هي دعوة لحياتكم .
5 . لغوية الإختبار ، الله سبحانه و تعالى قال أجعلكم في الدنيا تحت اختبار و إمتحان ، كيف و هم ليس لهم إرداة ، هم مجبورون ليس لهم دخل في أفعالهم ، هل تستطيع ان تأتي بشخص مجنون و تقول له اختبرك ؟ كيف إذا كان اكثر من مجنون ليس له إختيار من الأساس فيكون الإختبار لغو و ليس له معنى ، و الله اثبته في القرآن قال تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( 11 ) الله جعل الإختبار لابد ان يكون له معنى .
6 . لغوية القضاء و الحساب و الجزاء ، يوم القيامة توضع الموازين و يحاسب و يعاتب و اخذ و عطاء وتشهد عليهم ارجلهم و جلودهم و اعضائهم كل ذلك ليس له معنى ، لانه من غير إختيار ، لماذا القضاء فالقضاء يحاسب فيه من يأتي بفعل إختياري ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَالْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( 12 ) وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كيف يوفون اجروهم و هم ليس لهم إختيار ؟ .
7 . التساوي بين المطيع و العاصي ، لماذا التفريق و الله و سبحانه و تعالى يفرق و يقول هناك أُناس متميزون و اناس اقل و اناس الى جهنم لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ( 13 ) و يقول تعالى لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا تمييز بين صنف المؤمنين فما بالك بين المؤمن و بين الكافر ، إذا ً هذا التميز يكون إذا كان هناك إختيار و إلا ليس له معنى ،
الجهة الثانية ، لوازم سلوكية باطلة ،
1 .تبرير الظلم و الفجور و انه من إرادة الله تعالى فلا يعترض عليه وهو ما صنعه حكام الجور في وقتها الذين ركزوا مبدأ الجبر لانهم ارادوا ان لا يحاسبهم احد فقالوا بالجبر فكلما ظلم يقول هذا من الله ، بل رووا احاديث في ذلك و قالوا ان الذي يصبر على الحاكم الجائر الظالم اجره اكثر من الذي يصبر عند حاكم عدل فبرروا ظلمهم بهذا .
2 . تبرير كل فعل ٍ قبيح لأنه من الله و ليس للفاعل دخل ، لا تقول لماذا ذاك الفرد ارتكب الفاحشة يقول ليس دخل فيها .
3 . تبرير الكسل في إصلاح النفس و العمل ، الذي لا يعمل و يكسل سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ( 14 ) كذبوا لانهم يعلمون انهم عندهم إختيار و الله لم يجبرهم على ذلك .
4 . تثبيط العبد عن العمل لأنه لا يعتقد بأن العمل بيده و ا يعتقد بأن العمل سببا ً لدخول الجنة او النار ، كم من الذين ينحرفون رأيت اشخاص من هؤلاء شخص صار وقت الصلاة فأحد الموجودين قال قوموا نصلي اجابه ما تصنع الصلاة ، الصلاة لا تقدم و لا تؤخر ، اتى بكم حديث ، يقول كم من الاشخاص يعمل و بينه و بين الجنة ذراع و الله يدخله النار ، و كم شخص يأتي بأعمال الفاسدين و الفاسقين و بينه و بين النار ذراع و الله يدخله الجنة ، إذا الصلاة ليس لها معنى هذا تثبيط .
خامسا ً ، آثار القول بالإختيار ،
1 . صحة التكليف ، أن الإنسان يشعر بصحة التكليف و ما مر يفند .
2 . إمكانية التربية على محسان الإخلاق ، عندما تقول بالإختيار يمكن التربية إلا إذا لم يكن الإنسان مخير لا يمكن تربيته ، إنما بعثت لأتمم مكارك الأخلاق .
3 . قيمة القانون و الإلتزام به ، القانون له قيمة إذا كان الإنسان يستطيع ان يلتزم و يستطيع ان يخالف ، إذا لم يكن له دخل في الإلتزام بالقانون لا يكون للقانون معنى .
4 . بعقيدة الإختيار يكون الإنسان مسؤولا ً عن التغيير و رفع الظلم عنه و عن المجتمع ،
الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( 15 ).
5 . التحفيز على العمل و الطاعات و فعل الخيرات تحفز من عنده إختيار و ليس من هو مجبور و مسلوب الإختيار ، مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (16) هناك تحفيز الذي يريد الخير الله سبحانه و تعالى يعطيه ، أما بالقول بالجبر فلا يكون للتحفيز معنى و الإنسان يكون آلة لا يتقدم في شيء .
الهوامش ،
1 . سورة يس الاية 54
2 . سورة النحل الاية 33
3 . سورة التكوير الايتان 27 -28
4 . سورة التكوير الاية 29
5 . سورة العنكبوت الاية 69
- سورة الاسراء الاية 20
7 . سورة البقرة الاية 38
8 . سورة الرعد الاية 25
9 . سورة الزلزلة الايتان 7- 8
10 . سورة الأنفال الآية 24
11 . سورة الملك الاية 2
12 . سورة يونس الاية 93
13 . سورة الحشر الاية 20
14 . سورة الأنعام الاية 148
15 . سورة غافر الاية 17
16 . سورة الشورى الاية 20