22/6/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
هذه الاية تعطي دروسا ً في الحياة في اكثر من جانب ، منها في تنظيم ظاهر الإنسان و جمال الإنسان الظاهري ، و في جانب ٍ آخر في الكل و الشرب و الصحة و العبادة كل هذا دروس في هذه الاية ،
اولا ً : المفردات ،
خُذُوا زِينَتَكُمْ تعني التزين الجميل ، أي تزينوا ،
عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ أي مواضع العبادة و هي تشمل مواضع الصلاة ، كالصلاة جماعة و صلاة العيد و الجُمع و غيرها فهي ليست خاصة بما هو تعبير المسجد الذي هو معهود عندنا كما مر لأن هذه السورة نزلت في مكة و لم تكن هناك مساجد قبلها فهي تعني مواضع العبادة بصورة عامة ومن ضمنها و تشمل بإطلاقها المساجد ايضا ،
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا أمران إباحيان لرفع توهم الحضر كما يأتي في سبب النزول ، يذكرون انه إذا جاء الأمر في أمر ٍ فيه توهم الحرمة فإن الأمر فيه يعني الإباحة و ليس الوجوب ،
وَلَا تُسْرِفُوا قال الراغب السرف تجاوز الحد في كل ِ فعل ٍ يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر ، فهو يشمل الإنفاق و الكل و الشرب و غيره و لكن في هذا الجانب أشهر و معروف ٌ أكثر .
ثانيا : سبب النزول ،
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ
عن ابن عباس قال كانت المرأة في الجاهلية تطوف بالبيت و هي عريانة و على فرجها خرقة وهي تقول اليوم يبدوا بعضه او كله و ما بدا منه فلا احله ، فنزلت الآية يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ و نزلت قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ التي تأتي بعد هذه الآية مباشرة ،
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ما هو سبب نزول هذا المقطع ايضا ؟
قيل كان في الجاهلية لا يأكلون إلا قوتا ً و لا يأكلون دسما ً في أيام حجهم يعظمون بذلك الحج فقال المسلمون يا رسول الله نحن احق بذلك فأنزل الله تعالى و كلوا أي اللحم و الدسم كلوا و إشربوا ، يعني كانوا لا ياكلون تعظيما للحج الله سبحانه و تعالى انبأ المسلمين ان هذا ليس حراما ً فكلوا .
ثالثا ً : البيان ،
- يَا بَنِي آدَمَ هذا خطاب ٌ من الخطابات العامة التي ذكرنا انه إذا جاء الخطاب فيه يا بني آدم فهو ليس خاص بالمسلمين و إنما يكون شاملا ً لجميع الفرق و جميع الديانات و لجميع الأزمنة و ليس خاصا ً بزمان و ليس من الأحكام التي تنسخ و إنما هو عام و قواعد عامة تبقى سارية المفعول مدى الزمان .
- يَا بَنِي آدَمَ تعني تجملوا عند كل عبادة و في كل مسجد ، أمر ٌ بالتجمل بالتزين في موضع كل عبادة و يشمل جانبين ، الجانب المادي و الجانب الجسماني ،
الله سبحانه و تعالى يقول خذوا زينتكم تجملوا يشمل اللباس الطاهر الجميل يعني صلوا و اتوا للصلاة بلباس جميل ٍ طاهر ،
و تشمل النظافة و الغسل و الإستحمام و الروايات في ذلك كثير و تشمل تمشيط الشعر و تقليم الاظافر و تشمل الطيب و التعطر ،
كما ورد في الاحاديث ان الشخص لو انفق من الاموال على الطيب و التطيب اكثر مما ينفق على الاكل لم يكن مسرفا لان الله يريد ان يكون جميلا ً ،
الجانب الثانية وهو المعنوي الزينة المعنوية و يشمل الصفات الجميلة و الخلاق الحميدة يعني يقول الله إذا اردتم ان تأتوا للمسجد تعالوا بأخلاقكم كونوا بأخلاق عالية جميلة لا يأتي الشخص المسجد و اخلاقه سيئة ،
و يشمل الصفاء الروحي ، تَعَالَ للمسجد ولكن بصفاء روحي لا تأتي و انت تحمل حقد ، لا تأتي و تجتمع في صلاة الجماعة و تصطف في صلة الجماعة و بينك و بين من في جانبك حقد ، البعض يصلي و لكن يتحسس من في جنبه و البعض إذا جاء شخص جنبه يذهب لآخر الصف او الى الوراء او يخرج من المسجد هذا ليس صحيح ، يأتي للمسجد بصفات جميلة بصفاء روحي لا يحمل حقد ابدا ً و يشمل صفاء النية ان تكون نيته لله سبحانه و تعالى يخلص النية لله سبحانه و تعالى .
- عن كل مسجد ، هذه عامة لتشمل كل مواقع التقرب ، تشمل صلاة الجمعة و صلاة العيدين و غير ذلك وليست خاصة بالمسجد و يستنتج من هذه الآية ان الزينة للمسجد مطلوبة الله يأمر بالزينة في المسجد و في الصلاة فلا تقول أزهد و تأتي من غير تجمل ، الله يريد هذا التجمل في المسجد يريد ان تكون في صلاتك جميلا ً في اللباس في النظافة في كل شيء ، لا تكن صلاتك في اللباس الذي تخجل ان تدخل به على احد ، البعض يخجل ان يدخل على سلطان او مسؤول بلباس معين فيلبس و يتزين و يرتب نفسه و لكنه في الصلاة غير ذلك ، الله سبحانه و تعالى يريد ان يكون الشخص جميل في صلاته متزين ان يكون في لباسه في الصلاة متستر الاية تحدثت ان سبب النزول الستر ان يكونفي صلاته مستورا ً البعض يلبس لباس ناقص ليس فيه ستر كافي هذا غير مطلوب الله يأمر بخلاف ذلك ، البعض يشتكي من لباس البعض المصلين انه إذا سجد ينكشف جزء من جسمه هذا غير صحيح ، فالمطلوب لباس ساتر و جميل ،
- وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ هذه الاية الجامعة المانعة لكل ضبط ، يعني كما يقول في المنطق جامع مانع ليس هناك شيء جامع مانع فيه البلاغة و الحكمة كما هذه الفقرة وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و هذه ابلغ ما يمكن ان يتصوره متصور في حكمة القول و هي ضابطة ٌ لعدم الإنفلات و الإسراف و التبذير بعد توهم الحضر كما ان إذا شخص يشك ان هذا ممنوع حرام كما كان في الجاهلية يمتنعون فيأتي الأمر ويقول لهم كلوا و إشربوا ليس معناه يجب ان تأكل و إنما معناه ليس هناك حرمة يجوز فهو رفع التوهم للحضر و لكن بضبط ٍ معين هذا الضبط يقول كلوا و لكن من غير إسراف ، كلمة الإسراف كلمة جامعة تشمل كل أنواعا لإفراط و من ذلك على سبيل المثال تشمل العبث في اللباس و الأكل ، الذي يعبث في لباسه و يكون لباسه زائد فهي تشمله ، تشمل الزيادة عن الحاجة في لباسه لانه حرام هذا نهي ٌ بالحرمة اكله زائد حرمة ، و تشمل النوع المضر و إن لم يكن من جهة الكم الزائد لذلك الآية بليغة يعني الاية تختلف عن الحكم كلها ، لذلك بعض الحكماء يقول في هذا المجال
كل تشتهي قم تشتهي
هي حكمة لا تنتهي
يقال له هذه حكمة و لكنها ناقصة لانك قد تأكل شيء محرم او تأكل شيء ضار فتأكله و انت تشتهي و تقوم انت تشتهي اما هذه الاية تقول يأكل ليس فيه زيادة و ليس فيه مضرة و ليس فيه حرمة و ليس فيه ضرر و لا يؤدي الى امراض و كل ما فيه سلب فهو إسراف فهي تجعل الشخص يكون مضبوطا ً من جميع الجوانب من الجوانب الصحية و الشرعية من كل جهة ٍ تتخيلها و تجد فيها خلل فهو إسراف ٌ مرفوض و هو محرم .
5 . إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ النظرة الإسلامية لكل شيء ٍ الوسط و الإعتدال ، السرف مرفوض وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( 1 ) كونوا وسطا ً لتكونوا ميزان تُقاس به الأعمال ، و تُقاس الأمم إليكم بإستقامتكم و انتم تقاسون الى الرسول صل الله عليه واله ،
إذا ً الإسلام لا يرفض غريزة حب الجمال و هي غريزة اصلية من الغرائز يقول تزينوا تجملوا هذه الغريزة و هذا البعد طبيعي و لكن لا تكبتوه فينفلت و لا تقننوا الإنفلات ، البعض يقول أريد ان اكون زاهد فيضغط على نفسه فتكون ردة الفعل إنفلات ، او ان البعض يقنن الإنفلات و التزين المحرم و الخروج عن حد الإعتدال الحالتين خطأ ، فجوز الإسلام التمتع بجمال الطبيعة و جوز إستعمال الألبسة الجميلة في أهم المواضع و هي العبادة ، بل حبب إستعمال الطيب و العطور للصلاة ، كما يقال تحفت الصائم الطيب و غير ذلك ، المهم ان لا يسلك الشخص الإفراط و الزيادة و لا التفريط بحيث يمنع نفسه عن الأكل .
الهوامش ،
- سورة البقرة الاية 143