1/7/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ( 1 )
حديثنا حول هذه الاية ،
اولا ً : المفردات ،
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ الأمة هي الجماعة التي لها مقصد واحد و هي مأخوذة من أمه أي قصده ، فالأمة هي ما يجمعها هدف واحد و مقصد واحد ، تجتمع جماعة على شيء ٍ واحد تسمى امة سواء أمة كبيرة او كانت صغيرة ، بل حتى الجماعات الصغيرة اذا كانت تشترك في هدف ٍ واحد فهي أمة ،
أجَلٌ الوقت المضروب و المحدد ،
لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً أي لا يطلبون التأخير او لا يؤخرون ،
سَاعَةً ، الساعة أصغر وحدة زمنية بمعنى أقل قدر ٍ من الزمان ، و إن كان في وقتنا تغير المصطلح لما هو معهود ٌ من الساعة التي تؤخذ من تقسيم اليوم ارعة و عشرين ساعة ،
وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ أي و لا يتقدمون .
ثانيا ً : البيان ،
- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، و عيد من الله تعالى لكفار قريش بأن الكفر و الجحود لا يجعل الإنسان دائما ً في هذه الحياة بل لابد ان يعقب هذا الجحود تدمير ٌ و فناء ُ و هلاك ٌ للجاحدين الكافرين ، فهو تهديد ٌ لهم بالإستئصال و الفناء و الإنتهاء .
- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، الاية تقول ليس لأحد الخلود مطلقا ً في هذه الأرض وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ، كل البشر لا يكونون خالدين لا يبقون في هذه الدنيا ،
و ذلك لان ،
أ . لكل فرد اجل و عمر محدد و لا بد ان يخرج ، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ الدنيا يعيش فيها الإنسان ثم يموت ،
ب . الأمم كذلك ، تدل الآية كذلك ان الامم أيضا ً لها اجل و عمر محدد في علم الله سبحانه و تعالى كما ان الأفراد لهم عمر محدد و يموتون ، الأمم بما هي امة لها عمر ٌ محدد ، و لا ينافي كون الأجل معلوم عند الله ان له أسباب ،
يعني ربما يقول الشخص ما هو السبب لموتهم و فنائهم هل ان الله يجبرهم و يجبر الامم ان تنتهي ، نقول لا بل ان الله كما مرالحديث علمه بالأجل لا يعني الجبر على الموت ، علمه بأن هذه الأمة سوف تأخذ بأسباب سوف تؤدي إلى فنائها و إندثارها لا يعني ان الله حبرها على ذلك و إنما لها اجل في علم الله يكشف ما سوف تؤول إليه بإختيارها ،
كل امة و كل فرد ٍ في الحياة إنما يأخذ نصيبه ، كأن هذه الآية تتحدث هكذا الحياة مسير ٌ يسير فيه الإنسان و يدخل فيه و ليس لأحد ان يبقى فيه أبدا ً له أجل له مرحلة يدخل فيها ثم يخرج من هذه الدنيا فعليه ان يكون النظر لما بعد هذه المرحلة ، الآية تحذر و تقول لا تغفل عن ما بعد هذه الحياة فهي لم تأتي لتتحدث عن الموت فقط و إنما تتحدث عن ما بعد الموت ، أن تتهيأ لما بعد الموت تعلم ان هناك اجل و ان هناك نهاية و الإنسان ينتهي إذا ً لابد ان يكون نظره على ما بعد الموت .
- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، قيل في معناه و يمكن في بعضها ان يُقال أيضا ً ،
أ . أن لكل أمة ٍ عمر محدد يموت فيه الناس عادة ً ، هذا القول يقول وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ليس هو ما ذكرناه و إنما يعني أن الأمم لها أعمار مثلا ً في هذه الأمة التي نعيشها الناس تموت عند أقل من مئة سنة فعمر الناس هكذا محدد ،
في تلك الأم مثلا ً في زمن النبي يوسف كان الناس يعيشون خمسئمة سنة فيقال تلك الأمة لها عمر هكذا ، و هذه الأمة لها عمر مئة سنة ، أمة اخرى لها عمر ألف سنة فلكل أمة عمر محدد أجل محدد هذا قول .
بـ . ان إهلاك الأمم إنما يكون بعد الأجل الذي منحهم الله إياه وهو إتمام الحجة عليهم ، لكل أمة اجل يعني فرصة الله سبحانه و تعالى يتم عليهم الحجة و ينتهي ، وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ( 3 ) ، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ( 4 ) ، الأجل ان يكون لها كتاب و لها بيان و لها حجة عليها .
جــ . المراد بالأجل العمر الذي هو مدة الحياة وهو الأظهر ، المقصود هو العمر الذي تعيشه الأمه نفسها هي و ليس الطول الصغر و ما ذكرنا قبلا ً .
- فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ قيل فيه ،
أ . أي قرب أجلهم أي موتهم الحقيقي ، إذا جاء أجل هذه الأمة يعني إقترب الموت الحقيقي بأسبابه التي تأتي و التي تُذكر .
بـ . الأجل المعنوي ، قيل إذا جاء اجلهم المعنوي و الفكري و الثقافي و سيأتي الحديث عنه ، فلها أجل من جانب وجود الأمة لأن وجود الأمة كما يأتي ليس وجود الأمة كأفراد و إنما تُسمى أمة بفكرها بثقافتها بهويتها ، بما تجتمع عليه في تعريف الأمة في بادء الكلام تسمى أمة .
- لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ،
قيل في معناه ،
أ . إذا جاء أجلهم لا يتأخرون ساعة ً و لا يتقدمون ، أي لا يؤخرون و لا يقدمون و يتأخر او يتقدم هو ،
بـ . لا يطلبون التاخير و لا يطلبون التقديم ، إذا جاء الأجل و رأوا علامات الموت هم لا يطلبون التأخير ، الذي يرى علامات الموت و حضور الملائكة و يرى كل شيء أمامه لا يطلب التأخير .
ثالثا ً : سنن الغيير و موت الأمم ،
طبعا ً هناك سنن كونية ، من ضمن هذه السنن التغير الذي يكون في الأمم ،
- لأمم حياة كالأفراد ، حياة ثقافية خاصة و حية ، كيف نعرف ان هذه الثقافة حية ، ترون الأمم بثقافتها و ثقافة ليست ميته حتى الجاهلية ليست ميتة فيها حياة فيها نمو فيها سقوط فيها تقدم فيها تأخر ، كمثال لها ، حياة اللهجة او اللغة ، اللغة لها حياة فهي تنمو و تتأخر و تتراجع و تتقدم ، مثلا الآن لو أن شخص ساكن في بلد آخرى و تعلم لغة تلك قبل عشرين سنة رجع الان لبده و بعد عشرين سنة اراد الرجوع لتلك البلد يرى لهجتهم مختلفة عنما عن ما تعلمه هو قبلا ً و هي اللغة نفسها ، البحرين لو أردنا ان نتحدث بلهجة البحارنة قبل عشرين سنة تراها مختلفة عن اللهجة الحالية يقولون لانها تتغير فيها حياة ليست ثابته ليست راكدة ، فالأمم لها حياة ثقافية متغيرة لها ذووق خاص لهجة خاصة الى اخره ، فكل امة لها شأن خاص و ترى هذا في تغير مستمر .
- لإستمرار أي أمة تحتاج الى استمرار عدد من السنين كثيرة لتبقى أمة ثابته ، بعض العلماء في هذا المجال يقولون تحتاج الى ثلاث مشة سنة حتى تكون امة ثابته لا تتغير تبقى مستمرة على منهجها لذلك قالوا ان وظيفة الأئمة عليهم السلام هو الحفاظ على الإسلام فكان لابد ان يتحملوا المشاق و الصعوبات حتى يسير الإسلام و يبقى ولو بصورته الظاهرية و بشكله الظاهري ، فإذا إستمر و رسخ جيل بعد جيل بعد ذلك يكون ثابت تغيره يكون شبه مستحيل يكون صعب ، لذلك يقولون عندما يأتي شخص و يعتقد عقيدة اخرى وتناقشه و ترشده فيقتنع بمنهجك و عقيدتك يتحول ، يقولون التأثير الذي توقعه عليه انت لا يتعدى الثلاثين بالمئة من ناحية نفسية مع انه إقتنع فكريا ً لكن لم يكن كاملا ً في الجيل الثاني يتغير ايضا ً ثلاثين ولده في الجيل الثالث يصل الى تسعين و هكذا يتغير و يكون بعد ذلك تغير حقيقي و عميق و حتى يستمر عن التراجع يحتاج الى سنين طويلة .
- مثلان للثقافة في حياة الأمم و التضارب فيها ، تكريم البنت او دفنها و إعتبارها عار تجد مجتمع بثقافته يعتبر ان وئد البنت كما كان في الجزيرة العربية في الحجاز يعتبرونه فخر و شرف و إذا أبقى البنت ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ( 5 ) * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ( 6 ) يعتبره عار وهو صادق في نفسه الفكرة خطأ لكنه صادق في حملها متأثر بها و تذهب ، و تذهب لليمن و هي مسافة ليست بعيدة إمرأة تحكم و المجتمع مختلف ، تذهب في هذا العصر الى بعض الدول حتى في أفريقيا يبيعون الأولاد ، قبل فترات تصويت في البرلمان هل يقنون قانون يجرم بيع الأولاد نتيجة التصويت كلهم يرفضون ، انه إترك الناس ، الناس يريدون و يطالبون ان يبيعون اولادهم ، في مكان آخر يضحي بنفسه و بكل شيء من أجل ولده ، هذه ثقافة و حياة في الناس هكذا يكونون و هي تربية يبقى لها أثرها في نفوس الناس .
- الهلاك لا يخص الظالمين و إنما يشمل حتى الصالحين في الأمم ، إذا فسدت الأمة لذلك يقول تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 7 )
الهوامش ،
- سورة الأعراف الاية 34
- سورة الأعراف الاية 25
- سورة الحجر الآية 4
- سورة المؤمنون الاية 43
- سورة النحل الاية 58
- سورة النحل الاية 59
- سورة النفال الاية 25