19/7/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 1 )
هاتان الآيتان تصفان رحمة الله بعباده المؤمنين و هي من الوعد الآلهي الذي وعد به عباده الصالحين و المؤمنين غير المستكبرين المستجيبين لدعوة الله ،
و في هذا اسلوب قرآني واضح وهو اسلوب ٌ تربوي ، و القرآن يكثر فيه هذا الإسلوب في التركيز على نقاط منها البيان العقلي و طرح الحجة و ضحد الحجة بالحجة ، القرآن يذكر في براهينه البراهين العقلية و من أسلوبه أسلوب الوعيد و التهديد و التخويف بالنار ،
و من إسلوبه الوعد بالجزاء و العطاء الحسن و الرحمة و هذا إسلوب واضح ظاهر ٌ في القرآن لا يخفى على قارئ ٍ لأي جزءٍ او سورة من القرآن ، ربما نستطيع ان نقول ذلك في جميع مفاصل القرآن يوجد هناك وعد ٌو وعيد يوجد تخويف بالنار و يوجد ترغيب ٌ في الجنة ظاهر ٌ واضح وهو ما يتناسب مع عامة الناس ،
الناس بطبيعتها تخاف و تحب فالتخويف من الجحيم موجود ٌ في القرآن و الترغيب في الجنة موجود في القرآن وهو إسلوب صحيح ٌ و تربوي و ليس فيه خطأ فليس من الصحيح ان يعترض احد و يقول لماذا تخوفون من النار الإنسان الطبيعي هو الذي يخاف و يحذر و يتجنب ما يخاف و القرآن ذكر ما شاء الله في هذا المجال ، دائما نجد القرآن يذكر الجانبين الجنة و النار و يرغب و يقارن بين اهل الجنة و اهل النار كما في هاتين الآيتين و ما سبقهما من الآيات ،
و هاتان الايتان توطئة لما يأتي من قوله تعالى وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ، ( 2 )
اولا ً : المفردات ،
صُدُورِهِم الصدر ما يصدر جهته التدبير و الرأي ، الصدر هو الإدراة ، و منه قيل للرئيس صدر ،
مِّنْ غِلٍّ الغل هو الحقد و ضغن القلوب و عداوتها و لكن بصورة خفية ، يعيش الناس مثلا بعضهم مع بعض و لكن شخص ٌ يحقد على شخص و هذا الحقد خفي غير ظاهر هذا يسمى غل ،
ثانيا ً : البيان ،
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الطرف المقابل للمكذبين هم المؤمنون ، فأولئك اي الكفار في العذاب و هؤلاء المؤمنون في النعيم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ و هذه جملة كما يقولن من مبتدأ و خبر فالمبتدأ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ و الخبر أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يعني هذا وضع المؤمنين الله يُخبر ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم في الجنة خالدون مصيرهم هذكا ،
و هذه الجملة تبين حال المؤمنين الصالحين و بين هذه الجملة جائت جملة ٌ معترضة في وسط المبتدأ و الخبر و هي لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا الجملة مستقيمة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ و لكن في وسطها
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، فهذه الجملة جائت في الوسط إحتراز تبين هذه الجملة قاعدة عقلية انه ليس هناك تكليف لشخص ٍ غير قابل للتكليف لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا الشخص الغير قادر على التكليف لا يكلف فلا تطلب من الأعمى ان يبصر و لا تطلب من غير العاقل ان يعقل فكل شيء بحسبه قاعدة عقلية ،
و هذه الجملية المعترضة تعطي جوابا ً مقنعا ً على كل سؤال منها ،
- ان الإيمان ليس شيئا ً مستحيلا بل هو في مقدور كل إنسان و إنما الله يطلب المتيسر المقدور لهم .
- ان التكليف لكل احد و لكن بحسبه و بقدرته لا انه ينتفي تماما ً ربما يتصور البعض ان الشخص الذي ليست عنده قدرات كثيرة هذا غير مكلف من الأساس و هذا غير صحيح ، هذه تقول لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ما دام فيها و سع و قدرة فتكلف بحسب هذه القدرة .
- أن الإنسان مكلف ومحاسب بعمله هو بقدر ما يستطيع و بقدر ما يحسن هو مكلف بقدر هذه الإستطاعة و لا يفتدي بعذابات غيره كما قال انصارى انهم يفتدون بعذابات المسيح ان المسيح في نظرهم صلب و عذب وهو يكون سببا لنجاتهم فلا حاجة لأعمالهم يفتدون بما تعرض له المسيح و هذا غير صحيح .
- هذه الجملة هي تخفيف على المؤمنين و تشجيعا ً لهم لأن كلمة الصالحات وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ربما يخطر في بال احد ان هذا الوعد وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الصالحات اعمال كثيرة إذا ً لو أن شخص نقص من الصالحات فهو الى جهنم الاية تقول ليس كذلك ، هي تخفيف على الناس و تشجيع لهم و تحفيز لهم أن كل شخص بحسبه بقدرته لا نكلف نفسا ً إلا وسعها .
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
وضع المحبة و الطمئنينة مقابل الغل و الحسد ، تغير الأمر في النار هناك حسد هناك نزاع هناك خصام وهنا في الجنة محبة و ليس هناك غل و لا شيء يكون في النفس كله ينزعه الله و يجعل الطمئنينة و المحبة بين المؤمنين ،
بعد أن بين الله في الآيات السابقة وضع اهل النار ، وضع اهل النار انهم يتلاعنون فيها كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا و يتخاصمون إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أهل النار وضعهم سيئ و إذا في الجانب الآخر في الجنة نعيم محبة صفاء قلوب طاهرة إلى غير ذلك ،
إن اهل الجنة في مأمن من هذه الأمراض الخفية التي هي سبب لكل شقاء حتى في الدنيا الحقد و الحسد و الضغينة سبب لكل شقاء ، إنهم في رضوان الله تعالى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ راضون بما عندهم و بما عندهم فلا حسد بينهم الذي في الرتبة في اعلى عليين لا يتكبر على دونه و الذي هو في رتبة قليلة لا يحسد من هو أعلى منه كلهم في رضا و كلهم في سعادة ،
الاية تشير الى ان أهل الجنة في طهارة و جمال ظاهريٍ و باطني ، يروي السدي قال إن اهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فيشربون من احداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور و إغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا و لن يشحبوا بعدها ابدا ً ، يعني قلوبهم طاهرة و اجسامهم نقية طاهرة و جميلة ليس فيها شحوب ابدا ً .
تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
بعد تلك النعم المعنوية و الجسمانية يأتي دور النعم المادية فهم في بحبوحة من العيش تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
و هي إشارة للنعيم المستمر
تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
يقول السيد الطباطبائي هي إشارة الى انهم يسكنون في قصور عالية و الأنهار تجري من تحتهم ،
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ،
ثم تبين الرضا و الشكر الذي يوجب الزيادة و الكمال لهم لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ( 3 ) ،
تبين انهم مُخَلصون لله بحدمة إذا جاء بحث الحمد يتبين من سياقها انهم يحمدون الله خالصين فيكونون مُخَلصين لله سبحانه و تعالى ، و تبين انهم في هداية ٍ تامة و لا ضلال فيها ابدا ً ،
وتبين ايضا انما الهداية هي بتوفيق ٍ من الله تعالى و ليس من عند انفسهم ، و سددهم الله في ذلك ،
وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ،
وهنا يأتي النداء انكم عملتم و إجتهدتم و على أثر عملكم نلتم هذه الدرجة ، إذا ً العمل له دور فـدور العمل في النتيجة مهم ، فلا يقل شخص انني اصل الى الجنة بغير عمل ، لا يمكن ان يصل لهذه الجنة و لمقاماتها و للسعادة من غير عمل فيكون التأكيد على ان الجنة و دخول الجنة إنما يكون رهن العمل ،
و يستنتج انه لا جبر ولا تفويض و انما العمل ، الإنسان يعمل و لا يمكن ان يقول الله له ان عملت ادخلك الجنة و لا يعطيه القدرة على العمل ، فلابد ان يكون قادرا ً على العمل و يعمل بإختياره فيحصد نتاج هذا العمل و بإختياره ،
و الجنة إرث ٌ لهم لأنها كانها كانت في معرض متناول الجميع ، الجنة الله سبحانه و تعالى لم يخلقها بأسماء محدده و إنما خلقها لكل من يطيع و الروايات تؤكد حتى الكافرين لهم مواضع في الجنة و حتى المؤمنين لهم مواضع في النار و لكن التقوى جعلت المؤمن يدخل الجنة فيكون هو الوارث يأخذ الجنة كلها و ما كان بإسم اولئك ان لو إستقاموا لنالوا ينالها المؤمن و ذاك يأخذ القسم الذي في النار ،
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يأخذون افردوس بإيمانهم
الهوامش ،
- سورة الأعراف الآيتان 42-43
- سورة الأعراف الاية 44
- سورة ق الاية 35