بسم الله الرحمن الرحيم
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ( 1 )
تتنقل الآيات و تقارن بين وضع المؤمنين في الجنة و وضع الكافرين و المستكبرين كما مر في الآيات السابقة في بعض الآيات وصفت حال الكافرين حال الوفاة وو ضفتهم في النار و وصفت آيات ٌ اخرى وضع المؤمنين في الجنة و وصفت آيات ٌ آخرى إختلاف أهل النار و تخاصمهم في النار و هنا هاتان الآيتان تبينان الحوار و الحديث الدائر بين أهل و الجنة و اهل النار و كل ٌ في موضعه و هم يتحدثون لبعضهم البعض
و تبين الحسرة و الندامة عند الكافرين على ما فرطوا من أعمال و ما قصروا و على كفرهم و طغيانهم و إستكبارهم و إصرارهم على ما هو واضح و بين من الآيات البينات و تبين قبطة المؤمنين و فرح المؤمنين بوضعهم و فوزهم وما نالوه من أعمالهم ،
البيان ،
قوله تعالى وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ ،
نستفيد من هذا المقطع ،
- البلاغة القرآنية ، وَنَادَىٰ فعل ٌ ماضي ٍ لكنه يتحدث عن المستقبل ففيه بلاغة كأن المستقبل قد وقع و هي لغة تستعمل في البلاغة و التعبير البلاغي ما نقول قد قامت الصلاة و هي لم تقم بعد و إنما أشرفت ، او كما نقول في المسائل الشرعية إذا شك المكلف مثلا لو تيقن الحدث توضأ ، فتوضأ فعل ماضي و لكن تشير الى انه يجب ان يتوضأ ، يستعمل لكون من يتحدث بهذا الفعل يريد ان المكلف ملتزم و نعتبر المسألة فارغة ٌ في حقه و أنه يستجيب ، و كذلك إذا أرسل شخص رسالة إلى ضيافة لأمر لمساعدة يبين في نفس الرسالة بعبارة و نشكركم على إسجابتكم و على ما تفضلتم به من تلبية دعوتنا و هم لا زالوا لم يستجيبوا فهو تعبير ٌ بلاغي يبين ان المستقبل حادث لا محالة انه في يوم القيامة يكون هذا النداء و هذا الحوار بين اهل الجنة و اهل النار .
- النداء يفيد إختلاف الأماكن و يفيد إختلاف المقامات ، أن مقام اهل الجنة يختلف عن مقام اهل النار .
- نداء غبطة و وضع غبطة عند المؤمنين بفوزهم و تحقيق امالهم فكأنهم يعبرون عن فرحهم بهذا القول وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فهم يقرون فرحا ً بما نالوا و حققوا من الفوز .
- ونداء سخرية و تهكم و إستهزاء من اصحاب الجنة بأصحاب النار ، إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ( 2 ) حتى لا يستغرب المستمع انه كيف يحق و كيف يناسب ان الذين نزع الله ما في قلوبهم من غل و من حقد يستهزئون ، هنا نجد القرآن يقول و يعبر عن وجوده فعلا و واقعا ً إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ الى ان يقول فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ( 3 ) ،
ليس كل إستهزاء و سخرية باطل ، هذا السؤال الذي يحدث في النفس انه هل هذا الإستهزاء الباطل يصدر من أهل الجنة ،
نقول ليس كل إستهزاء و سخرية باطل ، السخرية الباطلة هي اللغو بلا سبب ٍ عقلائي ، و من امثلة السخرية التي فيها هدف ما ورد في هذه الآية ،
أ . السخرية مقابل سخرية ، كانوا يسخرون منا نسخر منهم يقول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ الأمر مقابل فليس فيه ضير ،
إذا ً السخرية المقبولة و ربما في بعضها مطلوبة هي التي تكون مقابل سخرية كالتكبر على المتكبر عبادة وكما في قوله تعالى عن النبي نوح وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ( 4 ) مقابل فليس هناك ضير .
بــ . سخرية العذاب يوم القيامة الله سبحانه و تعالى جعل صنوف من العذاب للكافرين و من صنوف العذاب السخرية منهم و الإستهزاء بهم و هو عذاب من جنس العمل لأنهم كانوا يستهزئون بغيرهم ، لو تجلس في مجالس المتكبرين تجد هذا موجود ، الكستكبرين الغطاة المتجبرين يسخرون من المؤمنين و من الطاهرين و المتطهرين فتكون السخرية يوم القيامة عذابا ً لهم و هي من جنس عملهم ،
إذا ً في الآخرة عذاب ٌ توعدهم الله به و لا بد ان ينالوه فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ عادت إليهم سخريتهم .
- إقرار ٌ من أهل الجنة ، اهل الجنة في هذه الآية يقرون أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا يتضمن هذا الإقرار الشكر لله الأعتراف بفضل الله و أنهم نالوا و وصلوا الى ما وصلوا اليه بعملهم و إخلاصهم و إيمانهم .
- أخذ الإقرار على الكافرين كمقدمة للعذاب ، التساؤل الذي حصل ليقر الكافر بأنهم رأوا الحق فيأتيهم العذاب .
- جهات أخذ الإقرار ، من الذي يأخذ منهم الإقرار ، اله يأخذ اٌلإقرار كام يقول تعالى وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 5 ) الله اخذ عليهم الإقرار ، أيضا ً أصحاب الجنة أخذوا الإقرار كما أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا يسألونهم فيقرون فيكون الإقرار ايضا من اصحاب الجنة
أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ،
في هذا المقطع وجوه ،
الوجه الأول : التشريف ،
الله سبحانه و تعالى شرف لأنه ذكر المؤمنين و جعلهم مفعولاً به في تحقيق ما رأوه ، ذكر المفعول به وهم المؤمنون تشريفا ً لهم لأن الوعد عام للجميع و لكن في الاية نرى مَا وَعَدَنَا الــ ن و أ و عدنا مفعول به ذكر ان الوعد خاص لهم يعني تشريف لهم ، الوعد ليس خاص بالمؤمنين الوعد هام لجميع البشر بل حتى للنبي صل الله عليه واله الوعد له بالجنة و الوعيد ايضا بالنار مع المعصية ، حتى للاولياء كما في قوله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( 6 ) المخاطب هو النبي صل الله عليه واله و الوعد و الوعيد عام ولكن هنا جائت مخصصة بالمؤمنين يوم القيامة تشريفا ً لهم ،
الوجه الثاني :
- الوعد خاص ليس ناظرا ً للتشريف و إنما هو خاص للمؤمنين لأن الله سبحانه و تعالى وعد المؤمنين بخصوصيات اكثر من الإيمان بالبعث الكافرون يخاطبونهم بأن هناك بعث ام المؤمن يخاطب لأن هناك بعث و هناك جنة و في الجنة كذا و كذا تفاصيل فيكون الوعد بالخصوصيات للمؤمنين فعندما يتحدث المؤمنون يوم القيامة أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا يقولون وجدنا هذه الخصوصيات التي وعدنا الله لما كنا في الدنيا وجدناها الان حقا .
- الوعد العام هو للكافرين فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ما قال وعدكم ، وعد عام ولم يذكرهم هم فيقتضي ان يكون هذا الوعد العام مشتركا ً بين المؤمنين و غير المؤمنين في القدر المتفق عليه وهو الوعد بالاخرة بالبعث يوم القيامة .
ومن هذا المقطع نستفيد ايضا ،
- ان الوفاء بالوعد واجب ٌ لأنه حق ٌ للمكلف ، الله سبحانه و تعالى وعد المؤمنين و قال لابد ان يحقق هذا الوعد فوجودا الوعد حقا ًيوم القيامة ، فالوعد للمؤمنين حق و لابد ان يتحقق لأنه حق ٌ للمؤمنين و الوعيد أي التهديد بالنار و العقاب ليس واجب التحقيق لأنه حق ٌ للرب و الرب يمكن ان يرفع حقة و يتنازل عن حقه فليس واجب عليه ان يعاقب فربما يغفر للعصات و لكن بالنسبة للصالحين و أصحاب الحق فإن الله سبحانه و تعالى يعطيهم ، هنا للسيد الطباطبائي ملاحظة يقول و هذا انما يتم في موارد الوعيد الخاصة و مصاديقه في الجملة و أما عدم إنجاز اصل العقاب على المذنب و إبطال أساس المجازات على التخلف فليس كذلك إذ في إبطاله إبطال التشريع من أصله و إخلال النظام العام ، السيد الطباطبائي يقول الله سبحانه و تعالى في جانب الوعيد لا يرفعه تماما ً و إنما يرفع بعض الحالات و يعفو عن بعض الذنوب و لكن يعفو عن جميع الذنوب السيد الطباطبائي ينفيه و يستبعده و ربما يناقش في ذلك لأنه عول على صلاح النظام و عدمه فربما يُشكل عليه ان صلاح النظام وعدمه ما دام النظام قائما ً في الدنيا وإذا ذهب النظام يوم القيامة فلا حاجة للوفاء بالوعيد فيمكن إرتفاعه لأنه ليس له مدخلية في إستقرار النظام الذي يُنظر لأن النظام ينتهي بإنتهاء هذه الدنيا .
- ان العفو و المغفرة لا تشمل الحقوق ، شخص إعتدى على شخص فالمُعَتدى عليه صاحب حق ، كما قلنا ان الله و صاحب الحق هو الذي يعفو ، أيضا ًبالنسبة للآخرين الله سبحانه و تعالى إذا شخص ظلم شخص و سلب حقوق شخص لا يغفر له إلا ان يعفو عنه صاحب الحق او انه يرجع له حقه و من غير ذلك يكون مهما بلغ من رتبة و إيمان كما عن الإمام الباقر عليه السلام كل ذنب ٍ يكفره القتل في سبيل الله إلا الدَين فإنه لا كفارة إلا أدائه او يقضى لصاحبه او يعفو الذي له الحق ، فإذا لم يقضيه هو او ولده او ورثته او احد يتبرع بقضائه و لم يعفو عنه صاحب الحق يبقى و لابد ان ينال جزائه يوم القيامة ، البعض يسألأ هل يمكن ان يكون شخص صدق في اصلاحه و لكنه عده هذا الخطأ نقول يمكن ، الله يعمل كما يقولون تسويه و يصالح بينهم يوم القيامة و يعوضه كما تشير الى ذلك بعض الأحاديث ولكن ما عليه الرأي من العلماء أنه يُحاسب على حقوق الآخرين و يُغفر له .
الهوامش ،
- سورة الأعراف الايتان 44-45
- سورة المطففين الاية 29
- سورة المطففين الاية 34
- سورة هود الآية 38
- سورة الأنعام الاية 30
- سورة الزمر الاية 65