20/5/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ
هذه الايات مقدمة لما سوف تقصه السورة من قصص الأقوام السابقة كما اشرنا سابقا ً و ما حدث بالأقوام السابقة فيها تحذيرٌ شديد وهو ما سيظهر مما وقع على الأقوام من عذاب إستئصال و أخذهم بما اسرفوا على انفسهم و بعصيانهم فقد وقع عليهم عذاب إستئصال و عواقب وخيمة و مؤلمة ،
التحذير موجه ٌ لمن يزرع الفساد و من يكفر بالرسالات سواء ً كان في ذلك الوقت او بعده او ما يأتي من الأزمان إلى يوم القيامة تحذير عام ٌ ليشمل كل من ينحرف عن الرسالة ان العذاب لابد ان يصيبه و يقع عليه ،
و تبين هذه الايات ان العذاب يأتي للناس العاصين و المنحرفين و هم في غفلتهم و هم مستقرون و في رخائهم مع سعادتهم ليلا ً ام نهارا ً و إذا بالعذاب يقع عليهم و يصيبهم ،
اولا ً : المفردات ،
وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا و كم لفظة ٌ موضوعة ُ للتكثير إذا إستعملت في الخبر إذا صار الشخص يخبر عن شيء فيكون كم تعني الكثرة كما تقول مثلا ً إذا رأيت أُناس دخلوا إلى غرفة تقول كم من الرجال دخلوا إلى هذه الغرفة تعني كثيرا ً من الرجال دخلوا ، أما إذا كنت تسأل في مورد السؤال فلا تعطي هذا المعنى تقول كم شخص دخل إلى هنا سؤال فلا تعني الكثرة أما إذا إستعملت كإخبار فتعطي الكثرة ،
مِّن قَرْيَةٍ القرية مركز إجتماع البشر المحل الذي يجتمع فيه الناس يُسمى قرية و قيل انه يُطلق على المدينة أيضا ً ن
فَجَاءَهَا بَأْسُنَا قال الراغب البؤس و البأس و البأساء الشدة و المكروه إلا ان البؤس في الفقر و الحرب اكثر و البأس و البأساء في النكاية و هنا في العذاب جَاءَهَا بَأْسُنَا يعني جاءها عذابنا ،
بياتا ً البيات التبييت وهو قصد العدو ليلا ً وهو نائهم يأتيه العذاب ،
أَوْ هُمْ قَائِلُونَ القائلون من القيلولة وهو النوم في نصف النهار و يُعنى به الراحة عندما يُقال مثلا ً أقلني من البيع اقلني يعني ارحني من هذا خلصن يمنه فالقيلولة هي الراحة ،
فلَنَقُصَّنَّ القصص ما يتلو بعضه بعضا ً لذلك سمي المقص بمقص لأنه يقص متتالي يتبع بعضه بعضا ً .
ثانيا ً : البيان ،
وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا بدأ التذكير بما مر و وقع على من انكر الرسالات بدأ يقص على الناس و على اهل قريش ان هناك أُناس قد وقع عليهم العذاب ثم إعترفوا بأنهم ظالمون و لكن العذاب حاق بهم و أهلكهم ،
فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ لم تقل جاءهم نهارا ً او ليلا ً و إنما هذه فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ إشارة الى
- النكران و الغلفة و الطمئنينة من عدم وقوع عذاب يعني كانوا مطمئنين مستقرين لا يتصورون انهم سيأتيهم العذاب في نكرانهم ينكرون كل شيء و لا يعتقدون ان العذاب سوف يحيق بهم .
- تدل على ان العذاب يأتي بغتة ً لا انه يكون تحذير و يرون العلامات و إنما وقع عليهم مباشرة ً .
- العذاب من جنس العمل كما انهم كانوا يؤذون الناس و ينتهكون حريات الناس و سعادة الناس ايضا سعادتهم سوف تنتهي بهذا العذاب .
- فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فجاءها بأسنا حرف الفاء عادة تفيد التعقيب و هان يأتي الإشكال انه كيف اهلكت ثم جاءها الشدة الجواب ان هذا التفصيل اهلكناها يعني دمرناها كيف دمرناها فصلنا انه جاءها بأسنا و قوتنا و عذابنا و اهلكناها ،
، َمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ تممة للتذكير الالهي و تتضمن ايضا ً
- اننا لا نأخذ إلا من يعلم بما يستحق عندما يعذب الله قوما ً لا يعذبهم و هم لا يستحقون و لا يعذبهم و هم لا يعلمون بالإستحقاق بل يعلمون انهم يستحقون العذاب ثم يعذبهم لذلك قالوا قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ كيف قالوا انا كنا ظالمين لانهم يعلمون بظلمهم يعلمون بإسرافهم يعلمون بإعتداءهم لذلك إعترفوا عندما رأوا العذاب قالوا قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ .
- ان النكران الذي الذي يتظاهرون به في وقت الرخاء ليس حقيقي في وقت الرخاء يقولون ليس هناك إله و لن يصيبنا عذاب هذا ليس حقيقي لذلك إعترفوا عندما إنكشفوا و إنكشفت الأمور قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ .
- ان هذا الإعتراف لا يكون إلا إذا انهدمت أسباب الغرور و التكبر عند المتكبرين و عند العصات و الظالمين لا يأتي الإعتراف إلا إذا إنهدمت أسباب التكبر زالت القوة صار ليس عنده قدرة هنا يعترف و يقول انا ظالم إعذروني سامحوني إلى غير ذلك .
- ان إعترافهم بالعذاب آني و ليس مستقر ليس حقيقي و لأنه لو كان حقيقا ً فإن الله سبحانه و تعالى لا يعذبهم و لكنه سبحانه يعلم ان هذا إعتراف آني مؤقت ولو عادوا لردوا و رجعوا لما كانوا عليه من الباطل كما في قوله تعالى عن قوم موسى انهم تعرضوا لإبتلاءات متتالية منها الجراد القمل الضفادع الضفادع الدم الى ان حدث عليهم البحر وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ( 1 ) عندما كشف عنهم يرجعون لمعاصيهم مرة ً اخرى إذا ً هم ليسوا صادقين فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ الله سبحانه و تعالى يقول بعد ذلك يأتي دور القيامة و هنا يأتي السؤال و يأتي الحساب يكون السؤال للجميع المرسلين يُسألون العصات يُسألون و الذين وقع عليهم العذاب يسألون ،
في هذه دلالة على أمور ،
- ان المسؤولية التكليف قائمة و قد تم التبليغ بما فيه الكفاية من قِبل الأنبياء .
- سوف نسأل من أُرسل إليهم و من وقع عليهم العذاب الم يأتكم البلاغ ألم يأتكم النبأ ألم تعلموا بما سوف يحل بكم جراء عصيانكم و سؤلنا هذا ليس لكش حقيقة و إنما هو تقرير و لوم و تقريع لهم فقط .
- وسوف نسأل المرسلين بما واجههم المشركون و المعاندون و كم صبروا و هذا السؤال ايضا ليس من اجل كشف حقيقة و إنما هو تقرير و تكريم للأنبياء انتم صبرتم واجهتم و لكم الجزاء ،
فلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ ۖ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ و هذا تفريع ٌ و تفصيل ٌ لما سوف يكون من السؤال و فيه ،
- ان السؤال عما حدث من عصيان ٍ و نكران و كذلك يُسأل المرسلون .
- و ان السائل الذي يسأل وهو الله سبحانه و تعالى عالم ٌ بعلم ٍ لا يتطرق إليه الجهل الله عالم ٌ علم حقيقي وهو يسأل لذلك السؤال تقرير فقط .
- ان هذا العلم هو علم ٌ حضوري وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ الله حاضر معهم وهو يرى اعمالهم و يرى كل شيء فإنما يسألهم من اجل التقرير ،
سؤال و إشكال ،
سؤال ٌ عن التنافي بين آيات الان هذه ايات تقول نسأل نرى في الآيات آيات تقول نسأل و آيات تقول لا نسأل ،
الجواب ،
- مثال على ايات السؤال التي تقول نسأل فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ الله يقول سوف نسأل من أرسل إليهم يعني الأمم التي ابيدت و عذبت وسوف نسأل المرسلين وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ و قال تعالى تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ و قال تعالى فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ هذه ايات تقول ان الله يسأل .
- ايات نفي السؤال كما في قوله تعالى فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ ( 2 ) هنا يقول ليس هناك سؤال و الايات قبلها تقول يُسأل و تقول آية أخرى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 3 ) ليس هناك سؤال و إنما الأيدي و الأرجل هي التي تتكلم ،
وجه الجمع بين هذه الآيات هو ،
- ان الناس يمرون يوم القيامة في مراحل فالمرحلة الاولى حتى يكون الإعتراف إعتراف حقيقا ً تقدم الأدلة تجعل الأدلة أمامهم قبل ان يُسألوا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ الأيدي و الأرجل و العضاء و الأماكن و الأرض و كل شيء هو الذي يشهد ، المرحلة الثانية يرفع الختم عنهم بعد مشاهدة إعتراف الجوارج و الأعضاء وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ( 4 ) عندما يشاهدون الأمور مشاهدة ً حقيقية في هذه الحالة بعد ان إنكشفت لهم الأمور وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 5 ) الله الذي انطق عندما رأوا هذه الامور و الأدلة ان الأيدي و الأرجل هي تشهد فصار الإقرار بعد ذلك يُسألون باللسان و يقرون .
- إحتمل بعض المفسرين ان المنفي من السؤال هو السؤال الشفهي و الخطاب الشفهي باللسان هذا هو المنفي و المثبت هو السؤال الذي تجيبه الجوارح الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
الهوامش ،
- سورة الاعراف الايتان 134-135
- سورة الرحمن الاية 39
- سورة يس الاية 65
- سورة الكهف الاية 49
- سورة فصلت الاية 21