بسم الله الرحمن الرحيم
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
بعد الحوار الذي كان بين اهل الجنة و التلاوم و التخاصم بين اهل النار انفسهم دخل طرف ٌ ثالث و هم أهل الأعراف في الحوار ،
هذا الحوار قبل دخول الجنة على بعض التفاسير لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ كما يقول تعالى ، هذا الحوار يوحي برؤية النعيم في اهل الجنة لمن يشاهدهم قبل ان يدخلوا الجنة بان النعيم عليهم و بان الشقاء على اهل النار قبل ان يدخلوا النار ايضا ،
وما يُذكر من اوصاف اهل الأعراف و اوصاف القيامة و اوصاف الحساب إنما هو صور تقريبية لما يحسه و يشهر به الإنسان في هذه الحياة و ليس هو الواقع كما هو لأن ذلك عالم آخر و نظام ٌ آخر له خصوصياته و له كيفياته الخاصة .
اولا ً : المفردات ،
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ الحجاب هو الحاجز الذي يمنع طرفا ً عن طرف ،
وَعَلَى الْأَعْرَافِ هي الأماكن المرتفعة و مها يُقال عرف الفرس و عرف الديك لأنه مكان مرتفع ،
بِسِيمَاهُمْ السيماء هي العلامة التي يُعرف بها الإنسان او الشخص او الجهة .
ثانيا ً : البيان ،
قوله تعالى وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ
- الحجاب هو الحاجز و قيل هنا هو المانع من رؤية الطرف الآخر و إن كان يسمع صوته و إن كانت تجري بينه و بين الطرف الاخر محادثة و حوار كما هو الحوار بين اهل الجنة و اهل النار إلا انه هناك حاجز ، صاحب هذا الرأي يقول ان هذا الحاجز يمنع المشاهدة و ما ثبت من المشاهدة من طرف اهل الجنة لأهل النار و العكس انما هو حالات إستثنائية ولكن بصورة هذا حجاب ٌ يحجبهم .
- الحجاب هو حاجب ٌ ليس للمشاهدة و إنما هو حاجب ٌ للعذاب و حاجب للرحمة فيحجب العذاب عن اهل الجنة و يحجب الرحمة عن اهل النار كما يقول تعالى في آية اخرى يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ، سور حاجز من طرف رحمة للمؤمنين و الطرف الآخر هو عذاب ٌ لأهل النار .
- الحجاب هو منطقة الأعراف ، نفس هذه المنطقة الفاصلة بين اهل الجنة و اهل النار منطقة مرتفعة هي الأعراف و هي الحجاب .
- يفهم من الآيات ان الحجاب يفصل بين جهتين بين جهة اهل الجنة و جهة اهل النار و ليس فقط بين الجنة و النار ، يعني اهل الجنة قبل ان يدخلوا و هم في خارج الجنة ايضا هناك فاصل بينهم و بين اهل النار و اهل النار ايضا لم يدخلوا للنار و يفهم ذلك من قوله تعالى وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ( 1 ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يعني لازالوا لم يدخلوا لا زال الحوار و هم قبل ان يدخلوا لذلك قالوا ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ هذا الحوار و هم خارج الجنة قبل دخولها ،
قوله تعالى ،
- وَعَلَى الْأَعْرَافِ ما هي الأعراف ؟ الجواب ، هي منطقة فاصلة بين الجنة و النار كما .
- من هم اهل الأعراف ؟ الجواب ، تعددت ألآراء و الأقوال في ذلك كما تعددت في نفس الأعراف تعددت هل هي المنطقة الفاصلة هل انه الصراط المستقيم آراء كثيرة ،
كذلك بالنسبة لأهل الأعراف تعددت الآراء عند المفسرين الى 12 رأي و نذكر منها ثلالث آراء تكون شاملة ،
- رأي يقول هم أناس تسوات حسناتهم و سيئاتهم و هم اهل الاعراف و يؤيده بروايات كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام هم قوم ٌ إستوت حسناتهم و سيئاتهم فغن ادخلهم الله النار فبذنوبهم وإن ادخلهم الجنة فـ برحمته .
- أنهم أصحاب المنزلة العالية كالأنبياء و الأئمة عليهم السلام كما عن الأئمة في الرويات آل محمد هم الأعراف .
- هم الأنبياء و المخلصين من الصالحين و ايضا المستضعفين ، هذا الرأي يقول اهل الأعراف مكون من قسمين ،
قسم هم الأنبياء و الصالحون و الخلص من خلق الله من الصالحين و ايضا ً فيهم المستضعف فالمستضعفون ايضا موجودون و الخطاب الذي مر إدخلوا الجنة هم اهل الأعراف من الأولياء من الصالحين و الأنبياء يقولون للمستضعفين ادخلوا الجنة .
قوله تعالى وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ
ظاهر هذا المقطع ان اهل الأعراف يرون أهل الجنة ويعرفونهم كلا بسيماهم ، ينظرون لأهل الجنة يعرفونهم و ينظرون لأهل النار يعرفونهم ايضا ً ،
لفظة رجال تشير الى علو شأنهم ، يتبين من لفظة اهل الأعراف انهم ليسوا المستضعفين و إنما هم درجة عالية لذلك عبر عنها بكلمة رجال ، كما في قوله تعالى رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ تفخيم تعظيم ، و قوله تعالى فيه رجال يحبون ان يتطهروا ، و قوله تعالى وما ارسلنا مقبلك الا رجالا نوحي اليهم ، فهو يشير الى اصحاب منزلة و مقام و يحتمل انه قصد تغليب الرجال و ليس المقصود الرفعة ، انه قصد كما يقول المؤمنين عندما يقال المؤمنون بعضهم اولياء بعض فهو يشمل الرجال النساء و ليس ناظرا ً للرفعة و انما ناظر الى تغليب ، و عندما يتحدث عن الصنفين من الذكور الإناث يؤتى بالمذكر فرجال إشارة الى التذكير ،
قوله تعالى وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ،
اهل الاعراف ينادون اهل الجنة لانهم يعرفونهم بسيماهم فينادونهم و يبشرونهم و يسلمون عليهم ،
قوله تعالى لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ منطقة ،
من هم الذي الذي لم يدخلوا الجنة و هم يطمعون ، هل هم الانبياء الصالحون ، ام انهم اهل الجنة ؟
الجواب ،
هناك اقوال ٌ في ذلك ،
- هم اهل الأعراف هم يطمعون بدخول الجنة لأن اهل الأعراف هم الذي تساوت حسناتهم و سيئاتهم فهم ينظرون و يطمعون و يحذرون من النار .
- هم اهل الجنة فيكون هذا توصيف ، اهل الجنة لم يدخلوها فكان الخطاب هكذا وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ لم يدخلوها اي اصحاب الجنة حين نادوهم لا زالوا لم يدخلوها و هم يطمعون في دخول الجنة وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فهو توصيف لحالهم .
- يقول هم اهل الأعراف و لكن بالقسم المفضل الذي ذكرناه و هم الصالحون الاولياء المنزهون المكرمون عند الله الذين لهم صلاحية ان يقولوا ادخلوا الجنة و يقولون لأهل النار إخسئوا ،لان لهم صلاحية فهم اهل الأعراف ، ربما يستشكل احد يقول ماذا يتعوذون من النار ، نقول ليس هناك ضير ان يتعوذ حتى الولي و حتى النبي و اعلى الخلق و كما نراه في قوله تعالى إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ( 2 ) هم الأئمة و هم الصالحون و لكنهم ايضا ً يتعوذون من النار .
قوله تعالى وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
حين يشاهدون النار يستعيذون بالله تعالى من النار و ليس فيه ضير كما قلنا حتى لو كان المقصود هم أصحاب الأعراف اهل الكرامة ، او اهل الأعراف الذين هم بين البين ، او انهم اهل الجنة فالإستعاذة من النار من الجميع تصح من غير ضير .
النتيجة انهم المقصودون بقوله تعالى قوله تعالى وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ انهم اهل الجنة فهم يطمعون في دخول الجنة و لا يطيقون مشاهدة النار لذلك عبرت الآية وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ و لم تقل إذا شاهدوا او إذا رأوا و كأنما صرف أنظارهم لأهل النار فيه نوع من الجبر لأنهم يكرهون النظر لجهة الله النار فعبرت صرفت ابصارهم و لم تقل رأوا او نظروا لأنهم يكرهون النظر للنار و لأهل النار و يطمعون في دخول الجنة .
الهوامش ،
- سورة الأعراف الايتان 48-49
- سورة الإنسان الآية 10