29/5/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ( 1 )
الحديث حول فوائد من قصة خلق آدم و الأمر بالسجود له و عصيان إبليس الذي مر وهو تتممه ومتابعة لحديثنا ،
ذكرنا في الحلقة السابقة ثلاث نقاط ،
4 – لمن كان سجود الملائكة .. ؟ وماذا يعني السجود لآدم هل هو سجود عبادة ام لا ؟
قيل هو سجود ٌ لله الذي خلق آدم لأن العبادة لا تكون إلا لله فهذا ليس سجود لادم إنما هو سجود ٌ لله سبحانه و تعالى و الجواب على هذا ان هذا خلاف ظاهر الاية ، الاية تتحدث عن السجود و الامر بالسجود لادم و ليس لله إضافة الى ذلك انه خلاف الظاهر و السياق ان إبليس لم يكن يعترض على السجود لله من الأساس بل هو عابد بلغ رتبته في العبادة لانه يسجد لله و يخضع لله فليس هذا إعتراض إبليس إعتراض إبليس ليس على السجود لله إنما إعتراضه على السجود لآدم إذا ًهذا ليس ظاهر الاية و ليس هو المقصود كما هو ظاهر الاية
ماذا يعني السجود لادم هل هو سجود عبادة ،
قيل هو شكر ٌ لله و عبادة لله سجود لآدم ولكنه شكر لله و عباده لله الذي خلق آدم بهذه الميزات بهذه الخصائص فالملائكة يسجدون لادم شكر لله سبحانه و تعالى و ليس لآدم وهو كما قلنا خلاف ظاهر الاية ،
وقيل هو سجود ٌ لنفس آدم وهو الواضح من الايات لكنه ليس سجود عبادة و إنما هو سجود تعظيم و تقدير و الله سبحانه و تعالى يقبل هذا التعظيم و هذا التقدير لان هذا التعظيم هو تعظيم ٌ لله سبحانه و تعالى لانه بأمر الله و الله لا يريد ان يُطاع إلا من حيث يأمر إضافة لذلك ان التعظيم لا يشوبه شائبة الشرك عندما تقول فلان عظيم لا تقول انه خالق فليس الملائكة في شبهة و لا إبليس في شبهة او تصور ان آدم هو الذي خلق يعني لم يخطر ببال احد و لا يخطر ببال احد ان آدم هو الخالق لهم إذا هو ليس عبادة و إنما لله سبحانه و تعالى و كيف يأمر الله بالعبادة لغيره وهو لا يغفر إذا عبد أحد ٌ غيره إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ( 2 )
5- ماذا يعني إسم آدم ، جاء في علل الشرائع عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال إنما سمي آدم آدم لانه خلق من أديم الارض ( من ظاهر الارض ) و هناك تفاصيل و روايات كثيرة انه خلق من مناطق و مواضع مختلفة في من الارض جمع فبقي سنين عديدة و طويلة حتى صار لزجا ً و بعد ذلك تحول و صار إنسانا ً عندما نفخ الله فيه من روحه و قد فصلنا الحديث في نظريات التطور في تفسير سورة الحجر .
6- هل لإبليس من الملائكة ام من الجن ، لإبليس كان مع المائكة في رتبة و درجة الملائكة في رتبة ٍ عالية و لم يكن متميزا ً عنهم و السبب الميزات التي في الملائكة كان متوفرا ً عليها فعندما يخاطب الله الملائكة فيكون الخطاب للجميع فيشمل إبليس كما يقول تعالى ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ الحديث عن الملائكة ما دخل إبليس ، و لكن لان رتبته مع الملائكة فالحديث و الخطاب يشمله ايضا ً معهم ، لذلك الأمر في الآية لم يكن أمرين وإنما صار امر واحدا ً قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا امر واحد فيشمل الجميع .
7 – تكبر إبليس و طرده ، الخطاب للملائكة بما هم في ذلك المقام فشمل من كان معهم وهو إبليس فلما تكبر طرد من ذلك المقام قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا هذا المكان ليس محل للتكبر و الإعتزاز بالنفس أبدا ً فيخرج لوحده ، يقول السيد الطباطبائي ان الآة تعني ان هذا المقام في نفسه لا يقبل التكبر فإذا تكبر فيه أحد سقط منه مباشرة ً لأن الحديث عن مقام فلمجرد ان يتكبر تكبره يسبب خروجه و طرده من ذلك الموضع ،
تكبر جهلا ً لأنه يتصور انه افضل من غيره انه خلق من النار و النار فيها ميزات اكثر من الطين تؤثر النار على الطين و الطين اضعف منها فتصور هذا الجهل عنده و جعله هو المعيار فتكبر من خلاله غرور في نفسه مع انه يجب ان يلتفت الى ان الميزة ليست في الطين و إنما هي في الروح فكم بلغت الروح تكن فيها الميزة .
8 – المعصية و التراجع يعقبه خسران ، هو قطه شوطاً كبيرا ً في الرقي و لكن يعصي و معصيته تسبب له تراجع ثم خسران ،
أ . إبليس قبل المعصية في رتبة الملائكة كما قلنا .
ب . دخول التكبر و الغرور في النفس يمنعه من السجود و الطاعة قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ .
ج . يخرج تكوينا ً من تلك الرتبة التي لا يبقى فيها المتكبرون قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ( 3 ) المتكبر هو الصاغر هو الحقير هو الذليل الذي يتكبر يكون في الصغر .
د . طلب الجهالة ، هدفه الإنتقام إبليس عندما علم انه إرتكب الخطأ هنا توجه يطلب من الله قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 4 ) دعاء ، كان الأجدر ان يقول ربي أنظرني أعوض استغفر حتى يرتقي و لكن طلب ان يبقى و يمهله الله و الله امهله الى يوم ٍ معلوم .
هـ . بدل الإعتراف بالخطأ و إصلاح ما فسد يزيد في فساده و معصيته ، التكبر ثم الكفر بالربوبية و بعدالة الله خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ يعني انت ظالم ظلمتني انا الأفضل المفروض ان تعطيني و ان تجعل ادم هو الذي يسجد لي لا انا الذي اسجد له فهنا نفى العدالة عن الله سبحانه و تعالى ثم نسب ما وقع فيه بأي نتيجة ٍ كانت وهي الغاوية لله سبحانه و تعالى قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( 5 ) يعني انت السبب في ضلالي ،
ثم حركة الإنتقام وليدة الحسد كما يقولون ، كأنه يقول علي َّ و على أعدائي يقولون ( عجبي من الحسد ما أعدله بدء بصاحبه فقتله ) فيقول فليكن ما يكن ولكن لا يُفضل علي َّ آدم أنت علم ان المصير هو جهنم خالدا ً فيها ليس عذاب هين بقيت الاف السنين كم تبقى خالدا ً في جهنم يقول فليكن ما يكن المهم ان لا يكون هذا مفضلا ً علي َّ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ المهم اُخرجهم عن الطاعة و ليكن ما يكون ،
إذا ً خطوة ٌ تتبعها خطوة فسوف يتوسل بكل وسيلة ٍ من اليمين و الشمال و من كل جهة حتى يضلهم ، النتيجة المعلومة و المعروفة عندما توجه الله وانت عالم بأن الله سوف ينتقم ماذا سوف تكون النتيجة قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ( 6 ) نتيجة الطرد و اللعنة و الإخراج ،
إذا ً طرد ولعن وهو يرى ذلك و يقى على إصراره في عصيانه و إضلال آدم حسدا ً و تكبرا ً .
9 – العداء الدائم الذي لا ينتهي بين الشيطان و بين بني البشر ،
إبتدأ العداء فالاول عدءه لادم و قد اظهر وسوسته عندما دخل معه الجنة فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 7) عداوة من اول ما دخل الجنة ،
و الثاني ، عندما توعد جميع البشر لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ توعد للجميع يعني ابليس لن يقف لكل البشر كلما إستطاع اضلال الناس سوف يعمل ،
و الثالث ، ما اخبر الله به تعالى لجميع الناس قال الله تعالى إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 8 ) لن يقبل إلا ان يدخل من يتبعه الى جهنم .
10 – الحذر من التكبر فإن التكبر هو الذي يضل و الروايات في ذلك كثير و تضرب المِثال بإبليس كما عن أمير الؤمنين عليه السلام عند ذمه للتكبر و العجب ( قال فإعتبروا بما فعل الله بإبليس إذ احبط عمله الطويل و جهده الجهيد و كان قد عبد الله ستة آلاف سنة عن تكبر ساعة فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله يمثل معصيته ) من الذي سوف يسلم إذا تكبر ان لا يصيبه ما أصاب إبليس امير المؤمنين يقول لن يكون يقول ( كلا ما كان الله سبحانه و تعالى ليدخل بشرا بأمر ٍ اخرج به منها ملكا ً ) يعني إبليس الذي كان في رتبة الملائكة ادخل الى الجن و بتكبره اُخرج ( إن حكمه في أهل السماء و أهل الأرض واحد ) فإذا اخرج إبليس لان حدث عنده تكبر فلا يأمن الإنسان ان يدخل عنده التكبر إلا ان يكون مصيره مصير إبليس .
الهوامش ،
- سورة العراف الايتان 11-12
- سورة النساء الاية 48 .
- سورة الأعراف الاية 13
- سورة الأعراف الاية 14
- سورة الأعراف الاية 16
- سورة الأعراف الاية 18
- سورة الأعراف الاية 22
- سورة فاطر الاية 6