تفسير سورة الأنبياء الحلقة 43
7/5/2019
قال سبحانه و تعالى في سورة الانبياء
بسم الله الرحمن الرحيم
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ( 1 )
مواصلة للحديث حول هاتين الايتين ،
اولا ً ، ترك الأولى لا المعصية في هاتين الايتين إشارة إلى هذا الموضوع من ترك الاولى للنبي يونس عليه السلام و ليس انه عصى ،
فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ هذه العبارة تعني انه ظن ان الله لن يضيق عليه و لازم هذا الظن انه مطمئن بأن الله لن يقدر عليه ، فكيف يظن هذا وهو يعلم ان المعصية لها عاقبة و لها نتيجة و هنا هو مطمئن انه لن تصيبه عقوبة إذا ً هو لم يرتكب معصية او مخالفة بل انه لم يتصور انه ترك الأولى لذلك كان في إطمئنان ،
ثم يشير إلى التقصير و الإعتراف بالتقصير بعد ان القي في بطن الحوت ثم الإقرار بالتقصير بعد الإلتفات بدل على ترك الاولى ،
لانه مطمئن اولا ً انه ليس في خطأ و ان الله لن يعاقبه ثم وجد العتاب من الله سبحانه و تعالى و تعرض إلى ما تعرض إليه من الإبتلاء علم حينها انه ترك أمرا ً لم يكن ينبغي لذلك جاء في قووله تعالى فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ( 2 ) يعني يستحق الملامة لانه ترك امرا ً يستحق الملامة عليه وهو ترك الاولى و هو التعجل في خروجه عن قومه الذين وعدهم الله بنزول العذاب عليهم فلا دلالة انه ارتكب معصية و كما أشرنا هناك من صور من اليهود انه ارتكب معصية ، هذه المعصية انه لم يقبل التبليغ لهم و ايضا ً انه انزعج عندما علم الله لم ينزب العذاب عليهم و هذا القول لا يتناسب مع الانبياء ،
المهم ان النبي لم يرتكب المعصية و إنما ترك الأولى فإستحق بذلك الللوم حتى يتكامل و يصل إلى الدرجة التي وصل إليها .
ثانيا ً : مدة دعوة يونس عليه السلام ،
نقل انه بقي اربعين عاما ً يدعو قومه للتوحيد وهم يصرون على عبادة الأصنام و الفساد و لم يؤمن من قومه إلا إثنان .
ثالثا ً : الإقتراع و المساهمة ،
- فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ( 3 ) اي انه ساهم في الاقتراع فكان من المغلوبين عندما تعرضت السفينة للحوت او على بعض النقولات انها تعرضت لموج ٍ شديد و رياح شديدة فأرادوا ان يلقوا احدهم في البحر ليتخلصوا من ذلك لانهم قالوا يوجد هذا الريح و هذا الموج الشديد دلالة على وجود شخص ٍ عاصي في السفينة و لكن لم يعرفوه فإتفقوا على ان يجروا القرعة فأجروا القرعة فخرجت على النبي يونس وكانوا قد اجروها ثلاث مرات و لا يخرج إلا إسم النبي يونس ،
طريقة الإقتراع ، لماذا تُسمى ساهم ؟
لانه يكتب اسم كل شخص على سهم ثم يؤخذ واحد فمن يخرج اسمه تكن القرعة عليه فكانت القرعة على النبي يونس عليه السلام فسلم للأمر فألقي في البحر .
رابعا ً : إشكالية الموت في بطن الحوت ،
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 4 ) البعض إذا نظر لهذه الاية يستشكل و يقول تتحدثون عن القرآن و دقته كيف يعيش شخص في بطن الحوت ، الحوت إذا وضعت فيه بعض العادن تهضمها الانزيمات التي يفرزها عليها فكيف يعيش إنسان بداخله ،
هنا تساؤلات ،
هل من المعقول ان يبقى جسم إنسان في بطن الحوت و هو حي ،
الجواب ان ذلك بالنظر للأمور الطبيعية غير ممكن ليس مستحيل عقلا ً و لكنه لا يكون بالحالة الطبيعية لا بد ان يهظم و تاخذه الانزيمات و يموت حتى بقى في الماء من غير تنفس فإنه يموت فكيف في بطن الحوت ، و لكن إذا نظرنا للإعجاز و القرآن نجد ان الأمر ممكن الله سبحانه و تعالى عندما ألقي إبراهيم في النار انقذه الله و لم يحترق فليس هناك إشكال في أصل الإمكان نفسه و ان لم يكن طبيعيا ً يحدث لكن الله سبحانه و تعالى يستطيع ان يحفظه وهو في بطن الحوت ،
ورد في بعض الروايات ان الله اوحى للحوت ، ( الإيحاء التكويني ) ان لا تكسر منه عظما ً و لا تقص له وصلا يعني اراده ان يكون محفوظا ً و لكنه تأثر وهو في بطن الحوت و تأثر كبير لذلك تعالى فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ( 5 ) صار في بطن الحوت وهو سقيما ً ،
ثم قذفه الحوت إلى الساحل ، يقولون يونس خرج من بطن الحوت و كأنه فرج دجاجة ٍ ضعيف و هزيل جدا ً لا يمتلك القدرة على الحركة جعله الله تحت لطفه بعد ان صار في الساحل وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ شجرة اليقطين لها فوائد علاجية كثيرة ،
انها ظل ٌ يحميه و انها غذاء يتغذى عليه و انها لاتقرب الحشرات اوراقها ولا جسمه من ما حصل له في بطن الحوت فكانت حفاظا ً له ، نقلوا حديثا ً ،
عن رسول الله صل الله عليه واله قالوا ان شخصا ً سأل رسول الله صل الله عليه واله انك تحب القرع فأجاب نعم انها شجرة أخي يونس ،
شجرة فيها فوائد كثيرة و هي معروفة .
- كم بقي يونس في بطن الحوت ؟
يوجد اكثر من إحتمال في هذا المقام ورد في تفسير علي ابن ابراهيم عن علي اب ابي طالب ان يونس بقى في بطن الحوت تسع ساعات وروايات انه امضى ثلال ث ايام في بطن الحوت و قيل انه امضى اربعين يوم و قال بعض المفسرين من اهل السنة ان المدة التي امضاها يونس في بطن الحوت هي ساعة فقط ، طبعا ً بالنظر للإعجاز لايختلف انه بقي ساعه او بقي اكثر لانه ما دام في حفظ الله و عناية الله يبقى ما يبقى .
- هل يوجد حوت بهذا الحجم بطنه يسع إنسان كامل ؟
الجواب نعم يوجد قديما و نقل قديما ً و يوجد حديث و حاليا ايضا كما ينقولون نوع من انواع الحيتان طوله اكثر من ثلاثين متر و قلبه يزن طنا ً كاملا ً وهو اكبر حيوان على وجه الارض .
- هل صحيح انه لو لم يكن من المسبحين لبقي مسجونا ً في بطن الحوت الى يوم القيامة وما هو المعنى لهذا ؟
الجواب ، ذكر المفسرون اراء كثيرة منها
1 . بقاء الاثنين احياء الى يوم القيامة ، بعض المفسرين من ابناء العامة يقولون ان الحوت يبقى إلى يوم القيامة لان الله ذكر انه لو بقي في بطنه يونس لبقي الى يوم القيامة فيقولون يبقى الى يوم القيامة الاثنان لو لم يكن النبي يونس مسبحا ً .
2 . وفاة النبي يونس و بقاء الحوت حيا ً بإعتباره قبرا ً الى نبي الله يونس الى يوم القيامة يبقى الحوت سليما ً الى يوم القيامة .
3 . وفاة الأثنين معا ً فيكون يونس هو في بطن الحوت و الحوت في بطن الارض يعني يتلاشى بعد كان في بطن الحوت فبقاؤه الى يوم القيامة يعني بعد ان اكل و بعد ان انتهى في بطنه وانتهى الحوت ايضا و صار في الارض ترابا ً الى القيامه ،
لم تتعرض الاية لاي إحتمال و لكن يقول بعض المفسرين ان هذا الإحتمال اقرب لأن الجميع يموتون قبل يوم القيامة و ليس للحظة و انما يموتون بفترة قبل يوم القيامة ،
إذا ً لم يكن التعبير يقصد انه يبقى حيا ً إلى يوم القيامة لأن الكل يموت قبل يوم القيامة .
4 . يقولون انه كناية عن طول بقاء النبي ( بالتعبير العامي مثل ما نقول ان شخص سيبقى الى يوم القيامة هنا لا نقصد انه يبقى لمدة طويلة ) فيكون هذا التعبير كناية .
خامسا ً : التوبة ونزول العذاب ،
تساؤل يقول كيف لم ينجو الاقوام الاخرون من العذاب ، الذين عصوا و كيف نجى قوم يونس مع ان كثير من الاقوام و حتى فرعون عندما أُغرق في البحر قال آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل مع ذلك لم ينجه الله من الموت و العذاب المحتم و لكن قوم يونس نجاهم الله و أبدلهم بالخير ،
الجواب : ان العذاب لم ينزل عليهم و انما شاهدوا علاماته فبادروا للتوبة مباشرة ،
يقال انه عندما شاهد قوم يونس الغيم قد جاء و بانت بعض الامور التي تشير الى العذاب خرج سريعا ً الى الصحراء و فصلوا بين النساء و الرجال و الاولاد و الامهات و حتى الحيوانات بين الكبير و الصغير و صاروا يبكون و يتضرعون فالله تاب عليهم لانهم كانوا صادقين و قبل نزول العذاب .
الجواب الاخر ان هذا العذاب لم يكن إستإصال و إنما الله اراد ان يؤدبهم وهو يعلم بأنهم سوف يتوبون لعلمه انهم سوف يتوبون فهددهم بالعذاب فبادروا فرفع عنهم العذاب و لم يكن عذاب إستإصال كما في الاقوام السابقة لان تلك الاقوام لم يكنوا صادقين كما كان قوم موسى فرعون من معه كانوا قد تعرضوا لاكثر من عذاب كالجراد و القمل و الضفادع و الدم و كلما جاءهم شيء يأتون بموسى و يقولون ان رفع ربك عنا العذاب آمنا فيرفع عنهم العذاب و لا يؤمنوا الى ان جاء العذاب المحتم فأهلكهم جميعا ً .
الهوامش ،
1 . سورة الأنبياء الايتان 87-88
2 . سورة الصافات الاية 142
- سورة الصافات الاية 141
- سورة الايتان 143-144
- سورة الصافات الاية 145