تفسير سورة الانبياء الحلقة 44 ،
8/5/2019
الحديث حول ما مر به الأنبياء و مواقفهم ونجاتهم و دعائهم و توسلهم الى الله سبحانه و تعالى
اولا ً : المفردات ،
إذا نادى ربه ، النداء هو الدعاء بصوت مرتفع ، حتى يقال نادى إذا كان ينادي من بعيد و يدعو من بعيد بصوت مرتفع يُقال نادى ، الدعاء طلب و لكن إذا كان من بعيد او بصوت مرتفع يسمى دعاء و إذا من قريب يسمى مناجات ، فقد إعتبر زكريا نفسه انه بعيد عندما نادى عبر الله عنه بالمنادات لانه كان ينادي بصوت مرتفع لانه يعتبر نفسه بعيدا ً عن الله سبحانه و تعالى بتقصير مع ان القرآن ذكر عن نداء زكريا و دعائه انه نادى و في نفس الوقت بخفاء فكيف يكون ذلك ،إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا بمعنى انه طلب من اله سبحانه و تعالى وهو يعتبر نفسه بعيدا ً عن الله و لكن دعائه كان خفيا ً و ليس إخفاة ً و إنما خفيا ً عن الآخرين لانه كان يدعو ربه في المحراب و قيل كان في صلاته في الليل و دعائه في الليل في المحراب ،
ربِّ ، الرب هو الذي يدير الأمور ، و يدير من تحت يده يتصرف فيه و الله سبحانه و تعالى هو الرب الذي يدير عبده من اول خلقته و إلى فنائه تحت لطفه لحظة ً بلحظة ،
رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا لا تذرني يعني لا تتركني يريد ان لا يذره ، يقال ذريت الشيء إذا تركته و تركت اثره بحيث انه لم تكن له قيمة زكريا يقول لا تتركني من غير ان يبقى لي أثر و قيمة ،
وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ إشارة الى ان كل وارث ٍ ينتهي لان النبي يدعو بإن يرثه وارث و لكنه يتدارك مباشرة و يقول ليس هناك وارث إلا انت الله هو الوارث الحقيقي وهو خير الوارثين .
ثانيا ً : البيان ،
إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا هو معطوف على ما مر في الايات السابقة من قصص الأنبياء يعني و إذكر زكريا حين كان يدعو و يناجي ،
رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا اي ربي اعطني ولدا ً يكون وارثا ً لي بعدي و لا تتركني بغير ولد
وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ذكر و انت خير الوارثين ليكون الدعاء دعاء ً حقيقيا ً أن يكون فيه تنزيه لله سبحانه و تعالى فهو يقول انا احمدك و اذكرك وصفتك انك انت الباقي و انت الوارث الحقيقي و غيرك زائلٌ و ينتهي ،
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ قبل الله دعائه و قسم له الموهبة بيحيى عندما دعى الله و نزه الله و حقق شروط الدعاء كما يأتي الله سبحانه و تعالى إستجاب له على كبره و أعطاه ،
وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ أي اصلحنا زوجته زكريا بعد ان كانت عجوزا ً كبيرة ً في السن تجاوزت مرحلة الإنجاب و كانت بأصلها عاقر أيضا ً كما يقول في اية ٍ اخرى وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا و لكن الله سبحانه و تعالى بقدرته ارجعها هذه الايات تذكر و تقول اذكروا كان يحيى يدعو و هو شيخ كبير و كانت زوجته عاقر و لكن الله سبحانه و تعالى إستجاب و أرجعها شابة ً و رزقها ايضا ولدا ،
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ هذه اسباب إستجابة الدعاء التي جعلها الله مقدمة ً ليستجيب النبي زكريا اولا ً إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ المسارعة في الخيرات ، يسارعون دائما للخيرات في الغنى و الفقر كما يُنقل ،
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا يدعون الله رغبة ً فيما عند الله و خوفا ً من الله و لم تكن رغبتهم فيما عند الله تطغيهم و لم تكن رهبتهم و خوفهم من الله يجعلهم يائسين قانطين من إستجابة دعائه و رحمته ،
وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ الخشوع الذي هو تأثر القلب و تفاعل القلب عندما يرى المشاهد العظيمة فكانت عائلة زكريا كلها خاشعة لله سبحانه و تعالى .
ثالثا ً : دعاء زكريا ،
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وهن العظم من ي اي كبرت و ضعف عظمي و ضعف كل شيء ٍ فيَّ ،
و إشتعل الرأس سيبا ً أي إنتشر الشيب في رأسي كما ينتشر ثواظ النار وهو علامة على الكبر ،
و لم اكن بدائك رب شقيا ً ، لها معنيان ، المعنى الاول اني لم أشقى بعدم إستجابتك دعائك و انما إستجبت لدعائك و المعنى الاخر انني في دعائك سعيد عندما انقطع لله سبحانه و تعالى انا في نفس أجواء الدعاء في بحبوحة من نور و رحمة إضافة إلى انني اضمن الاستجابة منك و لك ادعوك دعاء و تخيبي فيه ابدا ً انت الذي لا تشقيني عندما ادعوك فإستجاب الله له سبحناه و تعالى ،
فهب لي من لدنك وليا ً يرثني و يرث من ال يعقوب و اجعله رب رضيا هذا هو الدعاء يريد وليا ً يريد ولد وطلب الولد بليس حكرا ً على احد و إنما النبي يدعو ان تكون له ذرية و المؤمن يدعو يدعو ان تكون له ذرية و جميع الناس يطلب ان تكون له ذرية و هنا النبي يريد ان يكون له ولد يرثه طلب بعد اليأس من الاسباب الطبيعية لانه بالنظر للأسباب الطبيعية لا يكون لذلك قال من لدنك من عندك ،
يرثني و يرث من ال يعقوب و اجعله رب رضيا يرثني في اموالي في ما امتلك لان النبي زكريا كانت له اموال كثيرة و كان يخشى ان تصل هذه الاموال لطريق الفساد في ايدي بني عمومته الذين يمكن ان يرثوه ان لم يكن له وارث صالح و زوجته تنتسب للنبي سليمان و لها ايضا اموال كثيرة و تنتهي الى يعقوب لذلك قال يرثني و يرث من ال يعقوب من طرف الام و الاب فتكن الاموال في الطريق الصحيح ،
و ليس صحيح ان يُقال انه اراد ان يرثه في النبوة و قال غير الامامية بهذا القول اما الشيعة فيقولون الوراثة هنا في الاموال مع ان الطلب لم يكن للوراثة و انما للولد و الولد بطبيعة الحال انه يرث و يريده ان يرثه في الاموال لانه يخاف ان تذهب امواله للموالي كما يقول تعالى وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي كان يخاف من الموالي ان يأخذوا الاملاك و ما عنده في الشر الذي كانوا يمارسونه و يعملونه فليس الطلب ان يرثه في النبوة و العلم و إنما في هذا الجاني و لكنه ايضا يريده صالحا ً يريده عالما ً لذلك قال و اجعله رب رضيا عندنا السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عندما إحتجت في طلب فدك و في طلب إرثها إستدلت بهذه الاية و ورث سليمان داوود و قيل في ما اقتص من خبر يحي ابن زكريا اذ قال رب هب لي من لدنك وليا ً يرثني و يرث من ال يعقوب فهي لم تقل في وراثة النبي صل الله عليه واله في العلم و إغتصبوا النبوة و إنما كانت تشير الى انهم اخذوا الاموال اخذوا فدك و تقول الاية تثبت ان النبي يرثه غيره ،
و اجعله رب رضيا هذا الذي سوف يرثني اريد ان يكون بارا ً ان يكون تقيا ً ان يكون عالما ً .
رابعا ً : الدعاء في مظان الإجابة و الغبطة ،
يكون الدعاء في مظان الاجابة في موضع الإجابة في موضع الغبطة ان يدعو ، و هذا الدعاء حدث عندما دخل زكريا على مريم تقول الاية فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ دخل عليها زكريا وجد عليها علامات الارتباط بالله اثر التقوى اثر الانقطاع لله ان الرزق يأتيها كلما ارادت رزق ٌ موجود و في غير موسمه إشارة إلى تقواها و هنا اصابته الغبطة و دعا الله ان يعطيه ولدا ً صالحا ً و يرثه ،
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ في هذه الحالة و في مشاهدة الخير مطلوب من الانسان ان يتوجه لله سبحانه و تعالى ،
الدعاء عند مشاهدة الغبطة لا الحسد ، لا يحسد و يقول كيف حدث له العاقل هو الذي يتوجه لصاحب العطاء و من يستطيع ان يعطي و هو الله سبحانه و تعالى إذا رأيت النعيم على فلان و اموره متيسره و يحقق ما يريد بدل ان تقول كيف عنده و تريد ذهاب ما عنده و تحسده إطلب من الله سبحانه و تعالى ان يعطيك مثله و الله سبحانه و تعالى يعطيك ،
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ، إستجاب له ،
قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ .