تفسير سورة الأنبياء الحلقة 45
9/5/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (1) في هذه الاية تذكير ٌ بآية ٍ عظيمة و معجزة ٍ كبيرة و هي الحمل من غير اب ، و هذه الاية تذكر في اكثر من موضع بعد الايات التي تتحدث عن النبي زكريا مباشرة لوجود تشابه فهنا فهناك حمل ٌ خارق ٌ للعادة كما مر في قضية زكريا و هنا حمل ٌ خارق للعادة و لكنه بدرجة ٍ اكبر ذاك في الكبر و الشيخوخه حدث الحمل و هنا من غير أب ٍ و هي آية ٌ أعظم و أعجب مما مضى و دائما تذكر مع بعضها البعض لوجود التشابه ايضا بين النبي عيسى و النبي يحيى فهما جائا بطريقة خارقة ٍ للعادة و ايضا ً كانا نبيين و هما صغيرين ،
اولا ً : دلالة هذه الاية ،
الحديث هنا اشارة لان الايات التي تتحدث عن قصة مريم في سورة مريم مفصلة هناك تفصيل و هنا فقط إشارة ذكرت هذه الآية مريم و ابنها عيسى لى انهما اية من السماء و معجزة من السماء لإثبات وجود الله سبحانه و تعالى و قدرة الله انه يحي الموتى و انه يتصرف في الامور كيفما اراد فهو الذي يوجد من غير اب و يجعله متحدثا ً نبيا ً داعيا ً للحق آية ً و علامة على وجود و الله وهو طفل ٌ صغير ،
هذه الاية تشير الى عظمة مريم و ابنها عيسى عليهما السلام لا شك انهما اذا صارا اية ومعجزة هو دلال ة على عظمتهما و لا يمكن ان يكرم شخص بهذه الكرامة و بهذ المنزلة إلا ان يكون شخصا ً عظيما ً عند الله تعالى و فيها ايضا دلالة على طهارة مريم و إثبات ٌ لطهارتها و عفتها و ايضا إثبات ٌ لعاقبة الطهارة ان تكون هذه المنزلة يحصل عليها تكون اية ً ومثالا ً للعالمين عامة ً كمثال يقتدى به ،
ايضا دلالة الاية على ان العظمة و المنزلة و المقام لا يختص بالرجال ، إمرأة و لكن الله تعالى كرمها لانها احصنت فرجها لانها التزمت العفة و إلتزمت التقوى و طاعة الله سبحانه و تعالى فصارت لها هذه الكرامة و هذه المنزلة ،
ثانيا ً : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ، يعني حفظت فرجها اي كانت طاهرة ً عفيفة ً لم تدنس بزنا و بإنحراف فهي حافظة لفرجها و عفتها ايضا انها لم تقرب حتى الحلال في هذا الجانب الجنسي ، أنها لم تكن تقرب الرجال لا بالحلال و لا بالحرام وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا لم ترتكب الفاحشة و لم تكن متزوجة بالحلال أيضا ً و هذه الصفة ذكرها القرآن في هذا التسلسل لإثبات المعجزة التي سوف تحدث وهي ولادة النبي عيسى ، ذكر عفتها ثم بين ما يحدث من المعجزة فقال فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا روي عن الامام الباقر عليه السلام ( انه تناول جيب مدرعتها فنفخ نفخة ً فكمل الولد في الرحم من ساعته ) ، جبرائيل نفخ نفخة فكمل الولد من ساعته مباشرة ،
قال الطوسي في التبيان فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا معناه اجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ و ليس النفخ الحقيقي و إنما إجراء الروح وجعل الروح فيها و متحركة فيها حية ً كاملة ً هو النفخ وهو يشبه قوله تعالى على لسان عيسى إنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ هذا هو النفخ يعني اجرى فيها الروح ،
مِن رُّوحِنَا ، الروح هو احد الملائكة الروح هو الذي نفخ فيها و الروح هو جبرئيل ،
اجمع اكثر المفسرين ان الروح هنا هو جبرائيل ، جبرائيل عهو الذي تمثل لها بشرا ً سويا ً و نفخ فيها فصار ولدا ً كاملا ً مباشرة ً و من ساعته و يدل عليه ما سماه الله سبحانه و تعالى روحا ً في عدة مواضع قال تعالى قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ روح القدس جبرئيل و قوله تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ الروح الأمين هو نفسه جبرائيل و قيل بقول شاذ انه اسرافيل و ان اسرافيل هو الموكل بالنفخ في الصور و الاموات فهو ينفح و يحي ِ ينفخ الروح فيكون الشخص حيا ً و لكن هذا الرأي لا يذهب إليه اكثر المفسرين ،
مِن رُّوحِنَا إضافة الروح لله سبحانه و تعالى هو تشريف ٌ للروح لبيان كرامة الروح الذي هو جبرئيل فيقال روح الله كما يقال بيت الله ، بيت الله يكون له شرف لأنه نسب لله ، و شهر الله يكون له شرف و اكثر من الاشهر الاخرى لأنه نسب لله فروحنا هو نسبة لله لإضافة الشرف،
وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ للروح لمكان التمازج قال آيَةً و لم يقل ايتين لانهما و إن كانا شيئين و لكن لأن الحمل من غير اب يساوق الولادة من غير اب فيكونان كشيء و احد لذلك عبر عنهما انهما آيَةً لِّلْعَالَمِينَ الحدث كله آية للعالمين .
علم مريم بإنه يكون إعجاز ،
مريم لمجرد ان رأت الملاك و أخبرها علمت انه يكون في ساعته مباشرة لا انه يشير الى انها سوف تتزوج او شيء من ذلك بعد هذا الحدث و إنما سوف يكون مباشرة من قوله يتكون الولد كاملا ً قالت عندما بشرها قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ( 2 ) سابقا فكيف يكون ،
يمكن ان يكون الجواب انك تتزوجين و يكون ولد لكنها لانها تعلم انه ليس هذا الطريق و إنما جائها ان الولد سوف يكون الان ومباشرة لذلك تعجبت و قالت قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ الأمر الذي سوف يكون بالإعجاز هو عند الله سبحانه و تعالى كن فيكون هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا محتوم انه سوف يقع الان و مباشرة ً .
الهوامش ،
- سورة الانبياء الاية 91
- سورة مريم الاية 20