بسم الله الرحمن الرحيم
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
لا زالة الايات في تعداد قصص الانبياء ، وإنتصارات الانبياء ، حديثنا حول هاتين الايتين عن نبي الله نوح ،
اولا : المفردات
نادى ، النداء هو الدعاء بصوة ٍ عالي ، إذا ددعى شخص بصوت ٍ عال يقال له ن
الكرب ، هو الغم الشديد و يسمى كرب لان مأخوذ من كرب الارض و تقليب الارض بحيث انه يؤثر في القلب ،
ثانيا : ذكر نوح في هذه السورة كما ذكر كثير كم الانبياء في هذه السورة ن و ذكروا في جانب ٍ معين وهو جانب الانتصار و هلاك الظالمين وهي السنة الكونية التي اقرها الله سبحانه وتعالى ، و ذكرها في كتابه ، و ركز عليها هنا في هذه السورة انما تذكر فقط من هذا الجانب لان السورة مكية وكان المؤمنون المسلمون في مكة يعانون من اشد الضغوطات التي مورست عليهم من المشركين في مكة فكانت الايات تسلية للنبي صل الله عليه واله من جهة و كانت تسلية للناس من جهة و الاخذ بأيديهم و تشجيعهم انه لا بد ان يكون المصير ان النبي هو المنتصر و الظالم هو المنهزم ،
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ ، اي و إذكر نوحا ً كان قبل ابراهيم و قبل لوط و دعى ربه فإستجاب له ربه إطمئن ان هذه هي سنة الله ، نوح ٌ نادى ، ما كان نداء نوح ؟ كان النداء طلب اللعنة على القوم الظالمين ، نداء نوح وهو إستصراخ ٌ شديد لما عانا و طلب للعنة عليهم كما ذكر الله سبحانه وتعالى في قوله وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (1) طلب من الله سبحانه وتعالى ان يبيد الكافرين قاطبة ً على وجه الارض كلها و ليس منطقة لذلك ياتي في قصة ِ ابراهيم ان شاء الله ان الفيضان الذي حدث هل هو خاص بمنطقة ام هو شامل للارض كلها ، والاظهر وكما ينقل العلماء انه للارض قاطبة ، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (2) ، هذا هو نداء نوح طلب نزول البلاء العقاب على الكافرين و اللعنة ،
لماذا كان بتعبير النداء ؟
لانه كان يعاني منهم اشد المعانات كانوا يأذونه تسعمئة و خمسين سنة بقى فيهم يأذونه و يستهزؤون به و يسخرون منه ،
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاه وَأَهْلَهُ ، فنجيناه هي تفسير الى قوله فاستجبنا ، نجاته هي الاستجابة إستجاب له الله سبحانه وتعالى بحيث انه خلصه ونجاه من هؤلاء القوم ، فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ، الذي هو كرب ٌ عظيم و شدة في البلاء ، وما اعظم الشدة ان يبقى الانسان يحب لغيره الخير و غيره يراقبه و يريد به السوء ، شخص ٌ يريد لك الخير و انت تأتي وتراقبه و عينك تطاردة من مكان ٍ الى مكان وهو يعلم بك كم هي مؤذية فكان يتأذى من اذيتهم و اسهزاءهم و سخريتهم وهو يريد بهم الخير ،
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ أي خلصناه منهم ومن كفرهم بنجاته و بأهله ، و اغرقنا المكذبين ،
ثالثا : القصة وفواد ُ منها ،
ذكر النبي نوح في القران مرات عديدة وكلها لبيان هذا الامر ، ان نبي الله جاء لتعليم الناس ، اكثر ما ذكر النبي نوح كان في مجال التعليم والارشاد و التنبيه و الدعوة لله سبحانه وتعالى ذكر في القران في تسعه و عشرين سورة و ذكر اسمه ثلاثة و اربعين مرة ، سمه كان عبد الغفار او عبد الملك او عبد الاعلى و اسمه لمك او لامك قيل في مدة عمره انه عاش الف و اربع مئة و تسعين سنة ، وجائت الروايات تقول الفين وخمسمئة سنة مدة التبيلغ و الدعوة ذكرها القران صريحا لبث في قومه في دعوته تسع مئة و خمسين سنة النبي نوح هو ابو البشر الثاني الذي بعد الطوفان انتهى النسل الا منه كان لنوح عليه السلام اربعة اولاد ، ولد غرق لانه عصى و انحرف و ابتعد وغرق و تأتي القصة فيها تفصيل لاثة اولاد هم حام و سام و يافث و و يعتقد المؤخون بإن انتساب البشر يرجع الى هئلاء الثلاثه فمن ينتسب الى حام يقطن في القارة الافريقية و المنتسبون لسام يقطنون الاوسط و الاقصى و اما المنتسبون الى يافث فيقطنون في الصين كما يذكر ناصر مكارم الشيرازي ،
المدة التي عاشها نوح بعد قيل هي خمسون عام قيل ستون عام بعد الطوفان يقي مستقر لم يبقى الا المؤمنون و ذهب كل الكفار فصار في استقرار خمسين سنة و او ستين سنة ،
كم عدد الذين امنوا بدعوته ؟ دعائهم فترة طويلة تسع مئة و خمسون عام يدعو كم الذين استجابوا له ؟ و ركبوا سفينته قيل ثمانون شخص و قيل سبعين شخص و قيل سبعة اشخاص فقط تسع مئة و خمسون يدعو الناس بالحجج و البراهين و لم يؤمن به الا سبعة اشخاص على هذا القوم غريب الامر كيف يترسخ الانحراف و الفسق و الخروج و الكفر الى هذه الدرجة ، فنوح ٌ ارسل اليهم نذير نذرهم و جائهم بالوعيد و التهديد وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (3) جاء لهم بهذه الدوعة نذر بيّن بوضوح و ليس فيه التباس ما هو فحى الدعوة ؟ الدعوة ان لا تعبدوا الا الله ، هي الدعوة الحقة ان لا تعبدوا الا الله هي دعة لكل خير لانه اذا تأصل الايمان بالله سبحانه وتعالى و ترسخ عند المجتمع و عند الناس لا يخاف منهم سوء ابدا ً شخص مؤمن يومن بالله لا ترجو منه الا الخير لو إختلفت معه لا يضرك لن يؤذيك لن يصلك منه شيء لانه يؤمن بالله سبحانه وتعالى المجتمع الذي فيه الايمان الحقيقي هو المجتمع الذي يكون قلبه واحد ليس فيه تكبر أما المجتمع الذي كان فيه نوح كان طبقيا كان فيه إزدراء للفقراء كانت فيه اهانة للفقراء و كانوا مستكبرين الى درجة الغرور و التعالي درجة كبيرة ،
عندما وجَّه نوح دعوته وجه بالرفض و جاؤوا بإشكالات ثلاثه ،
- لا يتميز هو عنهم ما الفرقف بينك وبيننا فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا (4) لماذا تكون رسول ونحن نتبع ونحن اغنياء .
- ان الانسان يعرف بمن حوله يقولون نحن نعرفك بمن حولك وهي قاعدة صحيحه و لكن فيها التفاف
ومَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ نرى الاراذل هم الذين اتبعوك القاعدة صحيحة و لكن تسمية الاراذل خطأ من اتبع النبي ليسوا الاراذل كانوا فقراء ، صحيح انهم فقراء ، ولكن ليس الفقير هو الارذل ، الارذل الانسان الذي ليس عنده ضمير الانسان الذي يعتدي الانسان القذر الذي يحب الفاحشة الذي ينحرف ، الذي رمي غيره يؤذي غيره هذا هو الارذل اما الشخص الذي يكون فقيرا ً فليس فيه رذاله فهم قلبوا القاعدة فسموا الفقراء الذين يتبعونه بالاراذل .
- عدم الفضل و الاتهام بالكذب تخرصا فقط ، وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ليس لكم فضل لا انت ولا من اتبعك بل نظن تخرصا و تكهنا من عند انفسهم انكم كاذبين
اجابهم نوح على اشكالاتهم قال يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ اترون انني جئتكم بدليل ام ليس بدليل للاشكالات الثلاثه ،
للاشكال الاول كونه بشر يقول ما الضير انا بشر و لكن يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ ام ليس على بينه هل نظرتم انني امتلك الدليل ام لا امتلك الدليل اذا كنت بشر و عندي دليل ما هو الضير وما هو الاشكال في كوني بشر ادعوا الى الله وانا املك دليلا ً و بصيره ،
ايضا اشكال ان من اتبعك الاراذل اتبعني اناس ولو كانوا ما كانوا و اتبعوني بادي الرأي يعني بالوهلة الاولى يعني يعني من غير دليل فهو يجيبهم قال يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ هل رأيتموني امتلك بينه ام رفضتوني بادي الرأي تنطبق عليكم و ليس علهم ألئك اتبعوني لما عندي من الادله و انتم رفضتم دعوتي بادي الرأي فالكلام عليكم و ليس عليهم لانهم اتبعوا بدليل و انتم رفضتم من غير دليل ،
الاشكال الثالث ، وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ اي فضل ترجون اكثر من رحمة الله سبحانه وتعالى قال يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ انا اتانيَ الله رحمة جعلني نبيا داعيا متصلا ً بالسماء انتم عميان لا تنظرون ولا تبصرون و لا تفكرون ولا تقبلون برهانا ً ولا بينة ً ولا دليل ماذا اصنع بكم أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ نجبركم على انتفتحوا عقولكم و تنتبهوا لهذه الايات و انتم لا تملكون القابلية للوعي و الانتباه ، انتم عميان و انا املك الدليل .
الهوامش
- سورة نوح الاية 26
- سورة نوح الاية 27
- سورة هود الاية 25
- سورة هود الاية 27