اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ
هذه السورة تبدا بتهديد شديد لعموم النس لتوقظهم ليلتفتوا لاخرتهم ولموضوع الحساب ، و ان الدنيا زائله و الاجل قريب و لا بد للانسان ان يصل الى هذه الغاية
معنى الاية اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
- اقتَرَبَ و هو من القُرب و قَرُبَ و اقتَرَبَ بمعنى واحد و لكن اقترب فيها عناية اكثر و هي دلالة لحتمية القرب او لزيادة في التأكيد على القرب ، وإقتراب الحساب من الانسان .
- للناس بمعنى الى الناس وليس من الناس و فرق بين اقترب الى الناس و إقترب من الناس اقترب الى الناس بمعنى هو الذي اقترب فكان الحساب هو في انتظار الناس وهو الذي يطلبهم ، وهم في غفلتهم .
- للناس المراد به المجتمع البشري الذي كان الذي موجوداً في ذلك الوقت ، ويشمل غيرة ولكن ذلك المجتمع الذي كان اكثرهم مشركين كانوا في غفلتهم وهم لاهون ، ولا يلتفتون لما يأتيهم من ذكر من الله سبحانه وتعالى ، و الاية تحذرهم ، و توقظهم .
- حسابُهم المراد به نفس المحاسبة كما يقول السيد الطباطبائي و ليس زمان المحاسبة يعني الحساب هو الذي إقترب من الناس فصار الحساب و هي عملية الحساب ، و المحسابة قريبة من الناس ن و تنتظر الناس ولكن قال اخرون غير ذلك ،
قال البعض الزمان الذي فيه الحساب البعض يقول لان كل يوم يمضي تقل المدة بينه و بين الاخرة فيكون المتبقي قريب يعني قد يكون هناك ملايين و لكن هذه المدة كلما نقص منها شيء صارت قريبة ، وكل آتٍ قريب
وقال بعضهم انها بالنظر لبعثة النبي صل الله عليه و اله لان النبي بعث في اخر الزمان فهو قريب من الساعة قريب من الحساب كما قال النبي صل الله عليه واله بعثت انا و الساعة كهاتين و اشار بالسبابة و الوسطى يعني في اخر الزمان و قريب من الساعة و إحتمل القرطبي ان يكون الحساب هنا إشارة الى القيامة الصغرى و هي الموت لان الانسان يحاسب في بادئ موته ايضا هناك شيء من الحساب و يقول من المحتمل ان يكون اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ يعني اقتربت اجالهم ، ولكن الظاهر من الاية غير ذلك الظاهر من الغاية انها تتحدث عن الاخرة
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ يعني الاخرة صارت قربية من الناس .
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ
- في غفلةٍ لانشغالهم بالدنيا وما فيها من الملذات ملئ قلوبهم فصارت قلوبهم لاهية ليس فيها مجال للذكر او الفكر و التفكر بما يؤول اليه امرهم لانهم انشغلوا بهذه الدنيا و طبيعة الانسان هكذا انه بقدر ما ينشغل بشيء يلهوا عن ضده فإذا إنشغل بالدنيا انشغل عن الاخرة هذا امر طبيعي لذلك عندما يمثل بقلب الانسان بإنه كالصفحة البيضاء إذا كان كالصفحة البيضاء و عصى صار فيها نكتة سوداء و يعصي الى ان يكون القلب كله اسود و لا يرى شيء فيكون لاهي بمعنى اخذ ما فيه من المجال و صار متعلقاً بالدنيا وملذات الدنيا
- إشكال التنافي في الاية بين الغفلة ، و الاعراض هنا إشكال ربما يتبادر لمن يتأمل في الاية و يقول الاية تتحدث عن وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ فكيف يكونون في غفلة ، و هم معرضين الإعراض يعني الالتفات مع الالتفات الانسان يعرض عن الشيء التفت له و يعرض عنه و الغفلة عدم الالتفات فكيف يكون ذلك فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ في غفلة لعدم تصورهم الحساب كما ينبغي وكما هو حقه و هذا ربما يشمل حتى المؤمنين لان هناك تصور لحساب و حضور لمعلول العلم هذا بالحساب يختلف من شخصٍ لاخر لذلك امير المؤمنين سلام الله عليه عندما ياتي بأوصاف المتقين وا لنار كمن راها فهم فيها معذبون و الجنه كمن راها فهم فيها منعمون (1)
هذه التصور درجة عاليه للمؤمن و إذا كان اقل منه فهو لم يكن بحقه كلما زاد التصور للاخرة وإستحضار العلم كان له اثر اكثر فإذا كان الانسان مشركً بالله سبحانه وتعالى فأي حضور للاخرة و تصور المعاد وتصور و تصور الحساب لا إشكال انه يكون بعيد عنه فهم في غفلة بهذا و معرضون بإنشغالهم عن الدنيا لانهم إنشغلوا بالدنيا في غفلة ارتبطوا بالدنيا و لم يتصوروا الحساب حق تصوره حتى لو سمعوا و مُعرِضون بإنشغالهم بالدنيا بل اكثر من ذلك يصرون على الإعراض حتى لا تذهب الغفلة لذلك لا يريدون الإستماع و يصموا آذانهم كي لا يسمعوا كلام النبي صل الله عليه و اله ، و لا يسمعوا الموعظه ، و لا يسمعوا التبيه للاخرة فيصرون على موفقهم وعلى ضلالهم و على غفلتهم او ان تكون الغفلة نتيجة الاعراض وهنا تداخل بين الاثنين الاعراض يسبب غفلة و يزيد في الانسان غفلة فاذا صارت عنده غفلة زاد اعراضه عن الاخرة فيكون الاعراض نتيجة عن الغفلة ، الغفلة علة و سبب للاعراض فيكون الاعراض الذي حدث عندهم بسبب غفلتهم ،
و قوله تعالى مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ،
- تبين نتيجة الغفلة و هي اللعب و اللهو عن ما يجب الانتباه له مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم لانهم غافلون معرضون فما ياتيهم كم ذكر من ربهم إلا استمعوه و لكن هذا الاستماع لا يعني شي فهم يلعبون ينشغلون عن ما يجب الانتياه له .
- مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ الذكر هو ما يذكر بالله سبحانه وتعالى وهو يشمل الكتب السماوية كلها ، ومنها القران الكريم .
- محدث اي بمعنى جديد الذكر محدث هو الذكر الذي ياتي ما قبله كان هناك ذكر و جاء بعده ذكر فالذكر الاتي هو حديث و جديد مُحدث عن ما قبله .
- و هم يلعبون اللعب هو فعل ما لا غاية له وهو الفعل الخيالي كما يلعب الاطفال يلعبون بالشيء لانهم لا يتصورون غايةً لافعالهم وانما يرتبط بهذه الامور التي تسليه و تشغله عن ما هو اهم من ذلك .
الهوامش
- نهج البلاغة الخطبة 193