بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ (36 ) خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40)
تحدثنا قبلا عن الاية وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا
اولا : الهزوا في مورد الجد هي صفة من صفاة المشركين انهم اذا جائتهم الموعظه و البيان و الارشاد بدل ان يفكروا و يتباحثوا في حققة ما نبهوا له يأخذون الامور بهزل و استهزاء وسخرية و هذه صفة من صفاة غير العقلاء العاقل اذا اخبر بشيء وقف وتأمل فيه ولو كان فيه احتمال قليل فما بالك باحتمال دائم لذلك يقول العلماء في قضية قوة الاحتمال و المحتمل في الحياة الطبيعية ان الانسان اذا اخبر بشيءٍ ينظر الى هذا الشيء هل هو خطير او ليس بخطير فإن كان خطير يتوقف يتأمل يتأكد انه لا يضره ثم يتحرك اما الجهال فهو الذي لا يبالي مثلا ً لو خرج شخص ٌ في الطريق و قيل له هناك قاطع طريق او هناك حيوان مفترس او امر يهدد حياتك هنا تهديد الحياة امر خطير فيقف عنده العاقل هو الذي يقف عند الاحتمال الخطير يتاكد ان هذا الخطر غير موجود ثم يتحرك لا يستهزء حتى لو كان الاحتمال ضعيف لكنه يتوقف يتامل ام لو لكن الحتمال قوي لكن الشيء ليست له قيمة المحتمل ضعيف كما لو قيل لشخص مثلا انه اذا خرجت للبر سوف يصيبك زكام يصيبه زكام يختلف عما اذا قيل تنتهي حياتك ففي المورد الذي يحتمل نهاية حياته او انه يقع فريسه لحيوان مفترس مثلا يقف و يتأمل لذلك بالنسبة للاخرة اذا قيل في الاخرة عذاب دائم او نعيم دائم فالنعيم الدائم يحتاج الى سعي ٍ كبير و يحتاج الى حركة و الشقاء الدائم يحتاج الى توقف لانه دائم و لا يتنهي و ليس هناك خطورة اشد من هذا فيتاكد يتامل اما غير العاقل فهو الذي يقابل هذا البيان و هذا الارشاد و هذا التنبيه بالاستهزاء و هذه صفة الكافرين و لا يقبلون ان توصف آلهتهم بشيء ٍ من اوصافها الحقيقية و لكنهم يصفون غيرها يصفون الله باوصاف و يستهزؤن من غير تدبر و من غير تأمل ومر الحدث في هذا .
ثانيا : العجلة والانسان
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ، قيل المراد بالانسان بالنظر ابن الحارث ابن علقمه بن كلبه بن عبد الدار في تفسير ابن عباس يقول هذه الاية تتحدث عن امر ٍ خارجي كما كما يقولون فتقول خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ يعني هذا الانسان الذي هو النظر ابن الحارثى هو المقصود بكلمة الانسان لان الحديث عنه ،
الرأي الاخر ان الانسان هو النوع الانساني و يدل عليه الايات التي تحدثت عن الانسان و عن العجله وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا فهي ليست عن هذا الشخص الذي في هذه الاية و انما الانسان بصورة عامه يعني النوع الانساني هو المقصود في هذه الاية ن
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ماذا تعني الاية في قوله قيل العجل هو الطين يعني خلق الانسان من طين و إستشهدوا على ذلك ايضا بما قاله العرب في اشعارهم ومنها و النبع في الصخرة الصماء منبته الماء يخرج من الصخرة الصماء ،
و النبع في الصخرة الصماء منبته و النخل ينبت بين الماء و العجل ، بين الماء و العجل يعني بين الماء و الطين ، و لكن التفسير الاخر يقول العجل هو من الاستعجال العجله التعجل في الامور و يدل عليه وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا
إذا ً خلق الانسان من عجل تعني انها كناية عن ملاصقة العجله للانسان اشد ملاصقه فكانه خلطة خلقته بهذه العجله و الاستعجال و يدل عليه ما يأتي في الايات لانه لا يمكن ان تاخذ الاية مفصوله عن بعضها البعض يعني تقول خلق الانسان من عجل سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ما هو الربط فلا تستعجلون و بين الطين ليس هناك ربط الربط الحقيقي و الواضح انه خلق الانسان من عجل يعني متعجل عجول فلا تستعجل تقول له لا تستعجلون مترابط المعنى مع بعضه البعض وهو الانسب لقوله تعالى سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ،
الانسان عجول الى درجة حتى لو نبه كما اشرنا نبه لشيءٍ و هدد به في هذه الايات النبي صل الله عليه و اله ينبههم ان هناك ايات و بلاء و عذاب سيحل بكم بدل ان يتأملوا بدل ان يتريثوا يفكرون يطلبون و يستعجلون بنزول العذاب و يطلبونه سريعا ً ويَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ يريدون وقوعه يقولون اذا كنت صادق فليأتي هذا العذاب ،
العجله اذا قيل ان الانسان عجول ربما يخطر اشكال ، وهو اذا كان الانسان عجولا ً و العجله كانها خلقت فيه ة عجنت بخلقته اذا يحاسب على ماذا الجاوب ان العجله في الانسان لا تسلبه الاختيار كما ان الشهوة في الانسان وكما الطمع و الطموح و الإرادة الى غير ذلك من ما يطلبه الانسان هي موجوده عنده و لكن العقل موجود و يحاسب على قدر ادراكه و قدر عقل فالعجله لا تسلب الاختيار عند الانسان و يبقى الانسان مختارا ً في ارادته ويفعل ما يختاره هو ،
الله سبحانه وتعالى لا يعجل هم يقولون متى هذا الوعد و يطلبون ان تاتي الايات و لكن الله لا ياتي بها لاماذا ؟ الجواب واضح و انما يعجل من يخاف الفوت ، الله سبحانه و تعالى لا يخاف الفوت اما ينبههم لينقذهم كي يخلصهم و يهديهم الى الصراط المستقيم و السوي ، وهذاهو الذي يجعل الايات تتكرر و ليس لان الله مستعجل عليهم و يريد عذابهم الله يريد لهم الخير لكنهم لا يأخذون ، و الله ا يخاف ان يفوته العذاب ان تفوته القدرة ان يعذبهم و يعاقبهم فيمهلهم الى ان يحين موعد العذاب .
ثالثا : سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون ،
ما هي الايات قيل هي العذاب الذي ينتظرون وقوعه عليهم كما وقع على الامم السابقه ساريكم اياتي يعني هناك ايات كما نزلت على الامم السابقه و حلت بهم جراء نكرانهم و عصيانهم و جحودهم ايضا ستأتي لكم الايات ،
الرأي الاخر والذي يقوله السيد الطباطبائي ان الايات في هذه الاية هي النار ان المقصود سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون يعني ستدخلون انار و ستعذبون بالنار ، وهناك لا نصير و لا مفر لكم كما ياتي في الاية لذلك يقول تعالى ، الدليل على ان الايات هي النار يقول لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) يعني تاتي الايات حينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ يعني الايات المقصوده في هذه الاية سيدخلون النار و لا يستطيعون الخلاص منها ،
وقال بعض المفسرين انها تشمل الاثنين ، تشمل الايات و العذاب في الدنيا وتشمل الايات في الاخرة .
رابعا : الغفلة و استعجال التعاسة ،
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ،
عدم التفكر هو الذي يجر صاحبه الى التعاسه فيستعجلون شقاؤهم و يطلبون شقاؤهم بدل ان ياخذوا حيطتهم و يملكوا لكل سؤال ٍ جواب ، لماذا هذا الموقف و لماذا هذا النكران يجب ان يكون هناك جواب لكنهم يطلبون التعاسه لهم و يستعجلونها ن
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، لماذا لم يقولوا ان كنت صادق ؟لان القرآن من النبي جاء به النبي صل الله عليه واله يقال هو اشراك للنبي ، ومن معه لان من مع النبي صل الله عليه واله يحملون نفس الهدف و نفس الطرح فيخاطبون الجميع بطرح واحد ، انتم تدعون و تقولون بنزول عذاب فانتم و النبي طرف واحد ،
و قيل انه من اجل التفكيك بين النبي صل الله عليه واله و اصحابه ومن يتبع النبي صل الله و عليه و اله حتى يوقعوا بنهم فيقلون ان كنتم صادقين ومن مع النبي صل الله عليه واله لا يحملون الايات وانما النبي صل الله عليه واله هو الذي يحمل الذي يعلم بالايات علما ً حقيقا ً وهو الذي يهدد بها و يذكرها فهو لتفكيك و ابعاد اصحاب النبي صل الله عليه واله و ابعادهم عنه صل الله عليه واله ،
خامسا ً : احاطة عذاب الاخرة
عذاب الدنيا ،
هذه الاية تصف شيء من عذاب الاخرة ن
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ احاطة العذاب ، العذاب يأتي من كل جهة الاخرة تختلف عن الدنيا ، لا ان الانسان يأتي و يتقدم من جهة و يقع في العذاب حتى يُقال يتراجع ، العذاب يأتيه من كل جهة ، من وجهه ، ومن ظهره و من يمينه ، و من شماله في كل جهة يجد العذاب محيط به بل اكثر من ذلك كما يقول تعالى نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) (2) يقال من داخل الانسان تشتعل انظر لاوصاف النار من كل جهة من الامام من الخلف من اليمين من الشمال من الباطن ايضا تشتعل نار بل اكثر من ذلك ، يقول الله تعالى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (3) يكونون و قود وهم يشتعلون و يشعلون النار ، اكثر من ذلك تكون المفاجئة في العذاب يقول تعالى بلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ (4) كيف تأتي بغتة ؟ النار تاتي بغتة ليس انه في جانب فيلقى في النار يدفعه احد مثلا و يلقيه في النار ، و انما هو في جانب في وقوفه و اذا بالنار تشتعل في الباطن من الامام من الخلف من كل جهة كيف حدثت لا يدري بغتة فتبهتهم يتحير لانه ما وجد الا النار تحيط به من جميع الاطراف فجأة ً و بغتة ً فيتحير فتبهتم فلا يستطيعون ردها ، إذا وجود نفسه هكذا هل يستطيع التخلص هو بنفسه لا يستطيع ردها ، وَلا هُمْ يُنصَرُونَ لا يستطيع احد ٌ ان يخلصه او يتوسل بأحد ليخلصه من النار ولا هُمْ يُنظَرُون حتى لو طلبوا التاخير و قالوا امهلونا قليل ليس هناك مجال النار في كل جهة وقعت عليه من داخله و من خارجه .
الهوامش
- سورة الاسراء الاية 11
- سورة الهمزة الايتان 6-7
- سورة الانبياء الاية 98
- سورة الانبياء الاية 40