c تفسير سورة الانبياء الحلقة 26

تفسير سورة الانبياء الحلقة 26

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ

قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ

قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ

قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ

ذكرنا سابقا ان هذه السورة تتحدث عن قصص كثير من الانبياء و يدل عليها اسمها ،

اولا ً : المفردات لهذه الايات ،

رشده ، الرشد اصابة الواقع و عدم الغي التي يؤتى رشده هو الذي يسر في الطريق السليم و يصل الى غايته من غير ان ينحرف عنها ،

مِن قَبْلُ ، اي من قبل موسى و هارون وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ ، من قبل موسى و هارون اوتي ابراهيم ،

وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ، إشارة الى علم الله يإستعداد ابراهيم انه كان على استعدادً في نشأته على التوحيد كما يأتي ،

التَّمَاثِيلُ ، هو الشي المصور و جمع تماثيل و هو واضح ٌ ،

عاكفون ، الاقبال على الشيئ وملازمته على نحو التعظيم يعكف على شيء يبقى عليه يعظمه و يلازمه ،

لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم ، الكيد هو التدبير بخفاء ، يخطط لها بخفاء و يقصدها بخفاء ،

فجعلهم جذاذا ، جذاذ اي مكسرين ، تكسير الشي و تفتيته يسمى جعله جذاذ ،

ثانيا : المعاني ،

 قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ هو رجوع ٌ لما قبل موسى و هارون ، و الهدف منه ان يقال كما بعثنا الان بعثنا موسى ، بعثنا قبله ايضا قبله ابراهيم فبعثة النبي مسى ليست بدعا ً لان قبلها بعثة ابراهيم و بعثة النبي صل الله عليه واله الذي  هو محل الاستدلال له ان يكون هو في سلسسلة الانبياء و ليس بدعا ً كان قبله وكان قبله و هكذا ،

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ ، اي الهداية الفطرية التامه الى التوحيد هي التي كانت عند ابراهيم بنور فطرته و بتوحيده من فطرته من غير تعليم معلم ٍ ولا تربية مربي على التوحيد نشأ بفطرته موحدا ً ملتفت ً منكر لما كان عليه عمه و قومه ،

وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ، و هذه اشارة لعلم الله سبحانه وتعالى اي ان علم الله سبحانه وتعالى بإستعداد ابراهيم في فطرته قبل بعثته هو الذي جعل الاهتمام به و اصطفائه و اختياره خليلاً و نبينا ً ،

قوله تعالى  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ،

يقول السيد الطباطبائي هذا مرحلتين ، مرحلة كان ينكر على عمه الذي يسمى أب ايضا و مرحلة التي ينكر فيها على القوم و المجتمع مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ، و لماذا تعبد اما ان يكون هذا السؤال حقيقي وهو في طور التأمل والتدبر كما يشير السيد الطباطبائي ، ام يكون سؤال عن حقيقة هذه التماثيل هل هي لها اثر هي هي الهة حقيقة مؤثرة ام لا او هو يسأل سؤال استنكاري و هذا محتمل ايضا ان يكون ، يكون السؤال استنكاري ، لماذا تعبدون هذه التماثيل و التي هي ظاهرة ٌ و واضحة ٌ لا تأثر و تقدم و لا تحرك ساكنا ً ،

قوله تعالى قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ،

جوابهم وجدنا اباءنا لها عابدين ، المبرر فقط انهم وجدوا الاباء يعني تقليدٌ اعمى من غير تأمل و  من غير تدبر و هذا لا يقاس كما يقيسه البعض مثلا ويقول ، نحن ايضا هذا ابوه مسلم فصار مسلم و ذاك ابوه كذا  فصار كذا  هذا ليس قياس صحيح لان القياس الصحيح هل عندك جواب او ليس عندك جواب هل ما تعتقد خطر على فكرك و تأملت فيه ام لا ام الجواب فقط وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ، المسلمين الذين يختارون عقيدتهم و اختلافهم في كثير من الاحيان ان تكون فرقة ومنها صفوة ومنها صفوة يكون بالتدبر و التأمل فيحسب الانسان على  تدبره و اختياره  و ليس ها قياس بذاك،

قوله تعالى قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ، اي ضلال  اكبر من ان يكون الاختيار للالهة التي هي تعتبر كل و هي التي تحدد مصير الانسان كيف وجد هل له نهاية ام لا يضع نقطه و ينتهي فقط يعبد الهة لان اباه كان يعبد هكذا من غير ان يخطر في باله دليل على صحتها ،

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ ،

عندما قال لهم و استنكر عليهم لا يخطر ببالهم انه يعترض فقالوا في قولك هل انت جاد ام تمزح كما يقول السيد الطباطبائي كل هذا الكلام الذي تقوله مزحه ام هو جد و هذا دليل على انهم ليسوا في وادي تقبل النصح ابدا انهم لا يقبلون النصح و لا يقبلون التوجيه و لا يقبلون النقاش و لا يقبلون في ذلك ففقط يقولون هل انت مازح ام انت جاد ،

قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ،

 يقول انا مجد و يعتقد بأن الرب و الؤثر رب السماوات و الارض الذي فطرهن خالق السماوات الارض هل لا يعتقدون بان ربهم و الهتهم هو رب السماوات و الارض و لا يعتقدون بان رب السماوات و الارض هو الله فيرون اكثر الهة السماء لها الهة لوحدها الارض لها الهة هم لهم الهة اصنام الهة متعددة ، النبي ابراهيم يقول انا اعتقد جازم ان الرب المؤثر و الذي خلقكم و خلقنا و خلق كل شيء هو رب السماوات و الارض الذي انشا السماوات و الارض كل شيء خلقه الله سبحانه تعالى وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ، ملتزم به و ملتزم ٌ بلوازم هذا الاعتقاد ،

قوله تعالى ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ،

المعنى مصمم على كيد الاصنام ومسها بالسوء ، تطيم الاصنام ، يخطط لتحطيم الاصنام  ، هل كان هذا التخطيط يخاطب به القوم اما لا ؟ الجواب انه لم يكن مخاطبا للقوم لانهم في قوه و لا يناسب ان يقول لاكيدا ً يعني بخفاء بسر ، كيف يقول اكيد الاصنام بخفاء و بسر و اخبركم بهذا السر لم يكن سراً و انما كان مصمما ً على كيد الاصنام و لم يكن معلنا ً بذلك و يدل عليه الايات بعد ان جاءؤا و يبحثوا على شاهدين عليه انه ذكرهم بسوء فلم يكن معلنا ً بكيد الاصنام و اقصى ما يمكن ان يقال انه قد ذكر الاصنام او ذكر قصده عند بعض الاشخاص الذي لا ينقلون الخبر و لا يتحدثون و لا يظهرون ولا يفشون سرا ،

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ  ، جاء و كسر الاصنام كسرها لتكون عبرة لعدم صلاحها للعبادة الاصنام التي لا تدفع عن نفسها شيء كيف تكون الهة كيف نتوسل بها كيف نرجو ان تخلصنا كيف نرجو ان تعطينا الخير و البركة في رزقنا في اموالنا في حياتنا في ابنائنا هل يمكن ان تكون كسر الاصنام ليقفوا امام هذا الواقع ليجدوا ان الاصنام لا تؤثر و لا تحرك ساكنا ً ،

إلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ  ، ترك صنما كبير و علق الفأس في رقبته لعلهم اليه يرجعون ،

ما هو المقصود لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ   ؟

قيل ان لعلهم يرجعون الى الله اذا رأوا هذا ينتبهون هذا رأي اما جمهور المفسرين يرون لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ  تعني يرجعون الى ابراهيم لعلهم اذا رأوا هذا الموقف يرجعون الى ابراهيم فيحاورونه يناقشونه يرشدهم ينبههم يهتدون هذا ما عليه الجمهور ، اما السيد الطباطبائي رحمة الله عليه ، يقول لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ  اي يتهمون الصنم الكبير يرجعون للصنم الكبير في بادئ الامر و الوهلة الاولى يرجعون للصنم يقول السيد كمن يقتل مجموعه من الناس متفقين و يترك شخص بينهم ، يقول يتهم هذا الكبير بانه القاتل فيرجعون اليه هنا ابراهيم كسر الاصنام و ترك صنماً حتى يرجعوا اليه فيقولون هو ام لا نسأله من الذي فعل بكم و هذا الامر الطبيعي ان كانت لهم حياة كان لهم ادراك ان كان لهم اثر يرجعون اليه  لكن لا يرجعون فيقفون عند انسفهم ،

قوله تعالى ، قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (1) هذا  استفهام بداعي البحث من الذي فعل يريدون معرفة من الذي فعل لذلك هذا يدل ان ابراهيم لم يكن معلنا انه سوف يحطم الاصنام لم يكن مجاهرا ً به لذلك صاروا يسألون من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين ، ظالم لانه كسر الالهة التي من شأنها ان تعبد ، ظالم لانه حرم الناس من اربابهم  ومن عبادتهم لهذه الأصنام .

الهوامش

  • سورة الانبياء الاية 59

 

شاهد أيضاً

تفسير سورة النبياء الحلقة 48

تفسير سورة النبياء الحلقة 48 13/5/2019 بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *