بسم الله الرحمن الرحيم
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
الحديث حول هذه الايات من سورة الانبياء مواصلة لما مضى من الحديث حول ابراهيم ،
المفردات :
لوطا ، وهو اسم ٌ اعجمي و هو علم ٌ و ليس اسما ً عربيا ً و انما هو اسم اجنبي للنبي لوط و قيل ان لوطا ً تعني اللصوق و تعني الذي حدث من الفاحشه فتكون التسميه مأخوذه لوصف الفاحشه التي كانت و اطلق على النبي لانه النبي الذي ارسل اليهم و قيل انما هو اسم و ربما يكون هو الارجح و ينقل اكثر انه اسم علم لهذا النبي ،
الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا، هي ارض الشام الارض المباركه ، سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ، المنطقة هي منطقة الشام هي الارض المباركه ،
نَافِلَةً ، أي عطيه .
بِأَمْرِنَا ، هو الامر التكويني الامر الرباني التكويني كما يأتي .
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاة ، هو الانفاق الذي كان في شريعتهم و ليس الزكاة التي عندنا و الصلاة التي عندنا ، كانت عندهم صلاة وكانت عندهم زكاة و تعني التزكيه و هو الانفاق و اخراج الاموال للفقراء .
المعاني ،
القصه كما مر نكلمها ، لم يتمكن النمرود من تشويه سمعت ابراهيم نمرود اراد ان يقضي عهلى ابراهيم و اراد ان يشوه سمعته ولكنه برميه في النار الامر صار معكوسا فصار اظهار لشخصية ابراهيم في نفوس الناس و جعل الناس يتحدثون ليلا نهارا ً عن ابراهيم و عن قدرته ، وعن ربه و عن وقوف ربه معه ،
بعد الفشل الذريع امام بطل التوحيد الذي لم يكن يخاف و لم يتزلزل و لا يتركه ربه خاف نمرود على حكمه فاراد اخراجه فخرج ابراهيم من بابل من المنطقه ،
هل خرج بنفسه و بإختياره ام اجبروه !
هناك قولان ،
قيل هو خرج بنفسه بعد ان زرع بذور التوحيد اسس اساس التوحيد و رأى المكا غير مناسب ان يبقى فيه و خرج بنفسه الى الشام ،
و قيل انه اخرج اخرجوه من المكان الذي كان فيه كما عن الامام الصادق عليه السلام ان نمرود امر ان ينفوا ابراهيم الى بلاد الشام و ان يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجهم ابراهيم عند ذلك فقال ، إن اخذتهم ماشيتي و مالي فحقي عليكم ان تردوا علي َّ ما ذهب من عمري في بلادكم فإختصموا الى قاضي نمرود وقضى على ابراهيم ان يسلم لهم جميع ما اصاب في بلادهم الاموال الماشية يسلمها و قضى على اصحاب نمرود على ابراهيم ما ذهب من عمره في بلادهم يرجعون له عمره فأخبر نمرود بذلك فأمرهم ان يخلوا سبيله ، وسبيل ماشيته وماله نمرود كان يوهم الناس انه هو الرب و انه يحي و يميت يعني كأن الاجال و الاعمار بيده لكن لما يكون الحكم هكذا من القاضي ليس عنده حيله فقال اتركوه و اخرج ابراهيم وان يخرجوه و قال نمرود انه ان بقي في بلادكم افسد دينكم و اضر بآلهتكم فبذلك اخرجوا ابراهيم من ارض بابل ،
بعد فشل نمرود وانقلاب الامر عليه قال الله سبحانه وتعالى وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ،
لوط هو اول من امن بدعوة ابراهيم امن و سلم و التزم ثم صار نبيا ً يقول تعالى فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ (1) امن لوط وكان هناك ايضا معه من امن و قيل انهم هاجروا معه ايضا وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ، هذه الارض المباركه التي فيها البركة وماديا و معنويا ً الارض مباركة و تعني كما ذكرنا سابقا البكره عندما يُقال شيء مبارك يعني خيره دائم مستمر الخير فهي ارض مباركه من جميع جوانبها من جانب المادة ارضها كلها خير من ذلك الوقت الى هذ الوقت وهو مستمر ، ارض مباركه اذا جئت لها من جهة الخيرات و الزراعه و الماء و غير ذلك فهي خير و مباركه و ايضا مباركه كما قيل بأنها صارت مهدا ً للانبياء من الجانب الاخر المعنوي ، و ربما يكون هو المقصود لانها صارت محل الانبياء ، وصار الانبياء من ذرية ابراهيم فيها موسى و عيسى و الانبياء كانوا في تلك البقعة ،
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ، هنا يهدون لامرنا هو تفسير لمعنى ائمة ، ائمة ماذا تعني ؟ يهدون بأمرنا و هنا فيه تدقيق كثير هذه الاية ائمة و يهدون بامرنا الم يكونوا يهدون ، ربما يتسائل المتسائل ، الم يكن نبيا و يهدي ، كيف لما صار امام قال عنه الله يهدي بأمرنا و قبل ان يصير امام ً الم يكن يهدي بأمر الله فهنا تشير كما يقول بعض العلماء كالسيد الطباطبائي و الشيخ ناصر مكارم الشيرازي و غيرهم ان الهداية هي هداية تكوينيه ، الامامة تعني الهداية بأمر ٍ الاهي ، تعني الهداية ، الهداية التكوينية ، ومن هذا يستنتج ان الهداية نوعان هداية تشريعية و هداية تكوينية ، الهداية التشريعية كما يقولون هي إراءة الطريق يعني شخص يشرح لك الطريق و يقف كما و يمثل السيد الطباطبائي ، يقف الشخص امام الطريق و يقول لك مثلا اذهب الى هنا تجد بيت فلان ، شرح لك هذه هداية تشريعية ، يشرح لك الطريق و انت تتحرك فيه ،
هداية تكوينية ، ان يمسك بيدك و يوصلك الى المكان ، هذه هداية اخرى غير التنبيه غير التوجيه و هي الهداية التكوينية ، إذا ً صاروا أئمة بالهداية التكوينية بحيث انهم واسطه في الفويضات الالهية كما يقولون واسطه في الفيوضات الالهية في هداية الناس ، وهذه درجة عاليه ربما اذا قرءنا ايات اخرى عن قصة ابراهيم ربما نستشف هذا المعنى الله سبحانه وتعالى هناك يتحدث عن ابراهيم ويقول وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ (2) يعني من الان فصاعدا ً و ليس ماضيا ً متى كان هذا ؟ ، في هذه الاية يقول وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ يعني كانت عنده ذرية وهو في مواضع اخرى يتحدث انه وهب له اولاد على كبر يعني اعطي الاولاد على كبير في سنه فهو كبير في السن و اعطي الاولاد و عندما كان كبيرا ً في السن يعني كان نبيا ً النبوة كانت له و هو شباب في شبابه صار نبي ثم ابتلي بابتلائات منها انه القي في النار ، صبر منها حاج قومه صبر ، منها أمر بذبح ابنه فصبر هذه هي الابتلائات و هذه هي الكلمات ،
فَأَتَمَّهُنّ يعني انجزهن ، والتزم بها على اتم وجه فبعد ذلك قال له الله الان انت نبي و التزمت ، ونجحت و صبرت نجعلك اماما ً ، فالامامه هنا تختلف عن النبوة ، النبوة فيها هداية و لا تختلف و لا تفترق عن الهداية التشريعية ، وهي اراءة الطريق شرح للناس كل نبي يشرح ولكن ان يكن واسطه في الفيض الالهي في روحه ، الفيوضات المعنوية و ان يكون له تأثير في هداية من لهم قابلية الهداية هو الامام فيكون اماما ً بهذا المعنى ،
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، طبعا هناك من يطرح شيء اخر كالسيد فضل الله مثلا ، يقول الهداية بأمرنا بمعنى الامامة ، الامامة بمعنى القيادة بمعنى القيادة هذا معنى اخر ان يكون بمعنى القيادة يعني قبل في النبوة كان يرشد ارشادا ً عاما اما لما بلغ درجة الامامه صار قائدا ً وصار مأمورا بالتنفيذ و تكوين حكومه وغير ذلك يعني ادراة الناس و ليس التأثير الباطني و اما رأي السيد الطباطبائي ان تكون الهداية بمعنى الفيوضات الباطنية و التأثير الباطني وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، اي كانوا يعملون الخيرات بوحينا كانوا يعملون و ذهاالعمل كان بوحينا من الله سبحانه وتعالى و تسديد من الله و يدل على ذلك ، وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ، يفعلون الخيرات و كانوا لنا عابدين ،
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ، ذكر اقام الصلاة و إيتاء الزكاة بعد ان كانت مشمولة ً بفعل ِ الخيرات عندما يفعلون الخيرات وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ، فهي تشمل إقام الصلاة و وتشمل إيتاء الزكاة ، ولكن هنا للتخصيص و الدلالة على اهمية الصلاة ، العبادة لله انها مهمة و ايضا ً النفقة في سبيل الله سبحانه وتعالى مهمة وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ، وكانوا لنا عابدين يقولون انها اشارة الى انهم كانوا صالحين في انفسهم قبل الامامة و قبل النبوة كانوا هم في ذواتهم لا ينظرون إلا الى الله ولا يعظمون إلا لله و يقدسونه و يعبدونه فقط وذلك استحقوا هذه العناية من الله سبحانه و تعالى فجعلهم انبياء فصبروا ، فلما صبروا جعلهم ائمة .
الهوامش
- سورة العنكبوت الاية 26
- سورة البقرة الاية 124