بسم الله الرحمن الرحيم
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
المفردات في هذه الايتان،
إِذْ يَحْكُمَانِ إذ بمعنى حين ، حين يحكمان ن
الحرث هو الزرع و يطلق ايضا على الكرم وكما في الرواية ( الكرم يعني العنب ) ،
إِذْ نَفَشَتْ ، نفشت اي رعت فيه ليلا ً لوحدها من غير راعي الاغنام رعت في الحرث من غير راعي ولوحدها ،
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ ، أي لحكم الانبياء ،
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ اي الايحاء اوحينا لسليمان ان يحكم فيها او يطبق الحكم فيها برفق ،
المعاني ( التفسير )
هذه الايات و ما بعدها تذكر كثيرا ً من الانبياء ، لكنها لم تذكرهم بحسب الترتيب وانما تذكرهم من اجل استخلاص الفوائد من ذكرهم و العبر ،
يقول تعالى وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، حادثة وقعت في زمن داوود و سليمان فحكم فيها داوود وسليمان وحكمهما كما يأتي ، أنما يحكم داوود لكونه خليفه ، هو موكل ٌ بهذا وهو خليفة وحاكم جعله الله سبحانه وتعالى مسيطر و عنده القدرة و كان يستطيع ان يحكم لانه كان يملك يا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ سورة ص الاية 26 لانه جعل خلفية وصار من شانه وصلاحياته ان يفض النزاعات بين الناس و يحكم بين الناس مداخلة سليمان كما في الاية فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ مداخلة سليمان انما هي عن اذن ابيه او بإذن ٍ من ابيه وليس اعتراضا ً على ابيه لانه قد يُتصور كيف تدخل سليمان و ابدى ارأيه في القضية مع وجود ابيه ، سليمان هو الولد الصغير من ابناء داوود لكن اباه جعله يقول رأيه ، والله سبحانه سدده بالوحي ،
لماذا مداخلته ؟
لاظهار صلاحيته للخلافه لانه مندما كان داوود كبيرا ً و صار الامر لا بد ان ينتقل ، وللناس اعمار و تنتهي اعمارهم فلما صار الامر الى ان ينتقل داوود من هذه الدنيا فلا بد من خليفة بعده و عنده اولاد اكثر من ولد بعضهم كبير و بعضهم اصغر و اصغر و ، اصغر ولد ٍ هو سليمان و سليمان امه ايضا لم تكن من العوائل المعرفة و المشهورة بالحسب لذلك الاتيان لان يكون هو الحاكم فيها صعوبه يتجاوز البكر وكانت النظرة للولد البكر حتى من داوود نفسه ولكن الله سبحانه وتعالى امره ان يتأخر حتى يحدث الله امر ً يتبين من خلاله من هو الذي يكون خليفة وحالكما ً بعده فتأخر فصارت هذه الحادثة فجائت غنم شخص ٍ في حقل شخص اخر وأكلت ما فيه وبعد ذلك ترافعى الى داوود ليحكم وداوود هنا جعلها وسيلة لاظهار من هو اقدر و الاصلح للحكم فجمع اولاده وطلب منهم ان يبدوا آرائهم ، أبدوا آرائهم ولكنهم لم يصيبوا ثم أيدى سليمان رأيه فكان مفصلا ً فسأل عن هذه الحادثة كيف حدثت هل حدثت في النهار ام في الليل ، لانها ان حدثت في النهار فكان في النهار على صاحب الحقل ان يحفظ حقله و في الليل على صاحب الغنم ان يحفظ غنمه فهنا قل حدثت في الليل قال إقتلعت النبات و الاشجار ، الذي هي مثلا الكرم ، العنب من جذوره ام اكلت فوق فقط ، واعطى تفصيلا و اعطى حكما ً كما ياتي فتبين انه هو الاجدر و الاصلح للخلافة و للحكم بين الناس ،
إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ، بمعنى يتناقشان يحكمان بمعنى يتناقشان لا انهما اصدرى حكمين مختلفين ، يتحاوران و يتناقشان حتى يظهرى حكما ً واحدا ً ،
عن الامام الصادق عليه السلام في تفسير الاية قال لم يحكما انما كانا يتناظران يتباحثان في الحكم حتى يكون الحكم حكما ً واحدا ً ،
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ قيل لحكمهم اي لحكم داوود و سليمان شاهدين لهذا الحكم ،
وقيل لحكم داوود وسليمان و المحكوم عليهم حتى يكون الجمع لان عبارة حكمهم فيها جمع من اين جاءت كلمة حكمهم ، المفروض ان تكون لحكمهما فكيف جائت لحكمهم الجمع ؟ فقيل انها تعود لحكم داوود و سليمان و المحكوم عليهم ، ولكنه فيه تضارب لانه اولئك محكوم عليهم وهاذان حاكمان ،
إستظهر الطباطبائي وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، اي لحكم الانبياء لان الحديث في الايات عن الانبياء فجائت بهذه الحادثة والحكم فيها فقالت لحكم الانبياء وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ،
قال البعض الاخر السيد فضل الله مثلا يقول لِحُكْمِهِمْ ، مقصود لحكم داوود وسليمان و انما الجمع لمكان الحكم نفسه معنى ، لوجود معنى الجمع في الاثنين ولا يضر ذلك يقول لانه لا يوجد ضمير حتى يرجع اليه لحكمهم لا يوجد ضمير حتى نقول انبياء ، مع ان السيد الطباطبائي يقول لان الحديث فيكون الرجوع للانبياء ،
ما هو الحكم الذي حكما به ؟ ،
الحكم هو ضمان صاحب الغنم لمى اتلفته غنمه ، هذا الحكم الاصلي ،
هل هو حكم ٌ واحدا ٌ ام متعدد هل جاء سليمان بحكم عن ما جاء به ابوه ام لا ؟
قيل متعدد وحكم سليمان ناسخ ٌ لحكم داوود ، البعض قال هناك نسخ ، و قيل هو حكم ٌ ظني إجتهادي وحكم سليمان يختلف عن حكم داوود لانه اجتهد و وصل الى هذا الرأي و لكن الظاهر خلاف ذلك ، فم يقل الله سبحانه وتعالى لحكميهما لو كان هناك حكمان لكان الكلام و الذكر في القران لحكميهما وكنا لحكميهما شاهدين مع ان الله قال لحكمهما يعني حكم واحد فليس هناك حكم ناسخ وحكم منسوخ ، وليس هناك حكم ظني و حكم ظني اخر و إنما هو حكم ٌ واحد ،
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، أي حافظين لحكمهما من الخطأ فلا يكون في حمكهما خطأ ابدا ً حكم ٌ واحد وهو حكم ٌ صحيح ، وليس فيه خطأ ،
قوله تعالى ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ، هذه الجملة توحي بنوع من الاختلاف بين حكم سليمان وحكم داوود ، الجواب ان الحكم واحد كما ذكرنا وهو ضمان ما اتلفه الاغنام كم أُتلف يضمن صاحب الغنم لانه ترك غنمه ليلا ً و دخلت لهذا الحقل و افسدته فيضمن هذا هو الاصل ، اما الاختلاف في التطبيق فقط ، كيف يطبق هذا الحكم وكيف يضمن ،
الحكم الضمان ، النبي داوود حكم بضمان ان تسلم الاغنام لصاحب الحقل فتساويه ، كم قيمة الحقل الذي اتلف ؟ يقدم صاحب الاغنام اغنامه لصاحب الحقل لان المطلوب في الحكم هو التعويض اما النبي سليمان فجاء بوحي و تسديد من الله إضافي و هو نفس الحكم و لكن فيه رفق فقال نريد ان عوضه بالقيمة فنعطيه مدخول الاغنام و ليس نفس الاغنام يأخذ الاغنام و يستفيد منها لمدة سنة و ذاك يأخذ الحقل و ينميه لمدة سنة لان الاشجار موجوده وانا اتلفت الاوراق و الاغصان فتنموا خلال سنة وذاك في هذه الفترة يستفيد من الاغنام فيعوض و يبقى الثاني حافظا ً لحقه من غير ان يخسر الاغنام من الاصل وهذا هو الرفق الذي جاء به سليمان وهو تسديد من الله سبحانه وتعالى و في الروايات ايضا انما كان ذلك ليس اختلافا ً مع حكم داوود اصلا وانما هو إرادة من الله سبحانه وتعالى و تهيئة ليظهر شأن سليمانو يكون خلفية ً بعد ابيه مقبولا .