بسم الله الرحمن الرحيم
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)
الحديث في قصة داوود وسليمان ،
اولا: المفردات ،
وَسَخَّرْنَا ، التسخير هو التذليل بحيث يكون فعله فيما يريده المسخر ، يعني يعمل العمل ولكن في حالة خضوع ، وإستجابة لمن سخره لهذا العمل لان يقوم بهذا العمل ،
يُسَبِّحْنَ ، هو التنزيه من النقص ، الفرق بين التسبيح والتحميد ، التسبيح هو تنزيه الله سبحانه وتعالى عن النقص ، والتحميد هو نذكر صفاة الكمال فيه ، الثناء على الصفاة الوجودية الكمالية فيه اما التسبيح فهوسلب الصفاة السلبية ،و النقائص التي يتصور مثلا ان يكون الله متصفا ً بها يسبحه اي ينزهه عنها ،
وَكُنَّا فَاعِلِينَ ، أي هذه سنتنا و ليست بدعه هذه السنة التي حدثت مع نبي الله داوود و سليمان وهي ليست بدعة فيهم وانما هي وجود قبلهم كذلك ن
صَنْعَةَ لَبُوسٍ ، أي صنعة الدروع ، و قيل السلاح ولكن الظاهر من سياق الايات انها الدروع ،
بَأْسِكُمْ ، هو القتال ،
ثانيا : التفسير ،
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ، مر الحديث حول هذه الفقرات ولكن ايضا نعيد الاشارة اليها ،
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ اي علمناه حكم الله الواقعي فهمنا سليمان ان يحكم ليس انه يأتي بحكم ويرتجل او يجتهد ، ولكن ان ياتي بحكم الله المطلوب واقعا ً ،
وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ، أي انما يحكمان به كلاهما ايضا اتيناه هذا الحكم من الله فيكون الحكم لو حكم به داوود فهو حكم الله ولو حكم به سليمان فهو حكم الله لان الله سبحانه وتعالى هو الذي اتاهما الحكم ،
وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ، و هذه الاشارة الى انه ليس هناك حكمان و انما هو حكم واحد وكنا لحكمهم ، حكم و ليس لحكمين ، الحكم واحد والله سبحانه وتعالى يقول نحن شاهدون على هذا الحكم الذي اتيناه النبي داوود ، والذي اتيناه النبي سليمان ،
وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ، اي جعلنا التسبيح تسبيح الجبال مع تسبيح داوود عليه السلام مقترن يسبحن معه و لا ينفي طبعا ان يكون هناك تسبيح قبلا ً و بعدا ً ومتفق و متخلف و لكن هذا تسبيح خاص ٌ مع داوود وهي موهبة ٌ ونعمة من الله تعالى على داوود و فيه دلالة ان الجبال و الطير تسبح وتسبيحها خاص هنا في هذا المورد ، جعلها الله سبحانه وتعالى تسبح بإزاء تسبيح داوود عليه السلام ،
حقيقة التسبيح الذي تسبحه ؟
فيها اختلاف في وجهات النظر وتفسر حقيقة تسبيح الموجودات ،
- قيل تردد تسبيح داوود عليه السلام فكان ينعكس في الجبال و يجذب ، قول انه فقط تررد صدى داوود عليه السلام كان صوته شجي كان كخرير الماء و كان كحدائق غناء وكان كالطيور كما يوصف كان جميلا ً جدا ً و قويا ً و كان دائم العبادة ليلا ً ونهار يسبح في الصباح والمساء دائما و بإستمرار صيام و ذكر وتسبيح فيقول صاحب هذا الرأي ان هذا الصوت كان ينعكس في الجبال و إذا سمعته الطيور تجتمع الطيور تتأثر به ، يقول هذا هو التسبيح ، الذي تسبحه الجبال و الطيور بمعنى صوت يتردد فيها و ليست هي شي هي لازالت جماد ، وصدى الصوت هو التسبيح .
- وقيل هو التسبيح التكويني وهو لسان الحال كل شيء له لسان حال و هذا معروف عندنا يعني حتى نحن عندنا عندما نتحدث عن كربلاء و نقول جائت السبايا و لسان حالهم يقول يعني الوضع نفسه يعكس شيء التسبيح هنا التكويني او لسان الحال بمعنى ان الموجودات كأنها تشكر الله سبحانه وتعالى تشكر الله على نعمة وجودها على نعمة الخلق على نعمة التكوين على صفاته ، تسبحه تنزهه عن كل نقص وتحمده ، ولكن يشكل على هذا بان هذا التسبيح ليس خاص بالجبال ، و ليس خاص بأن يكون تسبيحها مع داوود ، الجميع يسبح الارض تسبح السماء تسبح الماء يسبح كل شيء يسبح إذا ً ما هو المعنى ان يقال انها تسبح مع داوود ، هذا إشكال فليس هناك خصوصية ، ولكنهم يجيبون على هذا الاشكال و يقولون إذا كان التسبيح التكويني موجود وهو حق و هو صحيح ولكن من الذي يدرك هذا التكوين و يدرك هذا الباطن التسبيح التكويني ، يدركه داوود لان داوود مرتبط في وجوده متناغم مع لسان الحال التكويني مع الجبال مع الطيور فيدرك هذا التسبيح التكويني هذا جواب ولكن لازال إذا صار النقاش قيل و قيل ، يقال ايضا انه هذا الادراك ليس خاص بإدراك الجبال إدراك داوود انه ليس من بين الموجودات ما ادرك إلا الجبال ، وما ادرك الا لسان حال الطيور لانه كلام عن لسان حال و ليس عن فعل فليس خاص بهذا إدراكه و وعيه لكل شيء ، وتناغمه مع الوجود كله و ليس خاص بهذا فهذا الاشكال لا يندفع ،
- التسبيح هو تسبيح حقيقي لذلك خصص من بين الموجودات كلها في هذا الشأن مع ان الموجودات كلها تسبح ايضا تسبيحا ً حقيقيا ً ، الارض تسبح تسبيح حقيقي لها لسان وتسبح وكل شيء يسبح ولكن هنا خاص ٌ في الخاص تسبيح خاص و اخص يدركه داوود و تكرره الجبال تكرره الطيور و تجتمع و تسبح عندما يبدأ بل و تسخر يعني تسبح بإختيار فكأنه إختارها و الله سبحانه وتعالى سخرها ان تكون مشاركة ً له في هذا التسبيح الذي هو يكررهو يسبح إذا هذا تسبيح حقيقي ، هذا مُدعى من مؤيداته على اقل تقدير نقول الدليل او المؤيد على هذا القول قوله تعالى وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (1) في هذه الاية دلالة على التسبيح الحقيقي لجميع المخلوقات و جميع الموجودات دليل ان التسبيح ليس تكويني و ليس اعتباري بل هو تسبيح حقيقي بوعي ٍ وإدراك تدل عليه هذه الاية ، نفهمه من هذه الاية قوله تعالى وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، لا تفقهون تسبيحهم يقول الامام الراحل رضوان الله عليه و غيره لسان حال التكويني يدركه الجميه لانه استنتاج عقلي لو فكر الشخص و اراد ان يستنتج من اي موقف لسان الحال يستطيع استنتاجه ، الاستنتاج العلقي يمكن ان يستنتجه الجميع ، لكن هنا الله نفى عن ادراك الجميع لا تفقهون يعني يوجد تسبيح ولكن لا تفقهونه إذا ً هو غير التسبيح التكويني لان التسبيح التكويني تدركونه بالعقول بهذا تسبيح حقيقي و لا تدركونه و تؤيده هذه الفقرة ، و ايضا قوله وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ هنا ايضا يوجد جمع في هذه الاية ، الاية اولا ابتدأت وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ ، يعني كل شيء يسبح بعدها ذكرت لا تفقهون هذا التسبيح ولو كان تسبيحا ً تكوينيا ً لادركتموه ، لكنه تسبيح حقيقي لذلك لا تدركوه بعدها ذكرت الاية وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، نعلم في اللغة العربية انه إذا صار الحديث عن الجماد يستعمل جمع بالتأنيث يقول مثلا لا تفقهون تسبيحها أما إذا قيل تسبيحهم فهي تدل على العاقل يعني هذه الموجودات وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ ، هذه الاشياء تسبح وهي عاقله و ليست جماد ، وإن كانت جماد في ظاهرها و نفسها ، إلا انها في واقعها تسبح بإدراك ٍ و ارادة و إختيار و ليس جبرا ً لذلك ارجع عليها الله ضمير العاقل و يقول الامام الراحل رضوان الله عليه ان كل الموجودات في الواقع اصل وجودها الحياة والادراك وما نراه من حركه او غيره انما هو إضافي و الاصل فيها في اصل الوجود هو الحياة و العلم و القدرة و هي موجوده في جميع الموجودات وهنا الله سبحانه وتعالى خصص داوود ان يسبح الجبال وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ جعلناها مسخرة بإمرنا بإرادتنا تسبيحا ً ، إضافيا خاصا ً تسبح معه كل ما سبح وكلما ذكر الله .
الهوامش
سورة الاسراء الاية