بسم الله الرحمن الرحيم (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون )
تفسير سورة النور – الحلقة الخامسة – الآية (4) – 29/7/2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون )
مقدمة: الآية جاءت بعد بيان التشديد على تحريم الزنا وعقوبته
هذه الآية جاءت بعد بيان ذلك التشديد , فبينت أن الزنا وإن كان أمرا عظيما , إلا أن الحديث فيه ليس سهلا , والباب فيه ليس مفتوحا , للتهم والتشهير وإسقاط الآخرين , وإسقاط سمعتهم ؟
فالأمر يختلف , تلك آيات تبين شدة عقوبة الزنا , وهذه الآية جاءت لتبين التشديد على الإثبات ، عندما كانت تلك تتحدث عن العقوبة ،فالعقوبة بعد الإثبات , وهنا تشديد في إثبات الفعل ، إثبات الزنا أيضا صعب للغاية ، والحديث فيه أصعب من وقوعه ، الحديث فيه يوجب العقاب لصاحبه الذي يتحدث فيه بعقوبة كثيرة أيضا , فالحديث في أمور:
الأول :الروادع الثلاث
هنا الآية تذكر ثلاث روادع لكي لا يتحدث الإنسان على أحد من غير علم ومن غير الطريق الشرعي , الذي عينه الله تعالى وجعله حجة شرعية , فكل كلام من غير هذا الطريق الشرعي باطل حتى لو كان له واقع وحقيقة , ويوجب العقاب لصاحبه.
1ـ إقامة الحد وهو ثمانون سوط
يجلد الذي يتحدث عن آخرين ويقول فلانة زانية ، قالها صراحة أو تلميحا يجلد ثمانين سوط
2ـ عدم قبول الشهادة
لا تقبل له شهادة بمعنى أن هذا الشخص يكون في المجتمع من غير إعتبار , ليس له إعتبار في المجتمع
3ـ الحكم بفسقه
تبقى سمه ووصف يتبعه أينما ذهب أنه فاسق .
فهذه روادع حتى يتأمل من يريد الحديث عن أحد أو يلمح بفاحشه أنه إذا قال تلك الكلمه فإن هذه الأمور تنتظره ،عقوبة الجلد , ولا تقبل له شهادة أبدا , ويحكم عليه بالفسق
الثاني: إستعير الرمي في الآية قال تعالى (والذين يرمون المحصنات )
الرمي ماذا يعني ؟
هو نسبة شيئ سيئ وغير مرضي وهو الزنا في هذه الآية ، ونسبة الزنا سميت رميا لأنها تؤذي من يرمى ويتهم بالزنا ، كرمي السهام على الأشخاص ، الذي يرمي بسهم , السهم يؤذي ويجرح ، هنا أيضا هذا القذف أو الحديث عن أعراض الناس يجرحهم
ثالثا: المحصنات تعني :
هناك معنيان للفظة المحصنة :
1: المحصنات تعني المتزوجات
كما مر عندما تحدثنا عن العقوبة , فقلنا هناك , الجلد لغير المحصنة , والرجم للمحصنة , فكان المقصود بالمحصنة المتزوجة , فالمتزوج محصن , والمتزوجة محصنة , وهو أحد معاني الإحصان , إذا المحصنة بهذا المعنى تعني المتزوجة.
2ـ المحصنات تعني العفيفات
هنا المعنى في هذه الآية يعني العفيفة ، المرأة العفيفة وليس بالضروة أن تكون متزوجة , فالمحصنة بهذا المعنى أعم من المتزوجة وغير المتزوجة من وجه.
فالحديث عن شرف المرأة العفيفة , متزوجة أو غير متزوجه حرام وهذه عقوبته ( الجلد , عدم قبول الشهادة , والفسق )
رابعا: بأربعة شهداء
هم شهود الزنا لإثبات ما قذف به ، يشهدون في مجلس واحد ووقت واحد بأنهم شاهدوا الزنا .
عليهم أن يأتوا بهذه الشهادة في مجلس واحد وفي وقت واحد وبنفس الدقة في الخبر , وأنه يثبتون قضية الزنا ، فإذا لم يتحقق الإثبات المراد بهذه الشهادة ,فإن تكلم في هذا الأمر هذه العقوبة التي ذكرناها
خامسا: لماذا التشديد بأربعة شهداء
الأمور المعروفة كلها فيها, شاهد ,أو شاهدان ,
لماذا هنا اربعة شهداء؟
الجواب:
1ـ ربما لتعجل الناس في الحكم في هذه المسألة
هذا الإفتراض يقول لأن الناس يتعجلون في الحديث ، إذا رأو مثلا إمرأة واقفة مع أحد , سريع يتكلمون , فلإيقاف الناس عن التعجل يكون هذا الحكم ، أربعة شهداء.
2ـ ربما لأن الحد غالبا يقام على إثنين في قضية الزنا
هذا الفرض يقول الحد يقام على إثنين في قضية الزنا يعني هناك طرفان إذا وقعت قضية الزنا (رجل وإمرأة ) وإذا أرادوا أن يقيموا الحد يقيموه على الإثنين غالبا ــ وإن في بعض الحالات لا يقام على إثنين كحالة الإغتصاب مثلا ــ ولكن بصورة عامة أنه يقام على الإثنين ، فيحتاج لكل واحد منهما أن يشهدا إثنان فيكون مساوي شهادة إثنين على واحد , ويؤيد ذلك حديث عن أبو حنيفة ( قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيهما أشد القتل أم الزنا ؟
قال (ع): القتل
قال أبو حنيفة قلت فما بال القتل جاز فيه شاهدان وهو أشد ولا يجوز في الزنا إلا أربعة
فقال لي ما عندكم فيه يا أبا حنيفة
قال قلت ما عندنا فيه إلا حديث عمر إن الله أجرى في الشهادة كلمتين على العباد
قال الإمام (س) ليس كذلك يا أبا حنيفة ولكن الزنا فيه حدان والقتل يقام على القاتل )
المعنى الزنا يقام على طرفين فلكل طرف يكون شاهدان ، هذا إحتمال
3ـ التشديد لحفظ الأعراض من أي تهمة باطلة
وهذا ربما يكون الأساس في التشديد على عدم وقوع أي تهمة باطلة لأنه كما يقول الشهيد المطهري رحمة الله عليه يقول لو لم تثبت الف حالة من الزنا وقد وقعت فعلا ولم تثبت أفضل من أن تثبت حالة بالباطل على إمرأة بريئة
إمرأة بريئة أو رجل بريئ يثبت عليه أنه زاني أو أنها زانية ، فشرف المرأة في الإسلام أغلى من فوات حالات الزنى التي فاتت ولم تثبت .
ربما يقول قائل هذا الأمر إثباته من المستحيل ، أشبه شيئ بالمستحيل أن يثبت الزنا في وقت واحد ، شهود رأو كلهم في نفس الوقت هذا أمر صعب ،
الجواب:
أن الإسلام لا يريد إثبات الحالات ، الإسلام ليس هدفه أن يضع نقاط تفتيش ومراقبة ويجعل العيون مفتحه , هل هذا زنا أو ذاك زنا ، وإنما أراد من هذا الحكم هو فقط الحد من قضية الزنا لا أن يجعل الناس يراقب بعضهم البعض
سادسا : شروط إجراء القذف
1ـ أن يكون القاذف بالغا عاقلا
الذي تكلم وقال يازاني أو قال يا زانية أوقال فلان زنى أو فلانه زانيه يجب أن يكون عاقل بتمام عقله ، أن يكون بالغا , وإلا فغير العاقل وغير البالغ لا يجرى الحد
2ـ المقذوف الذي أتهم بأنه زاني أو زانية
هناك شروط خمسة يجب أن تتوفر فيه
البلوغ( أن يكون المقذوف بالغا)، والعقل والحرية والإسلام والشرف ، غير متجاهر بالمعصية بالزنا , غير متجاهر حتى لو كانت عنده أخطاء واقعا , المهم أنه لا يكون في هذا متجاهر
3ـ أن يكون الإتهام صريحا أوبالكناية
يتهمه صراحة أو يلمح له تلميحا , يكني له بالتلميح أنت أبو البنات ويشير ويفهم منه أنه زنى.
ــــ الحد لغير المخاطب في بعض الحالات، بعض الحالات إذا قال مثلا شخص قال ياإبن الزاني أو يا إبن الزانية , أو قال أخو الزاني أو أخو الزانية هذا أيضا حرام ولكن الحد يكون لمن قال عنه أنه زاني للأب وهو الذي قالعنه أنه زاني مثلا .
ـــ ومن أهانه بالحدث عن أبيه أو أخته , عفقوبته أن يعزر يضرب بالسوط أقل من ثمانين جلدة
4ـ عدم إثبات دعوى الزنا بالشهود
من الشروط عدم إثبات الدعوة الزنى بالشهود ، يعني لو لم يتمكن القاذف أن يثبت الدعوة بالشهود
5ـ أن ينكر المقذوف ويطلب إجراء الحد
الذي إتهم ينكر هذه التهمة ويقول أطالب أن يجرى عليه الحد ، في هذه الحالة يجرى عليه الحد
سابعا: مع فقد هذه الشرائط أو فقد واحد من هذه الشرائط
يعني إذا لم تتوفر هذه الشروط , لا يسمى المتكل قاذف , ولكن هل هذا يعني أنه يجوز للشخص أن يتكلم في أعراض الناس بأقل مما يسمى قذفا ؟
الجواب :
طبعا لا .
مثلا لو تحدث شخص عن شخص غير مسلم , فهل يجوز ذلك أم لا ؟
مثال آخر لو تحدثنا عن شخص غير عاقل هل هذا حرام؟
الجواب:
لا يجوز أن تتكلم بالباطل أبدا طبعا لأنه حرام فهو باطل ، فحتى لو كان كافرا
روي عن النعمان الجعفي ( كان لأبي عبد الله صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا , فبينما هو يمشي معه في الحذائين ومعه غلام له سندي يمشي خلفه إذ إلتفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره , فلما نظر في الرابعة قال : يابن الفاعلة أين كنت؟
قال : فرفع أبو عبد الله (ع) يده فصك بها جبهة نفسه , ثم قال سبحن الله تقذف أمه!؟ قد كنت أرلى لك ورعا فإذا ليس لك ورع.
فقال: جعلت فداك إن أمه سندية مشركة.
فقال : أما علمت أن لكل أمة نكاحا؟ تنح عني.
قال فما رأيته يمشي معه حتى فرق الموت بينهما))
عن أبي الحسن الحذاء قال : (كنت عند أبي عبد الله (ع) فسألني رجل ما فعل غريمك؟ قلت : ذاك ابن الفاعلة؟
فنظر إلي أبو عبد الله نظرا شديدا.
قال : فقلت: جعلت فداك , إنه مجوسي أمه أخته.
فقال: أوليس ذلك في دينهم نكاحا ؟
خلاصة الكلام أنه حتى لو لم تتوفر الشروط لا يجوز الحديث في أعراض الناس حتى لو كانوا كفارا الإسلام يريد أن يحفظ الأعراض أين كانت ، ولا يجوّز أن يتكلم أحد أو يجرح أو يطعن أو يقذف عرض إمرأة أو رجل أبدا
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين