(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
سلسلة تفسير سورة النور (الآية رقم 2)
الحلقة الثانية
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
صدق الله العلي العظيم
الحديث حول هذه الآية وهي آية من العفة تحث المجتمع للحفاظ على العفة والإبتعاد عن الفاحشة
أولا : هذه الآية تتناول أول الأحكام الحاسمة
1ـ الحكم بمائة جلدة عقوبة لمن يقترف الزنا
الزنا فاحشة سيئة والإسلام يبعد المجتمع عن هذه الفاحشة ويصر على المجتمع أن يبتعد عنها ولا يقترب إليها بأي شكل من الأشكال
(ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) فهو طريق سيئ وفاحشة ، وعلى المجتمع أن يجتنب ، ولتجنيب المجتمع فرض عليه هذا الحكم الشرعي
2ـ تطبيق هذه العقوبة ومن غير رأفة
الآية أيضا تبين ضرورة تطبيق هذه العقوبة ، وليس أي تطبيق ، تطبيق العقوبة بعيدا عن الرأفة (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) بعيدا عن الرأفة ، أن يطبق العقوبة طاعة لله من غير أن تأخذه الرأفة والحنية والعطف في تطبيق هذه العقوبة
أـ الرأفة في المقام تؤدي للفساد ، الرأفة تؤدي للفساد لأنه يحدث بعد هذه الرأفة تراخي في التطبيق ، بل ربما تجره شيئ فشيئ إلى أن يتخلى عن تطبيق هذه العقوبة ، فيتمادى الذي يرتكب هذه الفاحشة في فحشه ، وغيره يتبعه وهكذا فهو فساد ، ولا تقل هذا عمل إنساني مثلا أو العقوبة عمل غير إنساني والرأفة عمل إنساني ، فالله سبحانه وتعالى الذي شرع , وهو إنما يشرع ما يناسب الإنسان
ب ـ الآية تعتبر صدق الإيمان مقابل الرأفة والعاطفة
إذا كان الشخص لم يطبق العقوبة كما أرادها الله وإنما طبقها مثلا بصورة تناسب هواه ورغبته ، كما لو كانت في تطبيقه رأفة في فهو ليس بمؤمن ، تقول الآية:
(ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فهذه مقابلة بين الإيمان بالله واليوم الآخر من جهة وبين الرأفة في تطبيق العقوبة وهي الجلد من جهة أخرى
ج ـ حكمة الله فيما يحكم
الإيمان بحكمة الله يجعل الإنسان أمام المسؤولية ، إذا كان الشخص الذي يتصدى لهذه المسؤولية يؤمن بالله فلا بد أنه يؤمن بحكمة الله، وأن الله حكيم وشّرع هذا العقاب وشّرع هذه العقوبة بحكمته وليس ظلما للناس وليس تعديا على الناس وإنما الحكمة تقتضي ذلك ، الحكمة تفرض أن تكون العقوبة هكذا وتطبق هكذا
عن النبي (ص) يقول (يؤتى بوالي نقص من الحد سوطا )والي من الولاة ينقص سوط (فيقال له: لما فعلت ذلك؟)
والي لم يطبق الحكم كما أراده الله أنقص سوطا واحد،99 سوط مثلا ،
(لما فعلت ذلك ؟ يقول رحمة لعبادك ) أخذتني الرحمة عليهم أنقصت سوطا واحد (فيقال له أنت أرحم بهم مني ؟) هل أنت أرحم من الله الذي شرع هذه العقوبة ؟
هو الرحمن بعباده ،(فيؤمر به إلى النار ) لأنه أنقص من هذه العقوبة ،
(ويؤتى بمن زاد سوطا فيقال له لما فعلت ذلك ؟) لماذا ضربت سوطا إضافيا ؟
(فيقول لينتهوا عن معاصيك ) يعني هو أخذته الشدة من أجل تطبيق حكم الله ومن أجل أن يردع الناس عن الفاحشة ، ( فيقول الله سبحانه وتعالى أنت أحكم به مني ؟ ) أنا الحكيم الذي شرعت وأنت تطبق ما تؤمر به فقط ، (فيؤمر به إلى النار)
إذا العقوبة محددة من الله وفيها حكمة وجوانب كثيرة
د ـ الرأفة فيه طريق للتمرد على الدين فهي في المقام توجب رفض الحكم الشرعي وبالتالي رفض الدين الذي يراه من أخذته الرأفة أنه شديد
3ـ وجوب إقامة الحكم أمام عدد من المؤمنين
هذا الحكم يجب أن يطبق أمام عدد من المؤمنين (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ليس فرديا ، لا أنه يختفي به مثلا أو يختبئ به في مكان ويقيم عليه الحد ، إنما أمام الناس , لا بد لحضورعدد من المؤمنين ، لماذا ؟
أ ـ الإعلان بالعقاب
لأنه إرتكب ذنب وعلم به الناس ويعاقب كذلك ، هذا أولا , أما لو إرتكب الفاحشة وتاب قبل أن يعرفه أحد ، لم يطّلع القاضي عليه بشهود عدول ، هنا لا تطبق عليه العقوبة بل يسترعليه والله يحب الستر , أما إذا ظهرت الفاحشة قبل توبته وعلم الناس ووصل للقاضي بالشهود العدول تطبق عليه العقوبة
ب ـ ليتعظ الناس
لماذا؟ (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ليتعظ الناس لما يرونه من العقوبة حتى لا يؤثر فيهم إنحطاط العاصي ويرغبهم للمعصية ، فهذا اليوم قد زنا وإرتكب ثم علم به الناس ولم يروه قد عوقب , فقد يميلون لمثله وهكذا , ففي الناس من هم ضعاف الإيمان قد يميلون ويرغبون للمعصية ، فالعقوبة العلنية تبعد الناس عن المعصية
ج ـ كثير من الناس يتأثر بسمعته أكثر ، يتأثر من إطلاع الناس على مخالفته وعلى إرتكابه للفاحشة أكثر من تأثره بالعقوبة ، لذلك عندما يقال يؤتى به مثلا ويجلد أمام الناس يرى هذا التشهير به لو إرتكب الفاحشة.
إذن هنا الأخرون يحذرون ويلتفتون أن هذه المعصية مصير صاحبها هكذا صعب فيرتدعون
ثانيا : عقوبة الزنا
يتوهم البعض أن عقوبة الزنا على المرأة لسيادة الرجل وملك الرجل للمرأة
البعض يقول المرأة المرأة ، لا يتحدث إلا عن جانب المرأة ، المرأة تعاقب ، المرأة تجلد أنتم تقيمون عليها الحد , وكأنه الحاس على عباد الله , كأنه أرحم بها من خالقها، الآية تقول ( الزانية )
هنا الجواب ،
اـ الإسلام لا يرى المرأة مملوكة للرجل
من الأساس المرأة ليست ملكا للرجل ، وإنما هي مستقلة والعلاقة بين الرجل والمراة ليس إلا علاقة زواج (نكاح شرعي) ولها حريتها بصورة بما يحفظها , ولها ملكيتها المستقلة أيضا
2ـ في الإسلام لا فرق بين الرجل والمرآة في الحكم الشرعي
وهذه الآية تقول (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) لم تقل المرأة فقط , فلا فرق في ذلك
ثالثا : تحريم الزنا
يتصور البعض كما في الغرب أن الزنا محرم على المتزوج والمتزوجة
والأعزب بالمتزوجة ، والعزباء بالمتزوج ، يقول هذا هو القبيح أوالمستقبح والمحرم ، أما أن يزني غير المتزوج بغير متزوجة ليس فيه شيئ,لأنه لا يعد خيانة يعني يربط الأمر بقضية الخيانة الزوجية ، يقول تخون زوجها فتعاقب ولكن إذا لم تكن متزوجة فليس هناك بأس
الجواب :
1ـ أن الإسلام لا يرى للرجل والمرأة الحق في إشباع رغباتهما خارج إطار العلاقة الزوجية ،
الإسلام جعل هذه الرغبة لها طريق واحد فقط وهو العلاقة الشرعية الزوجية وغير ذلك مرفوض
2ـ في الإسلام توجد عقوبتان
مما يدل على أن الإسلام لا يفرق في الحرمة المتزوج وغير المتزوج ، العقوبة لكل من يرتكب الفاحشة ، وتوجد عقوبتان عقوبة لغير المحصن وهو الجلد (مئة جلدة )
وعقوبة المحصن هي أشد وهي (الرجم ) فتوجد عقوبة للجميع , والزنا محرم على الجميع
3ـ هذه الاحكام مما يحفظ البناء الأسري
مما يحفظ بناء الأسرة هذه الأحكام , التشديد في تحريم الزنا وإبتعاد الناس عن علاقات الفحش وعن العلاقات الغير شرعية ، إذ يرجع الإنسان بطبيعته , الإنسان السوي إلى الأسرة , إلى موطن الإستقرار ,إلى موطن الراحة واللذة المشتركة , إلى موطن اللذة المقننة شرعا , فيحفظ بناء الأسرة وتقوى الأسرة ، أما إذا كان الشخص يرتكب الزنا سواء كان متزوج أوغير متزرج ، الغير المتزوج بعلاقاته المنحرفة يبتعد عن الزواج ، والمتزوج تكون الأسرة ذابلة ليس فيها روح ، ليس فيها حياة ، ليس فيها دفء , بل تكون العلاقة ضعيفة وربما تتلاشى وتنتهي .
من غير العلاقات غير شرعية المأسرة قوية في المجتمع , الأسرة تغمرها المحبة والحنان , أفرادها يشتاقون لبعضهم , ويحنون للرجوع لمنزل الحب والعاطفة والحنان.
من غير العلاقات غير الشرعية المجتمع ليس فيه إنحراف.
من غير العلاقات غير الشرعية , يكون الزواج أمنية للشاب والشابة ، الكل يتمنى الزواج ويقبل على الزواج .
4 ـ المحبة والإلفة بين شابين لم تكن بينهما علاقة
لماذاهذه المحبة وهذه الإلفة ؟ لأنه هو إنطلاق الحرية بين الإثنين ، هو الإرتباط المستقبلي بين الإثنين ، أما لو كانت هناك علاقات خارجية الزواج ليست فيه تلك الإلفة وتلك الراحة والمحبة
رابعا : حقيقة العلاقات والحب قبل الزواج
العلاقات قبل الزواج ما هي ؟ هل هي جيدة أو سيئة ؟
1ـ العلاقات قبل الزواج
تعني أن الزواج سجن ومتعب وقيد كأنه إنتحار , إذا كان المجتمع يعيش العلاقات , فالزواج ليس شيئ صالح بالنسبة له , كما يراه المحرفون , هكذا يعتبرونه سجن ويعتبرونه قيد وقبر قبل الموت
2ـ علاقات الجنس (الزنا)
من جرب العديد من الجنس سواء كان الرجل أو المرأة ، تكون علاقته في الزواج علاقة باهته يكون الزواج لا يشبعه ، يكون الزواج بالنسبة له كالقبر بل لا يمكن أن يكتفي بالزوج ، المرأة لا تكتفي بزوجها والزوج لا يكتفي بزوجته ما دام هو يجرب العلاقات المنحرفة والزنا وهي كذلك
3ـ الزواج في الإسلام يعني الإنطلاق إلى الحرية
وينتج الثبات والإستقرار والطمأنينة تتحقق كلها بالزواج (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)
4ـ العلاقات قبل الزواج
الحب قبل الزواج لا إستقرار فيه بل هو طريق للفشل
العلاقات قبل الزواج دائما تعني الفشل في الحياة الزوجية ، يؤدي إلى أمور كثيرة منها:
أـ الشك في شريك الحياة يبقى يشك فيه ما دامت عنده علاقة .
ب ـ يؤدي أيضا إلى النفور من الطرف الآخر ، كيف يكون ذلك ؟
تصور أن هذه العلاقة قبل الزواج كيف كانت ، كانت كشرك يضعه الطرف للطرف الآخر حتى يكسب الطرف الثاني ، بماذا يتكلم معه ؟ يتكلم بكلمات الحب والغزل ويستمر على هذه العلاقة فترة من الزمان وكلما رآه لا يريد منه إلا هذه العبارات , أما إذا صار الزواج بعد ذلك يرجع إلى طبيعته ، فيتعامل كما يتعامل الناس في بيوتهم , مثلا في الصباح يسأل أين ملابسي؟ غير جاهزة يغضب ، قبل الزواج لو أرادت أن تقدم الفتاة شيئ يقول لا أنا أعمله بنفسي , بعد الزواج يرجع إلى طبيعته ، فلا يتقبلان بعضهما البعض ، المجاملة التي كانت قبل الزواج لا بد أن تنتهي , وإذا إنتهت المجاملة إنتهت الحرارة والعلاقة بينهما .
أما الزواج الطبيعي الذي يكون من غير علاقات قبل الزواج تكون الإلفة والحرارة بهذه العلاقة , مبنية على هذه الطبيعة التي سوف يمشي عليها الرجل والمرأة في حياتها ومستقبلهما .
ويدل على ذلك إذا نظرنا لإحصائيات الطلاق في العالم ونظرنا للمحاكم نجد الطلاق أكثر من تسعين بالمئة الطلاق في المحاكم في كل العالم حتى في الغرب هو ناتج عن علاقات ما قبل الزواج.
ج ـ من عنده علاقة حب وغرام قبل الزواج لا يستطيع أن يحل مشكلة من مشاكل الزواج كما كتب بعض الباحثين الغربيين بعد إستقراء من عدة دول وولايات .
لذلك العلاقات قبل الزواج أمر مرفوض
خامسا : الزواج في الإسلام وفي الغرب
الزواج في الغرب بين إفراط وتفريط ، أمير المؤمنين (س) يقول (لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا)بين إفراط وتفريط ، سابقا كانوا يقولون لا يمكن أن يرتقي الإنسان ويصل إلى الكمال إلا بالعزوبة ، وليس بالزواج , ويعتبرون الزواج دفع الافسد بالفاسد ، يقولون الزواج كله فاسد , ولكن الزنا أفسد ، (في حكم الكنيسة الزواج كله فاسد) ولكن لا يمكن منع الناس من الزواج , لأنهم إن منعوا من الزواج ذهبوا للزنا ، فلندفع الأفسد (الزنا) بالفاسد وهو (الزواج) الزواج فاسد ندفع به الأفسد وهو الزنا ، لأن الناس إما أن يزنوا وإما أن يتزوجوا ، فيسمحوا لهم بهذا الفاسد الذي هو الزواج كما يقولون .
هذا سابقا وبعده يتحولون إلى تفريط وهو فتح الباب للعلاقات المحرمة ، أن يكون المتزوج والمتزوجة عندهما عشيق ، هي متزوجة وأيضا تعشق وعندها علاقة ويقولون لا بأس بهذا , المهم أنها تحافظ على بيتها وإن كانت تنام مع غير زوجها وهكذا ، وهذا بين إفراط وتفريط , أو على أقل تقدير السماح لغير المتزوجين بحرية الممارسات الجنسية من الزنا والفواحش كلها , ولا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال بفطرة الإنسان السليم
أما في الإسلام ، الإسلام يذم العزوبة ويرغب في الزواج ويعتبر (الأرض تضج من بول الأعزب) كما في الحديث ، هكذا الإسلام يرغب في الزواج ويقول (من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهر فليلقاه بزوجة)فلا يذم النساء وحب النساء, بل (حب النساء من الإيمان) ولكن بالزواج والطريق المشروع فقط
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين