﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدآءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَـدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـدَتِ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّـدِقِينَ (6) وَالْخَـمِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَـذِبينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَـدَتِ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَـذِبينَ(8) وَالْخَـمِسَةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الْصَّـدِقينَ(9) وَلَوْ لاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأنَّ اللهُ تَوَّابٌ حَكِيمٌ(10)﴾
تفسير سورة النور – الحلقة السابعة – الآية (6ــ10)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدآءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَـدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَـدَتِ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّـدِقِينَ (6) وَالْخَـمِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَـذِبينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَـدَتِ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَـذِبينَ(8) وَالْخَـمِسَةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الْصَّـدِقينَ(9) وَلَوْ لاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأنَّ اللهُ تَوَّابٌ حَكِيمٌ(10)﴾
ـ تفصيل حكم الحد مع التوبة يتبع ما مضى من الحديث في حد الزنا وحد القذف :
1 ـ لو تاب الزاني :
لو تاب الزاني هل يقام عليه الحد أو لا يقام ؟
أـ قبل قيام البينة وبعدها
1 ـ قبل البينة , إذا تاب قبل قيام البينة يسقط عنه الحد سواء (الرجم أو الجلد) مادامت لم تقم عليه البينة, لم تقم البينة والشهود على إثبات أنه زنى يسقط عنه الحد .
2 ـ بعد البينة لا يسقط الحد, إذا قامت البينة عليه وشهد شهود أنه زنى , هنا لا يسقط عنه الحد ولا يعفى عنه بعد قيامها
ب ـ لو تاب قبل الإقرار على نفسه أو بعده
1ـ الإقرار مما يثبت به الزنا فلو تاب قبل الإقرارعلى النفس , لو تاب قبل أن يقر على نفسه ، تاب عن هذه الفاحشة ، وتبينت توبته , ثم بعد ذلك أقر على نفسه يسقط عنه الحد لا يجلد ولا يرجم إن كان حكمه الرجم .
2ـ وأما إذا تاب بعده ، بعد أن أقر على نفسه ، جاء للإمام وأقر على نفسه ثم ظهر منه التوبة ، صدق في توبته ، هنا يكون الإمام مخيرا في إقامة الحد أوالعفو عنه.
هذا بالنسبة للحد على الزاني
2ــ بالنسبة للقاذف الذي يرمي المحصنات
لو تاب القاذف لا يسقط عنه الحد أبدا ، يعني التوبة ليست سبب لإسقط الحد عن القاذف ، الحد ثابت عليه يقام عليه الحد إلا في صور وهي :
أ ـ بتصديق المقذوف (إعتراف المقذوف)
الذي إتهمه بالزنا إعترف وأقر على نفسه أنه زنى فعلا هنا لا يحاسب القاذف لأن ذاك أقر على نفسه
ب ـ بالبينة التي تثبت الزنا
جاء ببينة وأثبت الزنا ، هنا ما دام جاء بالبينه لا يقام عليه الحد
ج ـ وبالعفو من قبل المقذوف
المقذوف نفسه عفى عنه ، يعني مثلا شخص تكلم عن شخص وإتهمه، فصار من حق المقذوف أن يطالب بجلده ولكن هذا القاذف تاب مثلا ، هنا نقول لازال الحق للمقذوف , فله أن يطلب إقامة الحد عليه، لكن لو أن المقذوف سامح عفى عن القاذف ، نقول هنا يسقط الحد , فيسقط الحد بهذا العفو.
د ـ كون القاذف هو الزوج كما سيأتي
إذا كان القاذف هو الزوج ، الذي تكلم عن الزنى هو الزوج وقال رأيت زوجتي تزني هنا يسقط عنه الحد بشروط وتفصيل يأتي في هذه الآيات التي إبتدأنا بها .
الحديث في هذه الآيات ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدآءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَـدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَع …) الآيات المباركة التي إفتتحنا بها الكلام هي لبيان الحل لمشكلة وهي أن يرى الشخص زوجته تزني ، ماهو الحل ؟ هذه الآية تتحدث في هذا المجال عن المشكلة والمخرج منها , والحل لها.
أولا: سبب النّزول
روي عن ابن عباس قال: لما نزلت – والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء – إلى قوله تعالى – الفاسقون – قال سعد بن عبادة وهو (سيد الأنصار) من الخزرج، قال لرسول الله(ص) بحضور جمع من الأصحاب: “يا رسول الله! لو أتيت لكاع (زوجته) وقد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله ما كنت لآتي باربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة، فقال النّبي(ص).
يا معشر الأنصار ما تَسمعون إلى ما قال سيدكم؟
فقالوا: لا تلمه فإنّه رجل غيور. ما تزوج امرأة إلاّ بكراً، ولا طلّق امرأة له فاجترى رجل منّا أن يتزوجها.
فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، بأبي أنت وأُمي، والله إنّي لأعرف أنّها من الله، وأنّها حق، ولكن عجبت من ذلك لما اخبرتك.
فقال(ص): فإنّ الله يأبى إلاّ ذاك.
فقال: صدق الله ورسوله.
فلم يلبثوا إلاّ يسيراً حتى جاء ابن عم له، يقال له: هلال بن أُمية قد رأى رجلا مع امرأته ليلا، فجاء شاكياً إلى الرّسول(ص) فقال: إنّي جئت أهلي عِشَاءُ فوجدت معها رجلا رأيته بعيني وسمعته بأُذني.
فكره ذلك رسول الله(ص) حتى رؤيت الكراهة في وجهه، فقال هلال: إنّي لأرى الكراهة في وجهك، والله يعلم إنِّي لصادق، وإنّي لأرجو أن يجعل الله لي فرجاً.
فهمَّ رسولُ الله بضربه، واجتمعت الأنصار وقالوا: ابتلينا بما قال سعد، أيجلد هلال وتبطل شهادته؟ فنزل الوحي وأمسكوا عن الكلام حين عرفوا أن الوحي قد نزل، فأنزل الله تعالى (والذين يرمون أزواجهم)الآيات، فقال رسولُ الله(ص): أبشريا هلال، فإنّ الله تعالى قد جعل فرجاً.
فقال: قد كنت أرجوا ذاك من الله تعالى
ثانيا: الملاعنة أو اللعان:
1ـ على الرجل أن يعيد هذه العبارة (“اشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها من الزنا”) أربع مرات يقول هذه العبارة ، لإثبات مدعاه من جهة، وليدفع عن نفسه حد القذف ..لأنه إذا لم يقل ذلك صار قاذفا لزوجته ويستحق الحد
ويقول في الخامسة: (“لعنة الله عليَّ إن كنت من الكاذبين”)هذا بالنسبة للرجل
2ـ المرأة فإمّا أن تقر بالتهمة التي وجهها إليها زوجها أوتنكرها
فإذا إعترفت صارت تستحق الرجم لأنها محصنة وزنت فتستحق الرجم ،
وإما أن تنكر فإذا أنكرت (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين).
ــ فإذا شهدت بذلك تنفي التهمة عنها عليها أن تكرر أربع شهادات “أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين فيما رماني من الزنا” وفي الخامسة تقول “أن غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين”.
ثالثا:الأحكام المترتبة على الملاعنه
إذا حدثت الملاعنة ماذا يترتب عليها من أحكام؟
1ـ الإنفصال دون طلاق
مجرد أن تحدث الملاعنه يفصل بينهما ولا يحتاج إلى طلاق هو في جهة وهي في جهة
2ـ الحرمة الأبدية : تحرم عليه مؤبدا
ولا تبقى زوجة له أولا ، ثم لا يستطيع أن يتزوجها ثانيا أبدا
3ـ سقوط الحد عن الإثنين
(حد الزنا وحد القذف) هو يسقط عنه حد القذف مادام جاء بهذه الأقسام فيسقط عنه الحد ، وهي يسقط عنها حد الرجم أيضا لأنها جاءت بهذه الأقسام
4ـ الولد بعدها ينسب للمرأة فقط
ولدها ينسب للمرأة ولا ينسب للأب
رابعا:الآية تقول (ولولا فضل الله عليكم ورحمته وإن الله توّاب حكيم).
إشارة إلى هذه الحلول التي ذكرتها الآيات السابقة وهي:
1ـ لا يجب الصمت على الزوج
الزوج لا يجب عليه الصمت إذا رأى زوجته تزني بخلاف غيره ، شخص مع الغريب ، مع الغريبه ، إذا رأى مثلا قضية الزنا يقال له إن لم يكن لك شهود إسكت ولا تتكلم إلا أن يكون لك أربعة من الشهود العدول ، أما في قضية الزوج فهو له أن يتكلم ويشتكي للإمام أو القاضي
2ـ لاتتعرض المرأة لحد الزنا ( زنا المحصن)
بمجرد تهمة فهي تقسم أنها بريئة , لأنه قد تتهم وهي بريئة وهو ليس عنده شهود فإذا إتهمها وليس له شهود هنا يقسم والقسم الذي يقسمه يوجب الفصل بينهما ولكن لا يقام عليها الحد ولا يقام عليه حد القذف
3ـ يفصل بينها لأن الحياة بعد هذه التهمة أشبه بالمستحيل
لا يمكن التعايش بعد هذه التهمة ، هل نتصور مثلا شخص يأتي بتهمة على زوجته ويقول أنه رأها تزني فإن كانت تزني فعلا فلا يمكن أن يعيش معها وهو يعلم بزناها وإن كان غير صادق فهي تهمة لها ، وهذه التهمة صدمة كبيرة لها وليست أمر عابر وهين ،فلا يمكن أن تتحمل هذه الصدمة أنه يتهمها ويجرها للقتل لأنه إدعى عليها بالزنا عند القاضي كي يقام عليها الحد ، هذا أمر كبير لذلك لا يمكن إستمرار العيش بينهما ، فيفصل بينهما
4ـ الحفاظ على مستقبل الولد
الولد أيضا يحفظ مستقبله ولكن بعيد عن الزوج (الأب )لأنه الزوج هنا متهم , يتهم الزوجة فإذا كان يتهم الزوجة فهو يشكك في نسبة الولد له أيضا فلا يمكن أن يكون الولد تابعا له
خامسا: إستثناء الزوج من حد القذف بزوجته وذلك:
1ـ عدم إمكان السكوت
لأن السكوت بالنسبة للزوج أمر صعب ,كما رأينا في شأن النزول ، نزول الآية ، الآيات التي نزلت تبين هذا الجو أنه لم يكن بإمكان من إدعى على زوجته أن يسكت ، كيف يسكت وهو يراها إرتكبت الفاحشة لا يمكن أن يسكت فله أن يشتكي للقاضي
2ـ لأن الزوج نادرا ما يتهم زوجته , بخلاف غير الزوج
غير الزواج ربما يكون الأمر أسهل لأنه غريب ومستقبله منفصل هو وأولاده مثلا ولكن الزوج والزوجة التي هي أم لأولاده يصعب عليه أن يأتي إبتداء ومن غير شيئ ويفتري عليها ، لذلك يكون من حقه أن يتكلم للقاضي وبهذه الطريقة
سادسا: في اللعان نجد:
1ـ القسم أربع مرات بمثابة أربعة شهود
هنا القسم بمثابة أربعة شهود للإثنين ، كل منهم يقسم أربع مرات وهي بمثابة الشهود ولكن يكون الشهود من الطرفين ، شهود يثبتون وشهود ينفون ، فإذا صار كذلك تسقط الشهادة ولا يترتب أثر على الإثنين إلا الفصل بينهما
2ـ الفرق بين الرجل والمرأة في الخامسة
بالنسبة للرجل وأن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين
وهي بالنسبة لها تقول وأن غضب الله علي إن كان من الصادقين .
ما هو الفرق بين الإثنين ؟
يقولون الفرق أن الغضب واللعنة بينهما شدة والغضب أشد ،
اللعنة هو إبعاد من الرحمة ، وهذا الزوج الذي يتكلم يقال له ادعوا أن تبعد عن الرحمة
أما الزوجة فإضافة لكونها تبعد عن الرحمة غضب من الله فهوعقوبة أشد ، فالله سبحانه وتعالى يقول أنت متهمة ويجب أن يكون النفي قاطع وبأشد صوره وهو أنك تتعرضين لغضب الله , وغضب الله أشد في الدنيا والآخرة
سابعا: جواب الشرط (لولا فضل الله عليكم ورحمته)ما مو الجواب ؟
الآية لم تذكر جواب لهذا الشرط وربما يكون:
1ـ ولو لا فضل الله عليكم ورحمته بالدين.. لحل بكم الشقاء والعناء
يعني لولا فضل الله عليكم بالإسلام وبالتربية الدينية وما جاء به من تعاليم صالحة وخيرة لحل بكم الشقاء والعناء
2ـ لو لا فضل الله عليكم .. لعاقبكم الله فورا
ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة بالناس يمهلهم حتى يصلحوا أمورهم
3ـ لو لا فضل الله عليكم لما وضع أحكام دقيقة لتربيتكم
والحمد لله رب العالمين .