تفسير سورة النور – الآية : (19ـ20) – الحلقة:12
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَتَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(20)﴾
صدق الله العلي العظيم
أولا : أهداف إشاعة الفساد بين المؤمنين
ذكرنا بعض الأهداف الخطيرة لإشاعة الفساد ونذكر ثلاثة أهداف أخرى أيضا :
1ـ قتل روح الإنسان المؤمن وقتل كرامة المجتمع وهذا هو أخبث ما يمكن أن تنطوي عليه سريرة إنسان أن يكون هدفه تحطيم الإنسان الذي يشاركه في نوعه وفي صفاته و في مشاعره ووجوده , فيحمل عليه كل الحقد ليجعله ذليلا في نفسه , يجعله بغير كرامة , يجعله يحتقر نفسه , بما يهيء له من أجواء الفساد التي يراد له أن يقع فيها, أو ما يشيع حوله من تهم وإفتراءات , بها يفقد العزة والكرامة في نفسه.
2ـ التسلية بالحديث
في بعض الأوقات الذي يتحدث عن الناس ليس عنده هدف و تخطيط أن يدمر المجتمع وإنما هدفه التسلية ، فقد يكون في المجتمع جالسا في مكان ويتحدث ويقول فلان كذا وفلان كذا ، هذا أيضا أمر سيئ وهو مذموم شرعا وعليه العقوبة وحتى لو كان صاحبه من غير قصد فهو أيضا من الذين تنطبق عليهم الآية(الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا )
بل أكثر من ذلك ذكرنا أنه حتى لو كان كلامه واقعي فعلا ، وقد رأى الجريمة ولكنه تحدث بها فينطبق عليه قوله تعالى (الذين يحبون أن تشيع الفاحشة)
3ـ محاولة السبق بالخبر
في بعض الأوقات المتحدث بالفاحشة يريد أن يسرع في الخبر ونقل الخبر قبل غيره
سمعت فلان يقول كذا , فهو يريد أن يسبق غيره في نقل هذا الخبر السيئ , وهذا أيضا أمر محرم وينطبق عليه ما ينطبق عليه من الآية ويستحق ما يستحق من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة
ثانيا : من مصاديق إشاعة الفاحشة فعلا
1ـ ممارسة الفاحشة علنا أو الإعلان والحديث عنها
شخص يرتكب الفاحشة ويتكلم ويقول إرتكبت الفاحشة عملت كذا من المعصية فهذا أيضا من الإشاعة فهو يشيع الفاحشة بإرتكابه للفاحشة , أو بإعلانه عن نفسه بممارسة الفاحشة.
2ـ إختلاق التهمة وقذف المؤمنين بلا دليل.
هنا من يختلق التهمة , وإن لم يرتكب هو , ولكنه إختلق التهمة وقال رأيت فلان فهو يختلقها بنفسه من غير واقع فهذه وسيلة من وسائل نشر الفساد أو إشاعة الفاحشة
3ـ فتح الملاهي ومراكز الفساد (كما تصنع الحكومات)
تفتح ملاهي وتفتح محلات للدعارة ولإرتكاب الفاحشة وهذا من أبرز المصاديق الواضحة لإشاعة الفاحشة في المجتمع ، تسهيل الأمور من يريد أن يمارس الفاحشة بل والترويج لها.
4ـ الإعلام الهابط والساقط , المروج للفساد
الإعلام المروج للفساد الذي يلبس الفساد صبغة جميلة ، الرقص يسميه فن ، الأمور السيئة يسميها أمر حسن وتقدم وثقافة وحرية و و …إلى آخره
والدين تخلف وتراجع وإنكفاء ورجعية وغيره , إذا كان الشخص منحرف حرية وديمقراطية ومن حقه أن يمارس حريته في حياته , وحريته في التعبير, وإذا تحدث عن الدين فهو مخالف ومضر بحرية الناس ومتجاوز للقانون ، إمرأة تريد أن تلبس الحجاب يقال هذا يعارض القانون
إمرأة تريد مثلا أن ترتكب الفاحشة كما هو في بعص الدول الغربية تلبس الحجاب يقال هذا مخالف للقانون ويضر في المجتمع
تريد أن ترتكب ما ترتكب من الفحشاء , هذا حرية وديمقراطية ولا ينافي حقوق الناس ،
فهذه العناوين من الإعلام المضلل أيضا هي من إشاعة الفاحشة وإشاعة الفساد
5 ـ تسهيل وسائل الإتصال المحرم بين الشباب والشابات.
وسائل للإتصال دردشة وغيرها ، لقاءات بين الشباب والشابات هذا أيضا عندما يسهل من غير ضرورة .
طبعا الإسلام لا يحرم مقدار من العلاقة في العمل ، في الدراسة مثلا وغيرها
في الإمور الرسمية ليس فيها إشكال ، ولكن أن تكون العلاقة الزائدة وترويج العلاقة الزائدة أيضا فهذا طريق لترويج الفاحشة وترويج الفساد
أذكر مثال أنه بعض الناس مثلا تجد عنده علاقة بفتاة يقول أعتبرها مثل أختي ، يجلس يتحدث معها بالساعات في الهاتف في غيره مثل الاخت كما يقول , ولكنه لا يتحدث مع أخته الحقيقية مثل ما يتحدث مع هذه الأجنبية، عندما تقول له أنت تعتبرها مثل أختك , فالمثل أقل من الأصل هل الأصل الذي هي الأخت الحقيقية تجلس معها كذلك ؟
تتحدث معها كذلك ؟
إذا مر يوم لم تتكلم مع هذه الزميلة يصيبك إضطراب .
ونسأله هل يصيبك نفس الإضطراب إذا لم تكلم أختك الحقيقية ؟
يقول لا أستطيع ترك الحديث معها لأنها مثل أختي ، هذا خداع للنفس وهو بصير بما يخادع نفسه.
ثالثا: آثار إشاعة الفاحشة
توجد آثار كثيرة من ضمنها
1ـ على الشخص نفسه في الدنيا قبل الآخرة
فضيحة ، الفضيحة لنفس من يشيع الفاحشة، الذي يشيع الفاحشة ويتحدث في أعراض الناس هو يفتضح قبل غيره
قال أبو عبد الله (ع) قال ، قال رسول الله (ص) (من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها ) كالذي إرتكبها (ومن عيّر مؤمن بشيئ لا يموت حتى يقع فيه) هو نفسه ، إذا كان يتحدث عن الناس ويقول فيهم كذا وفيهم كذا ، لا يموت حتى يصل إليه هذا الشيئ والتجارب والواقع يثبت ذلك
2ـ التفكك الإجتماعي
عندما تشاع الفاحشة بين الناس ، يتحول المجتمع إلى مجتمع متفكك وأهله وأفراده غير مترابطين مع بعضهم البعض ، إشاعة الفاحشة تحدث حالة تفكك وإنشقاق ، إنشقاقات في المجتمع ، يعني المجتمع لا يستطيع أن يتوحد كله وفيه تهم هذا يتهم هذا وهذا يتهم الآخر ، تجد المجتمع ضعيف وغير مترابط
3ـ إيجاد العدوات بين الناس
ليس التفكك فقط والإنكفاء على النفس وإنما العدوات ، هناك قاعدة تقول بأن الذي ينقل إليك ينقل عنك هذه قاعدة
إذا تستمع للآخرين يتحدثون عن غيرك إعلم أنه ليس من الصعب أن ينقلوا عنك كذلك ويتحدثون عنك , خصوصا في الأمورالخطيرة والأعراض ، شخص يأتي ويتحدث لك عن العرض الفلاني هذا الذي يتحدث عن العرض الفلاني ليس من الصعب أن يتحدث عنك وهذا هو الواقع , فلا تستمع له لكي لا يستمع آخرون لحديثه فيك وفي عرضك.
إذا , إيجاد العدوات أيضا , فالمجتمع لا يكون فقط متفككا وإنما عندما يشعر أن فلان تحدث أو ينقل إليه سمعنا من فلان تكلم عنك , فلا بد أن تصل النتيجة أن توجد عداوات بين الناس
4ـ إنعدام الثقة بين الناس والخوف من بعض
حتى لو لم يتحدثوا مجرد أنك تعلم أن هذا المجتمع فيه إشاعات وتشاع فيه هذه القضايا , فالمجتمع الذي يكون كذلك تدخله وأنت خائف , وتخرج وأنت خائف ، يعني تقول في نفسك ربما أتهم , ولو وقفت مع إمرأة من أهلك أو شيئ تحتاج إعلان وتقول هذه فلانه من أهلي لأنه يحدث خوف وإضطراب في المجتمع مادامت هناك سهولة في النقل يعني الآيات المباركة جاءت لتبين الشدة على عدم النقل , والإتهام بلا علم ، لا يجوز النقل ، فإذا كان فيه سهولة يبقى المجتمع في خوف وإضطراب
5ـ تشويه صورة المجتمع المسلم
المجتمع المسلم أيضا تتشوه صورته إذا كانت فيه هذه الشائعات أو سهل وجود الشائعات في المجتمع تتشوه صورته ، طبعا من جهات مختلفة
أ ـ عند أهله من جهة
تتشوه سمعة المجتمع عند أهله مما يؤثر على تربية الأهل أفراد المجتمع يعني أنت عندك ولد في المجتمع هذا الولد يتربى في المجتمع إذا كان ينظر للمجتمع ويقول أن هذا مجتمعي أسمع فلان شخصية عليه كلام !
أن فلان الشخصية البارزة عمل كذا !
فلان إرتكب كذا جريمة أو مخالفة !
إذا كان أبناء المجتمع نفسهم يعيشون اجواء فيها شائعة الفاحشة ويسمعون عن بعضهم البعض التهمة بكل سهولة. فلان إرتكب وفلان عمل !
هذا الولد يتربى مهيئ لإرتكاب الفاحشة لأنه يتأثر بالمجتمع فهي تؤثر سلبا تربية المجتمع , وجود الشائعة فقط في المجتمع يؤثر سلبا على تربية المجتمع نفسه
ب ـ عند المجتمعات الأخرى أيضا مما يجعل المجتمع ممقوت ومرفوض
إذا كان مجتمع معين الأن عندما نسمع مثلا المجتمع الفلاني فيه كذا من الفواحش نحن ننفر منه المجتمع المؤمن الإسلامي الذي يجب لأن يكون ممثلا للدين وممثلا للإسلام إذا أشيع عنه أن فيه الفواحش وإرتكاب الجرائم هل هذا يجعله مجتمعا مقبولا عند المجتمعات الأخرى او مرفوض؟
الجواب طبعا يكون مرفوضا هو كمجتمع ، ومرفوض بما يمثله ويحمله من أفكاره ومعارفه ، مرفوض وكل ما يأتي به مرفوض.
سنة من السنين الماضية عندما صار الإرهابيون والتفجيرات , بعض الكتاب في ألمانيا كتبوا أنه لا نريد أن نسمع شيئ إسمه إسلام لأن الإسلام يساوي الدم والقتل والإعتداء ، لماذا ؟
لأنها أشيعت وأشيعت وروج الغربيون لكل تلك الفضاعات التي لا صلة لها بإلاسلام , وساعد على ذلك بعض الجهلة الذين ليس عندهم وعي ومعرفة بحقيقة الإسلام , حملوا راية كاذبة ونسبوها للإسلام ونبي الإسلام فقالوا : يجب أن نكون كما كان رسول الله ونسبوا لرسول الله أشد وأقبح الأمور أنه يجب أن نقتل من نختلف معهم من الكفار من أولادهم ونسائهم وأطفالهم وهكذا
هذه العبارات وهذه الشائعات تؤثر على سمعة المجتمع ، المجتمع الذي تشاع فيه الفاحشة أيضا يكون مجتمعا مرفوضا ولا يمكن أن يؤثر
6ـ إيذاء المؤمنين بالباطل
وهو أمر عظيم ليس سهل إيذاء المؤمنين ضع نفسك في هذا الموضع تعلم صعوبة الأمر , أما أن تتحدث وأنت بعيد لا تستوعب الأمر لكن إذا وضعت نفسك سوف تعرف ثقل التهمة وشدتها
أ ـ إيذاء المتهم
المتهم الذي يتهم ، يتهم بالفاحشة تصور حالته ، الحالة النفسية له , يعيش الألم , أي ألم يعيش إذا جاء للمجتمع أراد أن يختلط مع الناس ، الناس ينظرون له أنه يرتكب ،أنه فاسد ،أنه غير صالح ،يتحطم
ب ـ إيذاء ذوي المتهم
أهل المتهم إذا كان الناس ينظرون إليهم ، لهذه الأسرة ، لهذه العائلة أن بنتهم فاسدة , أو ولدهم فاسد ، أو خالهم فاسد، أخوهم ، أبوهم ، يعني صعوبة على الأسرة باكملها , تتضرر الأسرة بأكملها , البنات والرجال وخصوصا البنات تتأثر كثيرا لذلك التهمة وإشاعة الفاحشة في المجتمع أمر سيئ لهذا القرآن توعد بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة , ومثل هذا التوعد لذنوب نادرة , ومنها هذا الذنب بل وأشدها , فهنا يهدد من يرتكب ومن يشيع حتى لو كانت إشاعته عن واقع وحقيقة يهدد أن يعذب في الدنيا قبل الآخرة
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين