(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ واَحِد مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)
تفسير سورة النور – الآية رقم (2) – الحلقة الثالثة – 26/7/2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ واَحِد مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)
أولا: لماذا ابتدأت الآية بالمرأة (الزانية) ولم تبتدئ بالرجل
كثير من آيات القرآن يكون الحديث بذكر الرجال (المؤمنون والمؤمنات) ، غالبا يقدم في الحديث ذّكر الرجال على النساء ، ولكن هذه الآية إبتدأت بالمرأة فذكرت (الزانية والزاني) لماذا ؟
هناك أمور تذكر لأسباب هذا التقديم:
1ـ لأن هذا العمل مخالف لعفة وحياءالمرأة
المرأة بطبيعتها عفيفة ، بطبيعتها خجولة تبتعد عن هذه الموارد ، فإذا كانت ترتكب هذا العمل الشائن السيء , فهو فاحش بالنسبة لهذه العفة أكثر من الرجل ، أوضح من الرجل في فحشه ، بل هو تعدي وتجاوز على طبيعتها ، لأن طبيعة المرأة العفة والهدوء والإبتعاد عن هذه الأمور الممقوته فطريا , وإذا هي تتعدى وتخرج عن طبيعتها فلذلك قّدمت وذكرت أولا.
2ـ أن آثاره السيئة على المرأة أكثر وأوضح
للأثارالسيئة التي تترتب على هذه الفاحشة هناك آثار سيئة لقتراف هذا الذنب وهذه المعصية وهذه الكبيرة وهذه الفاحشة , وهي بالنسبة للمرأة أكثر و أوضح من الرجل منها مثلا :
الحمل , الزنا يسبب الحمل والمرأة التي تحمل من الزنا يكون الأمر بالنسبة لها صعبا .
أيضا الآثار النفسيه ، طبيعة المرأة أنها ترتبط بفطرتها في علاقتها العاطفية والجنسية تحب أن تكون مع رجل واحد فقط , تتزوج رجل وتبقى معه فقط , فقلبها لا يتعلق بحسب طبعه من هذه الجهة بأكثر من رجل , وإذا هي تجاوزت هذه الطبيعة وخرجت عنها فإنها تكون في إضطراب نفسي , يعني هناك مشكلة نفسية تعيشها هذه المرأة , وهذه المشكلة النفسية تتسبب أو تنتج عن هذا العمل وهذه الفاحشة
أيضا الآثار الإجتماعية ، الآثار الإجتماعية ، المجتمع بطبيعته أيا كان هذا المجتمع إذا نظر إلى إمرأة إرتكبت الفاحشة تختلف نظرته عن رجل إرتكب الفاحشة ، الرجل مثلا لو إرتكب الزنا ثم تاب ورجع للمجتمع ربما يكون مقبول بصورة أو بأخرى ، أما المرأة فهي تبقى عليها هذه العلامة فالآثارعلى المرأة أوضح
3ـ ذكر بعض المفسرين أنه يّحتمل أن يكون التقديم سببه كون المرأة هي سبب في إنحراف الرجل
أنها طريق لإنحراف الرجل لأنها الوسواس للرجل وتقود الرجل ، كما يقول صاحب هذا الرأي ، فالمرأة بطبيعتها تكون عفيفة ولكنها إذا أثيرت شهوتها تكون أكثر من الرجل حتى هناك أحاديث في هذا المجال ، أن المرأة إذا أثيرت تكون أكثر من الرجل بأضعاف فهي السبب لإنحراف ووقوع الرجل في الفاحشة لذلك قدّمت على هذا الرأي
ثانيا:الحكم بالجلد هو حكم عام ومخصص في موارد
هذا الحكم (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة )، هذا الحكم عام ولكنه قد خصص في موارد وأخرج عن هذا الحكم العام في موارد هي :
1ـ زنا المحصن (رجلا أو إمرأة)
الرجل المحصن إذا زنى أو المرأة المحصنة إذا زنت يقام عليها الحد وهو (الرجم ) فهنا خصصت .
ماذا تعني المحصن في المقام الموجب للرجم ؟
المحصن هو الشخص المتزوج الذي يستطيع أن يصل إلى أهله وليس ممنوعا من الإقتراب إلى أهله ، المرأة أو الرجل المحصن هو الذي يعيش مع زوجته يعيش مع الطرف الثاني ويستطيع أن يّشبع رغبته الجنسية من شريك حياته ، هذا (محصن)
أما لو كان متزوج ولكن كانت زوجته بعيدة عنه فهذا غير محصن يبقى حكمه (الجلد) لو إرتكب الزنا
2ـ الزنا بالمحرمات أيضا حكمه (الرجم والقتل )
شخص زنى بإمرأة من محارمه ، (أهله، أخته مثلا،أو الأم) محرمات عليه وزنى وإعتدى وإرتكب الفاحشة مع المحرّم يستحق الرجم
3ـ الزنا بالإكراه (الاغتصاب)
شخص وأن كان غير محصن مثلا ولكنه يرتكب الزنا مع أخرى بالإغتصاب والإكراه بالقوة فحكمه الرجم أيضا
4ـ توجد بعض الحالات
توجد أحكام إضافة حكم الجلد ومنها الحكم بالنفي وأحكام أُخرى
ثالثا:علاقة هذه الآية مع الآيات المتحدثة عن الزنا في موارد أخرى
ومن أي جاء حكم الرجم للمحصن ، وما هي مستنداتها ؟ فماهي العلاقة بين هذه الأحكام؟ حكم الرجم,وبين هذه الآية ؟ الآية عامة وواضحة , وتتحدث أن الحكم للزاني هو (الجلد) فهل هناك علاقة بين هذه الآية وآيات أخرى أو لا ؟ نقول نعم :
1ـ الآية ناسخة لما جاء في سورة النساء
في سورة النساء وردت آيات تتحدث عن الزنا وجعلت العقوبة للزنا هو الحبس حتى الموت قالت الآية ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم – فاستشهدوا عليهن أربعة منكم – فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت – حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ ذكرت الحكم أن تبقى ، تحبس الزانية في البيت إلى الموت ، ثم ذكرت (أو يجعل الله لهن سبيلا ) يقول السيد الطباطبائي في الآيات المنسوخة دائما ، أن الآية تلمح إلى الحكم أنه سوف ينسخ وأنه مؤقت ، لذلك لمحت له بقوله (أو يجعل الله لهن سبيلا) فما هو السبيل تقول الرواية؟ السبيل هو هذه الآية ﴿سورة أنزلناها وفرضناها – وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فهذه الآية نسخت آية الحبس حتى الموت
2ـ حكم الرجم هو تخصيص من السنة القطعية
هذه الآية واضحة وهنا فائدة نستفيد منها ، هذه الآية واضحة وتتحدث عن الجلد للزاني ، إذا من أين جاء حكم الرجم ؟ الجواب أنه جاء من السّنة
ربما يتسأل متسائل ويقول إذا كان من السّنة أليس هناك أحاديث تقول (إذا جاءكم حديثي هذا فاعرضوه على كتاب الله فما وافق إعملوا به وما خالف إضربوا به عرض الجدار)
السّنة هي الأحاديث ، أحاديث النبي وهي تختلف مع هذه الآية؟
الجواب أن السّنة القطعية تؤخذ وهي مفسرة للقرآن ، وهناك الكثير من الموارد تأتي السّنة القطعية ،من قول النبي (ص) ، أو من عمله , ومنها هذا المورد فقد عمل بها وعمل بها الصحابة بعده والخلفاء,فمورد الرجم من الموارد التي خصصت بالسّنة ، إذا السّنة فسرت حدود الآية وبينت حدود الآية
رابعا: من الذي يقوم بتطبيق هذا الحد؟
من الذي يقوم بتطبيق هذا الحد ؟
هذا الحد هو الجلد ، من الذي يقوم بتطبيقه؟
الخطاب موجه للمؤمنين ولكن هل يحق لأي أحد أن يأتي ويطبق هذا الحكم ؟
نرى في بعض الدول إذا شك الأب في إبنته مباشرة يقتلها، يشك فيها يذبحها ذبح هذا موجود في بعض الدول ، وهذا طبعا خطأ , ومخالف لحكم الدين , وإن كان الخطاب موجه للمؤمنين بصورة عامة إلا أنه لا يحق لأحد أن يطبق الحكم إلا النبي (ص) أو الإمام المعصوم أو نائب الإمام وليس لأي أحد يأتي ويطبق ، يشك في إبنته يطبق عليها وهكذا لا ! الإمام فقط والنائب للإمام في هذا العصر في هذا الزمن هو يطبق الحكم وليس لأي أحد أن يطبق
خامسا: فلسفة تحريم الزنا
ما هو الهدف من تحريم الزنا ؟
1ـ تصدع نظام الأسرة والحياة الزوجية بالعلاقات الجنسية الخارجة
أي أسرة أو علاقة بين زوج وزوجه يمكن أن تستمر وشخص يعلم أن زوجته تخرج وتزني مثلا ، الذي يقول يمكن ذلك هذا الذي لا يعرف العلاقة الزوجية ، العلاقة الزوجية والترابط الروحي بين الرجل والمرأة ، إذا صار أحدهما يخرج ويزني ، المرأة تخرج وتزني أو الرجل , تتفكك هذه العلاقة وهذا الإرتباط الروحي بين الإثنين ، لذلك الزنا من آثاره تصدع العلاقات الأسرية وتفكك الأسر
2ـ العلاقة بين الأبناء وآبائهم غامضة وكلها إضطراب
شخص مثلا إذا كان يعلم أن زوجته تخرج وتمارس الجنس وهو ينام معها ويقول لها على سبيل المثال إحذري أن تحملي ثم بعد ذلك وهو ينام معها حملت هل أنه يطمئن أن هذا الولد ولده مثلا ؟ ماهي العلاقة بينه وبين الإبن ؟
تجد العلاقة غامضة وكلها شك وكلها ريبة وهذا يفكك العلاقة بين الزوج والزوجه من جهة وبين الأب والأبناء من جهة ثانية
3ـ أبناء الزنا أكبر الجناة في المجتمع , ولا يمكن الحد من ذلك
الجرائم التي تقع بصورة عامة في الدول عامة إسلامية أو غير إسلامية غالبا ما يكون لأبناء الزنا دور ووجود كبير في الجرائم ، يكونون قساة ولا يمكن الحد من ذلك ، ولا يمكن أن يقول شخص إستعملوا العوازل والموانع لعدم حدوث الحمل , هذه الملاجئ في العالم كلها مع وجود كل هذه الأدوات وموانع الحمل , وهناك الكثير من الأولاد الذين ينشأؤون من هذا الطريق , يوجد كثير ويكونون سبب في فساد المجتمع لأنهم يفتقدون للعاطفة والحنان ، حنان الأبوة والأمومة فيكون وجودهم في المجتمع كارثة وهذا أمر خطير
4ـ الزنا سبب لكثير من الأمراض النفسية والجسدية
وهذا لا يحتاج إلى تعليق ، أمراض نفسية كثيرة لأنه يوجد الإضطراب في العلاقة النفسية ، المرأة مع من؟ قلبها مع من؟ حبها لمن؟ المرأة مع من تكون ، علاقتها بزوجها هل أنها تحبه أو تحب ذلك الشخص ، تعشق هذا أو تعشق هذا؟ ، ترتبط بهذا ؟
إذن العلاقة مضطربة بين الإثنين فلا حب واضح ولا إستقرار بينهما .
والأمراض الجسدية أيضا كثيرة وواضحة كما يثبتها العلم الحديث
5ـ من نتائج الزنا الإجهاض
وآثاره كثيرة ، الإجهاض المستمر ، تحمل المرأة وتجهض حملها فكم تتأثر بذلك.
والآثار هذه كلها تنتج بسبب الزنا ، إذا نتيجة الزنا سيئة كما قال تعالى (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين