تفسيرسورة النور
الحلقة(18)
الآية:27
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال سبحانه وتعالى
((27)يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىتَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
مقدمة:
هذه الآية تتحدث عن بعض الأحكام ، تتحدث عن آداب المعاشرة بين الناس وهي متناسبة مع موضوع العفة والشرف وتصب في حفظ الشرف لأن هذه الآية جاءت لتقنن للمؤمنين موضوع الدخول على بعضهم البعض وهم في حالات ربما يكونون غير متهيئين لإستقبال ضيوفهم أو يكونون في خلوة مع أهلهم ، مع أزواجهم .
فلا يرخص للشخص أن يدخل على غير أهله وهم في حالاتهم الخاصة ، متكشفين مثلا ، ككون النساء متكشفات في بيتها فهذا ينافي العفة ويثير الشهوة وهو أمر مرفوض في الإسلام ، الآيات التي مرت تبين ضرورة الحفاظ على العفة والإلتزان الجنسي . الجنس ليس مرفوضا في الإسلام ولكن يجب أن يكون له طريقه الصحيح وهو الطريق الشرعي فقط. كانت الأبواب مفتوحة في الجاهلية , ولا
تغلق كما هي العادات موجودة في بعض المناطق وبعض القرى وعشنا هذه الأجواء بصورة معينة . وكانوا في الجاهلية يعتبرون الإستئذان لدخول البيت من العار ، أمر فيه إهانة للمستأذن ، الناس لا يسأذنون ويعتبرون الإذن حط من شأن المستأذن كأنهم يقولون لمن يستأذن أنت غريب فلا يريدون الإستئذان لذلك، وجاء الإسلام وأمر بالإستئذان ، بل فرضه بهذه الصورة التي سنتحدث عنها.
أولا:الإستئناس
، قالت الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها)
ما هو الإستئناس ولماذا ذكرت الإستئناس؟
1ـ الإستنئناس من الأنس والإلفة وسكون القلب .
شخص يسكن إلى شخص ، إذا كان يأنس به يسكن قلبه إليه ، يشعر بالمحبة والإلفة بينه وبينه ،هذا السكون ، هذا هو الإنس .
2ـ لماذا قالت الآية تستأنسوا ولم تقل تستأذنوا؟
الآية تذكر الإستئناس بدل الإستئذان ، لأن الإستئذان بأي صورة يتحقق ، أن يطرق الباب بشدة ، بضعف ، يصرخ ، يرفع صوته ، قبلوا أو لم يقبلوا ، فهو إستئذان ولكن الإستئناس يختلف ، هو طلب الدخول ولكن بحنية ورفق ورقة وأخلاق ولطف ، بحيث يكون شخص مقبولا في دخوله ، هذا يستأنس مريحا لمن يدخل عليهم غير مكلف لهم .
3ـ الإستنئناس طلب الأنس والسكينة والأمن لأهل الدار
وذكرت الإستئناس لأن المستأذن عندما يكون مستأنسا يعني كأنه يطلب لهم الأنس ، يطلب لهم السكينة ، يطلب لمن يدخل عليهم الراحة ، فلا يُترقب من دخوله غير الراحة والسعادة بهذا الدخول.
4ـ وربما الإستيناس مأخوذ مما يقابل الإستيحاش للمستأذن
يعني كأن الآية تقول أنت عندما تأتي وتطرق الباب وتتردد في أنهم يقبلون بدخولك أو لا
يقبلون فأنت مستوحش ، لأنهم قد يكونون مشغولين مثلا ، قد يجاملونكم لا يريدون
الدخول فأنت تعيش حالة من الإستيحاش ، فلا تدخل حتى تستأنس ، حتى تكون مرتاح تشعر بالمقبولية من عندهم فتشعر بسكون القلب من طرفك فتدخل بعد ذلك
5ـ الإستيناس طلب الأنس في وجوههم والترحيب
الإيستيناس يعني إذا أردنا أن ندخل بيت غيرنا مثلا نطرق الباب ، وإذا طرقنا الباب عندما تدخل ترى في وجوههم الراحة يعني إذا نظرت لأصحاب البيت ووجدت في وجوههم أنهم غير مرتاحين فلا تدخل ، فهنا لم تستأنس الدخول من وجوههم ، فطلب الإنس في وجوههم والترحيب في وجوههم فإذا تحقق الأنس في وجوه من تأتي إليهم والترحيب من طرفهم حينها لك أن تدخل .
ثانيا: الإستئذان في السنة:
فقد أقر هذه السنة رسول الله(ص) وفرض أن يستأذن الشخص إذا أراد أن ياتي لبيت حتى لو كان من أهله .
النبي (ص) أمر المسلمين بالإستئذان ، وعمل به حتى مع إبنته فاطمة (ع) ، فكان يأتي ويستأذن مرة واذا لم يسمع يعيد الثانية والثالثة فإذا لم يسمع جواب يرجع ويقول ربما هم في حالة غير متهيئين للإستقبال ،ربما هم غير موجودين ، فيرجع لا يصر ولا يدخل .
يستأذن وإذا لم يحصل جواب يرجع ، كأنهم قالوا له إرجع ، سواء قالوا له إرجع أو سكتوا أو لم يسمع صوت فيرجع ، هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وآله.
ثالثا:ـ الإستئذان حتى على المحارم :
المؤمن مع الأهل يجب أن يستأذن ، مع الأقارب مع الأولاد مع الأم مع الأب هل له أن يدخل بدون إذن؟
الجواب يجب أن يستأذن ولايدخل من غير إستئذان ، والروايات تنص على ذلك :
روي أن رجلاً قال للنبي (ص) أستأذن على أمي؟ فقال(ص) : نعم .
قال : إنها ليس لها خادم غيري ، أفتستأذن عليها كلمّا دخلت؟ .
قال(ص): أتحب أن تراها عريانة ؟
قال الرجل: لا.
قال: فاستأذن عليها.
حتى على الأم إذا أردت أن تدخل ولو كانت كثير الدخول والخروج يجب أن تستأذن فالنبي (ص) يقول إستأذن.
رابعا: ـ كيفية الإستيناس (الإستئذان):
أ ـ ألفاظ الإستئذان:
قال الطبرسي رحمه الله: روي عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : قلنا يا رسول الله ، ما الاستئناس ؟
قال (ص) :(يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح على أهل البيت).
يشعرهم قبل أن يدخل أنه جاء للبيت يطلب الدخول إذا أذنوا له فليدخل .
ب ـ موقف المستأذن:
روي أن أبا سعيد الخدري ، استأذن على رسول اللّه (ص) وهو مستقبل الباب.
فقال (ص))لا تستأذن وأنت مستقبل الباب) لأنه إذا كنت مستقبل الباب مجرد أن يفتح الباب إنكشف من في الداخل ، لأن الإستئذان هو إحترام لأهل البيت ، ولعدم كشف عوراتهم ، يجب أن تكون في جانب ، في زاوية بحيث إذا فتح الباب لا ينكشف من في الدار
ج ـ عدد الإسئذان:
وعن أبي عبدالله الصادق (ع) قال : (الاستيذان ثلاثة أولهن يسمعون ، والثانية يحذرون ، والثالثة إن شاؤا أذنوا وإن شاؤا لم يفعلوا فيرجع المستأذن)
دـ مدة الإستئذان :
يرى بعض المفسّرين أنه يجب أن يكون هناك فواصل زمنية بين كل استئذان وآخر، يعني إذا قال يالله إصبر قليل وإذا قال مرة ثانية إصبر الثالثة أيضا ربما في الثالثة يردون لأنه قد يكونوا غير مهيئين ، لم يتهيئوا لإستقبال الضيف أو إستقبال الشخص ، فيجب أن تكون فواصل زمنية للإستئذان .
وفي هذا الزمن وفي هذا الواقع الذي نعيشه يمكن علاج قضية
الإستئذان بالهاتف خصوصا في الزيارة التي تكون من مكان بعيد ، وهذا أمر مطلوب ليس سيئا ، لأنه ربما تسبب إحراج لأهل البيت في دخولك وهم في ظرف غير مناسب , أوتذهب بالسيارة وهم غير متهيئين تماما أو عندهم موعد أو مشغولين في شيئ فيتفاجؤون بك .
ــــ
قصة سمرة بن جندب
سمرة بن جندب كان في زمن النبي (ص) وهذا الشخص ليس جيد هو سيئ وبقي سيئ حتى في زمن الإمام علي إبن أبي طالب (ع) ،
كانت له نخلة في بيت جاره ، أي تطل على بيت جاره وكلما أراد أن يركب النخلة يكشف الجيران بلا إذن يركب النخلة ويكشف الجيران ، إشتكى جاره عند النبي (ص) سمرة يعمل كذا وكذا يا رسول الله ما العمل ؟
النبي طلب سمرة وقال إستأذن من جارك قبل أن تركب النخلة ، أصر عليه النبي قال سمرة : أستأذن لماذا النخلة نخلتي لا أحتاج لإذن .
قال له النبي (ص) : أعطيك بدلها نخلة في مكان آخر لم يقبل ، إثنتين ، ثلاث ، عشر نخلات ، ولكنه لم يقبل أصر على هذه النخلة ومن غير إذن .
قال له النبي (ص) أضمن لك نخلة في الجنة ،( سبحان الله الشخص الذي هو في الأصل فيه خلل ، يضمن له نخلة في الجنة يعني يضمن له
دخول الجنة ) قال سمر لا أقبل ، هذه النخلة نخلتي ولا أريد
بدلا عنها .
قال النبي (ص) : للجار إقطع النخلة وإرميها في وجهه قطعها ، ورماها في الخارج .
وقال النبي لا ضرر ولا ضرار ، صارت هذه قاعدة تستعمل في كثير من الأحكام الشرعية .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين