تفسير سورة النور
آية (22)
الحلقة15
﴿ وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوآ أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَـاكِينَ وَالْمُهَـجِرينَ فِى سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (22)
حديثنا في هذه الآية
أولا: سبب نزول هذه الآية
1ـ نزول الآية في أبي بكر ومسطح
قيل: إن قوله: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة﴾ الآية، نزلت في أبي بكر ومسطح بن أثاثة وكان ابن خالة أبي بكر، وكان من المهاجرين ولكنه تحدث في قضية الإفك ، وكان أبو بكر يجري عليه ويقوم بنفقته فلما خاض في الإفك قطعها وحلف أن لا ينفعه بنفع أبدا فلما نزلت الآية عاد أبو بكر إلى ما كان، وقال: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، والله لا أنزعها عنه أبدا:
هذا المعنى جاء عن ابن عباس وعائشة أنها نزلت في أبي بكر ومسطح
2ـ نزلت في جماعة من الصحابة
الثانية قيل: أنها نزلت في جماعة من الصحابة أقسموا على أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ويواسوهم: هذا عن ابن عباس نزلت عامة لم تكن نازلة في شخص بعينه وإنما نزلت عامة في أناس جمعوا بعض الصحابة الذين قطعوا مساعدتهم وتعهدوا أن يقطعوا ولا يساعدوا ولا يواسوا أي شخص تكلم أو خاض في قضية الإفك.
ـــ وربما يؤيد الرأي الثاني ويدل عليه أمور منها:
أ ـ الجمع في الآية. فهو يشمل ما يذكره الرأي الأول أيضا
الآية تحدثت عن جمع (ولا يأتلي أولوا الفضل منكم والسعة) ولم تتكلم عن شخص ، فربما يكون المعنى هو الجمع وليس في القضية المحددة وإنما نزلت بمعنى أن يكون نزول الآية عام وليس خاص في هذا الشخص
ب ـ ذكرت الآية مجموعات من المسلمين وهم الأقارب , والمساكين , والمهاجرين وكلهم بصيغة الجمع، فيكون المعنى عام لأنها جاءت بهذه المجموعات وكلها بصيغة الجمع فلا يكون المعنى أنها نزلت في أشخاص أو في شخص بعينه خاص وإنما هي عامة
ـــ مسطح : أحد من حده النبي (ص) في قذف الافك
مسطح تحدث في الإفك وأفاض في الإفك وأقام عليه رسول الله (ص) الحد ،
ــــــ وفي هذا دلالة أن من شهد بدر يمكن أن يخطأ
هذه الآية دلالة على أن البدريين قد يخطاؤون ، لأن مسطح من البدريين ، وأهل السنه يصرون على أنها نزلت في هذه القضية ، في قضية أبي بكر ومسطح ، فهنا ملاحظة أخرى يقال أنه إذا كان الكلام في أبي بكر وفي مسطح ، مسطح خطأ وحد وهو من البدريين فيكون المعنى أنه يمكن أن يكون للبدريين أن يخطأؤوا لأن إبن تيمية وبعض العلماء من أهل السنه يقولون لا يمكن أن يخطأؤوا ، السبب ماذا؟ أن الله رضي عنهم ، هذا تدليس طبعا أن الله رضي عنهم ولأنه رضي عن شخص فلا يمكن أن يكون عنده خطأ كيف يرضى عنه وهو يعلم أنه سوف ينحرف أو يخطأ ، على أي حال هذا شخص كان من البدريين ويثبتون أنه تكلم وإرتكب الخطأ
ثانيا: عزم المؤمنين على قطع ما كان يؤتيه لمن تحدث بالإفك
دلالة الآية على أن بعض المؤمنين عزم على أن يقطع ما كان يؤتيه لبعض من تحدث في الإفك
ثالثا: خصوص المورد لا يخصص الوارد
لو كانت الآية خاصة فعلا ونزلت في الشخص بعينه ولكنها ليست محصورة لأنها عامة والعام وإن ورد في شيئ بعينه ولكن يبقى على عمومه فيطبق إلى يوم القيامة فكل ما ورد مورد يطبق فيه هذا المعنى
رابعا: معاني ما ورد في الآية
( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة)
1ـ الايتلاء هو:
أ ـ التقصير ب ـ الترك ج ـ الحلف،
ويصح كل واحد منها، لأنه الترك يعني ترك العطاء ، الآية تنهى عن ترك العطاء أو التقصير في العطاء أو الحلف على ترك العطاء ، الآية تنهى أولي الفضل أن يقطعوا العطاء عن الفقراء
2 ـــ (أولوا الفضل منكم والسعة) يعني الأغنياء فهي تتحدث عن الأغنياء
3 ـــ معنى (أن يؤتوا أولي القربى) من هم أولي القربى ؟هنا أيضا يوجدفيها رأيان
أ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة) – أن يؤتوا أولي القربى﴾ قال هم قرابة رسول الله (ص) هذا المعنى إذا كان القرابه أو صح هذا المعنى فتكون الآية بعيدة عن قضية الإفك لأنه أهل البيت (س) لا يقذفون ولا يتحدثون في الإفك ولا يرمون أحد ولا يتناقلون ، إذا لو كان هذا المعنى صحيح تكون الآية جاءت خارجة عن سياق الآيات التي تتحدث عن الإفك
ب ـ القرابة ممن خاض في الإفك على تقدير
تكون القرابة ممن خاض في الإفك ، المعنى الآخر القرابة أولي القربى يعني الأقرباء وإن خاضوا في الإفك وتكلموا في الإفك فلا تقطعوا عنهم العطاء
4ـ ﴿والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا﴾ الصفح التجاوز عن الخطأ بالكلية مع محو أثره من النفس يعني الآية كانها تريد أن تقول من إرتكب هذا الخطا تجاوزوا عنه إصفحوا عنه كأنه لم يكن شيئ صفحة وطويت لا تبقوا أثر عن في تعاملكم لا تقطعوا عنهم العطاء ولا يبقى أثر في النفس ، حتى في النفس لا يبقى أثر
5ـ الصفح تجاوزٌ عن الخطأ بالكلية مع محو أثره من النفس
يعني الآية كأنها تريد أن تقول ممن إرتكب هذا الخطأ تجاوزوا عنه وإصفحوا عنه صفحة وطويت ، لا تبقوا أثر عمليا في تعاملكم ، لا تقطعوا عنهم العطاء ولا يبقى أثر في النفس ، حتى في النفس لا يبقى أثر
خامسا: ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم﴾
هذه الآية تحرض المؤمنين وتحث المؤمنين على العفو والتسامح والإحسان عمن أخطأ فتقول إن غفرتم لمن أخطأ ، صفحتم عمن أخطأ عليكم فإن الله غفور رحيم ، يغفر لكم بهذا العمل ، كما جاء في حديث عن أميرالمؤمنين (س):
(أبلغ ما تُستدرّ به الرحمة أن تُضمر لجميع الناس الرحمة) إجعل في نفسك الرحمة لجميع الناس ، سوف تنزل لك الرحمة و تنزل كثيرة
سادسا: فوائد من الآية:
1ـ الآية تنهى عن مجازات السوء بالسوء.
(لا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن )الآية تصب في هذا المصب أنه مهما إرتكبوا من أخطاء لا تكن أنت مخطئ
2ـ لا تكن ردود الفعل عنيفة وقوية على الآخرين
حتى لو كان يستحق فليكن بإتزان ، المعاملة متزنة ولا تأخذك ردود الفعل القوية
3ـ لا تنطلق في معاملتك من العاطفة بعيدا عن الدين.
الدين جعل قانون وأحكام شرعية أنت لا تتعامل بالعاطفة وتقول فلان تكلم مثلا على عرض النبي وأنا أحب النبي (ص) فلا بد أن أعمل له كذا وأنتقم منه وأحرمه من العطاء أجوعه هذا كله خطأ أنت تتعامل في ضمن وغطار الدين فلا تتجاوز هذا الإطار
4ـ لستم أحرص على الدين ولا على الناس من الله تعالى
الآية كأنها جاءت تقول لستم أحرص على الدين وعلى عرض النبي من الله سبحانه وتعالى ، لستم أحرص على الناس من الله ، الله هو الذي يشرع فهو الحريص على حفظ وصيانة عرض النبي(ص) وحفظ وصيانة المؤمنين ، أنتم لستم أحرص فلا تبتكروا من أنفسكم أساليب للردع ، إعملوا بما جاء به الإسلام
5ـ لم يكن جميع المتورطين في الأفك متآمر فيه
وبهذا:ممن يستفاد أيضا أنه لم يكن جميع من تورط في قضية الإفك متآمر ، يعني هناك بين الأشخاص بعضهم كان تأمر كشيخ المنافين إبن سلول ومن معه عصابة وهناك أناس رددوا وتناقلوا كما جاءت في الآية (إذا تلقونه بألسنتكم ) الذين تكلمت عنهم الآية (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون ماليس لكم به علم ) التلقي عبروا عنه كيف يتلقى باللسان ؟ يتلقى بالسمع لكن الآية (إذ تلقونه بألسنتكم) يعني تقول تأخذونه لسان عن لسان تنقلونه من غير تدبر كأنه مجرد أن يصل تنقل، هؤلاء اشخاص نقلوا ولكن هناك من تآمر ودبر وأسس لهذا الأمر الخطير فلا تتعاملوا معهم على حد سواء
سابعا: العفو والصفح في الحقوق.
هناك حقوق ، الإنسان إذا كان حقه الشخصي له أن يعفو له أن يصفح عن حقه الشخصي أما في الحق العام فليس له أن يصفح كيفما أراد مثلا لو جاء سارق وسرق و ألقي القبض عليه أنه سارق وجاء صاحب المال وقال أنا عفوت عنه لا يعفو عنه لأن هنا حق عام وتعدي أيضا أمير المؤمنين (س) وهو يمشي في بعض الأزقة يسمع صوت شخصين إثنين متشاجرين وصل إليهما قبض الذي يعتدي قام إليه الثاني وقال إتركه يا أمير المؤمنين عفوت عنه
قال عفوت عنه سقط حقك ولكن بقي حق السلطان يعني الحق العام ، فهذا إعتدى لا بد أن يعاقب على إعتدائه
ثامنا: من فوائد العفو والصفح:
1ـ تحصيل المغفرة من الله وهذه أعظم فائدة. ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
وهذا أعظم شيئ أن تحصل المغفرة فإذا أردت أن تحصل المغفرة إعفوا عمن أساء إليك
2ـ التعويض والأجر من الله
قال تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)يعني لك إذا أساء إليك أحد عليك أن ترد بالمثل ، ومن يعفوا يحصل الأجر من الله يحصل ثواب وعناية من الله سبحانه وتعالى
3ـ إمتصاص الكره من قلب من يسيء لنا.
الذي أساء وإرتكب الخطأ في حقنا مجرد أن نعفو عنه هو أيضا يطهر قلبه يتوجه ويقول يعفون عني فإذا كان في قلبه حقد يرتفع هذا الحقد
4ـ تقوية الروابط الإجتماعية
وعدم تفكك المجتمع.يترابط المجتمع بعضه مع بعض
5ـ العفو سبب من أسباب المحبة عند الله وعند الناس.
تكون محبوبا عند الله وعند الناس
6ـ القضاء على الأمراض النفسية الناتجة عن التوتر.
يعني لو مثلا تكلم عنك شخص وأبقيت في نفسك اللوم وتحمل عليه هذا الحمل الذي تحمله والغيظ والتوتر النفساني يعود عليك انت بالضرر قبل ذاك
7ـ تطهير القلب والحفاظ على نقائه
لمجرد أن تعفو أنت تكون صافي القلب يطهر قلبك من الأحقاد ومن كل سوء
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين