أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الغويّ اللّعين الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين، ربي أشرح لي صدري, ويسر لي أمري, وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
عظم الله أجوركم وأجورنا بمصاب أبي عبد الله الحسين وبما حل به وبأهل بيته سلام الله عليهم أجمعين, ونسأل الله تعالى أن يحفظ زوار الحسين ويسلمهم ويرجعهم سالمين غانمين أنه سميع مجيب .
روي عن سفيان الثوري ما مضمونه قال: جئت للإمام الصادق (صلوات الله عليه) ولكن الإمام لم يستقبلني وإنما أبدى انشغاله فرجعت بعد ذلك إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتوسل وأطلب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل الإمام يستقبلني – يبدو أن سفيان كان عنده بعض الأمور فالإمام لم يستقبله لذلك – بعد ذلك يقول رجعت للإمام فاستقبلني بكل حفاوة فرحب بي وقال: يا سفيان جئت لينشرح صدرك؟ قال: نعم يا سيدي جئت لينشرح ويتنور قلبي, فقال له الإمام الصادق (سلام الله عليه) يا سفيان إذا أردت أن ينشرح صدرك فعليك بثلاثة أمور, ثلاث جمل يذكرها الأمام:
الأولى : اعلم أنك عبدٌ وهو مولى.
عليك أن تعيش هذه الجملة, أنت عبدٌ لله (عزّ وجلّ) والله (عزّ وجلّ) هو المولى عليك أن تعي هذا المعنى أولاً, فإذا وصلت لهذا المعنى بعقلك استطعت أن تعرف معنى العبودية بعقلك, ثم أوصلت هذا المعنى إلى قلبك لأنه ليس كل ما يعلمه العقل يعلمه القلب, يجب أن تكتب على لوح قلبك بقلم العقل أنه لا إله إلى الله هو رب العالمين فإذا استعطت أن توصل هذا المعنى إلى قلبك فسوف ينشرح صدرك, لا أن تتكبر عن العبودية, فالعبودية درجةٌ عالية العبودية جوهرة كنهها الربوبية, فيوصل الإنسان نفسه إلى هذا المقام الذي هو أعلى من مقام الرسالة, فإذا بلغه العبد ثار يقول للشيء كن فيكون, إذاً عليك أن توصل هذا المعنى إلى قلبك ولا تتكبر عن طاعة الله والخضوع وإظهار التذلل لله (عزّ وجلّ) يقول الله (سبحانه وتعالى) ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر : الآية 60] أي سيدخلون النار أذلاء, يذكر الأستاذ المظاهري قصة يقول: كان هناك شخصٌ مدان وعنده غلام وكان ديونه كثيرة فرآه الغلام حزيناً فسأله عن سبب حزنه قال: علي ديونٌ كثيرة فقال الغلام: بعني وسدد بثمني الديون فقال: لو بعتك فثمنك لن يسدد شيء فديوني كثيرة فقال الغلام: اعرضني في السوق بسعر يساوي الديون قال: لا يشترون قال: قل لهم فيه خصلة وهي أنه يعرف معنى العبودية ففعل الرجل هذا هناك من مروا وهم يضحكون, وجاء هناك رجل عاقل وقال إذا كان يعرف معنى العبودية فهو يستحق أكثر من هذا المبلغ, ولكن لو تبين أنه لا يعرف معنى العبودية لا أشتريه, فأخذه وأمر غلمانه أن يضربوه فضربوه ضرباً مبرحاً ولم يتكلم فأمرهم بالتوقف عن ضربه وسأله إلا تتألم فقال: نعم أ ولا ترى أن الضرب من غير سبب قال: بلى فلماذا لم تسأل ولماذا لا تعترض فقال: أنا عبد وأنت مولاه والعبد يطيع مولاه وليس له أن يسأل مولاه, طبعاً هذا المعنى بالنسبة للمخلوقين ليس بصحيح, فليس بصحيح أن يعتدي إنسان على آخر ويضربه من غير سبب ولكن بالنسبة لله (عزّ وجلّ) الذي لا يفعل شي إلا لحكمة ولا ينزل بلاء بأحد إلا بحكمة ومع هذا كله لا يسأل عما يفعل (سبحانه وتعالى), يجب أن يطاع الله (عزّ وجلّ) وأن نطيعه طاعة حقيقية في كل شيء بتسليم مطلقٍ له مع أن الله (عزّ وجلّ) يفعل جميع الأمور لحكمة, لو رأى الإنسان شيء نزل عليه من بلاء أو عقاب أو غير ذلك إنما هو لحكمة هناك علل وهناك حكم للأفعال التي يفرضها الله (عزّ وجلّ) على الناس, وهنا يجب أن يعرف الإنسان معنى العبودية ويضع نفسه لله يكون عبداً لله.
الثانية: اعلم أن لمولاك غضب كما أن له رضا.
يجب عليك أن تطيع الله (عزّ وجلّ) وأن تتحاشى سخط الله (عزّ وجلّ) والذي لا يهتم أموره الذي يخالف ويرتكب المعاصي ويقول هذا صغير وذاك كبير أفعل هذا أو هذا فإنه يحارب الله ويعرض نفسه لسخط الله (عزّ وجلّ) وأن لله (عزّ وجلّ) غضبٌ وسخط وإذا وقع شخصٌ تحت سخط الله (عزّ وجلّ) خسر الدنيا والآخرة.
راقب نفسك عليك أن تطيع الله (عزّ وجلّ) في كل شيء, ولا تغفل عن طاعة الله ولا تستصغر ذنباً, يقول الإمام الراحل (رضوان الله عليه) [ ليس في الذنوب ذنب صغير] كل الذنوب كبيرة ولكن فيها ذنب كبير وذنبٌ أكبر وليس هناك ذنبٌ صغير فيجب على الإنسان أن ينتبه أنه إذا عصى وخالف فإنه يعصي الله (عزّ وجلّ) وهذا أكبر جرم لا تنظر إلى الذنب بما هو ذنب أو المخالفة بما هي مخالفة, أنظر من تخالف ومن تحارب أنت تخالف وتحارب الله ر وهذا أعظم ذنب.
أذكر قصة: يقال أن في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يخرج للغزوات كان يجعل على المدينة من يخدم النساء والأطفال فكان من ضمن من بقي شخص في المدينة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في غزوته وهذا الشخص كان موجود ويتفقد البيوت من يحتاج, دخل بيت فرأى امرأة وجاءه الشيطان فمد يده إلى جسدها وعندما لمس جسد المرأة صرخت النار النار وكأنها صاعقة نزلت على قلبه وخرج مسرعاً إلى الصحراء وهو يصرخ النار نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيٌ قال فلان تائب وتوبته قبلت وعندما رجع الرجل إلى المدينة (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهم آتوا به فذهبوا إليه وجاءوا به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان في المسجد وكان يقرا (ألهاكم التكاثر) لما جلس عاش روحية أثر الذنب الذي عليه وهو يسمع النبي يقرأ فصعق ومات لأنه تاب توبة صادقة رأى أثر هذا الذنب, هناك ذنوب نستصغرها ولكنها في الواقع عظيمة جداً, ومن ضمن ما يستصغره الناس ويراه أمراً يسيراً هو الهزل والاستهزاء بالآخرين, يذكر أيضاً الأستاذ المظاهري وكان ينقل هذه القصة عن صديق له يقول هذا الشخص: ذهب إلى الطبيب وكانت هناك امرأة عجوز وبعض المراجعين ولما كان دور المرأة دخلت على الطبيب فقالت له قمت بغلي الوصفة وشربتها ولم أستفد فقال لها الطبيب الخبز الذي يعطيك إياه زوجك حرامٌ عليك ولا تستحقينه لأنك لا تفهمين وهناك هم الحاضرون بالضحك, يقول الرجل بعد أن تفرق المجلس دخلت على الطبيب وقلت له أنت ارتكبت ذنوباً كثيرة وكبيرة ولكني سأحصي لك بعضها أنت بهذه الكلمة أولا استهزأت بمؤمنة ” في بعض الأوقات تحرج كلمة عابرة من شخص ولكنه يستنقص بها من أحد المؤمنين ونتيجتها يكون الوبال عليه هو يخسر” والحديث يقول { من أهان ولياً لي فقد بارزني في المحاربة } هذا يحدث كثيراً عند الأشخاص في كل مكان عندما يرى أحده شخصاً لا يستوعب يهينه ويستهزئ به وهذا قد يؤدي إلى كسر شخصية هذا الإنسان وقد يجعل يعيش مهزوز الشخصية بسبب كلمة, والأمر الثاني أنك وصفتها بأنها لا تستحق الخبز لأنها لم تفهم ما قلته فهي امرأة عجوز بسيطة لا تفقه في هذا المجال هي في منزلها قد تكون امرأة صالحة وربة بيت ممتازة وأنت كذب والكذب أيضاً ذنبٌ عظيم وأضحكت الآخرين عليها أيضاً.
هنا من يستصغر الذنوب ربما يرتكب ذبناً و بعدها لا يستطيع الرجوع, هناك بعض الذنوب تتناسب مع شخصية الإنسان ربما يرتكب هذا الإنسان هذا الذنب وبعده يحجب عن التوفيق للتوبة والرجوع لطاعة الله (عزّ وجلّ), فالذنوب عظيمة والمخالفات التي يرتكبها الإنسان خطيرة قد تردي الإنسان ونهلكه في الدنيا قبل الآخرة.
الثالثة: اعلم أن وما تملك لمولاك.
عليك أن تراقب نفسك في كل أمورك لا تقل أن لك وجود مستقل فوجودك لله (عزّ وجلّ) إذا كان عندك نعمة أنعم بها الله عليك يجب عليك أن تلتفت أن هذه النعمة لله (عزّ وجلّ) فتخرج منها مثلاً الحقوق الشرعية إذا وجدت مثلاً شخصاً فقيراً محتاج تعطيه وتقول هذا ليس من عندي هذا من عند الله (عزّ وجلّ) فأنا وما أملك لله (عزّ وجلّ) على الإنسان يراقب نفسه هل أنه يعيش هذه الحالة أم أنه يتكبر عليها والذي يعيش حالة الخضوع لله (عزّ وجلّ) والصدق مع الله (عزّ وجلّ) فإنه يرتقي ارتقاء كبيراً حتى ولو كان شخصاً عادياً, فعلى سبيل المثال هناك أشخاص يرون أن عليهم أن يرتقون مرتبات ومرتبات من العلم حتى يكونون على مقربة من الله (عزّ وجلّ) ولكن الأمر ليس كذلك وإنما إذا رتب المؤمن نفسه في ضمن ما ذكرناه فصار على خلق عظيم يعبد الله (عزّ وجلّ) ويطيعه ويحمل التقوى والأخلاق الحسنة ويرى نفسه لله (عزّ وجلّ) يكون قد بلغ ما بلغ.
يذكر الأستاذ المظهري أيضاً أن شخصاً كان يصلي ويقيم النوافل ويعمل عمل الخير ولكنه عندما توفي رآه أحد المدرسين تحول إلى صورة كلب فقال يا فلان هل هذا أنت فقال نعم فقال له ما الذي صنع بك هذا فقال الويل لسوء الخلق أنا كنت سيء الأخلاق, كان سيء الأخلاق مع أهله ومع المجتمع الذي يعيش فيه.
ويذكر آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني يقول هناك في مدرسة – انظر هنا إلى المعيار – كان خادم يصلي وأخلاقه حسنة يخدم أهل العلوم وطلبة العلم الذين يدرسون في هذه المدرسة يقول الشيخ بينما كنت ماراً في المدرسة لفت نظري أم في غرفته ضوء وكأن بها حديث وبعد أن فرغ سألته أنت في الغرفة وحدك فإلى من تتحدث حاول أن لا يجيب ولكن أصر عليه فقال أتحدث مع الإمام صاحب الزمان (سلام الله عليه) فسألته ما الذي دار بينك وبينه فقال أن الإمام يريدني أن أكون من الإبدال الذين يحفظ الله بهم دينه فهم أعمدة في هذه الأرض فسألته متى ستكون مع الإمام الساعة الواحدة ظهراً, يقول فصرت أراقب هذا الخادم فقد خرج في ساحة المدرسة وطلبة العلم ينظرون إليه وإذا هو في ذلك الوقت وفي نفس الموعد يختفي فلماذا أختاره الإمام (سلام الله عليه) ولم يختر غيره من علماء والسبب لأنه بلغ في تقواه وفي صلاح نفسه ما بلغ, بلوغ التقوى وتهذيب النفس وتربية النفس من أهم الأمور التي يحصل بها الإنسان على خير الدنيا فضلاً عن الآخرة, أما إذا كان في نفس الإنسان خلل فإن هذه طامة كبيرة عليه في الدنيا قبل الآخرة.
قبل أن اختم الحديث هناك ملاحة عن الغزو الثقافي والأخلاقي الذي يكتسح مجتمعنا مع الأسف هناك ترويج للأخلاق السيئة في المجتمع وتكليف الأهل والمجتمع والأسر باختلافها أمر يتضاعف ومسئوليته كبيرة, كل فرد يكون مسئول إذا وجد انحراف في المجتمع هناك ظاهرة تحتاج إلى التفات وهي ظاهرة الاختلاط والعلاقات بين الشباب والبنات علاقات من جهة الانترنت وغيره نحتاج إلى عمل وإلى تكاتف نحتاج إلى تفكير في آليات أن نجعل الشباب والبنات يثقون في آبائهم حتى يتقبلون النصيحة لا يبقى الأب في نظر أولاده أنه قديم لا نجعل أولادنا وبناتنا خصوصاً ينظرون لنا على أننا أفكار قديمة وأننا غير متماشين مع العصر وهناك ما يدور مع بعض طالبات المدارس فهم يعيرون بعضهن بأني لن أتزوج بالزواج التقليدي, كيف تتزوجين؟ تقول أنها تريد تكوين علاقة أولاً وهذا أمر خطير, علاقات تتطور وتخسر البنت وهي تتصور أنها ذكية وقوية وأنها محافظة على نفسها, للوقوف في وجه هذا يجب أن توجد التدابير والتربية الصالحة وأن يحرص الأب والأم من أن يكونوا على مقربة من الابن والبنت, العلاقة في البيت لا بد أن تكون مرابطة وثيقة لابد أن يثق الابن فيك ولابد أن تثق البنت فيك وفي أمها حتى تحس وتشعر فعلاً أنك تحرص عليها بوعي وليس بأفكار قديمة.
هناك مثلاً في الانترنت والعلاقات كالدردشة وأمثالها, ومن ضمن ما ينبغي على الآباء أن لا يتم وضع جهاز الكمبيوتر في مكان خاص فيفضل أن يوضع في مكان عام يستخدم وقت الحاجة حتى لا يستغل استغلال خطير يضر بالأولاد ويحطمهم وهذا ما يسعى إليه الأعداء ويجب الوقوف في وجه هذه الأهداف والجميع هنا مسئول وبالأخص العائلة فهي اللبنة الأولى, الأب والأم هم الأساس يجب أن يتحركوا لحفظ الأولاد وجعل الثقافة ثقافة دينية قوية.
اربط أولادك بالحُسين (عليه السلام) اربط أولادك بالمسجد فإنه إذا صلح المجتمع سيكون له الأثر الكبير, خلق الأجواء العامة الروحية الدينية لها أثر في الحفاظ على المجتمع ولو استطعنا أن نخلق جواً دينياً صالحاً في المجتمع هنا يخرج الولد صالح من غير تكلفة ومن غير تعب.
يقول السيد الخامنئي (حفظه الله) [ لو استمرت حكومة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) لو استمر ذلك الجو الديني لكان شيخ المنافقين يكون من الكمل من الأتقياء الورعين ] لأن هذا الجو يخلق فيجب أن نسعى لخلق الجو الديني الذي نربي به أنفسنا وأولادنا.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطاهرين.