دروس من حياة الزهراء في الأسرة الصالحة
2/3/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (1)
حديثنا مواصلة للحديث حول الأسرة الصالحة ،
مقدمة ،
للقدوة في حياة الإنسان الدور الأكبر في التربية و التعليم ، القدوة لها أثر كبير اكثر من الدَرس و التدريس فهو قدوة عملية ٌ تصل بأثرها للقلب و دور القدوة في الاسرة ابلغ و اكثر تأثيرا ًمن دور النظريات و القدوات الإجتماعية الاخرى لذلك تجد بعض الأسر مثلا حتى و هي في مجتمع متدين إذا كان الأب فاسدا ً الأم فاسدة كثيرا ً من الأحيان يتأثر الاولاد بنسبة ٍ كبيرة و المجتمع له تأثر ٌ أخر و لكن القدوة الاسرية لها الدور الاكبر في تربية الانسان و توجه الانسان صلاحه و فساده ،
قيادة الاسرة الركيزة الاولى في المجتمع و تفوق بأهميتها جميع جوانب الحياة لان منها يتكون المجتمع و ينطلق ، لو كان الاصلاح عام و لكن في الاسر من الدخل فساد و تدمير فيصعب إصلاح المجتمع إن لم يكن الإصلاح من المركز الأساس وهو الاسرة .
اولا ً : النظرية و التطبيق ،
لابد في جميع المجالات من وجود النظرية المثلى المتكاملة الصحيحة في كل المجالات و الدعوات و الرسالات و في كل الاطروحات و الافكار لابد ان توجد الفكرة و تكون خالية من الخدش و من الضعف من جميع الجوانب حتى متى ما تأمل فيها المتأمل من أصحابها او من غيرهم يجدها فكرة ً مقنعة ً ومؤثرة ً يسير معها فيما تربى عليه و نشأ عليه ،
التطبيق العملي أيضا له الاثر الكبير و البالغ في حياة الناس كمحرك أكثر من النظرية مع أن النظرية تستند للعقل و التفكير و البرهان و الفلسفة و الادلة إلا ان المحرك العملي القدوة و المَثل الأعلى في حياة الناس يكون له أثر أكثر لذلك القرآن الكريم نهى ان يكون المرء المؤمن مزدوج الشخصية يقول شيء و يفعل شيء آخر قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) مؤمن لكنه يتحدث بشيء و في الواقع شيء ٌ آخر فيقال له كبر مقتا ً إبعاد ً و طردا ً لك َ لأنك لم تكن عمليا ً و تفعل ما تقول ، يطلب من الإنسان ان يكون عمليا ً لان سلوكه العملي يكون اثره اكثر من ان يقول ما لا يفعل ،
يأتي شخص ٌ و يدعو الناس للتمسك بشيء و لكنه في الواقع مخالف يقول للناس لما لا تصلون وهو لا يصلي ، إمرأة تقول للنساء لما لا تلبسون الحجاب و هي غير متحجبة ، لا يكون لها اثر ، الاثر ان يكون هناك تطبيق للنظرية و ليس فقط الكلام و التلفظ بالنظرية ،
الزهراء عليها السلام هي التطبيق العملي والمتحرك في الأسرة و في المجتمع مع أبيها و مع زوجها و مع اولادها و مع مجتمعها في كل الجوانب هي قدوة عملية و حركة ٌ مستمرة لا تنقطع و لا تفتر لذلك الحديث عنها مهم ٌ و هو ليس جديدا ً و إنما هو من باب الذكرى و الذكرى تنفع المؤمنين .
ثانيا ً : تَكوُّن الزهراء عليها السلام ،
- تكوُّن الزهراء من شجرة طوبى ، الزهراء عليه السلام التي ننظر إليها و لمقامها و لما حظيت به ولما نالته من المنزلة و الشرف ، هي تكونت من شجرة طوبى كما قال رسول الله صل الله عليه واله يقول لما عُرجي بي إلى السماء مر بي جبرائيل على شجرة طوبى فناولني من ثمارها فأكلتها فحول الله ذلك إلى ظهري فلما ان هبطت ُ إلى الارض واقعت ُ خديجة فحمِلتَ بفاطمة عليه السلام فما قبَّلتُ فاطمة إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها ، تكونها عليها السلام من جانبها البدني الجسدي هو من الجنة لذلك هي حوراء أنسية تكونها من الجنة و هنا الملاحظة انه يجب على الانسان ان يحرص على تكون أسرته و تكون اولاده إذا أراد أن ينجب عليه ان يطهر طعامه لن تحصل اكل كشجرة طوبى و لكن تحصل الطعام الطاهر الطيب ، إحرص أن لا يكون في اكلك شبهة إحرص ان يكون ما تطعمه زوجتك قبل الإنجاب و بعد الإنجاب طاهرا ً و إلا لا تقل كيف فسد أولادي ، إذا لم تكن في أصل نشأتهم حريصا ً على الطهارة ، الطهارة هي الركيزة فإن لم تكن هناك طهارة ٌ حقيقية ، أكل ٌ مشبوه او فيه حرام او تهاون ، و الشبهات كثيرة فإن لم تكن حريصا ً الاثر يختلف و هذا مثال ٌ للطهارة ان تكون سيدة نساء العالمين و أفضل الخلق أن يكون جسدها يتكون من طعام الجنة .
- كانت الزهراء عليها السلام البشارة التي تصدم المجتمع الذي يأد البنات ، النبي صل الله عليه واله يبشر بها فليس المقام للذكر او الانثى إنما المقام للروح و لطهارة الروح ، الزهراء إستحقت أن تكون حجة الله حتى على الأئمة عليهم السلام منزلة ً عظيمة بطهارتها لذلك قال النبي صل الله عليه واله حين دخل على خديجة و هي في اواخر حملها قال هذا جبرئيل يبشرني انها انثى و أنها النسمة الطاهرة و الميمونة و ان الله تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة ً في الأرض بعد إنقضاء ِ و حيي ، يقول انا مستمر ٌ بهذه البنت فالبنت ليست نقصا ً و ليست عارا ً و إنما صلاحها بصلاح تربيتها و روحها و طهارتها .
ثالثا ً : دروس ٌ من حياة الزهراء عليه السلام ،
- الزهراء العابدة ، هي التي لا تنقطع عن عبادة الله أبدا ً ، الزهراء في عبادتها شهد لها القاصي و الداني و الروايات عن اهل البيت كثيرة و عن غيرهم كما عن الحسن البصري انه قال ما كانت إمرأة ٌ في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تتورم قدماها ، تصلي و ترتبط بالله و هذه هي الركيزة الأولى لمقام الإنسان و لصلاح الإنسان و قيمة الإنسان و شرف الإنسان ليس بما يحقق في الدنيا و إنما بقدر إرتباطه بالله سبحانه و تعالى .
- المرأة الصالحة ، الزهراء هي المرأة الصالحة في محيطها مع أبيها قمة ُ الصلاح و المحبة و العطاء و الحنان حتى قال رسول الله صل الله عليه واله أنها أم أبيها ، الإحترام المتبادل بين الأب و البنت جاء في الروايات إذا دخل عليها رسول الله صل الله عليه واله قامت إليه ورحبت به و أخذت بيده فقبلتها بشغف و كانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها و رحب بها و فرش لها رداءه و أجسلها ثم لا يكون عنها شاغلا ً ، يهتم بها يحترمها و هي أيضا ً كذلك و هذا ما يُحتاج أن يكون في الأسرة ، الأسرة الصالحة هي التي يكون فيها ملمس ٌ و رونق ٌ و طعم ٌ و رائحة ٌ من حياة الزهراء عليها السلام ، البنت المقتدية حقا ً برسول الله صل الله عليه واله هي فاطمة الزهراء فعن عائشة أنها قالت ما رأيت ُ أشبه بالنبي المصطفى صل الله عليه واله سمتا ً و ذلا ً و هديا ً من أبنته فاطمة ، ليس في مشيتها و إنما في خُلقها و هديها و تصرفها و في كل شيء فتنظر إليها كأنك تنظر إلى رسول الله صل الله عليه و اله في أخلاقه و روحه .
مع زوجها علي ٍ عليه السلام ،
قال علي عليه السلام و كنت أنظر إليها فتنجلي عني و الغموم و الاحزان بنظرتي إليها هذه المرأة مع زوجها ، الذي يُطلب من الاسرة ان تكون هكذا إذا نظر الزوج إلى زوجته تنجلي الهموم و الأحزان عنه و هي أيضا كذلك و قد قال أمير المؤمنين عليه السلام فوالله ما أغضبتها و لا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا ، حياة ٌ و إرتباط متوازن ٌ متكامل تحكمه البهجة السرور و المحبة و ليس الحقوق و الواجبات .
- الزهراء عليها السلام في حجابها و في عفتها قدوة للنساء ، كان النبي صل الله عليه واله جالسا ً مع الزهراء عليها السلام فإستأذن إبن أم مكتوم و كان رجلا ً أعمى قد فقد بصره و قبل أن يدخل على النبي صل الله عليه واله قامت الزهراء عليها السلام و غادرة الغرفة و عندما إنصرف عادت فاطمة لتدخل على ابيها مرة ثانية و هنا سألها النبي صل الله عليه واله عن سبب خروجها من الغرفة مع أن إبن أبي مكتوم أعمى لا يبصر شيئا ً فقالت إن كان لا يراني فإنني أراه وهو يشم الريح ، هذه هي فاطمة الزهراء عليها السلام في عفتها و في درسها و النبي صل الله عليه واله يعلم بذلك و يعلم بجوابها و لكنه ترك المجال إليها لتعطي درسا ً للناس أن يسيروا عليه أن تكون المرأة عفيفة ً أن تكون بعيدة ً قدر ما يمكن عن الرجال ، أن لا تكون مع الرجال و تقول من جهتي انا صائنة ٌ لنفسي و لا تقول هو لا يراني فهو يراها ، و رؤية الرجال و وقوع الرجال مع النساء في موضع ٍ معين غالبا ً يكون له أثر في نفس الرجل أو نفس المرأة .
- قلت المهر و تيسير الزواج ، الزهراء عليها السلام تزوجت و قال النبي صل الله عليه واله في زواجها أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها ً و أقلهن مهرا ، أقلهن مهرا ً مع وجود الحاجة و مع عدمه ، أقلهن مهرا ً أكثرهن بركة ، وروي من بركة المرأة قلت ُ مهرها و من شؤمها كثرة مهرها ، المرأة التي يكون مهرها قليل النبي صل الله عليه واله يقول هي بريكه ، و التي يكون مهرها كثير ليست فيها بركة هذه أحاديث نبينا صل الله عليه واله و أحاديث ٌ في ذلك كثيرة ، مهرها قليل لتكون درسا ً للناس حتى يخفف الناس أعباء و صعوبة الزواج يكون الأمر ميسورا ً جدا ً جدا ً نحن نجد في الشريعة الإسلامية خصوصا ً عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ليس هناك شيء أسهل من الزواج و ليس هناك شيء أصعب من الطلاق ، الإسلام بقدر الإمكان يريد ان يسهل الامور و يربط الناس مع بعضها البعض علاقات أسرية صالحة و يرفض الطلاق و الفرقة ، لذلك التسهيل في هذه الامور مهم ،إذا تأملنا أن الزهراء عليه السلام أبوها هو سيد الدولة في يده المقدرات كلها في يده كل شيء و وزيره هو زوجها من يستطيع وهما يستطيعان و عندهما كل شيء و لكن النبي صل الله عليه واله يختار الأمر القليل و يدعو إليه و يسنه في احاديثه .
- الزهراء عليه السلام المدرسة الأولى في الإسلام ، فكما يُنقل كانت الزهراء عليها السلام تجمع النساء و تدرسهن ما وعته من حديث ابيها و من القرآن وهي الواعية بالإسلام كله و كانت تجمع النساء و تعطي الدروس و هي مستمرة في ذلك وهي عليها السلام أول مؤلفة في الإسلام من النساء ليس هناك أحد عنده كتاب و ينسب إليه كتاب غير الزهراء عليها السلام مع رعايتها لبيتها و زوجها و لكنها لها أثرها الإجتماعي في تربية المجتمع و الناس و في التأليف كما لها كتاب مصحف فاطمة عليها السلام .
الإنتماء لفاطمة الزهراء عليها السلام ،
إنما أمرنا ان نقتدي برسول الله صل الله عليه و اله كأسوة لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ مأمرون أن نقتدي برسول الله صل اله عليه واله و ليس ان نتذوق فقط او نفتخر به ، تذوق مواقف النبي صل الله عليه واله وأطرب مع مواقف النبي صل الله عليه واله و لكن ليس طربا ً خاليا ً عن العمل الله سبحانه و تعالى يريد ان تقتدي عمليا ً لا أنك تفرح وترتاح ، كم إذا جلسنا في مجلس و سمعنا احاديثا ً عن علي عليه السلام نرتاح و تطرب النفس لسماع ذكر علي عليه السلام كم هو زاهد و كم هو مؤثر و كم من صفاته الحسنة و الواضحة ولكن الواقع العملي هل هناك طبيق ام لا ؟ هذا مهم ٌ و يجب على الانسان الموالي لأهل البيت ان يسأل نفسه أين التطبيق لا أجيب كما ذكرنا سابقا ً بالعبارة المشهورة أحب الصالحين و لست منهم احب الصالحين و اعشقهم و لكن واقعي بعيد عنهم هذا خطأ ، قال الإمام الحسن العسكري عن الزهراء عليها السلام هي حجة ُ الله علينا و في حديث آخر و لي في إبنتَ رسول الله أسوة ٌ حسنة ٌ ، الأئمة عليهم السلام يصفون الزهراء بأنها أسوة حسنة و قدوة حسنه لهم ، لذلك يجب على الشخص الموالي و البنت الموالية و الأم الموالية أن تسأل نفسها في كل شيء أين نحن من الزهراء أين أعرافنا من الزهراء أين سلوكنا من الزهراء أين أحاديث الرسول صل الله عليه واله في مختلف المجالات أليس رسول الله صل الله عليه واله قال فاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين و الاخرين يجب ان تكون كذلك واقعا ً في نفوسنا و واقعا ً عمليا ً و ليس محبة ً خالية ً من الحراك و الفعل الواقعي ، فلتكن لعفة الزهراء أثرا ً واضحا ً في حياتنا لا نتساهل في علاقات الرجال بالنساء و لا بلباس النساء شيئا ً فشيئا ً صار النساء تلبس لباسا ً مفصلا ً لمفاتنهن ، اللباس العفيف للمرأة ان لا يكون شافا ً و لا واصفا ً ، لا يكون التهاون لدرجة ٍ نكون نحن في خندق ٍ آخر غير خندق الزهراء و غير مسار الزهراء ، القدوة الحسنة و التأسي بالزهراء ان يكون لكل ما يرتبط بالزهراء أثر في حياتنا ،
فلتكن لحياة الزهراء و الإقتداء بها أثر ٌ في مراسم الزواج ، في مراسم الزواج ركز على ما كانت الزهراء عليه و كانت السيرة سابقا ً الناس إذا ارادوا ان يتزوجوا يسألون عن مهر الزهراء ليجعلوا مهر ابنتهم كمهر الزهراء عليها السلام و الحفلات كذلك ،
و إلا من تقدم للزهراء عليها السلام قال سأفرش الارض بالرخام من بيت النبي إلى بيتي لتكون زوجة ً لي يعطيها كل ما تريد و لكنها تريد الله سبحانه و تعالى تريد من تكون معه في الجنة مع الله ليس الدنيا ،
ركز على ان تكون كذلك مراسم الزواج لا تجعلوها تزداد يوما ً بعد يوم ، قدوتنا الزهراء فلنعاهد انفسنا ان يكون لهذه القدوة أثر حقيقي و و اقعي في حياتنا و إلا فنحن بعيدون عن ذلك ،
فلتكن للبهجة و السعادة و السرور الاسري أثر ، نحن في أسر لا نجعل الأسرة جافة الزوج في جانب و الزوجة في جانب و الأولاد في جانب كل ٌ ينشغل بنفسه ،
لا تقبل حد الرضا في علاقتك الزوجية ان تكون راضيا عنها او تكون هي راضية عنك ، إبحث عن امرافضل و اكثر و اكمل و هو السرور و البهجة و السعادة ،
امير المؤمنين عليه السلام قال في الحديث الذي ذكرناه و لقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والإحزان بنظرتي إليها ، يحرص الزوج ان يكون دافئا ً إلى هذا الحد يحب ان يرجع إلى زوجته ، الزوجة تحب ان تجلس مع زوجها يكون هناك إشتياق تكون هناك محبة يكون هناك أُنس سرور سعادة بهجة ، ليس أن تكون العلاقة الرضا فقط و تمشية الحال ،
حتى نكون مقتدين بالزهراء عليها السلام يجب ان تكون لحياة الزهراء اثر في حياتنا و إلا فنحن بعيدون عن الزهراء عليه السلام .
الهوامش ،
- سورة الفرقان الاية 74
- سورة الصف الايتان 2-3