العنوان :دعاء العرفاء
جامع كرباباد – 16/9/2011
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي
نعزي أهل االشهيد السيد جواد بشهيدهم الغالي شهيد سترة الأبية شهيد أهل البحرين رحمة الله تعالى عليه , ونسأل الله أن يحشره مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
حديثنا اليوم حول دعاء العرفان
يقول أمير المؤمنين (س) : (يا دنيا غري غيري لقد طلقتك ثلاثا لارجعة لي فيك)
أولا:العرفان صفة فضيلة.
العرفان نسمع كثيرا عن هذا التعبير أن هناك عرفاء ودعاؤهم خاص والعارف بالله هو الذي يرى الله سبحانه وتعالى في كل شيئ ولا يطلب شيئا غير رضى الله تعالى وصفة العرفان من صفات الفضيلة
ثانيا:الفرق بين صفة العرفان والرذيلة.
العرفان وهي صفة فضيلة يتحلى بهاالمؤمن العارف وهذه الصفة منسجمة مع جميع صفات الفضيلة .
أما صفات الرذيلة فهي صفات متنافرة وغير منسجمة لا يمكن أن تنسجم صفات السوء مع صفات الفضيلة , وحتى بعضها البعض , ولكن صفات الفضيلة كلها متناسقة وصفة العرفان والمعرفة بالله تعالى
والسير في طريق هذه المعرفة يتناسب مع صفة العبادة ليس فيها تنافي وتتناسب مع صفة الشجاعة لأن العارف بالله لا يخشى شيئا غير الله تعالى ويطلب رضى الله في كل شيئ
تتناسب هذه الصفة مع صفة الإيثار مع صفة الحماسة والشجاعة , مع صفات الخير كلها بعكس أوصاف الرذيلة ,
وصفة الرذيلة والأوصاف السيئة فإنها حتى مع بعضها البعض متنافرة ولا يكن هناك تلاؤم بين المنحرفين أنفسهم فتجد المنحرف عن الله تعلى ليس عنده وفاء حتى لمن يشاركه في إنحرافه لمن يشاركه في ضلاله فهو يتحين الفرصة في كل لحظة لينقض حتى على زميه وشريكه في الجريمة والإنحراف .
وعكسه الإنسان العارف بالله(س)
ثالثا: العارف يهجر الدنيا وإن ملكها.
هجران الدنيا يعني عدم التعلق بها , فهجران الدنيا من الفضائل , والعارف هاجر للدنيا, ولكن لا يعني هجران الدنيا أن لا يكون الإنسان يملك شيئ عنده قدرة أو إمكانية بل…..الأمر
على العكس الإنسان المؤمن يجب أن يكون له قدرة وأن تكون له مكانة وقوة ليدعوا إلى الحق , ليؤسس في المجتمع لا أن يكون صفر اليدين في كل شيئ , وإنما المعنى أن لايتعلق بالدنيا عن الله سحانه وتعالى, يجب أن يرتبط بالله ويعمل , ويأخذ من الدنيا ما يقربه لله وما يحقق مرضاة الله تعالى في هذه الدنيا
رابعا: علي (ع) العارف الأكبر وطلب الخلافة
علي (ع) أكمل العرفاء يرفض الدنيا ويطلب الخلافة , ويرفض الدنيا ويزهد فيها .
أمير المؤمنين (س)الذي يقول يا دنيا غري غيري لقد طلقتك ثلاثا لارجعة لي فيك .
هو نفسه يحتج ويطالب بالخلافة فهل هو يبحث عن الدنيا أو أنه يرفض الدنيا وما هو المعيار أو المقياس في هذين الأمرين , طلب الدنيا ورفض الدنيا وطلب الآخرة .
أمير المؤمنين (س) يبين أن طلب الخلافة ليس هو طلب الدنيا عنده , وإنماهو يطلب الآخرة ولكن الإنسان عليه أن يعمل وإذا إستطاع أن يعمل الخير ويوصل الخير للناس والمجتمع ويكن هاديا في المجتمع وجب عليه ذلك .
يقول أميرالمؤمنين (س) : ( لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله وما أخذ الله على العلماء بأن لا يقاروا على قظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها وسقيت آخرها بعكس أولها ) يعني تركت الأمور ولم أعرها إهتمام ولكن ما دام هناك مجال أن أدعو وأن أحقق العدل في المجتمع فيجب علي أن أعمل بذلك
وإلا أمير المؤمنين (س)وإبتعاده عن الدنيا أمر أوضح من الشمس
علي (ع)عندما يبعث إليه بعضهم هدية ويرفضها أمير المؤمنين (ع)(و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة فى وعائها ، و معجونة شنئتها ، كأنّما عجنت بريق حيّة أوقيئها ، فقلت : أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة ؟ ؟ ؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت ، فقال : لاذا و لا ذاك ، و لكنّها هديّة ، فقلت : هبلتك الهبول ، أعن دين اللّه أتيتنى لتخدعنى ؟ أمختبط ، أم ذوجنّة ، أم تهجر ؟ و اللّه لو اعطيت الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصى اللّه فى نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ، و إنّ دنياكم عندى لأهون من ورقة فى فم جرادة تقضمها ، ما لعلىّ و لنعيم يفنى ، و لذّة لا تبقى نعوذ باللّه من سبات العقل ، و قبح الزّلل ، و به نستعين) هذه الهدية و أمير المؤمنين (ع) لا يرفضها لأنها هدية وإنما لأن ذاك قصد بها سوءا فأمير المؤمنين (ع) يرفضها ويخاطبه بما يناسبه
أمير المؤمنين(ع)لا يرتضي بهذا النعيم الزائل الذي ينتهي , وإنما هو ينظر لله سبحانه وتعالى.
خامسا: الفرق بين العارف وغير العارف .
ما هوالفرق بين العارف وغيره؟
إذاقلنا هناك عرفاء وهناك زهاد وعباد والزاهد والعابد في كثير من الأحيان لا يكون هو العارف
ما هو الفرق بين العارف وغيره ،نجدالفرق في دعاء العارف عن دعاء غيره , فالعارف يقول يا رب خذ مني حتى ترضى , وغيره يقول يارب أعطني , العابد يعبد الله وهو يرجو أن يحصل
والعارف ينظر لله (س) ويقول خذ يا الله , والعارف يقول (وقتلا في سبيلك فوفق لنا ) يريد أن يتوجه ويصل إلى الله تعالى , ويحصل على الشهادة بأن يقدم نفسه لله
اما العابد يطلب أن يحصل
ويقول العارف وتجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري هذا نفس الإنسان العارف يطلب أن يكون فداء للدين فداء لما يرضي الله سبحانه وتعالى , لا أنه يطلب لنفسه , وعندما نرى حتى بعض الأنبياء كالنبي أيوب (ع) عندما أعطي الإذن في الطلب وأن يطلب ويدعو ماذا كان يقول ويدعو
(إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) يبين أنه وقع في ضر وفي مصيبة ولكن يقول إن الله تعالى ناظرفي ذلك.
سادسا: العرفان ودعاء المعصومين(ع).
أدعية أو كثير من أدعية الأئمة (س) وأهل البيت (ع) فيها طلب ولكن طبعا ليس في أكثرها طلب وإنما في قليل منها الطلب وواضح من سياقات الطلب في أدعيتهم (س) أنهم يعلموننا يعلمون كيف نطلب لتاديبنا على طريقة الطلب كما أن القرآن الكريم فيه أيضا آيات وآيات فيها طلب وفيها دعاء وهي لتعليم الناس كيف يدعون .
قصة الشاب العارف ودعاء النبي(ص)
قصة يرويها الإمام الصادق (س)
أن رسول الله (ص)صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه , مصفرا لونه نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه
فقال له رسول الله(ص) كيف أصبحت يا فلان النبي (ص) يسأله وجوابه يبين أنه فهم السؤال ،النبي لم يسأله أنك تعبان أو أنك جائع أو أنك لم تنم ، هو شكله تعبان وأنه لم ينم كافيا ولكن النبي (ص) قال له كيف أصبحت يا فلان فقال أصبحت يا رسول الله موقنا , يعني وصلت إلى درجة اليقين فتعجب الرسول(ص) من قوله وقال له:(إن لكل يقين حقيقة) فما هي حقيقة يقينك فقال إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي وقد وضع أو نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون ويتعارفون على الآرائك متكئون وكأني أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون ومصطرخون وكأني الآن أسمع زفير النار يدوي في مسامعي
فقال رسول الله(ص)لأصحابه هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان هذا عبد وإن كان يعيش هذه الحالة من الألم
النبي (ص) يصفه ويقول هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال النبي(ص) الزم ما أنت عليه
النبي (ص) أقره على ما هو عليه مع أنه يعيش حالة الألم فقال الشاب إدعوا لي يا رسول الله الشاب ينظر لدعاء النبي أنه مستجاب فقال إدعوا لي يا رسول الله أن يرزقني الله الشهادة معك فدعا له رسول الله(ص) فلم يلبث أن خرج في بعض الغزوات فاستشهد
هذا الذي نظر وعينه على الآخرة الإنسان العارف هو الذي عينه على الآخرة يريد أن يقدم نفسه وليس أن يطلب لنفسه هذا هو الفرق بين العارف وغير العارف الإنسان العارف بالله هو الذي ينظر للآخرة .
قصة رجل يطلب أجره من النبي(ص) الجنة.
النبي (ص)في مرة من المرات يرمم غرفة عنده فمر عليه شخص وسأل النبي(ص) وطلب أن يساعد النبي (ص)
النبي قال له شأنك إن أردت المساعدة , أخذ يساعدالنبي في ترميم الدار بعد ذلك عندما فرغ
النبي (ص)يسأله ما هي حاجتك فقال الجنة أطرق النبي برأسه ثم قال : (نعم ) ثم قال نعم ولكن النبي (ص)قال بعد ذلك (ياعبد الله أعنا بطول السجود ) شخص يطلب الجنة النبي(ص)يؤمن على طلبه ويستجيب وكان النبي(ص)أعطاه مقابل كأنه مقابل العمل ولكن أشار إليه أن يعينه بالسجود أن
يكون خاضعا لله والخضوع لله يبلغ الإنسان الجنة أعنا بطول السجود
السجود تواضع تواضع لله تعالى والمتواضع لله يرفعه الله المتواضع لله يعيش حالة الإستقرار في حياته الإنسان الذي يتواضع ويعيش حالة التواضع يعيش حالة الإستقرار بينه وبين الله بينه وبين الناس أيضا لأنه كلما حصل على شيئ
ولو جرت بينه وبين غيره منازعة او مشادة فهولا ينظر اليها ولا ينفعل بها وإنما يحسبها وينظر إليها أنها في سبيل الله فهو يتوجه لله ويرجوا من الله (س)أن يكرمه بهذا الصبر وهذا التواضع الإنسان الذي يصبر الذي يبلغ درجة الصبر والتوجه لله، بعد ذلك إذا توفي ينظر إلى أين
إلى عمله فينتقل من هذه الدنيا إلى غرفة عمله
ماذا قدم في هذه الدنيا يجده أمامه ويحصل ثواب عمله ويراه متجسدا أمامه وليس أنه يموت وإنتهى خصوصا الإنسان الشهيد الذي يستشهد ويقدم على الله(س) يقدم على الله بشهادته وقد محيت جميع ذنوبه فأقصى ما هناك أن يكون الإنسان شهيدا ويتقرب لله(س)بالشهادة ويصل إلى هذه المنزلة وهذا المقام العالي , وقضية الشهداء وذكر الشهداء والبكاء على الشهداء فيه أثر للمؤمن أو ليس فيه أثر؟
هناك فرق بين الإنسان الذي يبكي على الشهيد وبين الإنسان الذي يبكي على ميت من الأموات , الذي يبكي على الشهيد ينظر للشهيد وينظر إلى ما يحمله الشهيد من هدف وينظر لكرامة الشهيد وينظر إلى درجة الشهيد فينجذب وتحبب نفسه إلى الشهادة وإلى ما وصل إليه الشهيد , أما الإنسان الذي يبكي على الميت فقط , فهو الذي يعيش خوف الموت وينظر للموت كأنه إنتهاء لهذه الدنيا وليس هناك حياة بعدها.
سابعا: أفضل طريق لإزالة الخوف وبلوغ هذه المقامات :
أولا:معرفة الله سبحانه وتعالى فهو رأس مال المحبة إذا كان الإنسان عارفا بالله تعالى موقنا بالله يعتقد بالله ويعتقد بكل ما أعده الله له من نعيم الآخرة فإنه بهذه المعرفة عالم والعالم يسعى لتحقيق ما يعلم من خير بخلاف الإنسان الجاهل الذي يتشبث بالدنيا هو الذي لا يؤمن بالآخرة لا يؤمن بالله , وإذا آمن بالله منقطعا عن الآخرة فهذا الإيمان ناقص هذا الإيمان فيه خلل اذا ليس هو الإيمان الحقيقي
الإيمان الحقيقي أن يؤمن الإنسان بالله تعالى وبما أعده للإنسان بعد هذه الدنيا أن هناك عالم آخر يصل إليه فإذا تحقق الإيمان في نفسه وأوصله إلى قلبه لا محال يحركه نحو الهدف فيرغب ويتحرك للوصول إليه
يرى الشهادة سعادة لا أن يصفها للأخرين فقط , فيقول سعادة ، وهو يرى في نفسه ووجوده رغبة أن يكون شهيدا ويصل إلى هذا المقام العالي بهذه المعرفة
أما الجاهل وهو الطرف المقابل ومثال آخر مثلا من الأمثلة المادية
الإنسان عندما يريد أن يشرب ماء وهذا الماء في نهر ، النهر ماؤه ظاهره صافي ولكنه ملوث فيه ميكروبات فيه جراثيم وهو لا يراها يشرب باستقرار ثم يمرض ثم يموت ويخسر أما الإنسان العالم العارف بما يحمله هذا النهر من ميكروبات ومن أضرار فهو لا يقدم عليه ، الدنيا كذلك الإنسان الذي يتعلق بالدنيا , هذا الإنسان الجاهل الذي يتصور أن الدنيا هي السعادة الأبدية وأنه ليس هناك شيئ غير هذه الدنيا فيتشبث بها ويخسر الدنيا والآخرة أما إن كان عارفا عالما بالله تبارك وتعالى وبالآخرة وبما أعده الله للإنسان بعد هذه الدنيا فإن عينه تكون على الآخرة وإن كان جسمه في الدنيا ويصل إلى ذلك بعمله
ثانيا: العبادة.
الأمر الأخر الذي يحقق تلك الدرجات والمقامات هو العبادة أن يعبد الإنسان ربه , أن يجعل للعبادة نصيبا ويواظب عليها لأنها تطهر القلب تطهر روح الإنسان وتجعله كما ذكرنا متواضعا صافي القلب متجاوزا عن غيره فهو عند ما يقول يا رب اغفر لي يا رب تجاوز عني هو يتجاوز لأنه ينظر لله ويرجو رحمته وينظر لله ويرجوا تجاوزه فهو يتجاوز هنا وتصفو نفسه وتطهر نفسه لأنه لا يحمل شيئا ولا حقدا ولا ضغينة على أحد حتى من أساء إليه , فيكون بصفاء الروح ينظر للآخرة وكأنه يراها كما قرأنا الرواية عن الإمام الصادق (س)
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين