سوء الظن والتجسس والغيبة (1)
حديث الجمعة
23/1/2015
سوء
الظن والتجسس والغيبة (1)
بسم
الله الرحمن الرحيم
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيم )
مقدمة : لا شيئ أهم من السلامة والأمن والأمان عند الإنسان ، سواء كان هذا الأمان في المجتمع من الخارج يأمن إعتداء الخارج عليه , أو من داخل المجتمع يأمن تعدي الأفراد على بعضهم البعض ،الإنسان يريد أن يكون في مأمن من كل إعتداء سواء كان هذا الإعتداء على جسده أم على روحه ، سواء كان هذا الإعتداء من السلطان أو كان من أفراد المجتمع أنفسهم ، لذلك الأمن والأمان والإستقرار هو أهم شيئ عند الإنسان والمجتمع ، فهذه الآيات تحدثت عن ضرورة أن يكون المجتمع آمنا , بحيث لا يكون فيه خلل من الداخل , كما لا يريد الخوف من الخارج ، هناك آيات تحدثت عن الجهاد والدفاع والمجاهدة للأعداء الخارجيين وهذه آيات تحدثت عن ترتيب المجتمع من الداخل وأن لا يعتدي بعضه على بعض.
أولا : عدة أحكام تبينها هذه الآية وهي:
( إجتناب سوء الظن وإجتناب التجسس وإجتناب الإغتياب ووجوب التوبة )
الحكم الأول : (إجتنبوا كثيرا من الظن )
ليس أكثر الظن هو الظن السيئ ، لكن هذه الآية جائت تؤكد على حقيقة وهي أن إجتناب الظن الظالم المحتمل أمر مهم , حتى لو كان بسببه يفوتنا ظن موافق للواقع , المهم هو أن لا نظن بأحد ظنا يكون في غير محله , كأن هذه الآية تقول عادة المجتمع يكون في أكثر ظنه ما يشمل ظن السوء ، فتقول(إجتنبوا كثيرا من الظن ) كي لا يقع الظن بسوء على البريء , هو الغالب .والمقصود به طبعا الظن بما يسوء المظنون به , الظن بالنقص والظن بالعيب والظن بالجرم وما شابه ذلك.
أما لو كان من الظن الحسن فالآية لا تتعرض له ، فمن يظن بالمؤمنين الخير , فهو خير له وهو ما ترغب فيه الآيات والروايات.
من أين نعرفه ذلك ؟
لأن الآية عللت ، قالت ( إن بعض الظن إثم ) بمعنى أن هناك ظن موافق للواقع ربما هو بمستوى من الظنون قد يكون حتى كثير ، ولكن لأن بعض الظن إثم فالآية تقول إجتنبوا حتى هذا الظن الموافق للواقع، إجتنبوا الكثير حتى لا يكون من ضمنه ظن فيه ظلم للناس وهو غير مطابق للواقع ، تظن به سوء ويكون هوعلى غير ظننت ، فإجتنب الكثير حتى لا تقع في القليل وترتكب هذا الظن السيئ , في حق الإنسان البريئ . هنا سؤال ينقدح في الذهن ، كيف يصح النهي عن الظن وهو غير إختياري ؟ الظن ليس إختياريا كما نراه وهو واضح. أن الإنسان مثلا إذا رأى
شخصا فظن أنه يعمل كذا أو كذا ، مثلا شخص يرى رجل مع إمرأة يتحدث أو يبتسم معها قد يقع في نفسه أنه لماذا يتحدث ؟!! فيقع في نفسه ظن سيئ ، فلماذا هذا النهي عن شيئ لا إرادي؟ الجواب: بعض الوجوه للجواب على هذا السؤال:
1: المراد بالنهي عن سوء الظن ليس هو النهي عن الحالة النفسية التي تقع في نفس الإنسان لأنها ليست إختيارية ولكن هو نهي عن ترتيب الآثار, بمعني
عدم إبقاء هذه الحالة في النفس من جهة ، عدم الحديث عنه ، عدم تغيير المعاملة معه ، رأيته مثلا واقف مع إمرأة .. حتى أنه في زمن النبي (ًص) النبي يتحدث مع بعض النساء يمر بعضهم فيوقفه النبي صلى الله عليه واله ويقول هذه فلانة من أهلي أنا أتحدث معها , حتى لا يسيئ الظن ، فالآية تنهى عن سوء الظن بمعنى أنه لا ترتب عليه آثار ويكون تغير في المعاملة أوالحديث عنه بعد ذلك .
2ـ الإبتعاد عن سوء الظن بماذا ؟ أن يكون المراد بإجتناب سوء الظن هو الدعوة للتفكير في محامل الخير. إبحث عن محمل خير كما قلنا في المثال بوقوف النبي مع إمرأة من أهله.. ربما يتحدث مع عمته , ربما عنده أو عندها حاجة فتكلمت معه أو كلمها لذلك .
لا تبحث دائما سبب سيء , أو تسيئ الظن به وتقول قصد سوء فربما لم يقصد ذلك وليس من حقك أن تسيء الظن به. عن النبي (ص) : ( إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يُظن به السوء) جعل النبي صلى الله عليه واله هذه المحرمات مع بعضها البعض ¸ يعني دم المسلم حرام , وماله حرام
ـ وهذا إعتداء كالإعتداء على ماله بل سنرى أنه أكثر ـ وعرضه حرام وهذا كالإعتداء على عرضه , فسوء الظن بالآخرين هو إعتداء كذلك وقد وردعن علي (ع) قال: (“ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجدُ لها في الخير محملا).
أنت تستطيع أن تحمله على محمل الخير، بعض الناس يأتون للإمام ويقولون مثلا ليس هناك محمل للخير حملنا صاحبنا على سبعين محمل ، بحثنا له عن محمل قلنا : يمكن كذا ويمكن كذا لم نجد , يقول له الإمام : إختلق إلتمس له محملا , لا تظن به سوء مادام بالإمكان أن تخلق له محمل خيروقال علي (ع) أنّه قال : (“ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجدُ لها في الخير محملا).
من مساويء سوء الظن أن سيئ الظن لا يعيش الإستقرار بينه وبين نفسه يستوحش من كل الناس , يرى الناس كل الناس فساد , كل الناس منحرفين وهذه مصيبة عليه .
3ـ الظن الشرعي مقبول: وهو إستثناء طبعا , وهو ما إستند لإعتبار شرعي .
الظن هو حالة نفسانية ، الإنسان يرجح فيها شيئ معين ولكنها لا تصل لليقين إذا كانت مرتبطة بالناس، بواقع الناس ، بأمور الناس ، بعيوب الناس , فهو مرفوض , أما في الحالة التي يكون هناك طريق شرعي لها كما في المحاكمات , عندما يأتي مثلا شهود على شخص ويشهد شخصان على شخص بشيئ ، القاضي لا يحصل له علم ويقين من الشهادة طبعا , وإنما يحصل له ظن لماذا ؟ لأنه قد يكون هناك تآمر, قد تكون هناك مصلحة دعت الشاهدين للشهادة , ولكن شرعا في هذا المورد مع توفرالعدالة يرتب القاضي على هذه الشهادة وهذا الظن . الظن مرفوض في كثير من الأمور لكن لو جاء الشاهدان يشهدان مثلا بثبوت الهلال الشارع يرتب الأثر حتى مع إحتمال أن لا تكون شهادتهما مطابقة للواقع ، هذه حالات إستثنائية .. ولكن الحالة الأصل هو أن الظن إذا كان مرتبطا بعيوب الناس و أسرار الناس فهو مرفوض.
الحكم الثاني : ( ولا تجسسوا )
1ـ الآية تنهى عن التجسس وليس عن التحسس.
التجسس والتحسس كلاهما التقصي والبحث عن الأخرين ،ولكن الإختلاف هو:
ـ التجسس هو التقصي والبحث عن الآخرين في الأمور السيئة، يبحث عن الأخرين , هل عندهم عيوب؟ ماذا يصنعون ؟ جلسوا في هذا المكان؟ يتحدثون ؟ حتى أنه في بعض الأوقات
ـ مثلا ـ شخص في التلفون يتحدث في الوتسأب فيقوم الذي في جنبه بإستراق النظر وهذا تجسس مرفوض ومحرم . الجاسوس هو شخص يستقصي الأخرين ويتجسس على الأخرين للإضرار بهم لمصلحة ما وهذا فعل حرام.
لو كنت بجاب شخص وهو يكتب في هاتفه مع أي جهة كان وكنت تستطيع رؤية ما يكتب , يجب أن تجتنب.
إذا كان يتحدث في هاتفه مثلا وأنت جنبه وصرت تسمع الكلام عليك أن تبتعد لا أنه تواصل الإنصات وتكشف أسراره.
ـ أما التحسس وهو بحث أيضا ولكنه مطلوب ، أنه شخص يستقصي المحتاجين من منطقته, من الناس ليقف معهم ويساعدهم هذا امر مطلوب ، هذا بحث مطلوب لفعل الخير , ربما يبحث الشخص عن نفس الشيئ مثلا هذا فقير فإن كان ليقف إلى جنبه فهو تحسس مطلوب , وإن كان ليؤذيه وليكشف اسراره فهو تجسس حرام .
2ـ العلاقة بين سوء الظن والتجسس والغيبة الآيات جاءت فقراتها مترتبة وهو أن سوء الظن يحرك نحو التجسس ، الشخص الذي يسيئ الظن رأى شخص مثلا واقف كما ذكرنا في المثال مع إمرأة ساء الظن تجده يحرك في نفسه أنه الآن أقف انظر ماذا يعملون وهذا تجسس فربما مشى مثلا ثم يرجع يقول ماذا صنعوا؟
هذا تجسس حركه سوء الظن إليه ، والتجسس يحرك في الإنسان الغيبة وفضح الناس لأنه إذا إكتشف شيئ عن أخيه مباشرة يأتي لأخيه الآخر ويقول رأيت فلان اليوم كذا يعمل , وتجد أن
القضية كلها مثلا مترتبة على سوء الظن ، أنه أساء الظن وتجسس , ونقل والثاني بعد نقل
الأول أيضا ينقله وهكذا. نطبق على المثال: الشخص الأول يقول رأيت شخص مع إمرأة يتبادلان الإبتسامة والضحك ولا أدري ماذا عندهم ربما يريدان كذا !
الثاني ينقل أنه رأهم فلان وأنهما أرادا كذا وكذا وكذا ويرتبان كذا وكذا , فهنا ينقل هذه
النقولات , والثالث ينقل التحليلات على أنها نقولات رآها الأول فتكون التهمة
الكبرى . يجب على الإنسان المسلم الواعي المتزن أن لا
ينقل التحليل ، يعني لو كان هناك مطلوب نقل الخبر مثلا تنقله كما هو فقط الجملة
بنفسها لا تنقل معه رأيك والتحليل والإستنتاجات.
3ـ الإسلام والحياة
الآمنة: الإسلام يريد الحياة الآمنة , يريد للناس الأمن والإستقرار ، لا يريد للإنسان وللمجتمع أن يخاف كل شخص من الآخر, بل يريد من المجتمع بعضه مع بعض , أن يكون كل فرد وجزء من المجتمع محافظا على الآخر ومسددا للآخر , لا يخاف من صاحبه وجاره وزميله , ولا يترقب من يكشف عوراته ويفضحه.
4ـ التجسس المستثنى : التجسس وإن كان مطلقا في الآية إلا أنه له إستثناء , كما إستثنينا في سوء الظن , هنا أيضا إستثناء , ربما يدل عليه سياق الآية , وهدف الآية الذي يوحي بسبب الحرمة , وكأنها تلخصه في تحقيق الأمن والإستقرار للناس وحفظ كرامتهم. التجسس في الآية مرفوض مطلق إذاً أين الإستثناء ؟ القرائن التي دلت على أن التجسس مرفوض كلها تشير إلى أن التجسس المرفوض هو بين أفراد المجتمع , بل حتى بين فئات المجتمع . ولكن لو هناك شيئ خطر على المجتمع في هذه الحالات للحاكم الشرعي مثلا أن يجعل العيون كما كان النبي (ص) وهو الحاكم وهو النبي قائد المجتمع بأكمله عنده عيون يتابعون التغيرات ويتابعون المنافقين.
أمير المؤمنين سلام الله عليه أيضا عنده عيون بل يجعل العيون بعضها حتى على الصالحين كاالولات مثلا فيما يرتبط , بحفظ الدين , وحفظ الدولة والنظام , وحفظ المجتمع , لا بالأمور الشخصية الفردية.
الحكم الثالث : ( ولا يغتب بعضكم بعضا ) وهي نتيجة لما سبق من سوء الظن والتجسس ، إجتنبوا الغيبة ، طبعا ما سبق هو سبب من أسباب الغيبة وليس حصرا لأسبابها فيه.
الغيبة قد يكون لها أسباب آخر مثل الغيرة والحسد والكبر وغير ذلك , هناك أسباب أخرى أيضا.
الإسلام نهى عن العلة والمعلول في هذه الآيات نهى عن الغيبة ونهى عن أسباب الغيبة إبتعدوا عن أسباب الغيبة حتى لا تقعوا في الغيبة ، فنهى عن الجميع بعد ذلك قالت الآية (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) لماذا قالت هذه الآية هذه الفقرة ؟!!
1ـ لبيان قبح الغيبة ،
وصفها القرآن بأكل ميتة الإنسان كأن الإنسان يأكل الميتة يعني إشارة للإستبشاع وقبح هذا الفعل فهو بيان للقبح من هذه الجهة.
2: هذا المثال البليغ يبين أن حرمة الإنسان المسلم وكرامته كحرمة جسده بل أكثر، الإنسان قيمته ليست في الجسد ، قيمة الإنسان في روحه وكيانه وشخصيته وكرامته , لذلك هي أعظم ولكن لأن المجتمع يستبشع ويستوحش أن يأكل الإنسان الإنسان ، أمرعظيم ، فضرب له مثال بذلك وإلا فالواقع أن الأكل من شخصية الإنسان وكرامته هو أبشع من جسده لأن الإنسان قيمته بروحه وليست بجسده, فغيبته أشد حرمة من النيل من جسده.
3: المثال لبيان هذا القبح من الغيبة وصفها بأكل الميت وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه لماذا؟
قال الميتة (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) فهو لبيان أنك تغتاب إنسان غير حاضر فهو كالميت الميت لا يستطيع أن يدافع عن نفسه , فأنت تغتاب من لا يستطيع أن يدافع عن نفسه إذاً أنت كأنك تأكل في جسده.
الحكم الرابع ( وإتقوا الله إن الله تواب رحيم )
1: وجوب التقوى والتجنب والحذر من الغيبة وأسبابها .
أوجب القرآن على الإنسان أن يكون متقيا ، متقيا بمعنى محتاطا مجتنبا لهذه الموارد التي توقعه في سوء الظن والتجسس والغيبة.
2: وجوب التوبة فعلى الإنسان الذي وقع في الغيبة أن يتوب مباشرة ويرجع لله سبحانه وتعالى لا أن يتمادى إذا وقع الإنسان في معصية في غيبة عليه مباشرة أن يتوب , وليكن على ثقة بأن الله تواب رحيم , فكم هناك من الأحاديث تشير إلى هذا المعنى , أن الله سبحانه وتعالى لما فتح باب التوبة فتح باب القبول , ولما فتح باب الإستغفار فتح باب القبول , فليرجع الإنسان إلى ربه وسيقبله الله سبحانه وتعالى , وإن كانت هناك شروط
3: بينت الآية باب التوبة مفتوح وليس للإنسان أن يقنط وييأس من رحمة الله يقنط ويقول لقد إغتبت كذا وإرتكبت هذه المعصية والمعصية الفلانية مهما كانت كبيرة فالمغفرة أكبر , باب التوبة مفتوح وعلى الإنسان أن يبادر مباشرة ويرجع إلى الله والله غفور رحيم
ثانيا : أضرار الغيبة
1: هي معصية وأثم ويزداد صاحبها بعدا عن الله تعالى , يرتكب معصية وبها ويزداد بعدا عن الله . إذا إغتاب الإنسان وإرتكب هذه المعصية يزداد بعده عن الله لأن هذه المعصية ليست من المعاصي الهينة هناك معاصي قد تكون بين الإنسان وبين ربه سرعان ماتنتهي ولكن المعاصي التي ترتبط بالناس فهي خطيرة ، وخطيرة جدا وتبعد الإنسان عن ربه , والرجوع بها إلى الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى إستعداد كما سيأتي.
2: لا يغفر لصاحبها حتى يعفوا عنه من إغتابه كما تقول الأحاديث وكثير من العلماء يقول بذلك .
إغتبت شخص وأهنته وجرحت شخصيته , هنا ليس بكلمة تبتُ و إنتهى الموضوع , إذا رضي عني من إغتبتُه , إذا كنت أستطيع أن أطلب منه السماح والعفوا ورضي عني هنا الله سبحانه وتعالى يعفوا عني وإلا تبقى ويأتي يوم القيامة الإنسان وعنده أعمال حسنة كثيرة ولا يراها أي ذهبت هذه الأعمال ؟ يقال له أُخذ من حسناتك ووُضع لفلان لأنك إغتبته في ذلك العالم , في ذلك الوجود (عالم الآخرة) تقول أريد
أن أعمل ، لا تستطيع أريد أن يسامحني ، في ذلك الوقت هو محتاج وهويريد الخير لنفسه
ليس هناك مجال وكلٌ يقول نفسي نفسي ،هناك حساب لذلك الإنسان عليه أن يصلح من نفسه ومن علاقته ويتوب إلى الله تعالى ويرجع مباشرة كل ما وقع منه ذنب يستغفر ويسعى لإصلاحه
3: هدر ماء الوجه : الغيبة من أضرارها أيضا تهدر ماء وجه الإنسان وحيثيته الإجتماعية تتعرض للخطر يعني إذا إغتبت شخص وكان حيثيته في المجتمع جيدة ، المجتمع يحترمه وجئت تستغيبه هنا جرحت شخصيته أثرت على مقامه في المجتمع وهذا ليس هذا أمراً هييناً , لذلك قال بعض العلماء كالشيخ ناصرالمكارم الشيرازي يقول:
في بعض موارد الغيبة (هي أعظم من القتل ) أمر خطير ولكن يتساهل المجتمع خصوصا إذا صارت على هيئة مزحة نذكر عيوب الآخرين بعنوان مزحة , نمزح معه وإن كان من خلفه هذا حرام ،إذا كان فيه إظهار لنقص وعيب فهو حرام
4: الغيبة تتلف العلائق الإجتماعية وتضعف العلاقات بين الناس حتى وإن كانت مزحة إلتفتوا إلى هذه النقطة , قد يقول شخص نحن نمزح ثم نذهب ونقول له البارحة تكلمن عنك , لاينفع ولا يصلح ما يقع في النفس , يولد في النفس شيئاً , لو قال مثلا عادي سامحتك ماعندي شيئ قد يسقط من الجانب شرعي المساءلة يوم الحساب , ولكن في المجتمع ولدت عداوة , ولد في نفسه ضغينة ولد في نفسه تحسس منك , تحسس على أقل تقدير عدم القبول وهذا تعرفه إذا صرت تتابع الحالات الإجتماعية ، المزحة التي فيها إشارة وإستنقاص , مثلا نحن نقول عادي عادي ولكن كثير من العدوات التي تنشأ بعد علاقة حميمة طويلة , سنين أصدقاء مع بعض وإذا تجد الإختلاف بينهم وتفرقوا وصار هذا يعادي هذا ولا يقبلون بعضهم , إذا تراجع سببها تجد كثيرا منها إما أن لتكلم عليه من خلفه (غيبة) أو أنه مزح معه مزحة إستهزاء كأنك كذا وإستنقصه وتحسس في نفسه مرة ومرة وثالثة تحسس في نفسه تراكمت وتراكمت وإذا هو يتركه ويبتعد عنه وتصيرالعداوة بينهم ، إبحثوا تجدون أكثر الخلاف بين الأصدقاء والعلاقات الحميمة التي طالت سنين سبب العداوة والإختلاف مزحة او غيبة
6ـ الغيبة تساهم في نشرالفساد و العيوب في المجتمع بين الناس في بعض البلدان كانوا
ينشرون حوادث القتل حوادث السرقة يعني كما كان في إيران كانوا ينشرون بالجرائد اليوم وقعت حادثة كذا وكذا , اليوم وقعت كذا , بعد ذلك جاء أمر من القائد الخامنئي حفظه الله تعالى بأن لا تنشروا هكذا قضايا .
لماذا ؟ قال لأنها تهون الأمر يعني عندما تقول للمجتمع اليوم فلان رأيناه يشرب خمر ، اليوم رأينا فلان يعمل كذا اليوم رأينا فتاة من منطقتنا واقفة مع شاب , بنقل هذه الأموربين أفراد المجتمع شيئ فشيئ تصبح مقبولة كأنها أمرعادي ، فالغيبة نفسها تساعد و تساهم بنشر الفساد في المجتمع وتجعل الفساد أمر هيين ومقبول , مع الوقت في العقل الباطني لا إرادي يجد الإنسان سمعنا فلان يعني ليس شيئ مستوحش وكبير لأنه يقع بكثرة بالنقل بكثرة ، أما مستور ومخفي
الناس تستوحشه وتنفر منه
7: الغيبة تدل على دنائة صاحبها وعقده النفسية ، عادة الذي يغتاب الآخرين ويريد أن يبين عيوبهم فيه خلل فيه شيئ .
ثالثا : أحاديث في الغيبة
ورد عن النبي (ص) أنه خطب يوما بصوت عال ونادى (
يا معشر من أسلم بلسانه ولم يؤمن قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن
من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته )
الله سبحانه وتعالى هو الذي يتتبع ، الله هو القادر يعني لو انت أردت أن تفضح شخص وتخرج عورته وسوءه ربما تستطيع وربما لا تستطيع ولكن الله سبحانه وتعالى يستطيع ، فإذا أراد الله أن يفضحك فهو القادر لذلك قال النبي ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يؤمن قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته )
هذا حكمه أن الله سبحانه وتعالى يفضحه مادامت الغيبة عندك سهلة تغتاب الناس تتحدث عن
الناس تأكد أنك في بيتك سوف تسقط ، سوف تسقط في عين أولادك ، تسقط في عين بناتك ، تسقط في عين زوجتك ، تعيش مع الزوجة وتقول ما هذا برجل , وتقول ليس هذا الرجل كفؤ لي ، ليس هذا الرجل قدوة لي ، الإبن كذا يراه ناقص ، يفضحه في بيته كأنك تحاب الله , والله هو المنتصر
2: قال رسول الله (ص) (إنّ الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل وأربى الربى عِرض الرجل المسلم) يعني شخص عنده ربا يعطي
أموال يأخذ الحرام والربا معروف آيات كثيرة ،
شخص يحصل درهم من الربا
أكثر من أنه زنا ست وثلاثين مرة ، الزنا عظيم ليس شيئ سهل ، درهم من الربا أكثر ،
ثم يقول النبي (ص) (أربى الربى عرض الرجل المسلم) ، يعني الرجل المسلم عندما تغتابه فأنت أكثر من هذا الربا يعني أكثر من الزنا بمرات ومرات عديدة، فلماذا الإنسان يحصل على هذه الآثام بغيبة الناس . لذلك روايات كثيرة مثلا
أنه من ضمنها أن الشخص إذا سبح الله وقال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرست له شجرة في الجنة فقال بعضهم للنبي ماأكثر ما غرسنا أو حصلنا في الجنة , فكان النبي(ص) يقول لهم لا تحرقوها أو ترسلوا عليها النيران ، بإغتيابكم , ترسلوا عليها النار بالغيبة فالغيبة ليست أمرا هيينا ، هي أعظم من الربى والربى أعظم من الزنا , إذاً هي أعظم من الزنا بكثير
3: ورد في الحديث ان الله أوحى لموسى عليه السلام قائلا: (من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار ) إغتاب وتاب قبلت توبته ولكن الحديث يقول آخر من يدخل الجنة المغتاب يدخل الجنة ولكنه بالأخير ومن مات مصرا يعني غير تائب مثلا تكلم في الشارع اليوم رأيت فلان كذا وكذا , ومات مصرا عليها فهو أول من يدخل النارهناك من يدخل النار قاتل هناك من يدخل النار زاني
كذا ، هذا أول من يدخل النار قبل جميع العصاة.
4: ورد عن النبي (ص) أنه قال (الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه ) كأن شخص مثلا دخلت فيه آكلة في جوفه ، كم تنخر في جوفه وتقضي عليه ؟ دين المسلم
وإيمانه وتقواه وإرتباطه بالله سبحانه وتعالى الغيبة يتأثر أكثر وأسرع ، فلا يلتفت لنفسه إلا وهو من غير إيمان ، خارج من غير الدين .فالحذر الحذر من الغيبة
وآثارها والتساهل فيها وفي النقولات
5ـ عن الإمام الصادق(ع) قال: (“من روى على مؤمن روايةً يريد بها شينه وهدم مروّته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان) يعني صار تبعا للشيطان ، الشيطان يقبل به لإخراج من الدين ومن ولاية الله ويخرجه من ذلك ، ثم بعد أن خرج عن ولاية الله , الشيطان يقول أنت مرفوض، متى يقول مرفوض ؟
الآية تقول على لسان الشيطان يوم القيامة (وقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
في ذلك الوقت تبرأ الشيطان مني مما إرتكبته من الغيبة أنا إغتبت وأردت أن أبين أن
فلان عنده خلل , بعد ذلك خرجت من ولاية الله , ومن يخرج من ولاية الله , فإنه
مرفوض حتى الشيطان لا يقبله . علينا أن نحذر من هذا الأمر الخطير وهذه المعصية
الكبيرة , الكبيرة جدا
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين