19/5/2019
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ
هاتان الايتان هما بدئ للتكليف النبوي و تبليغ الرسالة فكأن هاتين الآيتان تحملان الرسول صل الله عليه و اله الشروع في تلبيغ هذه الرسالة ،
اولا ً : المفردات ،
فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ الحرج هو الشعور بالضيق من كل معانات جميع انواع المعانات التي تسبب ضيقا ً في الصدر تسمى و الأصل فيها يعني مجتمع الشجر الملتف اولا ثم ينتشر يسمى حرج فالضيق يكون في الصدر ثم يكون له اثر و ينطلق إلى غيره .
وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ الذكرى إسم ٌ للذكير و فيه مبالغة يعني كثير الإرشاد و كثير التذكير ،
ثانيا ً الابيان ،
كتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ لم تذكر الكتاب او القرآن و إنما ذكرت الكتاب بصورة منكرة و التنكير فيها إشارة إلى التعظيم ان يكون عظيما ً و بلوغه صعب فيقال بصيغة تنكير ، و كذلك لم تذكر الجهة التي نزلته إشارة إلى عظمة إنزال هذا القرآن ،
فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ اي ان هذا الكتاب و هذا التلبيغ إنما جيئ به من اجل ان تبلغ الرسالة و ليس فيه هدف ان يكون فيه ضيق في صدرك و لن يكون كذلك و إنما سيكون فيه الخير لك و لمن تدعوهم الى الخير و هناك احتمالات لهذا المعنى اكثر من ضمنها فلا يكن في حمل هذه الرسالة ثقل ٌ عليك يعني لا تجعل حمل هذه الرسالة ثقل عليك فكأن الثقل الذي يكون هو بإختيار الإنسان مع انه لا يكون بإختياره و لكن كأنها تقول إعتبر هذه المشاق و هذا الثقل الذي يكون من رسالة كأنه لا شيء لا تجعله ثقلا ً في نفسك و ثقلا ً عليك ،
و ايضا ً إحتمال اخر لا تكن ردود فعل من تدعوهم فيرفضون تشكل حرجا ً وضيقا ً عليك تدعو النبي ان لا يأتثر برفض من يرفض لأن الكثير ممن دعاهم النبي صل الله عليه و اله يرفضون و يصرون على الله سبحانه و تعالى يقول لا تعتني بهم و لا تجعل رفضهم طريقا ً لضيق صدرك ،
أيضا ً لا يضيق صدرك بأن يكذبوك المحتمل ان التكذيب يسبب ضيقا ً لأنك تدعو فلا تجد إستجابة اكثرهم كافرون اكثرهم مشركون اكثرهم لا يعقلون قليلا ً ما تذكرون الكصير لا يقبلون فلا تجعل ذلك طريقا ً للضيق لان النبي صل الله عليه واله بطبيعته التي هي رحمة للعالمين إذا دعا شخص و لم يستجب له النبي صل الله عليه واله يتأثر له يتألم له فيكون الضيق و الله سبحانه و تعالى يخفف عليه و يسليه ان لا يتأثر بعد إستجابتهم كما في قوله تعالى أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ( 1 )
لا تذهب نفسك عليهم حسرات لا يستجيبون يتحملون نكرانهم ومصيرهم و كما يقول تعالى فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ( 2 ) يعني انت تذيب نفسك تهلك نفسك لانهم لم يستجيبوا فهنا في هذا الإحتمال او ربما تعنيه الاية ان لا يضيق صدرك بسبب تكذيبهم إذا كذبوا هم يتحملون نتيجة تكذيبهم انت عليك وظيفة معينة و قد روي في الخبر ان الله تعالى لما لما نزل القرآن الى رسول الله صل الله عليه واله قال النبي إني اخشى ان يكذبني الناس فأزال الله عنه الخوف بهذه الآية لتنذر به وظيفتك تنذر به عليك البلاغ و علينا الحساب ،
و إحتمال آخر او لا تخاف التقصير خوفا ً ان لا تقوم بحقه يضيق صدرك لأن القرآن عظيم و حمله عظيم فلا تخاف ان تكون مقصرا ً في تبليغه انت تعمل بوظيفتك فلا تخاف من التقصير ،
و ربما الاية تعني امرا ً اخر فلا يضيق صدرك لان النتيجة سوف تكون واعدة النتيجة سوف تكون قبول الإسلام إنتشار المبادئ التي تدعو إليها فلا يضيق صدرك ،
لِتُنذِرَ بِهِ هذه هي الغاية من إنزال الكتاب الغاية هي الإنذار و التحذير لمن لا يستجيب ، الذي لا يستجيب يُنذر الكافر يُنذر
وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ إن الذكرى تنفع المؤمنين ، الذكرى للمؤمنين فغاية هذا الكتاب هو الإنذار و التذكير ، و قيل ذكرى للمؤمنين فعلا ً و من سوف يوجدون يعني المعنى عام يشمل من كان في زمن النبي صل الله عليه واله ذكرى لهم و ذكرى لمن يأتي بعدهم و قيل هي خاصة بالمؤمنين فعلا ً في ذلك الوقت كما قال السيد الطباطبائي لانها كانت تخاطبهم مباشرة فكانت تعنيهم و إن كان كذلك فإن القرآن و معنى القرآن يبقى مستمرا ً على طول السنين و مدى الدهور ،
اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ خطاب ٌ للناس وهو بدأ الإنذار و التذكير كان الخطاب موجها ً في الاية الأولى للنبي صل الله عليه واله تدعوه و تطمنه و تجعله مستقرا ً و يحمل الرسالة و التبليغ من غير ان يصيبه حرج ثم يتوجه الخطاب لعامة الناس بأن الإنذار قد بدأ و التحذير قد بدأ اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ إتبعوا ما انزل إليكم من الهدى و الرحمة و الخير لأن ما أنزل إليكم من ربكم إنما هو الرحمة و الخير و البركات كما يقول تعالى وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 3 ) نتيجته لكم الخير و الرحمة ،
و لَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اي تفكروا ان العصيان و المخالفة لامر الله سبحانه و تعالى تعني ان تذهبوا عن هذا الولي المتصرف الخالق إلى أولياء متفرقين اليوم هذا وليكم و غدا ً وليا ٌ آخر و تبقون تحت اولياء ضعاف لا ينصرونكم و لا ينفعونكم بشيء ،
قلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ قليلا ً ما تعظون و تلتفتون و الموضوع و الدعوة تحتاج إلى تأمل و إلى تفكر .
ثالثا ً : درس الدعوة من الآية ،
الدعوة للخير واجبة الآية تدعو تامر النبي بالدعوة و تدعو الناس فالدعوة للخير واجبة كما ذُكر في آيات ٍ كثيرة و هي شرفٌ للمؤمن ، المؤمن الذي يدعو يكرمه الله سبحانه و تعالى بقدر ما يدعو كما في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فإن رسول الله صل الله عليه واله قال لي يوم خيبر لأن يهدي الله بك رجلا ً واحدا ً خير ٌ لك مما طلعت عليه الشمس الدعوة للخير و هداية الناس افضل مما تطلع عليه الشمس في هذا الكون كله كم له قيمة هداية شخص واحد افضل من ذلك كله ،
أداء الوظيفة واجب و لا يضر من لا يستجب واجب ان يؤدي الإنسان وظيفته و ليس عليه إستجابوا ام لم يستجيبوا كما يقول تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 4 وظيفتكم ان تبلغوا و ترشدوا و إستجاب الاخرون ام لم يستجيبوا فهم الى الله راجعون ،
الدعوة تحتاج إلى شروط كما ان الله سبحانه و تعالى هيئ النبي صل الله عليه واله للدعوة كذلك الذي يدعو يحتاج ان يتوفر على معرفة ٍ في دعوته لا تكن دعوته عكس ما يريد فتكون منفرة ً مكرهة ً للدين فالدعوة يجب ان يكون فيها جهة تبشير و تحذير و التركيز على التبشير و الترغيب افضل كما في الحديث صل الله عليه واله كونوا مبشرين و لا تكونوا منفرين ،
و ذكرى للمؤمنين كما ذكرنا فيها مبالغة للذكير يعني مطلوب التذكير و المبالغة فيه يعني عدم اليأس ان لا ييأس الشخص و يستمر في دعوته من غير قنوط و من غير يأس .
السلوك العملي في الدعوة كما كان النبي صل الله عليه و اله في دعوته بأخلاقه و سلوكه أولى من الدعوة بالألفاظ و الكلام .
الهوامش ،
- سورة فاطر الاية 8
- سورة الكهف الاية 6
- سورة الأنعام الاية 155
- ) سورة المائدة الاية 105