c عاشوراء الحسين(ع) ( 4 )

عاشوراء الحسين(ع) ( 4 )

عاشوراء الحسين -4- حديث الجمعة (30-11-2012)

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :

بسم الله الرحمن الرحيم

{يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم {

آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.

نهضة الحسين (ع) ثورة تكتب الحياة ، ثورة يقوم بها الدين , أشهد أنك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر , يقوم الدين ويستقر بثورة الحسين (ع) .

اولا: تساؤلات حول هذا المدعى والإجابة عليها :

1-           لماذا نقول أن نهضة الحسين حياة للدين وقيام للصلاة ؟ وما هو الدليل؟ وكيف تكون هذه الثورة هي قيام للدين ؟

2-           ألا توجد فجائع وجرائم مشابهة بل ربما أكثر حدثت ووقعت في العالم ؟ جرائم كثيرة ربما بظاهرها أكثر مما وقع في كربلاء , من بقر البطون وقتل الجميع من الرجال والنساء وحرقهم وغير ذلك , فلماذا الحديث حول ثورة الحسين وأنها هي حياة الدين ولماذا أنها عظيمة ونقول لا يوم كيومك يا أبا عبد الله .

3-           إذا كانت ثورته (ع) هي تقديم دم لشخصية عظيمة ففي التاريخ شخصيات عظيمة وثائرة أيضا وقد قتلت ومثل بها , فلماذا خصص الحسين (ع) وثورة الحسين (ع) بهذه المعاني ؟

 الجواب:

أ‌-    أنها نهضة إالهية وليست مجرد حادث وقع او جريمة وقعت على مجموعة من الناس , وكل شيىء في الوجود له  قيمة , وقيمته بقدر ارتباطه بالله سبحانه وتعالى , فبقدر ما يكون الإنسان مرتبط بالله تكن لفعله تلك القيمة وبذلك المقدار , ربما يقدم مثلا شخص عطاءا لأحد كصدقة لأحد فماذا يمثل بهذا العطاء؟ فبقدر إخلاصه بقدر صدقه تكون لعمله تلك القيمة عندما يقف الشخص ويصلي ويكبر في الصلاة , فقيمة هذه الصلاة بقيمة ارتباطه بالله , بقدر صدقه بقدر إخلاصه , فكل شيىء يعرف بقدر الارتباط بالله سبحانه وتعالى , فالحسين (ع) في نهضته بخروجه بثورته , في كل حركة تحركها كانت هي الذوبان في الله سبحانه وتعالى وهي الإخلاص بالله والإرتقاء والإرتباط بالله و كلما تقدم كلما تقدم الإرتقاء أكثر فأكثر لذلك تكون باقية وخالدة الحديث يقول(كل شيىء لم يبدأ ببسم الله فهو أبتر) أي ليست له قيمة باقية , أبتر يعني منقطع إلا أن يكون مرتبطا بالله فإذا كان مرتبطا بالله فهو ليس أبتريعني ليس منقطع بمعنى أنه خالد وباقي ومستمر  .

ب‌-          أنها بطولة عظيمة رسم معالمها الحسين (ع) الذي ارتكبت هذه الجريمة بحقه .الحسين(ع) هو اختار هذه الحركة,  باختياره وليس مجبرا فكان بإمكانه تفادي هذه الفاجعة  وكان بإمكانه تفادي كثير من صورها كحمل النساء والأطفال وو , فقد وقع ما وقع عليه وعلى أهل بيته باختياره وبالصورة التي أرادها الحسين(ع) من الخروج بالمجموعة الخاصة التي اختارها الحسين (ع) بحيث أنه لم يبقي أحدا معه ممن فيهم ميل للدنيا أو تعلق بأوهام الدنيا هو بإخلاصه , ومن معه بإخلاص ومن التحق معه و اهتدى بهديه بالإخلاص أيضا , ليس لوجود الدنيا شيىء في نفسه , ولا في  نفوس من معه , ولا يبحث عن مبرر ولا يبحث عن عذر ليتراجع , لا هو ولا من معه  فهم صفوة خالصة مرتبطة بالله سبحانه وتعالى .

ت‌-           يقول الشهيد المطهري: توجد سيول لدماء كثيرة لكنها تخلق ما تحمله تلك الدماء من حرارة ونشاط وحيوية .

فكم من الدماء تقدم , وفي العالم مجازر كثيرة ولكن ما نسمعه من القتل هنا وهنا من المجازر الوحشية قيمتها ليس بسقوط الدماء وكمية الدماء وإنما بما تحمل وبما يحمل أصحاب هذه الدماء من مبادىء ومن إخلاص ومن ارتباط بالله سبحانه وتعالى.

فعندما تقع مجزرة ويقتل فيها أشخاص وهم يخافون الموت وهم يضطربون لما يقع عليهم فهم يخلقون في المشاهد والمستمع الخوف أما الذي يتلقى الموت أحلى من العسل، أما الذي كلما حمل عليه الوطيس يتهلل وجهه فرحا وسرورا , فيترتب على هذا أمر آخر في نفوس مع يسمعه ومن يراه يخلق فيهم العزة والكرامة والشجاعة والثبات إذا كانوا يرون من تقدم بإرادته مرتبطا بالله أو جرى ارتباط هذا الدم بالله سبحانه وتعالى إرتباط من يصله الخبر ومن يسمع بوقوعه هذه الحادثة أنها بالله تحرك فيه الإرتباط بالله سبحانه وتعالى فبقدر ما يرتبط الدم بالحيوية والروح الإيمانية يؤثر في المشاهد والمستمع له .

إذا النتيجة هي :

1ـ ثورة الحسين (ع) التي لم يوجد فيها تراجع ولا تلكؤ ولا خوف كسرت حاجز الخوف والتعلق بالدنيا وربطت الإنسان بالله سبحانه وتعالى وأعادت صياغة الشخصية المسلمة , تغير الوضع وربطت الإنسان بالله سبحانه وتعالى , بعدما كان في طريق التراجع ـ كما سيأتي ـ في طريق التراجع عن الدين وعن المبادىء والقيم .

بثورة الحسين (ع) قلب الوضع وغير الأمور فصار الناس يتوجهون لله سبحانه وتعالى ويسترخصون الدنيا وما فيها .

إذاً الأمة تحتاج إلى أن تعود إلى شخصيتها ودينها , والحسين (ع) جعل شخصية الأمة قوية بدمه , زرع فيها أو أعاد وأحيا فيها العزة والكرامة بما قدمه وإلا كانت تسير للهاوية .

 2ـ الامم في العالم كله , الامة إذا فقدت شخصيتها تعيش التبعية وتعيش الضياع ولا تتقدم .في الحرب العالمية الثانية الألمان خسروا يقولون خسرنا كل شيىء إلا شخصيتنا بقيت الشخصية محفوظة فقالوا سوف نعيد ما خسرناه وبالفعل أعادوا لأن فيهم الحفاظ على شخصيتهم واستقلالهم .

3ـ الامة التي تفتقد الإيمان بفلسفتها الخاصة المستقبلية ورؤيتها للوجود وللعالم وللدنيا وللآخرة هذه أمة تعيش الرعب ولا ترى لوجودها حقيقة بغير الامم  الاخرى وهي التبعية , وهذا ما يزرعه حكام الدول العربية في نفوس الشعوب العربية , والشعوب الإسلامية , وهو أن تعيش التبعية والأستصغر ولا كرامة بل يصورنهم , ويوحون إليهم  أنكم من غير  الغرب أنتم لا وجود لكم , لأنهم يربطونها بحضارة جزئية ولا يقبلون لشعوبهم أن يتطوروا حتى في هذه الحضارة المادية .

4ـ إذاً امة كل امر يأتيها من الغرب تراه تقدم هي أمة خاسرة نحن ننظر في المجتمع , في المجتمع تسوق الموضات تسوق الدعايات , الغرب يختار لنا ما نحب , يختار لنا ذوقنا , يعين لنا هذا شيىء جميل , في هذه السنة الموضة الفلانية , والمجتمع يراه جميل كما قال الغرب وفي السنة القادمة يكون هذا ليس جميلا , والمجتمع يقول ليس جميلا الموضة تغيرت , وهذه السنة موضة أخرى وهكذا تبعا للغرب , يعني استهزاء بشخصية المجتمعات وجعل المجتمع يعيش التبعية التامة وهذا أمر خطير.

قصة: ينقل الأستاذ  الشهيد المطهري قصة يقول: تزوجت بنت السفير البريطاني رجلا أسود في موسكو فصارت حديث الساعة في ذلك الوقت للتفرقة العنصرية وصارت الجرائد تكتب بنت بيضاء تتزوج برجل أسود هذه طامة كبيرة وصارت حديث الساعة والجرائد والمجلات تكتب يقول: في محفل يجلسون فتحدثوا قال البعض من الغربيين هناك من الأديان من يجوز زواج الأسود من البيضاء وبالعكس قام شخص وقال لا يوجد إلا الاسلام لأنه يأوي القذرين ولأنه نجس لأنه قذر , وصفوه بما وصفوه , لذلك يأوي ويؤيد الزواج من أمثاله يقول الشهيد مطهري في تلك الأثناء كان في المجلس شخصان مسلمان كانا جالسين عندما سمعا الحديث قال أحدهما للآخر لماذا نحن ننتمي لهذا الإسلام ـ شخصان مسلمان يجلسان ـ لماذا ننتمي لهذا الإسلام؟ الذي من لم يستوعب ولم  يدرك الفرق بين الأسود والأبيض , قولان أنظر للغرب ولهذا التطور والتقدم يرون أن الأسود شخص حقير وقذر ونحن ننتمي لهذا الاسلام الذي لا يفرق  بين الأبيض والأسود , ثم صارايندبان حالهما ويبحثان هل هذه القذارة والنجاسة هي ذاتية ام عرضية على الإسلام وعلينا , قناعتهما بسبب الجهالة وعدم الثقة في شخصيتهما وبسبب الدعاية الغربية ، إذا كان المجتمع يتأثر بما يأتي من الغرب بهذا المستوى فهو مجتمع لا شك أنه للهاوية وللسقوط , لا يمكن أن يتقدم ولا يمكن أن يحقق شيىء .

5ـ الحسين (ع) ماذا فعل؟ .

 فعل الحسين ما فعل رسول الله (ص) رسول الله اليتيم الذي بعث في ذلك المجتمع , مجتمع فقير يعيش الذلة كما تصفه الزهراء (تشربون الطرق وتقتاتون القد والورق أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ) بهذه الحالة يقتلون الأولاد يقتلون البنات خوف الفقر وإذا بالنبي (ص) يبعث بذلك المجتمع إلى أن يحقق أعظم حضارة ويكون قدوة للعالم كله بماذا؟ النبي(ص) غرس في هذا المجتمع مبادىء السماء وأعطى للمجتمع كيانه وشخصيته لذلك صار المجتع متقدما والحسين (ع) جاء ليثبت هذه المبادىء ويثبت ويبقي ويحيي هذه المبادىء ويزيل الستار عنها من التعلق بالدنيا والدعايات التي كانت تطرح هنا وهنا والتخويف للمجتمع الذي قضى على فطرته او اخفى فطرته .

ثانيا: آثار الثورة الحسينية

 الثورة الحسينية لها آثار ؛ بنو امية سحقوا الشخصية في نفوس المسلمين وفي أنفس أهل الكوفة خاصة . اهل الكوفة _الكوفة دولة قوية يقول السيد الخامنائي ان الكوفة  قوية وتشكل خطر على الأمويين لأنها تحوي محبي أهل البيت , كانت محل الأبطال وكان فيها الموالون لأهل البيت ويحبون أهل البيت (ع) وكانوا مخلصين لذلك عمد معاوية لتسفير ما يقارب خمسة الآف عائلة من الكوفة وتفريقهم في خراسان وغيرها لإضعاف الكوفة , فصارت ضعيفة وجعل عليها زياد ابن ابيه أولا فصار يمثل بالناس , بكل كلمة يبقر البطون ويقتل الأولاد والنساء والرجال , يمثل بهم أشد تمثيل , كأنه صدام وربما أكثر فصار الخوف في نفوسهم مترسخ وشخصيتهم , لا يحركهم شيىء  يسيطر عليهم الخوف والرعب , في نفوسهم حب لأهل البيت ولكن مواقفهم مغايرة عندما ثاروا مع مسلم , كانو بين أمرين , بين الحب وبين الخوف , الخوف سيطر على كل شيىء في وجودهم , لذلك عندما ثار مسلم جعل يزيد عبيد الله ابن زياد على الكوفة , لأنه يشكل استمرار للخوف الذي كان قبل ذلك , فعندما وصل عبيد الله بن زياد تراجع الناس عن مسلم بن عقيل , ليطفح ويرجع الخوف الذي في نفوسهم .

الحسين (ع)  بثورته أزاح هذا الخوف , لأن الحسين (ع) تحرك  بالحركة التي تحي الضمائر وتحرك النفوس , وتجعلها مرتبطة بالله سبحانه وتعالى جعل أمامهم وفي نفوسهم كلمة : (لا إله إلا الله ) فقط الذي يجب أن يخاف هو الله تبارك وتعالى , وغيرالله ليس مخيفا ولا يؤثر ولا يشكل خطرا أبداً , فثارت بعد الحسين (ع) ثورة التوابين الذين خرجوا بثورتهم , التوابون لم يكونوا من المقاتلين للحسين ولكنهم لم ينصروا الحسين (ع) يحبون الحسين ولكنهم عندما رأوا ثورة الحسين و جاء عبيد الله بن زياد ذهبوا إلى بيوتهم فقتل الحسين ندموا بعد قتل الحسين (ع) وتحركوا,  ثم ثورة المختار , الحسين أحيا تلك النفوس فصاروا لا يخافون الموت وتعاهدوا عند قبر الحسين (ع) إما ان  يقتلوا جميع من قتل أو ساهم في قتل الحسين (ع) أو يقتلوا هم , ولا يرضوا بالحياة , هذه النفس أين كانت ؟ كلها حدثت بعد ثورة الحسين وحركة الحسين (ع) ، إذا الحسين منح الشخصية الإسلامية المستقلة الحقيقية منحها العشق والمحبة والإرتباط بالله سبحانه وتعالى لا بغيره .

الحسين  بحركته يبدأ بجلاء الشخصية فيبين (من كان باذلا فينا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إنشاء الله تعالى) إذا من كان موطنا على لقاء الله نفسه يبين أن لقاء الله هو المطلوب هو الفتح هو النصر ، الحسين منح العزة والكرامة وقتل روح الخوف والجبن في النفوس وحرك الضمائر وربط قيمة الحياة بقيمة الإرتباط بالله سبحانه وتعالى وكل شيىء يحصل عليه الانسان بعيدا عن الإرتباط بالله سبحانه وتعالى ليست له قيمة بين الحسين (ع) أن  هذا الطريق طريق الرقي وطريق الأنبياء لذلك كان له الأثر الكبير ، ومن آثاره كان  التأثير على الحسين نفسه من آثار الحركة الإرتقاء عند الحسين (ع) من آثاره كما يقول الشهيد مطهري أن الحسين هو الذي ايضا تأثر وتغير ، ومن كان معه(ع) كذلك , لذلك يقول النبي (ص) إن لك درجات لا تنالها إلا بالشهادة هذه الدرجات يعني ارتقاء , هذا الإرتقاء أين حدث في كربلاء يبلغ هذه الدرجات , بلغ هذه الدرجة بما قدم , ومن معه أيضا كانوا في نفس المسار وفي نفس الطريق والإرتقاء يقول الشهيد مطهري زينب (ع) أيضا كانت كذلك يقول إذا نظرنا لزينب في ليلة العاشر نجدها تختلف عنها بعد ذلك قبل وقوع الحادثة كانت زينب  تتأثر لدرجة يكاد يغشى عليها والحسين يهدؤها (أخيي لا يذهبن بحلمك الشيطان) ولكنها بعد ذلك تقول عندما يخاطبها الطاغية كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيته تقول: ( ما رأيت إلا جميلا ، هؤلاء أهل بيت كتب الله عليهم القتل وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج ثكلتك أمك يا ابن مرجانة)

 فهي تتحدث بكل عزة وأنفة وقوة لماذا ؟ لأنها مرت بهذا الإرتقاء ، إذا ثورة الحسين هي بناء لشخصية المسلم وحفاظ على شخصية المسلم التي أرادها الله سبحانه وتعالى .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على  محمد وآله الطاهرين.

شاهد أيضاً

تساؤلات ماذا بعد عاشوراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *