عيد الغدير – 14/11/2011
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي
نبارك للنبي (ص) ولأمير المؤمنين (ع) ولفاطمة الزهراء وللأئمة المعصومين لا سيما بقية الله في الأرضين الإمام القائم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء بهذه المناسبة وهذا العيد العظيم .
ثم نبارك ونهنئ المؤمنين وجميع المستضعفين في العالم بيوم الغدير الأغر
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :
بسم الله الرحمن الرحيم
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
عظمة الغدير
يوم الغدير يوم عظيم وعظمته تتجلى في جهات كثيرة ولكن نذكر شيئا منها بشكل سريع
عظمة الغدير في نواحي كثيرة منها:
أولا: حديث الرسول (ص) لتبين يوم الغدير أنه يوم مهم ويوم عظيم
فقد روى أبو هريرة عن رسول الله (ص)
(أن صيامه يعدل عبادة ستين سنة ) صيام يوم الغدير يعدل عبادة ستين سنة ، وهذا يدل على أهمية هذا اليوم
ثانيا: أهمية الغدير بأهمية صاحبه
أهمية هذا اليوم ليس بما هو يوم وإنما هو بأهمية أمير المؤمنين (س)
سئل الخليل إبن أحمد ماتقول في علي فقال:
(ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسدا وأخفاها محبوه خوفا وظهرمن بين ذين وذين ما ملأ الخافقين )
الشخص الوحيد الذي كان الجميع وفي طوال هذا التاريخ يخفي فضائله متعمدا في ذلك ، سواء كان محبا له , بسبب الخوف على النفس أو معاديا له حاقدا عليه , ومع هذا ظهر منها ما ملأ الخافقين , بحيث أن أئمة المذاهب تكلموا وقالوا لا توجد فضائل لأحد من الصحابة الذين سعى العالم على مدى العصور ليبرز لهم شأنا وفضائل , بل لبعض من يحسب على الصحابة توضع لهم الفضائل , يصطنعها الطواغيت ، ومع ذلك كله لم يوجد أحد له فضل ومنزلة في أحاديث الرسول (ص) , أو ما ينسب للرسول (ص) كما لعلي (ع)
ثالثا: علي في حديث الرسول (ص)
نقرأ شيئا من حديث الرسول كأمثلة تبين فضل علي (ع)
أــ في صحيح مسلم ومسندأحمد وسنن الدارمي والبيهقي وغيرهم أن رسول الله (ص)
قام خطيبا بماء يدعى (خمنا) بين مكة والمدينة ثم قال :
(ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب :وأني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وإستمسكوا به وأهل بيتي) وفي تعابير أخرى وألفاظ أخرى مختلفة تدل على أن هذا الحديث قد كرر من رسول الله (ص) في مواطن كثيرة
النبي (ص) بصياغات أخرى يقول :
(إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض , فأنظروا كيف تخلفوني فيهما ) ثم يقول
(ولا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتغرقوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )
فالنبي (ص) يجعل أهل البيت هم المحور، هم الركيزة , هم القطب , الذي يجب أن يدور العالم كله حوله لا يتقدم ولا يتأخر، إن تقدم هلك ، وإن تأخر غرق وإن إدعى علما من غير طريقهم , فإنه جاهل بجهل مركب ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .
ب: في ذلك اليوم قال رسول الله (ص)
(من كنت مولاه فعلي مولاه)
فنهض الصحابة يبايعوا علي (ع) وقام عمر بن الخطاب وقال بخ بخ لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة , هذا يؤكد ويبين منزلة أمير المؤمنين (س)
ج: قال رسول الله (ص)
(من أطاعني فقد أطاع الله , ومن عصاني فقد عصى الله , ومن أطاع عليا فقد أطاعني , ومن عصى عليا فقد عصاني )
النبي (ص) يبين العصمة التامة لأمير المؤمنين (س) , أن عليا في هذا الحديث الذي يصححه أشد الناس إسقاطا لفضائل علي (ع) وأهل البيت كالذهب هنا النبي (ص) يقول
إن إرادة علي هي إرادة الله فيستحيل أن يدعوا علي (ع) لشيئ فيه باطل أبدا ويستحيل أن يأمر بشيئ مخالف لإرادة الله فهو الحق التام والذي يطيعه يطيع الله سبحانه وتعالى ومن يعصي عليا فقد عصى الله ولا يقول أنه غافل أو جاهل أو لا يعلم
موارد تنصيب علي (ع)
موارد تنصيب علي(ع) كثيرة وكثيرة و أذكر أمثلة منها
أولا: حديث الدار
النبي (ص) في حديث الدارالمعروف والمشهور والآحاديث هذه ليست مشهورة فقط وإنما كثير منها متواترة
النبي (ص) عندما ينزل قوله تعالى
(وأنذرعشيرتك الأقربين ) يجمع عشيرته ويطلب منهم أن يآزروه ولكنه يعقب على ذلك ويقول:(يؤزرني على أن يكون أخي ووزيري وخليفتي من بعدي )، فلا يقم أحد، ثم يقوم علي (ع) ويقول أنا يا رسول الله ، ويعينه وزيره وخليفته من بعده , هذا في حديث الدار، حتى يقول قائلهم يخاطب أبا طالب لقد أمر عليك إبنك , هنا الرسول (ص) يثبت عليا (ع) وزيرا وخليفة لما لعلي من المنزلة العظيمة والإرتباط بالسماء
ثانيا: حديث المنزلة
حديث المنزلة : أيضا رسول الله (ص) عندما يخلف عليا في المدينة المنورة ويقول:( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ) في هذا الموضع وغيره
ثالثا:آية الولاية
في آية الولاية عندما تصدق علي (ع)بخاتمه على فقير فنزلت الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذينآمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) فبينت إنما هي حصر للولاية في علي (ع) ليس لأحد أن يشاركه فيها أبدا
رابعا: في غدير خم
وفي غدير خم الرسول (ص) يبين للناس خلافة علي والولاية لعلي (ع) وقد رووا حديث الغدير بطرق متواترة
فعن سعيد ابن جبير قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَازِلا بِغَدِيرِ خُمٍّ فَأَمَرَ بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ نَازِلا فِيهِ أَنْ يُكْنَسَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ ، أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ فَكَلَّمَهُمْ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ )
وحديث الثقلين , وأحاديث كثيرة كلها بين النبي (ص) فيها منزلة علي (ع) وأن له المقام العالي وهو الخليفة في الحكم وفي الأرض وفي السماء
الغدير تنصيب لكل كمال :
تنصيب ولكن أي تنصيب ؟
تنصيب الشخص الذي تتوفرفيه جميع القيم , وجميع الكمالات الإسلامية ، والخصال الحميدة ليكون إماما للمسلمين ، وليس تنصيب قريب على المسلمين ، وإنما هو تنصيب أفضل البشر بعد رسول الله(ص)
من تجتمع فيه جميع الفضائل ، أعلم الناس ، أحلم الناس ، أتقى الناس ، أشجع الناس ، ليكون خليفة للمسلمين , وهذا ليكون سّنة للمسلمين إذا أرادوا أن يجعلوا أحدا عليهم أن يكون أفضلهم وأتقاهم وأورعهم .
الغدير هو يوم النجاة , ولكن لم يعرفه المسلمون
لو إهتدى المسلمون حقيقة وإلتزموا بدينهم وإتبعوا رسولهم وإتبعوا نبيهم (ص)الذي نصب عليا ليكون محورا للأمة تجتمع حوله وتترك الخلافة والشقاق لتكون الأمة الناجية بحقيقية الولاية لعلي (ع) الذي هو الهادي ، وهو النور المبين ، والصراط المستقيم ، وهوالميزان للخير ، والحق ، ليبين الحق من الباطل ويحمل الناس في سفينة النجاة ولكن الأمة تجتنب عن ذلك بجهالة وتذهب هنا أو هنا وتتبع المتملقين والمتنفذين
الخلافة أمر من السماء وليسى أمرا من رسول الله (ص)
رسول الله (ص) في وقته ووجوده هو النبي (ص) وهو الخليفة لله في هذه الأرض ، على الأمة أن تطيعه وهو الحاكم لهم ولم يكن حكمه من عنده
النبي (ص) ليس لأنه جاء بهذه الرسالة ثم عين نفسه ونصب نفسه على الناس وإنما وجوده بأمر من الله وأمر من السماء وليس من عنده وكذلك تنصيب علي إبن أبي طالب (ع) وقد نصبه بأمر من الله في موارد ومواطن عديدة وفي ذلك الموطن وفي غدير خم عندما يأمره الله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)فيبلغ الرسالة ويتم النعمة ويكمل الدين ويرتضي الإسلام للناس بولاية أمير المؤمنين (س)
فعندما يبلغ يقول :
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
الدين التام والكامل والمرضي إنما هو بولاية أمير المؤمنين (س)
قيمة الغدير
قيمة الغدير ليس بتنصيب شخص وإنما قيمة الغدير بما لهذا الشخص من قيمة (س) الذي أضفى على الغدير قيمته لا أنه حصل القيمة بالتنصب ، لأن أمير المؤمنين (س) تنصيبه إنما يكشف عن باطن علي (ع) ، إنما يكشف عن ملكات علي ، إنما يكشف عن سجايا علي ، إنما يكشف عن رفعة علي ، إنما يكشف عن الحق والنور المبين ، لا أنه يوجد له قيمة وفرضه على الناس هكذا
الغدير تنصيب الحكم والخلافة بعد النبي(ص)
الغدير تنصيب في جانب الحكومة ، الولاية في الغدير هي الحكومة فأمير المؤمنين (س) عندما نصّب يوم الغدير يعني جعل حاكما على الناس جعل خليفة على الناس لا أنه بيّن مقامه المعنوي ، المقام المعنوي لأمير المؤمنين (س) ثابت وواضح ودرجته عالية والنبي (ص) بيّنها في مواطن مختلفة ، لكن في ذلك اليوم في يوم الغدير إنما هو تنصيب بمعنى جعل الحكومة والخلافة بعد رسول الله (ص)
إنما ينص على الخلافة وأنها بعد النبي(ص) تكون في علي (ع)
الغدير والسياسة
الغدير والسياسة تعيين علي (ع) هو السياسة ، بمعنى أن أن يكون الإسلام مرتبطا بالسياسة ، أن يكون الإسلام مرتبطا بشؤون المجتمع في كل شيئ في الصغير والكبير، لا يفوت شيئا ولا يبقى شيئا ,لا يكون الخليفة بعيد عن الواقع , فأميرالمؤمنين (س) يمثل الإسلام حقيقة ويمثل المرجع الديني حقيقة والمفسر للإسلام والمطبق للإسلام والمطبق للإسلام , والمنفّذ للأحكام الشرعية ،
حكومة تنفيذية وببيان أوضح أن الخليفة الشرعي المستمد شرعيته من السماء يجب أن يكون له جانبان :
1ـ جانب التشريع وكشف الأحكام الشرعية
2ـ وجانب آخرهوجانب التنفيذ في المجتمع
وهذه هي الولاية التي نعتقدها في علي (ع)
فالنبي (ص) في يوم الغدير لم يأت ليبين للناس جانب التشريع وأن علي يمتاز بهذا الجانب فقط ، و لم يأت ليبين الجانب الملكوتي والجانب المعنوي والمنزلة الرفيعة لعلي (ع) عند الله فقط ، وإنما في يوم الغدير حكومة تنفيذية ، حكومة تنفيذية إضافة لكونه حاكما وإضافة لكونه مشرعا ، فأمير المؤمنين (س) هو المستنبط للقرآن، مستنبط للأحكام ، يكشف حكم الله في الأرض ويبين مصاديقه ويطبقه على الناس في ذلك اليوم ، أما جانب الفتيا فأن أمير المؤمنين (س) من جانب الفتيا من جانب بيان الأحكام كان المرجع للناس يرجعون له وكان الخلفاء يرجعون له (ع) ولكن الجانب الذي نكروه , أن يكون هو الخليفة وهو المطبق للدين وليس مبين للأحكام بصورة عامة
هذا يعطينا أيضا أن الإسلام مرتبط بالسياسة والدين مرتبط بالسياسة والمرجع الديني الذي له المقام أو المنزلة بعد النبي (ص) القائم بعدهم في غيبتهم له منزلة أيضا معنوية عند الله وله جانب التشريع
الولاية وهي الإستنباط ، وإن كان بصورة مصغرة ظنية , وله جانب الحكم أيضا في المجتمع الإسلامي ، ويدخل في السياسة في كل شيئ ، يبين ويعترض ويطالب ويقيم حكومة الله في الأرض ، هذا الواقع الذي يكون إمتدادا للنبي (ص) وللأئمة المعصومين له هذه الدرجة ، له المنزلة أن يكون في جانب الإستنباط ، وفي جانب بيان الدين ، وفي جانب تطبيق الدين ، أيضا ويكون رقيبا على الدين ورقيبا على الناس ومطبقا للدين في المجتمع .
فصل الدين عن السياسة
وأما الذين أرادوا فصل الدين عن السياسة إنما هم جاوؤا إستجابة لدعوات الغرب ، الذي يريد أن يسيطر على المجتمع الإسلامي طرح فكرة الفصل بين الدين والسياسة ، وإلا فإن الدين والسياسة كان معمول به بل كان حتى في زمن الخلفاء وإن لم نكن نعترف بفلان خليفة أو فلان ونقول أنه ليس على حق ، لكن بصورة عامة ما دار وما كان بين المسلمين أن يكون الخليفة ومرجع الدين له شأن سياسي أيضا
الغدير وصلاح الناس
يثبت أيضا تعظيم الغدير من قبل رسول الله (ص) يثبت أهمية شيئ وهو أنه إذا كانت الخلافة في يد صالحة ، في يد أمينه ، كيد أمير المؤمنين (س) فإن المجتمع يسير إلى الأمام ، وتزول العثرات ، وتزول الزلات ، والإنحراف ينتهي ، ويتوجه الناس للخير، ويعم العدل في المجتمع ، الصلاح في جانب المعاملة والإقتصاد بين الناس ، وأيضا الجانب الشخصي بين الناس ، تصلح أمورهم ، وتصلح نفسياتهم ، ويرتبطون إرتباطا حقيقيا بالسماء .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين