(مولد الإمام علي)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
ــ تبريك
التهاني والتبريكات إلى الرسول الأعظم وإلى فاطمة الزهراء والآئمة المعصومين لا سيما بقية الله في الأرض الإمام صاحب العصر والزمان .
أتحدث حول امير المؤمنين سلام الله عليه في نقطتين
الأولى : إرادة علي(ع) هي إرادة الله
بماذا نثبت صحة هذا القول؟
الجواب:
قال رسول الله (ص)
(من أطاعني فقد أطاع الله , ومن عصاني فقد عصى الله , ومن أطاع عليا فقد أطاعني ,ومن عصى عليا فقد عصاني )
هذا الحديث يكشف التلازم بين طاعة رسول الله و طاعة الله , ويكشف التلازم بين طاعة علي (ع) وطاعة رسول الله (ص) (ولازم اللازم لازم )
يعني طاعة علي تكون هي طاعة لله كما هي طاعة لرسول الله , وهذا يعني أنه لا يأمر ولا يطلب شيئا إلا أن يكون لرضى الله سبحانه وتعالى وهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة التي يصححها الموافقون والمخالفون
الثانية :علي(ع) هو المثل الأعلى في كل شيء
الإقتداء بعلي (ع) في كل شيئ , فهوالقدوة والمثل الأعلى , لماذا ؟
الجواب:
لإلتزامه بكامل ما جاء به الإسلام في جميع الجوانب:
جميع الجوانب الإسلامية التي وردت في القرآن عن رسول الله (ص) أفضل تطبيق لها وأفضل مبيّين لها هو علي (ع) ، فهو التطبيق العملي للإسلام حقيقة ويتبين ذلك في جوانب كثيرة منها:
الأول: عدم المسايرة على حساب الطاعة لله تعالى
علي (ع) لا يساير أحدا على حساب طاعة الله ، ليس مستعد أن يجامل أحدا ليصل إلى منصب ، ليحصل على مصلحة وإنما الهدف عنده هو رضا الله سبحانه وتعالى ،
فقد قال عندما إجتمع الناس حوله وطلبوا مبايعته قال : (دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت و اعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم )
أمير المؤمنين (س) يبيّن نهجه في هذا الحديث ، أنه يسير مع الحق ، لا يعتني بأحد إن كان في إعتنائه مخالفة لإرادة الله , مخالفة لحكم الله سبحانه وتعالى
يفهم من هذا الحديث:
أـ أنه لم يكن يرفض الخلافة
يقبل الخلافة , وليس رافضا للخلافة كما يقول البعض أنه رافض للخلافة ولكنه يبين أن قبوله للخلافة ليس من أجل الخلافة ، هذا الحديث لا يبيّن أن علي (ع) يرفض الخلافة وأن يكون خليفة ، وإنما يبين أن خلافته يجب أن تكون في طريق الله ، فيذكر الأمور ويضع النقاط على الحروف بوضوح
ب ـ الإصرار على العمل بما يقتضيه الدين
من هذا الحديث يتبين أنه يعمل بما يقتضيه الدين فقط
ج ـ إلقاء الحجة على الناس لعدم الإصغاء
بعد ذلك لا يقولون بايعناك والآن تركتنا ولم تسمع كلامنا ، فهو يقول ما أعرفه هو القرآن وسنة النبي (ص) فقط
د ـ التنبؤ بوقوع الفتن الكبيرة والشبهات
أمير المؤمنين يخبرهم سوف تأتي فتن وأنا أعمل بكتاب الله وسنة النبي(ص)
هـ ـ عدم مسايرة أهواء الفاسدين
هناك من يريد أن يعمل على سيرة من سبق ولكن أمير المؤمنين يقول أعمل بكتاب الله ، فهو لا يساير أحد حتى لو لزم من ذلك أن لا يكون خليفة وهو أحق بالخلافة , ولكن الخلافة عنده أن يطبق حكم الله
الثاني: علي (ع) هو الخليفة العادل
1ـ هو الخليفة الذي لا يستغني أحد عن ذكر اسمه متى ما وصف العدالة
العالم كله إذا أراد أن يتحدث عن العدالة الحقيقية وكان المتحدث منصفا تجده يأتي بذكر علي .
في تقرير للأمم المتحدة ذكروا أن أفضل حكومة أقيمت على وجه الأرض هي حكومة علي إبن أبي طالب (ع) وأوصوا الحكام بتطبيق نهج علي خصوصا في عهد مالك الأشتر ، هذا يدل على العدالة المطلقة التي لم يتصف أحد بها
2ـ علي(ع) مع الناس
الناس عنده سواسية ,الذي يقتدي يجب أن يكون كذلك
نحن نذكر علي إبن أبي طالب ونذكر منهج علي (ع) ليكون قدوة لنا قبل غيرنا الناس سواسية
( إما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق)
3ـ مع نفسه ومع الفقراء وهو الخليفة
يقول :(وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ. وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي, إِلَى تَخَيُّرِ الأطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ اليمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْص، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيِتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة ,, وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِـدِّ ,
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: [هذَا] أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ , الْعَيْش! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ، هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا ، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا ، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا)
هذا أمير المؤمنين (س) يذكر لنا أن يكون الإنسان واعيا في كل شيئ ، مع نفسه ، مع غيره ، لا يغفل عن شيئ
الثالث : علي (ع) هو الزاهد المتعفف
حتى عن الحلال في هذه الدنيا يقول سلام الله علي : (ما لعلي ونعيم يفنى )
علي (ع) لا يقبل بالنعيم الزائل
1ـ النعيم الذي ينتهي لا حاجة لعلي فيه
علي (ع) لا يقبل بأمر يزول وينتهي ، ومن يتخذ نهج علي يجب أن تكون عينه على الآخرة كذلك
2ـ الخليفة وكل المقدرات في يده
يجلس ويوزعها علي (ع) فيبيت ولا يبقى شيئ عنده
وهو يقول (يا صَفراءُ! وَيا بيضاءُ! غُرِّي غَيْري)
لا يقبل بالدنيا حريص على تطبيق الحق وإسعاف المحتاجين والوقوف معهم
3ـ بيته كبيوت الفقراء وينام على التراب
الخلفاء والملوك يعيشون وآلاف الجواري والخدم تحت أيديهم , وبيوتهم مرصعة بالجواهر والياقوت والمرجان , أما علي (ع) فيبيت كالفقراء ينام على التراب وهو قادر أن ينام على الحرير.
الرابع: العلاقة بالله تعالى
علي (ع) يجعل محوره كل شيئ الإرتباط بالله سبحانه وتعالى
يقول (ما وجدت شيئا إلا وجدت الله قبله وفيه وبعده)
يرى كل شيئ بنظرته لله سبحانه وتعالى
ـ يبيت على فراش النبي وكله سكينه لأنه ناظر لله
ــ يخوض المعارك وهو مبتسم مستبشر لأنه ينظر لله
ــ وفي محرابه عابد يبكي
وعندما يسأل الآئمة (س) عن عبادتهم يقولون ( أين نحن من عبادة علي(ع)
الخامس : عدم الرضى بالظلم حتى لغير المسلمين
لا يقبل بأن يظلم أحد ، بل يعبّر بتعبير عجيب عندما يقول (ع) : (..وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدِهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ (تمنع) مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ (موفورين) مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ; فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هـذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً)
يقول أمير المؤمنين إذا تعرضت ذمية وليست المسلمة فقط إلى سلب خلخالها أو حجلها ،تعرضت لشيئ من ذلك وشخصا مات أسفا بسماع هذا الحدث فمن حقه أن يموت ، جديرا به أن يموت ، يعني يعطينا صورة أن نعيش حالة إنسانية ونتفاعل مع أي مظلوم في العالم ولا نقبل بظلم أحد أبدا
السادس :الإلتزام بالعهود حتى مع المنافقين
عندما وقعت حرب صفين وهي معروفة وهي حرب مع المنافقين , والمنافقون مشكلة كبيرة ولكن عندما يحدث الصلح أمير المؤمنين (س) يلتزم بالصلح ولا ينقضه وهذا يعطينا أيضا أن نكون صادقين في كل شيئ ، في عهودنا ، في معاملتنا ، مع أي إنسان إذا أعطيت كلمة تكون ملتزما بهذه الكلمة
السابع : عدم القبول حتى بظلم الظالمين
نحن نتعرض لظلم في هذه الدنيا في بلدنا وغيرها ، ولكن لو كنت قويا أو تسلطت أو وصلت إلى منصب هل يجوز لك أن تظلم ؟
هل يجوز لك أن تقول كان هو ظالم لي كان يظلمني ؟
هل تقول لقد ظلمني عندما كان هو المسيطر ؟
الجواب:
أمير المؤمنين يقول (س) الظلم حرام لا يكون أبدا ، قال أمير المؤمنين (س) عندما سيطر معاوية وجنوده , سبقوا إلى النهر , إلى الماء وسيطروا على الماء ومنعوا جيش أمير المؤمنين من الوصول إلى الماء ، أميرالمؤمنين (ع) يحفز أصحابه ويقول
(قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ ، فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ، وَتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ، أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ، فَالمَوْتُ في حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَيَاةُ في مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ).
فيتحرك الجمع , جيش علي (ع) ويسيطروا على الماء وينهزم معاوية وجنوده ثم يأتون لشرب الماء , وكانوا قد منعوا أصحاب علي من ورود المشرعة لشرب الماء , علي (ع) وقد أمسك بزمام الأمور ، وجاء القوم يستسقون قال أمير المؤمنين أفرجوا لهم إسمحوا لهم أن يشربوا الماء ، تعجب أصحاب علي (ع) قالوا له لقد منعونا ، كدنا أن نموت من العطش ، قال الماء مباح للجميع .
فلا يقبل بظلمهم ولا يحاربهم في أرزاقهم ، هذا أمير المؤمنين (س)
الثامن : المرونة والإنصاف حتى مع العدو
حتى مع العدوا الظالم المرونة والإنصاف
1ـ الخواج يخرجون على الخليفة (الإمام)
الإمام إمام الزمان والخليفة بالإجماع ويخرجون عليه ، هل يحاربهم ويقتلهم ؟
تجد الجواب لا ، الإمام يبقيهم ولا يحاربهم بحجة الخروج أو عدم القبول بإمامة الإمام أو ببيعته لم يحاربهم في ذلك
2ـ يكفرون الإمام (ع) وكل من يخالفهم
كفروا أمير المؤمنين (س) ولم يحاربهم ولم يقاتلهم
3ـ يتطاولون على الإمام وهو على المنبر وفي الصلاة
الإمام على المنبر ويقول قائلهم كافر ما أفقهه ، يخاطب أمير المؤمنين في وجهه ، أمير المؤمنين يصلي ويقول له إقرأ (( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ )) يخاطب أمير المؤمنين بأنه مشرك ولكن أمير المؤمنين مع كل ذلك لا يطرده من المسجد ، وإذا قام وتكلم إليه احد أجلسه ، يجعلهم في أمان ولا يحاربهم ولا يأذيهم مع أنهم يأذونه
4ـ يحللون دم الإمام (ع) الخليفة.
أحلوا دمه ومع ذلك لا إقتصاص قبل الجناية ، لم يقتلوني فلا يتعرض لهم أحد هذا هو الإمام الحق والذي يريد أن يقتدي يكون كذلك , وغيره باطل أن كنا نقتدي بالظالمين بأفعالهم فنخن مثلهم ، أما إن كنا نقتدي بعلي (ع) نكون ثابتين حتى لو تحرش بنا أحد أو إعتدى علينا فلا نعتدي
5ـ يشرعون في الإعتداء على المسلمين.
هنا يقف أمير المؤمنين لهم ، طبعا هذا فكرهم ، كانوا يعتدون على المسلمين وقتلوا من الصحابة وبقروا بطون النساء الحوامل , هنا أمير المؤمنين وقف لهم ، تصوروا كم كانوا يحملون من الجفاف ومن الصلافة والفكر الضيق أن كل من يخالفهم يقتل ، حتى كان في زمن أحد آئمة المذاهب وهو واصل بن عطاء إمام المذهب المعتزلي وكان يسير في الطريق ووقفوا له في الطريق ، أوقفوه ، من أنت وما هو دينك و هو إمام ومعه حاشية قال أنا كافر ، مشرك ، ولكني سمعت آية تقول(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ)
قالوا صحيح إسمع كلام الله أسمعوه كلام الله ثم قالوا له تفضل ، إنصرف .
أصحابه يسألونه لماذا أنت العالم وأنت إمام المذهب لماذا لم تقول أنك إمام المذهب ، قال لو قلت أني مسلم لقتلوني ، يستجير بالكفر حتى لا يقتل ، بدعوى الكفر لماذا ؟
لأنهم لا يفقهون , وأمير المؤمنين (س) ما وقف لهم إلا بعد ان إعتدوا ومارسوا القتل في المسلمين .
الإقتداء بعلي (ع) يجب أن نكون في جميع الجوانب في تعاملنا كأفراد ، في تعاملنا مع الله سبحانه وتعالى ،في عبادتنا ، في تعاملنا مع أعدائنا ، مع من نختلف معهم ، بل في الحياة بأكملها منهجنا يجب أن يكون علي (س) وإلا فنحن مع غير علي(ع)
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين