c حسين البلادي – الصفحة 2 – موقع سماحة الشيخ عبدالزهراء الكربابادي

الكاتب: حسين البلادي

  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 30

    5/8/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  قَالُوا نَعَمْ  فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ *الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ( 1 )

    مر البيان ان النداء و السؤال من قبل اهل الجنة لأهل النار ليس سؤالا ً إستفساريا ً و إنما هو تهكم و لوم ٌ و عتاب و ليس بحث ٌ عن حقيقة ٌ فالحقيقة واضحة عند الجميع والمحشر قد حصل و هم في غمرة ٍ في تلك الأجواء ،

    و الحوار بين أهل الجنة و النار ربما كان قبل دخول الجنة ومشارفا ً لدخولها ثم يستمر حتى دخول الجنة كما يأتي في الحوار الذي يكون بين اهل الجنة و اهل النار ثم بين اهل الأعراف و  اهل النار ثم يعود الحوار بعد ذلك الى الحوار بين اهل الجنة و بين اهل النار و طلب اهل النار الإفاضة عليهم من قِبل اهل الجنة ،

    متابعة للبيان السابق في تفسير الآيتين  ،

    قوله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ تفيريع ٌ على إعترافهم بعد ان اقروا و إعترفوا بكفرهم و بأنهم كانوا مستكبرين عاصين لله سبحانه و تعالى و ان الحقيقة قد إنكشفت لهم بان لهم كل شيء جاء النداء فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ،

    الآذان ، الإعلام العام الذي يشمل الجميع و يسمعه الجميع و ليس خاصا ً بمن لعنوا و إنما يشمل الجميع لذلك قال في الآية فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ بين الجميع و يسمعه الجميع ،

    الإعلان مضمونه إعلان بحقيقة تحقق الوعيد الآلهي و الوعد الآلهي الرباني ، و الوعيد الآلهي هنا هو اللعنة و الطرد من رحمة الله تبارك و تعالى ،

    قوله تعالى الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ،

    هو تفسير لمعنى الظالمين ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  الظالمون لهم صفات هذه الصفات هي  الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ  ،

    و يشتمل ذلك على ،

    1. الكفار في العقيدة و المنحرفين في الأفعال الكافر الذي يكفر بالله سبحانه و تعالى من الأساس و لا يؤمن بالله و لا يؤمن بالآخرة و لا يؤمن بالحشر و النشر و الحساب فهذا كافر فيشمله قول الله سبحانه و تعالى و وصفه بأنه ظالم .
    2. المؤمنين في العقيدة بالله و المنحرفين في الإيمان بالآخرة و المنحرفين في سلوكهم و أفعالهم ، و هناك ملازمة بين الإيمان بالآخرة و العمل الصالح مرت في آيات ٍ سابقة ان المعصية التي تكون عند الناس إنما تكون بسبب عدم الإيمان بالآخرة و ليس بعدم الإيمان بالله فقد يؤمن الإنسان بالله و إيمانه فيه خلل لأنه لم يؤمن بالجزاء فلأنه لم يؤمن بالجزاء و من أمن العقوبة أساء الأدب لأنه لا يؤمن بالآخرة فتجد الإنحراف فالقسم الذي يؤمن بالله و لا يؤمن بالآخرة تكون اعماله فاسدة فهذا ايضا ظالم .
    3. المومنين في العقيدة لكنهم في سلوكهم منحرفين عن الفطرة ، يؤمن في العقيدة يؤمن بالله و يؤمن بالآخرة ولكن منحرف في عمله فهو أيضا ً ظالم  ، و لكن لو أن الإنسان يدقق و يميز في عقيدته يجد الملازمة بين العقيدة وما ينتهي إليه فكل إنحراف في رتبة ٍ من رتب العقيدة او في الأفعال يعود لإنحراف ٍ في الأساس الذي قبله فالمنحرف في اعماله و الذي لا يستقيم في افعاله عنده خلل في إيمانه بالآخرة و الذي يكون غير مؤمن بالآخرة عنده خلل في إيمانه بالله يعني لم يعرف الله لأنه لم يعرف الله حقيقة ً ، لأنه إذا عرف الله ان الله حكيم و انه خلقه بهدف لابد ان ينتهي لغاية و هي الآخرة فهناك خلل في هذا الإيمان ،

     

    يفهم و يستفاد من هذه اللعنة على الظالمين ان جميع المفاسد إجتمعت في مفهوم الظلم لا سيما الضلال و الإضلال ، الذي يستكبر و الذي يُضل و يريدها عوجا ،

     

    فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ

    من هو المؤذن ؟

    هل هو من الملائكة الذي قال بالإعلان أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  هل هو ملك ام هو من الجن ام من البشر ،

    1. هل هو من  الجن ؟  ينفيه السيد الطباطبائي و يقول السيد الطباطبائي انه لم يعهد في الآخرة ان يتصدى الجن لأي شيء ٍ من شؤون البشر  .
    2. هل هو م الملائكة ؟ جواب السيد ايضا بالنفي ، لأن ما ورد من الحديث في ذلك المكان هو تصدي المؤمنين من البشر لتلك الأمور و تلك البيانات و ليس الملائكة ،

     

    و من ذلك ،

    أ . قول أهل الأعراف  وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ اهل الأعراف بشر هم الذين قالوا ، و قولهم ايضا ً ادخلوالجنة ، أهل الأعراف يقولون ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ،

     

    بـ . قول المؤمنين يوم القيامة في ذلك المشهد في وصف يوم القيامة قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ  فالبيان كله من طرف الناس من الطرف المؤمنين .

    1. هل هو من البشر ؟ الجواب يتعين انه من البشر و ما هي الدلالة عليه لأن الاية ليس فيها دلالة بنفسها و إنما تصيد من السياق و من الحديث في يوم القيامة ، و أما من جهة الروايات فتثبت انه من البشر و انه أمير المؤمنين علي ٌ عليه السلام كما ورد في الروايات و كتب اهل التفسير ففي الكافي و تفسير القمي بإسنادهما عن محمد ابن الفضيل عن ابي الحسن الرضا عليه السلام في قوله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ  قال مؤذن أمير المؤمنين عليه السلام ، و روى ابو القاسم الحسكاني من علماء اهل السنة بسنده عن محمد ابن الحنفية عن علي ٍ عليه السلام انه قال انا ذلك المؤذن ، الرواية عن امير المؤمنين انه هو المؤذن في ذلك المكان ، وروى الحسكاني  ايضا بسنده عن ابن عباس ان لعلي ٍ عليه السلام اسماء ٌ في القرآن الكريم لا يعرفها الناس منها المؤذن في قول الله فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ  فهو المؤذن الذي ينادي بين الفريقين أهل الجنة و أهل النار و يقول الا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي و إستخفوا بحقي ، إذا الروايات تقول هو أمير المؤمنين ،

     

    ولماذا هو أمير المؤمنين عليه السلام ؟ لبيان منزلته و شأنه لأن ذلك العالم يجب ان يظهر و أن تظهر المنزلة و المقام فيظهر مقام امير المؤمنين عليه السلام و أن له يد و ان له قول و ان امره نافذ و إلا ان يكون في الدنيا بهذا المستوى من التقدم الذي لايعادله احد ففهي يوم القيامة لابد ان يظهر ذلك المقام .

     

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الايتان 44-45

     

     

     

     

  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 29

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  قَالُوا نَعَمْ  فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ ( 1 )

    تتنقل الآيات و تقارن بين وضع المؤمنين في الجنة و وضع الكافرين و المستكبرين كما مر في الآيات السابقة في بعض الآيات  وصفت حال الكافرين حال الوفاة  وو ضفتهم في النار  و وصفت آيات ٌ اخرى وضع المؤمنين في الجنة و وصفت آيات ٌ آخرى إختلاف أهل النار و تخاصمهم في النار و هنا هاتان الآيتان تبينان الحوار و الحديث الدائر بين أهل و الجنة و اهل النار و كل ٌ في موضعه و هم يتحدثون لبعضهم البعض

    و تبين الحسرة و الندامة عند الكافرين على ما فرطوا من أعمال و ما قصروا و على كفرهم و طغيانهم و إستكبارهم و إصرارهم على ما هو واضح و بين من الآيات البينات و تبين قبطة المؤمنين و فرح المؤمنين بوضعهم و فوزهم وما نالوه من أعمالهم ،

    البيان ،

    قوله تعالى وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ ،

    نستفيد من هذا المقطع ،

    1. البلاغة القرآنية ، وَنَادَىٰ  فعل ٌ ماضي ٍ لكنه يتحدث عن المستقبل ففيه بلاغة كأن المستقبل قد وقع و هي لغة تستعمل في البلاغة و التعبير البلاغي ما نقول قد قامت الصلاة و هي لم تقم بعد و إنما أشرفت ، او كما نقول في المسائل الشرعية إذا شك المكلف مثلا لو تيقن الحدث توضأ ، فتوضأ فعل ماضي و لكن تشير الى انه يجب ان يتوضأ ، يستعمل لكون من يتحدث بهذا الفعل يريد ان المكلف ملتزم و نعتبر المسألة فارغة ٌ في حقه و أنه يستجيب ، و كذلك إذا أرسل شخص رسالة إلى ضيافة لأمر لمساعدة يبين في نفس الرسالة بعبارة و نشكركم على إسجابتكم و على ما تفضلتم به من تلبية دعوتنا و هم لا زالوا لم يستجيبوا فهو تعبير ٌ بلاغي يبين ان المستقبل حادث لا محالة انه في يوم القيامة يكون هذا النداء و هذا الحوار بين اهل الجنة و اهل النار .
    2. النداء يفيد إختلاف الأماكن و يفيد إختلاف المقامات ، أن مقام اهل الجنة يختلف عن مقام اهل النار .
    3. نداء غبطة و وضع غبطة عند المؤمنين بفوزهم و تحقيق امالهم فكأنهم يعبرون عن فرحهم بهذا القول وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فهم يقرون فرحا ً بما نالوا و حققوا من الفوز .
    4. ونداء سخرية و تهكم و إستهزاء من اصحاب الجنة بأصحاب النار ، إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ( 2 ) حتى لا يستغرب المستمع انه كيف يحق و كيف يناسب  ان الذين نزع الله ما في قلوبهم من غل و  من حقد يستهزئون ، هنا نجد القرآن يقول و يعبر عن وجوده فعلا و واقعا ً إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ الى ان يقول فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ  ( 3 ) ،

     

    ليس كل إستهزاء و سخرية باطل ، هذا السؤال الذي يحدث في النفس انه هل هذا الإستهزاء الباطل يصدر من أهل الجنة ،

    نقول ليس كل إستهزاء و سخرية باطل ، السخرية الباطلة هي اللغو بلا سبب ٍ عقلائي ، و  من امثلة السخرية التي فيها هدف ما ورد في هذه الآية ،

    أ . السخرية مقابل سخرية ، كانوا يسخرون منا نسخر منهم يقول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ   الأمر مقابل فليس فيه ضير ،

    إذا ً السخرية المقبولة و ربما في بعضها مطلوبة هي التي تكون مقابل سخرية كالتكبر على المتكبر عبادة وكما في قوله تعالى عن النبي نوح وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ  قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ( 4 ) مقابل فليس هناك ضير .

    بــ . سخرية العذاب يوم القيامة الله سبحانه و تعالى جعل صنوف من العذاب للكافرين و من صنوف العذاب السخرية منهم و الإستهزاء بهم و هو عذاب من جنس العمل لأنهم كانوا يستهزئون بغيرهم ، لو تجلس في مجالس المتكبرين تجد هذا موجود ، الكستكبرين الغطاة المتجبرين يسخرون من المؤمنين و من الطاهرين و المتطهرين فتكون السخرية يوم القيامة عذابا ً لهم و هي من جنس عملهم ،

    إذا ً في الآخرة عذاب ٌ توعدهم الله به و لا بد ان ينالوه فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ عادت إليهم سخريتهم .

    1. إقرار ٌ من أهل الجنة ، اهل الجنة في هذه الآية يقرون أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا يتضمن هذا الإقرار الشكر لله الأعتراف بفضل الله و أنهم نالوا و وصلوا الى ما وصلوا اليه بعملهم و إخلاصهم و إيمانهم .
    2. أخذ الإقرار على الكافرين كمقدمة للعذاب ، التساؤل الذي حصل ليقر الكافر بأنهم رأوا الحق فيأتيهم العذاب .
    3. جهات أخذ الإقرار ، من الذي يأخذ منهم الإقرار ، اله يأخذ اٌلإقرار كام يقول تعالى وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ  قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا  قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ( 5 )  الله اخذ عليهم الإقرار ، أيضا ً أصحاب الجنة أخذوا  الإقرار كما أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  يسألونهم فيقرون فيكون الإقرار ايضا من اصحاب الجنة

      أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  ،

    في هذا المقطع وجوه ،

    الوجه الأول : التشريف ،

    الله سبحانه و تعالى شرف لأنه ذكر المؤمنين و جعلهم مفعولاً به في تحقيق ما رأوه ، ذكر المفعول به وهم المؤمنون تشريفا ً لهم لأن الوعد عام للجميع و لكن في الاية نرى مَا وَعَدَنَا  الــ ن و أ  و عدنا مفعول به ذكر ان الوعد خاص لهم يعني تشريف لهم ، الوعد ليس خاص بالمؤمنين الوعد هام لجميع البشر بل حتى للنبي صل الله عليه واله الوعد له بالجنة و الوعيد ايضا بالنار مع المعصية ، حتى للاولياء كما في قوله تعالى وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  ( 6 ) المخاطب هو النبي صل الله عليه واله  و الوعد و الوعيد عام ولكن هنا جائت مخصصة بالمؤمنين يوم القيامة تشريفا ً لهم ،

    الوجه الثاني :

    1. الوعد خاص ليس ناظرا ً للتشريف و إنما هو خاص للمؤمنين لأن الله سبحانه و تعالى وعد المؤمنين بخصوصيات اكثر من الإيمان بالبعث الكافرون يخاطبونهم بأن هناك بعث ام المؤمن يخاطب لأن هناك بعث و هناك جنة و في الجنة كذا و كذا تفاصيل فيكون الوعد بالخصوصيات للمؤمنين فعندما يتحدث المؤمنون يوم القيامة أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا  يقولون وجدنا هذه الخصوصيات التي وعدنا الله لما كنا في الدنيا وجدناها الان حقا .
    2. الوعد العام هو للكافرين فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  ما قال وعدكم ، وعد عام ولم يذكرهم هم فيقتضي ان يكون هذا الوعد العام مشتركا ً بين المؤمنين و غير المؤمنين في القدر المتفق عليه وهو الوعد بالاخرة بالبعث يوم القيامة .

    ومن هذا المقطع نستفيد ايضا ،

    1. ان الوفاء بالوعد واجب ٌ لأنه حق ٌ للمكلف ، الله سبحانه و تعالى وعد المؤمنين و قال لابد ان يحقق هذا الوعد فوجودا الوعد حقا ًيوم القيامة ، فالوعد للمؤمنين حق و لابد ان يتحقق لأنه حق ٌ للمؤمنين و الوعيد أي التهديد بالنار و العقاب ليس واجب التحقيق لأنه حق ٌ للرب و الرب يمكن ان يرفع حقة و يتنازل عن حقه فليس واجب عليه ان يعاقب فربما يغفر للعصات و لكن بالنسبة للصالحين و أصحاب الحق فإن الله سبحانه و تعالى يعطيهم ، هنا للسيد الطباطبائي ملاحظة يقول و هذا انما يتم في موارد الوعيد الخاصة و مصاديقه في الجملة و أما عدم إنجاز اصل العقاب على المذنب و إبطال أساس المجازات على التخلف فليس كذلك إذ في إبطاله إبطال التشريع من أصله و إخلال النظام العام ، السيد الطباطبائي يقول الله سبحانه و تعالى في جانب الوعيد لا يرفعه تماما ً و إنما يرفع بعض الحالات و يعفو عن بعض الذنوب و لكن يعفو عن جميع الذنوب السيد الطباطبائي ينفيه و يستبعده و ربما يناقش في ذلك لأنه عول على صلاح النظام و عدمه فربما يُشكل عليه ان صلاح النظام وعدمه ما دام النظام قائما ً في الدنيا وإذا ذهب النظام يوم القيامة فلا حاجة للوفاء بالوعيد فيمكن إرتفاعه لأنه ليس له مدخلية في إستقرار النظام الذي يُنظر لأن النظام ينتهي بإنتهاء هذه الدنيا .
    2. ان العفو و المغفرة لا تشمل الحقوق ، شخص إعتدى على شخص فالمُعَتدى عليه صاحب حق ، كما قلنا ان الله و صاحب الحق هو الذي يعفو ، أيضا ًبالنسبة للآخرين الله سبحانه و تعالى إذا شخص ظلم شخص و سلب حقوق شخص لا يغفر له إلا ان يعفو عنه صاحب الحق او انه يرجع له حقه و من غير ذلك يكون مهما بلغ من رتبة و إيمان كما عن الإمام الباقر عليه السلام كل ذنب ٍ يكفره القتل في سبيل الله إلا الدَين فإنه لا كفارة إلا أدائه او يقضى لصاحبه او يعفو الذي له الحق ، فإذا لم يقضيه هو او ولده او ورثته او احد يتبرع بقضائه و لم يعفو عنه صاحب الحق يبقى و لابد ان ينال جزائه يوم القيامة  ، البعض يسألأ هل يمكن ان يكون شخص صدق في اصلاحه و لكنه عده هذا الخطأ نقول يمكن ، الله يعمل كما يقولون تسويه  و يصالح بينهم يوم القيامة و يعوضه كما تشير الى ذلك بعض الأحاديث ولكن ما عليه الرأي من العلماء أنه يُحاسب على حقوق الآخرين و يُغفر له .

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الايتان 44-45
    2. سورة المطففين الاية 29
    3. سورة المطففين الاية 34
    4. سورة هود الآية 38
    5. سورة الأنعام الاية 30
    6. سورة الزمر الاية 65
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 28

    19/7/2019

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ  لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 1 )

    هاتان الآيتان تصفان رحمة الله بعباده المؤمنين و هي من الوعد الآلهي الذي وعد به عباده الصالحين و المؤمنين غير المستكبرين المستجيبين لدعوة الله ،

    و في هذا اسلوب قرآني واضح وهو اسلوب ٌ تربوي ، و القرآن يكثر فيه هذا الإسلوب في التركيز على نقاط منها البيان العقلي و طرح الحجة و ضحد الحجة بالحجة ، القرآن يذكر في براهينه البراهين العقلية و من أسلوبه أسلوب الوعيد و التهديد و التخويف بالنار ،

    و من إسلوبه الوعد بالجزاء و العطاء الحسن و الرحمة و هذا إسلوب واضح ظاهر ٌ في القرآن لا يخفى على قارئ ٍ لأي جزءٍ او سورة من القرآن ، ربما نستطيع ان نقول ذلك في جميع مفاصل القرآن يوجد هناك وعد ٌو وعيد يوجد تخويف بالنار و يوجد ترغيب ٌ في الجنة ظاهر ٌ واضح وهو ما يتناسب مع عامة الناس ،

    الناس بطبيعتها تخاف و تحب فالتخويف من الجحيم موجود ٌ في القرآن و الترغيب في الجنة موجود في القرآن وهو إسلوب صحيح ٌ و تربوي و ليس فيه خطأ فليس من الصحيح ان يعترض احد و يقول لماذا تخوفون من النار الإنسان الطبيعي هو الذي يخاف و يحذر و يتجنب ما يخاف و القرآن ذكر ما شاء الله في هذا المجال ، دائما نجد القرآن يذكر الجانبين الجنة و النار و يرغب و يقارن بين اهل الجنة و اهل النار كما في هاتين الآيتين و ما سبقهما من الآيات ،

    و هاتان الايتان توطئة لما يأتي من قوله تعالى وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا  قَالُوا نَعَمْ  فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ، ( 2 )

    اولا ً : المفردات ،

    صُدُورِهِم  الصدر ما يصدر جهته التدبير و الرأي ، الصدر هو الإدراة ، و منه قيل للرئيس صدر ،

    مِّنْ غِلٍّ  الغل هو الحقد و ضغن القلوب و عداوتها و لكن بصورة خفية ، يعيش الناس مثلا بعضهم مع بعض و لكن شخص ٌ يحقد على شخص و هذا الحقد خفي غير ظاهر هذا يسمى غل ،

    ثانيا ً : البيان ،

    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  الطرف المقابل للمكذبين هم المؤمنون ، فأولئك اي الكفار في العذاب و هؤلاء المؤمنون في النعيم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ    و هذه جملة كما يقولن من مبتدأ و خبر فالمبتدأ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ و الخبر أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  يعني هذا وضع المؤمنين الله يُخبر ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات هم في الجنة خالدون مصيرهم هذكا ،

    و هذه الجملة تبين حال المؤمنين الصالحين و بين هذه الجملة جائت جملة ٌ معترضة في وسط المبتدأ و الخبر و هي لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا  الجملة مستقيمة وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  و لكن في وسطها

     وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، فهذه الجملة جائت في الوسط إحتراز تبين هذه الجملة قاعدة عقلية انه ليس هناك تكليف لشخص ٍ غير قابل للتكليف لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا الشخص  الغير قادر على التكليف لا يكلف فلا تطلب من الأعمى ان يبصر و لا تطلب من غير العاقل ان يعقل فكل شيء بحسبه قاعدة عقلية ،

    و هذه الجملية المعترضة تعطي جوابا ً مقنعا ً على كل سؤال منها ،

    1. ان الإيمان ليس شيئا ً مستحيلا بل هو في مقدور كل إنسان و إنما الله يطلب المتيسر المقدور لهم .
    2. ان التكليف لكل احد و لكن بحسبه و بقدرته لا انه ينتفي تماما ً ربما يتصور البعض ان الشخص الذي ليست عنده قدرات كثيرة هذا غير مكلف من الأساس و هذا غير صحيح ، هذه تقول لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ما دام فيها و سع و قدرة فتكلف بحسب هذه القدرة .
    3. أن الإنسان مكلف ومحاسب بعمله هو بقدر ما يستطيع و بقدر ما يحسن هو مكلف بقدر هذه الإستطاعة و لا يفتدي بعذابات غيره كما قال انصارى انهم يفتدون بعذابات المسيح ان المسيح في نظرهم صلب و عذب وهو يكون سببا لنجاتهم فلا حاجة لأعمالهم يفتدون بما تعرض له المسيح و هذا غير صحيح .
    4. هذه الجملة هي تخفيف على المؤمنين و تشجيعا ً لهم لأن كلمة الصالحات وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ربما يخطر في بال احد ان هذا الوعد وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الصالحات اعمال كثيرة إذا ً لو أن شخص نقص من الصالحات فهو  الى جهنم الاية تقول ليس كذلك ، هي تخفيف على الناس و تشجيع لهم و تحفيز لهم أن كل شخص بحسبه بقدرته لا نكلف نفسا ً إلا وسعها .

    وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ

    وضع المحبة و الطمئنينة مقابل الغل و الحسد ، تغير الأمر في النار هناك حسد هناك نزاع هناك خصام وهنا في الجنة محبة و ليس هناك غل و لا شيء يكون في النفس كله ينزعه الله و يجعل الطمئنينة و المحبة بين المؤمنين ،

    بعد أن بين الله في الآيات السابقة وضع اهل النار ، وضع اهل النار انهم يتلاعنون فيها كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا   و يتخاصمون إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ أهل النار وضعهم سيئ و إذا في الجانب الآخر في الجنة نعيم محبة صفاء قلوب طاهرة إلى غير ذلك ،

    إن اهل الجنة في مأمن من هذه الأمراض الخفية التي هي سبب لكل شقاء حتى في الدنيا الحقد و الحسد و الضغينة سبب لكل شقاء ، إنهم في رضوان الله تعالى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ راضون بما عندهم و بما عندهم فلا حسد بينهم الذي في الرتبة في اعلى عليين لا يتكبر على دونه و الذي هو في رتبة قليلة لا يحسد من هو أعلى منه كلهم في رضا و كلهم في سعادة ،

    الاية تشير الى ان أهل الجنة في طهارة و جمال ظاهريٍ و باطني ،  يروي  السدي قال إن اهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فيشربون من احداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور و إغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا و لن يشحبوا بعدها ابدا ً ،  يعني قلوبهم طاهرة و اجسامهم نقية  طاهرة و جميلة ليس فيها شحوب ابدا ً .

     

    تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  

    بعد تلك النعم المعنوية و الجسمانية يأتي دور النعم المادية فهم في بحبوحة من العيش تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  

    و هي إشارة للنعيم المستمر

    تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ  

    يقول السيد الطباطبائي هي إشارة الى انهم يسكنون في قصور عالية و الأنهار تجري من تحتهم ،

    وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ  ،

    ثم تبين الرضا و الشكر الذي يوجب الزيادة و الكمال لهم لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ  ( 3 ) ،

    تبين انهم مُخَلصون لله بحدمة إذا جاء بحث الحمد يتبين من سياقها انهم يحمدون الله خالصين فيكونون مُخَلصين لله سبحانه و تعالى ،  و تبين انهم في هداية ٍ تامة و لا ضلال فيها ابدا ً ،

    وتبين ايضا انما الهداية هي بتوفيق ٍ من الله تعالى و ليس من عند انفسهم ، و سددهم الله في ذلك ،

     وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ،

    وهنا يأتي النداء انكم عملتم و إجتهدتم و على أثر عملكم نلتم هذه الدرجة ، إذا ً العمل له دور فـدور العمل في النتيجة مهم ، فلا يقل شخص انني اصل الى الجنة بغير عمل ،  لا يمكن ان يصل لهذه الجنة و لمقاماتها و للسعادة من غير عمل فيكون التأكيد على ان الجنة و دخول الجنة إنما يكون رهن العمل ،

    و يستنتج انه لا جبر ولا تفويض و انما العمل ، الإنسان يعمل و لا يمكن ان يقول الله له ان عملت ادخلك الجنة و لا يعطيه القدرة على العمل ، فلابد ان يكون قادرا ً على العمل و يعمل بإختياره فيحصد نتاج هذا العمل و بإختياره ،

    و الجنة إرث ٌ لهم لأنها كانها كانت في معرض متناول الجميع ، الجنة الله سبحانه و تعالى لم يخلقها بأسماء محدده و إنما خلقها لكل من يطيع و الروايات تؤكد حتى الكافرين لهم مواضع في الجنة و حتى المؤمنين لهم مواضع في النار و لكن التقوى جعلت المؤمن يدخل الجنة فيكون هو الوارث يأخذ الجنة كلها و ما كان بإسم اولئك ان لو إستقاموا لنالوا ينالها المؤمن و ذاك يأخذ القسم الذي في النار ،

    الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يأخذون افردوس بإيمانهم

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الآيتان 42-43
    2. سورة الأعراف الاية 44
    3. سورة ق الاية 35
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 27

    20/7/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ( 1 )

     

    هذه الآية تواصل الوعيد لمن يكفر بآيات الله و من يستكبر و يرفض الآيات البينات الواضحات الدلالات فتبين هذا الوعيد في هذه الآيات ،

    اولا ً ، المفردات ،

    يَلِجَ  أي يدخل ،

    الْجَمَلُ  البعير ،  و قيل أيضا ً الحبل المتين يسمى جمل ، الحبل الكبير الضخم الذي تجر به السفن الضخمة يسمى جمل ،

    سَمِّ الْخِيَاطِ  ثقب الأبرة  التي تخاط بها الثياب الفتحة في الإبرة هي التي تسمى سم الخياط

    الْخِيَاطِ  الخياط هي الإبرة ،

    جَهَنَّمَ إسم ٌ لنار الآخرة التي يعذب بها المجرمون و ليس لأي نار ، و قيل نار ٌ قعرها عميق ،

    مِهَادٌ  الوطاء الذي يفرش و ينام عليه الشخص ، مهد الأطفال و مهد الكبار ، من المهد ،

      غَوَاشٍ الغواشي جمع غاشية و هي ما يغشى الشيء و يستره ، كاللحاف و الغطاء .

     

    ثانيا ً : البيان ،

    إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا زال الحديث في هذه الآيات حول حول وصف اوضاع الكافرين يوم القيامة و ما سوف يواجههم بعد الموت من وعيد ٍو عذاب ٍ مستمر و هذه الآيات تشير الى الخلود الابدي المحتم الذي لا مفر منه و لا مخرج منه ،

    لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ  الكافرون و المستكبرون و اعمالهم لا يذهبون و لا تذهب اعمالهم لغير الجحيم فلا هم يصعدون للسماء و لا اعمالهم و لا عقائدهم و لا طاعتهم و لا الخير و لا الشر من طرفهم لا يصل الى السماء ، لا يرفع الى الله عملهم و لا إعتقادهم أما المؤمنون و المتقون هم الذين ترفع أعمالهم و عقيدتهم و إيمانهم إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ  الى الله يصعد الكلم الطيب و الإعتقاد الطيب يصعد الى الله و العمل الصالح يرفع هذا الإعتقاد الى الله وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ عن الإمام الباقر عليه السلام أما المؤمنون فترفع اعمالهم و أرواحهم الى السماء فَتُفتح لهم أبوابها و أما الكفار فيصعد بعمله و روحه حتى إذا بلغ الى السماء نادى مناد ٍ إهبطوا به إلى سجين و كما مرت احاديث كثيرة حتى في المنافقين في عملهم تقول الأحدايث يصعد الملك بعمل العبد المنافق الى السماء مبتهجا ً يعني الملك لا يعلم ما وراء حقيقة هذا يصعد به الى السماء مبتهجا ً فيقال له خذه الى سجين او إذهب به إلى سجين ،

     

    ما هو المقصود من السماء ،

    1. العلو الظاهري .
    2. العلو المعنوي فيكون كناية عن مقام القرب الى الله فلا يصعد لا يقترب الى الله سبحانه و تعالى في ذلك المقام مقام القرب من الله و ليس المقام المادي .
    3. العول الى السماء يعني الى الجنة السيد الطباطبائي حول هذه الفقرة الذي نفاه الله من تفتيح ابواب السماء مطلق في نفسه فيشمل الفتح لولوج ادعيتهم و صعود اعمالهم ، يعني الكافر دعائه لا يذهب للسماء و اعمالهم ايضا لا تصعد و الارواح لا تصعد الى السماء ثم يقول غير ان تعقيب الآية بقوله وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ  وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ كـ القرينة على ان المراد نفي ان يفتح بابها لدخول الجنة فإن ظاهر كلامه سبحانه ان الجنة في السماء ، السيد الطباطبائي يختار ان الجنة في السماء فلا يصعدون و لا تفتح لهم ابواب السماء يعني لا يذهبون للجنة لأن الجنة في السماء يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ  وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( 2 ) و كما يقول تعالى وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ  سورة الذاريات الاية 22 يعني الجنة في السماء .

    وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ   كناية عن الإستحالة ، انه مستحيل ، إذا ضرب مثال بالمستحيل تعرف ان مثله يكون مستحيل فكما ان من المستحيل دخول الجمل البعير في فتحت الإيرة فالفتحة في الإبرة لا تكبر و الجمل لا يصغر فمستحيل ، او يدخل الحبل الذي تجر به السفن الى هذه الفتحة ايضا مستحيل فيكون هذا كناية عن ضرب مثال للإستحالة ، فيستحيل ان يدخل المستكبر و المنكر لآيات الله الى الجنة ابدا ً ،

    لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ  تبين أيضا إحاطة العذاب الكافرين بهؤلاء الذين يستكبرون و الذين ينكرون الرسالة عصيانا ً و ظلما ً كما بينت ذكرت اربع صفات ،

    إن الذين كذبوا ، صفة ،

    وَاسْتَكْبَرُوا صفة ثانية ،

    وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي  المجرمين  ، إجرام ،

    الظَّالِمِينَ ، ظلم ، لأنهم بإستكبارهم صاروا مجرمين ،  بنكرانهم للحق مع وضوحه مستكبر ثم هذا الإنكار إجرام وهو ظلم وظلم للنفس أيضا ً فهؤلاء يقعون في العذاب و يحيط بهم العذاب من فوقهم و من تحتهم يكون المهاد الذي ينام عليه من نار و الغاشية و الذي يتدثر به نار فكل جهة نار و كما قال الله تعالى الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ( 3 ) * وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ( 4 ) فيتبين ان الذين يستكبرون و بنكرون يكونون في نار ٍ من جميع الجوانب من فوقهم من تحتهم و في باطنهم هم يكونون وقود فهذا وعيد ٌ من الله سبحانه و تعالى لمن ينكر و يستكبر عن آيات الله سبحانه و تعالى .

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الآيتان 40-41
    2. سورة إبراهيم الاية 48
    3. سورة الهمزة الاية 7
    4. سورة البقرة الاية 24
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 26

    15/7/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا  حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ( 1 )

    هاتان الآيتان تُبينان الوعيد الإلهي الذي تصدر بالآيات السابقة و مصير الكافرين بعد ما مر البيان حول وفاة الكافرين و حضور الملائكة عند الكافرين و توبيخهم و سؤالهم عما كانوا فيه هنا جائت الآية لتبين مخاصمتهم و مصادمتهم و إحتجاجهم فيما بينهم في النار ، عندما يدخلون النار من ضمن ما يكون من العذاب هو المخاصمة و المحاججة فيما بينهم ،

     

    اولا ً : المفردات ،

    أُمَمٍ  ، جمع أمة و هي الجماعة ،

      لَّعَنَتْ ، اللعن الطرد من الرحمة ومن كل خير ، او طلب اللعن وهو يسمى لعن ،

    اختها ، تعني مثلها ،

    ادَّارَكُوا أي إدارك بعضهم بعضا ً بمعنى إجتمعوا ،

    ضِعْفًا  الضعف المثل الزائد على مثله ، واحد بزيادة مثله يكون ضعف فيسمى  إثنين .

     

    ثانيا ، قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ،

    نستنتج من هذه التالي ،

    1. أن الخطاب من الله لا من الملائكة ، عند وفاة الكافرين كان الملائكة و الرسل هم الذين يسألون الكافرين و أما هنا فالخطاب من الله سبحانه و تعالى مباشرة .
    2. المخاطبين بعض الكافرين و ليس كل الكافرين لأنها تشير الى ان الله يخاطب هؤلاء و يقو لهم عن أمم ٍ قبلهم و أنهم يدخلون بعدهم فالخطاب للمتأخرين للأمة المتأخرة في دخولها للنار .
    3. الخطاب نوعه من الله سبحانه و تعالى إما تكويني و إما تشريعي ، و التكويني بمعنى انهم يساقون الى النار و هذا هو نفسه كأنه الخطاب ، و يشير اليه السيد الطباطبائي ، و يمكن ان يكون تشريعيا ً بمعنى الله سبحانه و تعالى حكم عليهم و قال في حكمه و هم يسمعون هذا الخطاب و لكنهم لا يستطيعون مخالفته فينساقون الى النار .
    4. الهدف من هذا الخطاب هو الوصول الى بيان التخاصم في النار ، يعني هذا الخطاب تدرج ليصل الى نوع من العذاب و يبين احوال الكافرين في النار و سيأتي انهم يتخاصمون كما يقول تعالى إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ( 2 ) حقيقة لابد ان تكون و هي ان اهل النار يتخاصمون فيما بينهم .
    5. يستنتج من هذه الاية ايضا ان الجن أمم كم ان الأنس أمم قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ .
    6. قال بعض المفسرين على ان الآية تدل على ان بعض الأمم من الجن يموتون قبل يوم القيامة ، و قبل اليوم المعلوم الذي حدده الله لإبليس ، يعني أمم تموت قبل و أمم تموت بعد ذلك أي ان الإمهال الى يوم الوقت المعلوم الذي ذكره الله هو خاص ٌ لإبليس و ليس لجميع الجن ، و لكن النقاش في هذا انه لا دلالة على ذلك الاية ليس فيها دلالة ان امم تموت قبل و امم تموت بعد و إنت الاية تشير الى ان هناك أمم ، و هناك أمم تدخل قبل أمم و لكن هل هذا قبل يوم القيامة او لا ؟ لا دلالة على ذلك ،

     

    و ذلك لأنه ،

    1. يلزم ان نقول بدخول قبل يوم القيامة يعني حشر قبل يوم القيامة .
    2. لأن حتى على فرض التقدم زمانا ً أمة تدخل اولا ً ثم أمة تدخل ثانيا ً يمكن يكون في يوم القيامة ، زمانا ً الله سبحانه و تعالى يحاسب امة ثم يدخلهم لماذا ؟ روايات كثيرة تشير الى ان اناس يؤخرون و انا سيقدمون و اناس يعاقبون اشد فيمكن ان يكون كل ذلك التقدم و التأخر على فرض التقدم زمانا ً يمكن ان يكون في يوم القيامة .
    3. على فرض التقدم رتبة ً او مكانة ً او منزلة وهو ما يمكن إستنتاجه من الايات ان هذا التقدم امة سابقة و امه لاحقة هي إشارة الى رئساء و الى مرؤسين و الى دعات و الى مدعوين فيمكن ان يكون كله في يوم واحد و في وقت ٍ واحد فلا دلالة ان يكون هناك من الجن يموتون قبل يوم القيامة .

    كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا   اللعن هو  الإبعاد والطرد من الرحمة وهذا من التخاصم الذي يقع في النار تلعن كل أمة متاخره من تقدمها ، تلعنهم لانها تراها قبلهم و سببا ً لضلالهم ،

    من اهوال يوم القيامة المصادمات بين من كانوا احبابا ً  في الدنيا يوم القيامة يكونوا أعداء لأنهم في النار ،

    وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا  ألأباء و الأبناء و القيادات و المقودين يلعن بعضهم بعضا ً لأنهم السبب في دخول جهنم كما صرحت الآية هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا  اضله ابوه او اضله شيخه او اضله اميره او سيده فهناك في يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا و هو من اعظم البلايا ان يكون هذا الإفتراق و تتحول المحبة الى عداوة يوم القيامة ،

    و من اعظم البلايا ان يكون  مع اهل النار حتى لو هو فيه معاصي لكن لا يريد أجواء النار و اجواء اهل النار لأن اجواء اهل النار تختلف عن اجواء اهل الجنة اجواء اهل الجنة محبة اجواء تنكشف البواطن فيخرج باطن الإنسان يكون شيطانا ً يكن سبع و أمثاله فكله شر لا يمكن تقبله و لا العيش معه لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام فلأن صيرتني للعقوبات مع اعدائك و جمعت بيني و بين اهل بلائك  فرقت بيني و بين احبائك و اوليائك ، من ضمن العذاب يتصور الشخص مع الأعداء في النار نستجير بالله من النار ،

    حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ، ادرك بعضهم بعضا ً بمعنى إجتمعوا في النار

    قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عندما تدخل الأخيرة يبدأ التخاصم

    قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ قال المفسرون  في هذا التعبير  ،

    1. المتقدمون و المتأخرون رتبة ً بمعنى رؤساء و مرؤسين قيادات و مقودين و يؤيد هذا قولع تعالى وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ( 3 ) هذه تؤيد على ان الأمة المتقدمة هم السادة الرؤساء الذين يؤثرون

     

    المتقدمون زمانا  و يمكن ان يكون الجمع في ذلك ،

     

    1. ، المتقدمون زمانا ً هم الأمة الأولى و المتأخرون زمانا ً هم الأمة اللاحقة و المتاخرة ، الأمة المتدقمة هم الاباء و الاجداد و من لهم التأثير على اولادهم هم المتقدمون و من جاء بعدهم من اولادهم الذين بعد ذلك سوف يلعنونهم هم الامة المتأخرة ، وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( 4 ) يعني اباء هم يتبعونهم تقدموا زمانا ً عليهم .

     

    قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا يستفاد من هذا المقطع ،

    1. البلاغة في التعبير و إيصال المعنى و الإختصار الجميل ، إختصار جميل في هذا المقطع ، المقطع هو مخاصمة و حوار ، الحوار الذي تكشف عنه هذه التعابير البسيطة ان الكافرين فريقان فريق ٌ يلومون فريق و يقولون انتم ضللتم و ظلمتم انفسكم و لم تكتفوا بظلمكم لأنفسكم و ظلمتمونا و صرنا ضالين بسببكم الآن يجب ان تحاسبوا على جرمكم انتم في انفسك و تحاسبون حسابا ً ثانيا ً الضعف الثاني لإضلالكم إيانا ، ثم يتوجهون للشكوة لله سبحانه و تعالى الاية إختصرتها في هذا التعبير الجميل قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا إختصرت الحوار كله في هذا التعبير و أعطى المعنى كاملا ً .
    2. الالتفات في المخاصمة التخاطب من الكفار الى الله و الدعاء و طلب اللعنة على الأمة المسببة للضلال ، قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ الضعف هو الواحد مثله مرة ً اخرى يطلبون من الله ان يعذب رؤسائهم و آبائهم و من تقدمهم بأشد من عذابهم الذي يتعرضون له هم أنفسهم .
    3. طلب المغرر بهم طلب معقول ، الذين ضلوا بسبب من تقدمهم طلبهم معقول منطقي و عقلي ببداهته لان اولئك ضلوا كما هؤلاء ضلوا و اولئك سببوا الضلال فيحتاجون الى ضعفين من العذاب هذا هو المنطق الطبيعي و لكن المفاجئة من الله سبحانه و تعالى في الجواب تختلف قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ، الله لم يقر على ان لكم عذاب واحد و لهم ضعفين مع انه بالتأمل يكون لهم عذابين الله سبحانه و تعالى   قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ المراد بالضعف للمضلين لأنهم أضلوا لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ  ( 5 ) يحملون عذابهم و عذاب الذين يضلون ، و ضعف ٌ للمضللين ، الضعف الثاني للمضللين من اين جاء ؟ قال المفسرون ان الضعف الثاني لأن المضلَلَين هم اعانوا على انفسهم و اعانوا غيرهم لأنهم إستجابوا للطغات للمستكبرين للمضللين و كثروا السواد لهم و قووهم ايضا ، صاروا اقوياء بهم و إلا فإن الطاغية و الظالم كيف يستطيع ان لولا الأتباع لولا ان يكون معه من يتبعه و يسنده فغن المستكبر لا يستطيع ان يعمل شيء من غيرهم هو يأمر هم ينفذون هم يسندونه فهم شركاء ايضا ، فلهم ضعف ٌ في ضلالهم و لهم ضعف ٌ آخر في إسنادهم للمضل و إتباعهم ،

    وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ  أنتم جميعا ً واقعون في العذاب تائهون غافلون بشدة العذاب انكم فعلا ً في ضعفين من العذاب مضاعف لك و لمن سبقكم .

     

    وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ،  الان الأولى تكلمت انتم ليس لكم فضل إستهزأت بهم أنتم تعذبون و ليس لكم فضل ٌ علينا ، و أيضا لقد شاركتمونا في كل شيء فإن فعلنا فقد أيدتم و أن أمرنا فقد أطعتم فأنتم شركاء في كل شيء لا تقولون نحن اضللناكم انتم شاركتمونا ، فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فليس كفرنا بأشد من كفركم و ليس بطاعتكم بأفضل من بأفضل من طاعتنا نحن مشتركون في كل شيء فنستحق الضعف جميعا ً الأولى تستحق الضعف و الثانية ايضا ً .

     

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الآيتان 38-39
    2. سورة ص الاية 46
    3. سورة الأحزاب الايتان 67-68
    4. سورة الزخرف الاية 23
    5. سورة النحل الاية 25
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 25

    13/7/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ  حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ( 1 )

     

    هذه الآية تفريع ٌ على الخطاب الذي مر لبني آدم بوجوب إتباع و هنا الآية تبين عاقبة من يحيد عن هذا الآمر و هذه الدعوة الربانية و ينحرف و تبين مصيره .

    اولا ً : المفردات ،

    فَمَنْ أَظْلَمُ  الظلم التجاوز و الجور و التعدي عن الحق و هو ظلم ٌ ، و أَظْلَمُ  هو الأشد تجاوزا ً و  الأشد تعديا من كل ظلم ،

    يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم  النصيب السهم المفروض و المحدد لكل واحد ٍ منهم ،

    الْكِتَابِ ،  الكتاب ما هو مقدر ٌ من مصير ٍ و رزق ٍ و مال ٍ و صحة ٍ و مرض ٍ و سقم الى غير ذلك مما هو مكتوب على الإنسان .

     

    ثانيا ً ، البيان ،

    في الآية تفريع ٌ على ما مر من الخطاب العام مفاده نتيجة التكذيب للآيات و ما ينتظر الإنسان المكذب و العاصي و الذي لم يأخذ بالرسالة من الوعيد الآلهي من العذاب في الدنيا و في الآخرة فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  ما أشد من هذا الظلم الذي يمارسه من يستكبر و يكذب بالآيات ليس هناك أشد و لا أبشع من هذا الظلم ، من يرفض رحمة الله و من الله سبحانه و تعالى ، الله كما مرت الآيات تمنن وأنعم على الإنسان نعم ظاهرية و نعم  مادية ثم أعقبها بنعمة الرسالة و الهداية فمن أظلم و من أشد بشاعة في ظلمه ممن يرفض و لا يأخذ بهذه الرسالة بل يفتري و يكذب على الله ،

     

    فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا معنى الإفتراء بصورة عامة يشمل  كل باطل ٍ ينسب لله سبحانه و تعالى  ، و لكن في هذه الآية الإفتراء على الله تعني جعل آلهة مع الله عبادة الأصنام التقرب بالأصنام بالأوثان لله الإستشفاع لله بالأصنام و غيرها و يدل عليه ما يأتي في نفس الآية قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  ، يعني هم يفترون فيدعون من دون الله ،

    أشد الظلم هو التكذيب لآيات الله و الإفتراء عليه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ بشع ٌ شنيع لأنه ظلم للنفس و خسران ٌ ليس بعده خسران خسران ابدي ، ظلم بإنكار الرسالة تعقبه حسرة ٌ و ألم ٌ لا ينتهي ابدا ً يوم القيامة لذلك تكون امنية المكذب العاصي المتجاوز عن حدود الله يوم القيامة ان يرجع للدينا التعويض لذلك يقول تعالى وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ  أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ  فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ سورة فاطر الآية 37 مصيرهم الى جهنم و إنتهى ليس لهم مجال للرجوع ،

    الظلم شنيع  هذه الآية الى هذا الظلم الشنيع وهو ثلاثة ،

    1. ظلم لله سبحانه و تعالى وهو ظلم و تجاوز ٌ و تعدي ٍ على الله لأن الله أراد الخير و أراد ان يطاع بربوبيته التشريعية و أوامره و لكنه يجابه بالرفض و بالعناد و بالإستكبار و بالإفتراء عليه و هذا ظلم من الإنسان لله سبحانه و تعالى .
    2. ظلم للنفس وهو بحرمان النفس من بركات هذا الإمتنان و من بركات هذه الهداية الربانية التي جعلها الله فالذي يحرم نفسه ظلم نفسه تجاوز عن الحق و إعتدى على نفسه و المطلوب منه العكس من ذلك .
    3. ظلم للناس و تعدي ٍ للناس لذلك يكون مسؤول و ما مر في الأحاديث الكثيرة ان الذي يساهم في إشاعة فساد في المجتمع يناله قسط ٌ من وزر من عمل و ينال نفسه وزرهم أيضا ً فهو يحمل وزر نشر الفساد و وزر من يعملون ، فالذي يفتري على الله كذب و الذي يكذب و الذي يدعو الناس لعبادة الأصنام و طاعة غير الله فيكون آثما ً و مفتريا ً و متجاوزا ً و ظالما ً و يشارك أيضا فيمن تجاوز و خالف و إرتكب .

    سؤال في هذه الآية ،

    كيف يتناسق وصف الأظلم لطوائف مختلفة ، كلمة أظلم تعني أشد الظلم يعني الدرجة النهائية في القرآن جائت هذه اللفظة في مواضع مختلفة فما هو التوجيه لها كيف نقول هذا أشد ظلم ثم نذهب لشيء ٍ نراه اقل ونقول هو أشد ايضا ً و هكذا فما هو الجاوب  ؟

    مثلا التكذيب بالله عبرت عنه الآية بأنه أشد  ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ المجرمون

    ( 2 )  ،

    كتمان الشهادة ايضا عبرت عنه الايات بأنه أشد ظلم وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ  وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ عبرت عنه أنه أظلم ،

    منع المساجد  ،  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا  أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ  لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 3 )

    ما هو الوجه لهذه الفروقات و كلها موصوفه بأنها أظلم و أشد ظلم ،

    الجواب أنها تشترك في الكفر بالله و الشرك بالله و الدعوة للتمرد على الله سبحانه و تعالى فالذي يمنع مساجد الله نرى الجزاء واجد ، مثلا في هذه الآية لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ لهم عذاب ٌ عظيم لأنه فيه منع عبادة الله منع طاعة الله ، فالذي يفتري على الله و يجعل الأصنام هو نفسه من يمنع مساجد الله ان يذكر فيها إسمه فالنتيجة واحدة كلها تعبر انه اظلم لأنه يمنع عبادة الله و طاعة الله أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ في هذه الفقرة دلالات هي ،

    1. ان هذا الكتاب مكتوب ٌ فيه كل شيء مقدر لبني آدم في هذا الوجود ، مكتوب ماذا سيكون وماذا سيحدث للإنسان مكتوب من دلالة أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ .
    2. ان هذا كتاب ٌ المُعبر عنه بـ أم الكتاب لذلك يقول تعالى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، هناك محو و إثبات و هناك أم الكتاب الثابت الذي لا يتغير و يقول تعالى مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  ( 4 ) في كتاب ثابته لا تتغير هو أم الكتاب المقدر فيه كل شيء .
    3. ان ما قدر للإنسان هو علم الله سبحانه و تعالى معلوم لله و لا يختلف عن علم الله .
    4. أن ما قدر للإنسان لا يخطئه و لا يتعداه ثابت ٌ له و سوف يقع لا محال لذلك عبرت الآية أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ينالهم نصيبهم لم تقل يَنالوا نصيبهم صار الفاعل و الذي ينال هو النصيب كان النصيب هو الذي يفرض على الناس و ليس هم يأخذون حصتهم و سهمهم فيكون الأخذ من الله سبحانه و تعالى يوصل النصيب إليهم و كأنه يفرضه عليهم و هي إشارة الى حتمية ان يأخذ كل حصته في هذه الدنيا ، التقي يأخذ حصته و الفاسد يأخذ حصته من الخير و من الشقاء .

     

    حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ  المراد به وصول اجل الموت ، يعني حتى إذا جاء أجل الموت

    رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ   حضور ملك الموت و أعوانه ،

    قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  يسألهم ملك الموت و أعوانه  أين ماكنتم تدعون  أنهم شركاء لله سبحانه و تعالى فيكم او انهم شفعاء لكم عند الله ،

    قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا  طبعا ضلوا عنا بمعنى ضل وصفنا لهم ، يعني نحن وصفناهم بوصف ٍ خاطئ و هم ليسوا كذلك وصفنا الحجارة بأنها شفعاء بأنها واسطة بيننا و بين الله و تبين لنا ان الوصف صار خاطئا ً و ليس صحيحا ً ،

    وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  شهدوا الحقيقة عند إنكشاف الحقائق وقفوا و نظروا عيانا ً أن هذه الآلهة لا تقدم و لا تأخر و لاتنفع فشهدوا على انفسهم أنهم في ضلال ٍ و في كفر كان سابقا ً  ليس أتى لاحقا ً كانوا من الأصل في كفر بالله سبحانه و تعالى و شرك ٍ بعبادتهم لغير الله .

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الاية 37
    2. سورة يونس الآية 7
    3. سورة البقرة الاية و 114
    4. سورة الحديد الاية 22
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 24

    13/7/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 1 )

     

    مقدمة ،

    بعد ان بين الله سبحانه و تعالى في الآيات السابقة منه و تفضله بنعمه المختلفة من الطيبات من الرزق و الزينة و ما انزله من لباس و ريش ٍ للناس وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ بين هنا الطريق الصحيح لمنهج الإنسان في الحياة الذي يضبط به حياته و يسلك به في هذه الحياة ، فجاء الخطاب لبني آدم مرة آخرى يوضح فيه سبيل الفطرة وهو الإذعان للحق و إتباع الحق و رفض الباطل و الكفر به ، و سبيل الفطرة يقتضي إتباع الرسل و الإلتزام بالرسل كما بيت هذه الآيات و فيها وعد ٌ و وعيد ٌ ، وعد ٌ للمؤمنين بالأمن و الأمان و عدم الخوف و عدم الحزن في الدنيا و في الآخرة ، و وعيد ٌ للظالمين و من ينكر و من يكفر بالله و آياته و يستكبر عنها و عيد ٌ له بالنار و الخلود في جهنم ،

    اولاً : البيان ،

    يَا بَنِي آدَمَ  من الخطابات العامة لجميع بيني آدم كما مر و هي تبين ضرورة إتباع الرسل ، خطاب للجميع و حكم ٌ للجميع البشر بضرورة إتباع الرسل ، وهو بيان تفضل  الله سبحانه و تعالى و تمنن  الله لأن الحديث كان عن الزينة و اللباس و عن نعم الله و الطيبات من الرزق كله تفضل و هنا تفضل ٌ آخر في الجانب المعنوي و في جانب الهادية و الإستقامة ببعثة الإنبياء ،

    فبعثة الأنبياء هي اعظم النعم لذلك فسر بعض العلماء ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ( 2 ) قال النعيم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام لأن افضل النعم ليس هو الأكل او الشرب و إنما النعم الحقيقية ان يهتدي الإنسان للطريق الصحيح و يصل للغاية التي خلق من أجلها و هي بلوغ رضا الله سبحانه و تعالى و الجنة ، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( 3 )  إِمَّا  يَأْتِينكُمْ رُسُلٌ هذا المقطع مع سياق الاية يفيد ،

    1. حتمية وجود الرسالة السماوية فهي توجد مع وجود البشر ما دام الله سبحانه و تعالى خلق الإنسان فلا يترك الإنسان سدى لابد ان يجعل له هاديا ً و مرشدا ً يرشده للطريق الصحيح إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ( 4 ) في كل الأمم لابد ان يوجد فيها هادي لابد ان يوجد فيها مرشد و نذير .
    2. الرسالة طريق الهدى فلا هداية تامه من غير رسالة السماء سياق الآية و حديث الآية هكذا و يدل عليه وجدان الإنسان و فطرة الإنسان و تدل عليه روايات اهل البيت عليهم السلام أمير المؤمنين في رواية ٍ في مضمونها يقول لو خلي اكمل إنسان في الوجود بنفسه لوحده في الأرض لن يهتدي للسبيل من غير ان تكون الهداية و الإرشاد من السماء لا يهتدي ، و من الذي يستطيع ان يقول انه يهتدي لكل هذه المنظومة المعرفية و الأحكم الشرعية بخصوصياتها مثلا هل صلاة الصبح ركعتين ام ثلاث من جلوس ام قيام ، من الذي يدركها بعقله ، الوضوء يكون على الرأس مسح ام غسل ، الى غير ذلك ، هذه الخصوصيات التي لها آثار ٌ تكوينية و لم تشرع عبثا ً من الذي يستطيع ان يقول بإمكانه  ان يصل إليها و يستنتج وجوبها  او حرمتها و خصائصها و مبطلاتها ، يستنتجها لوحده  و من غير رسول و من غير سماء و من غير رواية لا يستطيع ، مع وجود الأحاديث الناس تتخبط فكيف مع عدم وجودها فلا يمكن ان يهتدي الإنسان إلا برسالة السماء مهما بلغ من التقدم في الأمور المعنوية هو بعيد ٌ جدا ً و في الأمور التي لها إرتباط ٌ معنوي أيضا ً لا يستطيع ان يدرك الجانب المعنوي كم عندنا من أحكام مثل التذكية و الذبح إسقبال القبلة و الإستدبار هل يمكن ان يصل الإنسان الى جزء ٍ منها او شيء منها لوحده لا يمكن .
    3. أن العذاب و اللوم إنما يتفرع على الرسالة فلا لوم و لا عذاب يمكن يقبله الإنسان من غير ان يُحذر و يُعلم ، رفع عن أمتي ما لا يعلمون لذلك قال تعالى مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا  وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ  وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ( 5 ) ،

    لا يمكن ان يعذب الله شخص لم يخبره بأن يترك الشيء الفلاني او ان هذا حرام و هذا واجب ، و هذا أيضا ً يتعدى الى من لم تصل إليه الرسالة ، توجد رسل في مناطق و لكن شخص بعيد لم تصل إليه الرسالة لا يمكن ان يُعذب ، شخص ٌ بسيط في تعريف علماء العقائد مستضعف الذي على نياته و وجد تحت ابوان يعتقدان شيء هل يمكن ان الله يعذبه لأنه لم يعتقد بالحق الذي لم يسمع به و لم يخطر على باله رسلا ً منكم ،

    رسول من بني آدم لا هو ملك و لا هو إله ، رجل ٌ من البشر الله سبحانه و تعالى يرسل رسل من البشر و لكن إمتيازاتهم معنوية فلا يكن في تصوير النبي غلو فلا يُقال مثلا انه لا يأكل و لايشرب و لا يحتاج الى خلاء و لا يقارب النساء بشر ٌ من البشر ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 6 ) وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ  لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( 7 ) يستنكرون ان يكون رسول و يأكل كيف يكون ، الله سبحانه و تعالى جعل رسول له خصائصه له كرامته و منزلته و لكنه من هؤلاء البشر ،

     

    يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي  أي بمعنى يعرضونها عليكم و يفصلونها لكم من القص كأنه يفصل  الشيء و يخصصه القصص هكذا  ،

     

    فَمَنِ اتَّقَىٰ  قيل من اتقى تكذيب و إنكار الرسالة إتقى ،  و أصلح عمله ، و قيل من اتقى المعاصي و إجتنبها وهو الأظهر ، إذا يعني عمل بلوازم الرسالة و إجتنب المعاصي ،

     

    فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ فلا خوف عليهم في الدنيا ، و قيل لا خوف عليهم في الآخرة لا يخافون العاقبة في الاخرة و هو المتناسب ان يكون الحديث عن الاخرة لان الاية الثانية تتحدث عن الخلود في النار للكافرين و المنكرين فيكون الكلام كله عن الآخرة ، إذا ً لا خوف عليهم في الآخرة إذا ً هم على إطمئنان انهم يأتون للآخرة بسكينة ٍ و إطمئنان و لا يخافون من النار بل يستقبلهم الملائكة و يبشرونهم بذلك اليوم ،

     

    وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ و لاهم يحزنون على ما تركوا  ، عندما يعرضون يوم القيامة فهم في إطمئنان لما يستقبلون و ليسوا متأسفين و ليسوا حزينين على ما مر او تركوا في الدنيا ،

     

    وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 8 ) الذين أنكروا الرسالة طغيانا ً و عنادا ً مع علمهم لهم العذاب و لهم الخلود في النار ، أما الذي يجهل ليس كذلك ،  و الذي يرتكب و لكنه ليس عنادا ً و إصرارا ً لا نقول عنه أنه خالدا ً  في النار ،  كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام فباليقين اقطع  لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك و قضيت به من إخلاد معانديك المعاند هو الذي يخلد في النار   .

     

    ثانيا ً : إشكال خاتمية الرسالة ،

     

    البعض قال انها تخاطب المسلمين و تشير الى ان الرسالة ليست خاتمية ، إذا كان الخطاب للمسلمين او لبني البشر قاطبة و يشمل المسلمين و تقول هم إذا جائكم رسول فإتبعوا الرسول هم مسلمون إذا ً محتمل ان يبعث رسول بعد النبي محمد صل الله عليه واله فيكون النبي محمد صل الله عليه واله ليس خاتم ،

    الجواب ،

    الاية تتحدث عن بني آدم و خروج آدم من الجنة سياق مرتبط بما مر و إن كان الخطاب يشمل الجميع فهي تخاطب الجميع انه كلما جائكم رسول ونذير إتبعوه و لم تتحدث عن هذه الأمة انه قد جائها الرسول لم لا و هذه  جائها ام لا و إنما تعطي القاعدة العامة لمن يأتيهم نذير ان يأخذ بإنذاره و يعمل بمقتضى الرسالة .

     

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الاية 35
    2. سورة التكاثر الاية 8
    3. سورة ال عمران الاية 164
    4. سورة فاطر الاية 24
    5. سورة الإسراء الاية 15
    6. سورة إبراهيم الاية 11
    7. سورة الفرقان الاية 7
    8. سورة الاعراف الاية 36
  • تفسير سورة العراف الحلقة 23 ، بقاء و فناء الأمم ، الجزء 2

    5/7/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ  فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

     

    مقدمة ،

    حديثنا في الحلقة الثالثة و العشرين من الحديث حول ايات هذه السور و هو الجزء الثاني من بحث بقاء الأمم و فنائها و حديثنا حول معنى فناء الأمم و بقائها و أهمية الخوف الإيجابي كمحرك طبيعي للبقاء و التفكر في أسباب بقاء الأمم و فنائها ،

    اولا ً : معنى فناء الأمم و بقاء الأمم ،

    1. معاني فناء الأمم ، المعنى الأول وهو ما ذكره القرآن الكريم و أشار إليه وهو فناء الأمم و إندثارها و إندراسها و إختفاؤها من الوجود كقوم لوط ٍ و غيرهم ،

    المعنى الآخر الذي ذكرناه سابقا ً وهو فقدان هوية الأمة و حضارتها ،

    و المعنى الثالث فقدان تأثير الأمة في غيرها و كأن وجودها هامشي فهي تتأثر و لا تؤثر ، هذه معاني لفناء الأمم .

    1. مراحل نشوء الأمم و فناء الأمم كتب المفكرون و المؤرخون من المسلمين و غيرهم و الغربيين في نشأة الأمم و فنائها ، منها تصوير إبن خلدون الذي قدم تصورا ً لنشأة الأمم و فنائها في أطوار ،

     

    الطور الأول ، طور القيام و النشأة

    الطور الثاني ، ما يسميه بطور الإستبداد و الإستئثار بالسلطة و السطان ،

    الطور الثالث ، طور الفراغ و الدعة لتحصيل ثمرات الملك ،

    الطور الرابع ، طور الخنوع و المسالمة و التقليد للسابقين بحيث يقول الإنسان في هذه الأمة إنما كان عليه آبائه و أجداده هو السليم ،

    الطور الخامس ، هو الإسراف و التبذير و إصطناع قرناء السوء و إبعاد الصالحين و الناصحين وهو دور هلاك الأمة و فنائها ،

     

    و ذكر الغربيون تصورات مشابهة لذلك و لا حاجة لذكرها .

     

    ثانيا ً : التفكر و مرحلة الفكر الإتنتاجي ،

     

    التفكر صفة العقلاء وهو أكبر الطاعات و العبادات و من أكبر النعم ان تكون الأمة متفكرة ً واعية ، التفكر في حال من مضى يجعل الإنسان واعيا ً و لا يعيد الحركة من الصفر ، أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام حين يقول إني و إن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي و لكني بما إنتهت إلي َّ أخبارهم كأني عمرت عمر أحدهم لذا إخترت لك من كل شيء ٍ جميله و توخيت نخيله ، يربط هذا الإختيار بما مر من تجارب الأمم و ما مضى من تاريخ الأمم و قد تحدث أمير المؤمنين في الإتعاظ و الإعتبار بالأمم أحاديث و خطب طويلة و كثيرة ،

    إذا ً بتفادي بما مر من نكسات الأمم و إنتهائها تستطيع الأمة البناء و التقدم و الإستمرار ،

     

    ثانيا ً : أهمية الخوف الإيجابي في حياة الناس ،

     

    الخوف ليس سلبيا ً دائما ً و إنما يكون الخوف إيجابيا ً في بعض بل في كثير ٍ من الحالات ، من نعم الله تعالى على الإنسان الشعور بالخوف من مواقع و أسبابه ، لو كان الإنسان لا يخاف من شيء فإنه لا يتحرك لتفادي الخطر و لكنه بطبيعته أنه إذا وجد شيئا ً مخيفا ً يكشف عن وجود خطر يتفادى و يتراجع ،

     

    من نعم الله على الناس الشعور بالألم عند المرض كي ينتبه الشخص فيعالج سبب الألم ، من نعم الله الشعور مثلا بالهزة الأرضية او زلزال قبل حصول الدمار ، من نعم الله ان يكون ملتفتا ً لذلك ان تتوفر له الأسباب لكشف هذه الأمور الخطيرة ،

     

     

    من فوائد هذا الخوف و هذا الشعور ،

     

    1. التفكر فيما يمكن ان يؤول اليه و يصل إليه مصير الأمة من أسباب الخوف و الضرر التي تسبب ، عندما يفكر و يتأمل ماذا سوف تنتهي إليه هذه الأمة .
    2. من فوائد الخوف الفحص المستمر و المراقبة المتأنية و لا يرى العقلاء ان ما يصرف في ذلك خسارة ، بل الأمم و الحضارات توفر أجهزة لمراقبة ما يمكن ان يحدث خطر هزة ارضية او غير ذلك لأن كشفه و تفادي الخطر من أهم الأمور فهي نعمة من نعم الله تعالى و هي من فوائد هذا الخوف .
    3. عدم الإستمرار في سبب الألم فالذي يشعر بالألم في رجله سوف يتحرك لكشف ما فيها و يتفادى الجسلة او المشية التي تسببها .
    4. سوف يأخذ له حاميا ً و واقيا ً و حافظا من سبب هذا الألم لأنه بهذا الخوف يتحرك .
    5. سوف يعمل على تقويتها ، تقوية رجله مثلا او جسدة حتى لا يصاب بالآثار التي يخافها .
    6. على اقل تقدير سوف يرتب نفسه للتعايش و كيفية التعامل مع ما يحتمله من ضرر ، يهيأ نفسه للمتغيرات التي سوف تحدث او يحتمل وقوعها .

     

    كذلك هو موضوع بقاء الأمم ،

    1. أنفس و أغلى ما يمكن ان يتصوره إنسان هو الكشف عن ضعف الإنسان و ضعف الأمم و الكشف المبكر عن علامات الفناء و السقوط في الأمة ، من نعم الله بل هي من أغلى و أنفس الأمور ان تستطيع الأمة ان ترى مسارها و إلى أين تنتهي .
    2. من نفائس الإسلام وضع خارطة آمنة يسير عليها الإنسان تكشف له نقاط الضعف و نقاط السقوط فلا يقترب منها و يتفاداها ، الإسلام وضع خارطة و تعليمات ليس كمثله احد وضع ذلك و بين ان هذا الطريق يؤدي إلى السقوط و هذا يؤدي إلى البقاء كما مر الكلام سابقا ً و يأتي الآن .
    3. بيان وصفات واضحة لكل مرض ٍ يتعرض له المجتمع ، و قبله وضع وصفات وقائية بها يحفظ المجتمع قوته ، الإسلام وضع العلاح  و وضع قبل العلاج وصفات وقائية قبل وقوع المرض .
    4. كل جهاز كشف يحتاج الى ضمان في كشفه للمرض للزلزال و لغير ذلك ، اذا قدمت شركة جهاز لبلد يقال  ما هو ضمان عمله و أنه لا يخطئ ، و هنا الضامن لذلك رب العالمين اعطى تعليمات و اعطى بيانات كيف تسير الأمة و كيف تنتهي و كيف تحفظ نفسها و هل هذا الكشف حقيقي او ليس حقيقي ضمان صحته هو الله سبحانه و تعالى .
    5. و ضمان العلاج و خارطة الطريق في هذا المجال ضمنها رب العباد المتصرف في الوجود الذي خلق الوجود هو الذي اعطى الخارطة و ان هذه الخارطة تجعلكم تتفادون ما يمكن ان توؤل إليه الأمة .

     

    رابعا ً : القرآن والأمر بالسير و التدبر في مصير الأمم و أسباب فنائها ،

    القرآن أوجب في آيات ٍ كثيرة على الناس التأمل و التدبر فيما يمكن ان تصل إليه الأمة يقول تعالى  أَلَمْ يرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( 1 )  الله سبحانه و تعالى أمر بالتدبر في هذه الأمم ماذا سبب هلاكهم ،

    و يقول تعالى أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ( 2 ) ذاك سبب ٌ أوقع تلك الأمم و عليهم ان يتفادوا هذا .

     

    خامسا ً : أسباب فناء الأمم ،

    ما هي الأسباب و ما هي التعليمات و ما هو الإنذار الذي بينه الله سبحانه و تعالى ان هذا هو السبب ذكر أمور كثيرة منها ،

    1. التكذيب و عدم الإيمان يقول تعالى كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ * وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ   

    ( 3 ) يعني هناك طريق و مسير بهذا التكذيب ادى الى الفناء و إنتهاء الأمة و لم يبقى أثر ، و تلك أمم كثيرة قد انتهت ومضت و لم يبقى لها وجود .

    1. الظلم ، الظلم ايضا طريق للفناء حتمي و لا محال الذي يظلم ينتهي هو تنتهي الأمة إن إستشرى فيها الظلم و إذا كان الظم موجود و الناس يسكتون على الظلم ينتهون أيضا ً و يفنون ، ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ۖ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ  فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ  ( 4 ) إنتهوا لأنهم إعتدوا لأنهم ظلموا ، وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ  إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( 5 ) الله يبيدها و يعذبها عذابا ً شديدا ً و تنتهي ، وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا ( 6 ) .
    2. فسوق المترفين يقول تعالى وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا

    ( 7 ) الفسوق و التجاوز عدم الإعناء ، الإنسان قد يذنب قد يرتكب خطأ لكنه يلتفت إلى خطئه يتوب ، اما ان يكون معتديا ً خارجا ً لا يهمه انه إرتكب ام لم يرتكب فسوق و عناد و إصرار على المعصية مصيره يكون كذلك .

    1. التقدم غير الموجه و الإنفتاح غير الوجه و عدم الإسترشاد ايضا يجعل صاحبه يكون إلى الزوال و الأمة تكون إلى الزوال ، إذا لم يكن هناك توجيه واضح .
    2. الإنتصار بالعدو و الأمة التي تتوسل بأعدائها تكون في مصير الهلاك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ  إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ( 8 ) إن كنت تعقل فإن الإنتصار بالعدو هو الهلاك الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ  أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ( 9 ) العزة لا تكون من غير المؤمنين لاتكون من غير الله سبحانه و تعالى .
    3. الذنوب و المعاصي سبب لإندثار الأمم ، قال النبي صل الله عليه واله إذا كثر الزنا بعدي كثر موت الفجئة و إذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين و النقص و إذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركاتها من الزرع و الثمار و المعادن و إذا جاورا في الحكم تعاونوا على الظلم و العدوان و إذا نقضوا العهود سلط الله عليهم عدوهم و إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار و إذا لم يأمروا بالمعروف و لم ينهوا عن المنكر و لم يتبعوا الأخيار من اهل بيتي سلط الله عليهم أشرارهم فيدعو عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم ، إذا كانت الذنوب ترتكب فإن المصير هكذا .
    4. كفران النعمة ، من اسباب هلاك الأمم و خسارتها و هلاك الأفراد أيضا و خسراتهم و إن كان الحديث في جانب الأمم هو كفران النعمة وعدم الشكر ، يقول تعالى وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا  وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ( 10 ) بطرت إستهزئت بأنعم الله و لم تشكر وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ  وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( 11 ) يعني لم تشكروا النعم التي انعم الله عليكم فإن العذاب شديد .
    5. الإختلاف و التشتت من أسباب هلاك الأمة إذا كانت الأمة إذا كانت غير متوحدة إذا كانت متشتته متفرقة يقول تعالى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( 12 ) يجب على الأمة ان تكون واحدة متكاتفة متحدة لا تختلف و لا تبحث عن الخلاف بل تبحث عن كل ما يوحد ويلم شمل الأمة و يقوي الأمة ، الله لا يعذب أمة و لا يبيدها قبل ان يلقي عليهم الحجة واضحة ، الله سبحانه و تعالى القى الحجة على أمم ٍ بعث إليهم الرسل و بين لهم ان  الطريق صحيح او ان الطريق خاطئ ثم ينزل عليهم العذاب و أمتنا هي أمة الإسلام و الإنذار مرة من رسول الله صل الله عليه واله و القرآن يهتف بنا ليل نهار ان نتعظ و نلتفت ، ذَٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ( 13 ) مع غفلتهم الله لا يهلكهم وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا  وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ( 14 ) عندما يكون التجاوز و الظلم و عدم الإتعاظ يأتيهم الهلاك .

    سادسا ً : سنن و أسباب بقاء الأمة و عزتها ،

    كما هناك أسباب لفناء الأمة تقلبها تكون هي سبب البقاء ،

    1. الإيمان و التقوى ، يقول تعالى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 15 ) لو أنهم آمنوا لكان إستمرار و كان خير و كانت رحمة و كان عطاء لا ينتهي ، إذا ً الإيمان هو أغلى قيمة و منشأ كل القيم الإنسانية ، الذي يؤمن بالله سبحانه و تعالى فترتبط روحه بالله يكون معتدلا ً يكون متزنا ً يكون صالحا ً تكون فطرته سليمة ، الإيمان هو الطريق وهو المنهج السليم لسلوك الأمة و إعتلاء الأمة فلا تجد أمة تعتدي على امة غيرها و هي مؤمنة بالله لا تجد أمة تغدر بأمه إذا كانت هي مؤمن بالله ، الإيمان هو الحارس و الضامن و المراقب لفعلية آثار الإيمان ، الفعلية لآثار تعاليم الإسلام المؤمن هو الذي يكون ملتزما ً متزنا ً ، الإيمان يرفع الخزي و العذاب عن الناس ، ربما يأتي العذاب إليهم كما مر في حديثنا عن نبي الله يونس و عندما يشرف العذاب فتؤمن الأمة يرتفع عنها الخزي و العذاب فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ( 16 ) لأنهم إتخذوا الإيمان فأكرموا من الله سبحانه و تعالى .
    2. الإصلاح و وجود المصلحين ، من أسباب بقاء الأمة الإصلاح و وجود المصلحين فإذا لم تكن فيها من يصلح فإن مصيرها إلى الدمار ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ( 17 ) إذا كانت الأمة تصلح فهي إلى خير أما إذا كانت ترا الفساد و تتغاضى عنه و تسكت عليه و لا تتحرك في الإصلاح فهي إلى زوال و إلى هلاك حتى لو كانت صالحة وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ  كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ( 18 ) إبتلاء من الله سبحانه و تعالى يجعل الإسماك تصل و لكنه يمنعهم عن إصطيادها  وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا  اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا  قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( 19 ) إنظروا في هذه الآية الله سبحانه و تعالى يقسم أهل هذه المنطقة و اهل هذه القرية إلى ثلاث أقسام ،

     

    • قسم يصطادون السمك و يعصون الله ،
    • قسم ٌ ينهون الذين يصطادون و الذين ينهونهم صالحون ،
    • وقسم ٌ آخر صالحون و لكنهم لا ينهون فيقولون للآمرين و الناهين لماذا تعظون قوما ً الله مهلكهم إتركوهم إلى مصيرهم الله سوف يهلكهم وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا  قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ نحن نعمل بوظيفتنا و نرجوا ان يتقوا فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ ثلاثة أقسام نجا منهم قسم ٌ واحد أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ إذا المة بقاؤها بالإصلاح و زوالها بعدم الإصلاح مع وجود الفساد حتى لو كانت الأمة صالحة في نفسها لكنها لا تأمر بالمعروف و لا تنهى عن المنكر فإن مصيرها إلى الزوال .

     

    فمن مهام المصلحين ،

    أ . الدعوة الى الخير دائما ً يقول الله تعالى وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  ( 20 ) دائما دعوة للخير و هذا غير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، هذه دعوة  تحبيب الناس للخير مطلوب من الأمة و بعض العلماء يفسر وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ  يعني كونوا كلكم أمة ً و كونوا كلكم أمة ً واحدة ً تأمر و تنهى و تدعوا .

    بـ . المر بالمعروف و النهي عن المنكر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  و هذه وظيفة الإصلاح فإذا تخلى عنها المجتمع وقع في الهلاك .

    جـ . مواكبة التغيرات ، مطلوب ُ من المصلحين ان يكونوا على معرفة ،  العالم بزمانه لا تلتبس عليه اللوابس ، ما يحدث من إشكالات و من تساؤلات المصلح لا بد ان يكون عارف بالأمور و يستطيع ان يعطي الجواب فيما يراه .

     

    الهوامش ،

    1. سورة الأنعام الآية 6
    2. سورة النحل الاية 45
    3. سورة ص الآيات 12-13-14-15
    4. سورة هود الآيتان 100-101
    5. سورة هود الاية 102
    6. سورة الكهف الاية 95
    7. سورة الإسراء الاية 16
    8. سورة العمران الاية 118
    9. سورة النساء الاية 139
    10. سورة القصص الاية 58
    11. سورة إبراهيم الاية 7
    12. سورة الأنفال الاية 46
    13. سورة الأنعام الاية 131
    14. سورة القصص الاية 59
    15. سورة الأعراف الاية 96
    16. سورة يونس الاية 98
    17. سورة هود الاية 117
    18. سورة الأعراف 163
    19. سورة الأعراف الاية 164
    20. سورة آل عمران الآية 104

     

  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 22 ، بقاء الأمم و فناؤها الجزء 1

    1/7/2019

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ  فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ( 1 )

     

    حديثنا حول هذه الاية ،

     

    اولا ً : المفردات ،

    وَلِكُلِّ أُمَّةٍ الأمة هي الجماعة التي لها مقصد واحد و هي مأخوذة من أمه أي قصده ، فالأمة هي ما يجمعها هدف واحد و مقصد واحد ،  تجتمع جماعة على شيء ٍ واحد تسمى امة سواء أمة كبيرة او كانت صغيرة ، بل حتى الجماعات الصغيرة اذا كانت تشترك في هدف ٍ واحد فهي أمة ،

    أجَلٌ الوقت المضروب و المحدد ،

    لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً  أي لا يطلبون التأخير او لا يؤخرون ،

    سَاعَةً ، الساعة أصغر وحدة زمنية بمعنى أقل قدر ٍ من الزمان ، و إن كان في وقتنا تغير المصطلح لما هو معهود ٌ من الساعة التي تؤخذ من تقسيم اليوم ارعة و عشرين ساعة ،

    وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ أي و لا يتقدمون .

     

    ثانيا ً : البيان ،

    1. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، و عيد من الله تعالى لكفار قريش بأن الكفر و الجحود لا يجعل الإنسان دائما ً في هذه الحياة بل لابد ان يعقب هذا الجحود تدمير ٌ و فناء ُ و هلاك ٌ للجاحدين الكافرين ، فهو تهديد ٌ لهم بالإستئصال و الفناء و الإنتهاء .
    2. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، الاية تقول ليس لأحد الخلود مطلقا ً في هذه الأرض وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ  أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ، كل البشر لا يكونون خالدين لا يبقون في هذه الدنيا ،

     

    و ذلك لان  ،

    أ . لكل فرد اجل و عمر محدد و لا بد ان يخرج ، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ  الدنيا يعيش فيها الإنسان ثم يموت ،

     

    ب . الأمم كذلك ، تدل الآية كذلك ان الامم أيضا ً لها اجل و عمر محدد في علم الله سبحانه و تعالى كما ان الأفراد لهم عمر محدد و يموتون ، الأمم بما هي امة لها عمر ٌ محدد ، و لا ينافي كون الأجل معلوم عند الله ان له أسباب ،

    يعني ربما يقول الشخص ما هو السبب لموتهم و فنائهم هل ان الله يجبرهم و يجبر الامم ان تنتهي ، نقول لا بل ان الله كما مرالحديث علمه بالأجل لا يعني الجبر على الموت ، علمه بأن هذه الأمة سوف تأخذ بأسباب سوف تؤدي إلى فنائها و إندثارها لا يعني ان الله حبرها على ذلك و إنما لها اجل في علم الله يكشف ما سوف تؤول إليه بإختيارها ،

     

    كل امة و كل فرد ٍ في الحياة إنما يأخذ نصيبه ، كأن هذه الآية تتحدث هكذا الحياة مسير ٌ يسير فيه الإنسان و يدخل فيه و ليس لأحد ان يبقى فيه أبدا ً له أجل له مرحلة يدخل فيها ثم يخرج من هذه الدنيا فعليه ان يكون النظر لما بعد هذه المرحلة ، الآية تحذر و تقول لا تغفل عن ما بعد هذه الحياة فهي لم تأتي لتتحدث عن  الموت فقط و إنما تتحدث عن ما بعد الموت ، أن تتهيأ لما بعد الموت تعلم ان هناك اجل و ان هناك نهاية و الإنسان ينتهي إذا ً لابد ان يكون نظره على ما بعد الموت .

    1. وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، قيل في معناه و يمكن في بعضها ان يُقال أيضا ً ،

     

    أ . أن لكل أمة ٍ عمر محدد يموت فيه الناس عادة ً ، هذا القول يقول وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ليس هو ما ذكرناه و إنما يعني أن الأمم لها أعمار مثلا ً في هذه الأمة التي نعيشها الناس تموت عند أقل من مئة سنة فعمر الناس هكذا محدد ،

    في تلك الأم مثلا ً في زمن النبي يوسف كان الناس يعيشون خمسئمة سنة فيقال تلك الأمة لها عمر هكذا ، و هذه الأمة لها عمر مئة سنة ، أمة اخرى لها عمر ألف سنة فلكل أمة عمر محدد أجل محدد هذا قول .

     

    بـ . ان إهلاك الأمم إنما يكون بعد الأجل الذي منحهم الله إياه وهو إتمام الحجة عليهم ،  لكل أمة اجل يعني فرصة الله سبحانه و تعالى يتم عليهم الحجة و ينتهي ، وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ  ( 3 ) ، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ( 4 ) ، الأجل ان يكون لها كتاب و لها بيان و لها حجة عليها .

     

    جــ . المراد بالأجل العمر الذي هو مدة الحياة وهو الأظهر ، المقصود هو العمر الذي تعيشه الأمه نفسها هي و ليس الطول الصغر و ما ذكرنا قبلا ً .

    1. فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ قيل فيه ،

     

    أ . أي قرب أجلهم أي موتهم الحقيقي ، إذا جاء أجل هذه الأمة يعني إقترب الموت الحقيقي بأسبابه التي تأتي و التي تُذكر .

     

    بـ . الأجل المعنوي ، قيل إذا جاء اجلهم المعنوي و الفكري و الثقافي و سيأتي الحديث عنه ، فلها أجل من جانب وجود الأمة لأن وجود الأمة كما يأتي ليس وجود الأمة كأفراد و إنما تُسمى أمة بفكرها بثقافتها بهويتها ، بما تجتمع عليه في تعريف الأمة في بادء الكلام تسمى أمة .

     

    1. لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ،

     

    قيل في معناه  ،

     

    أ . إذا جاء أجلهم لا يتأخرون ساعة ً و لا يتقدمون ، أي لا  يؤخرون و لا يقدمون و يتأخر او يتقدم هو ،

     

    بـ . لا يطلبون التاخير و لا يطلبون التقديم ، إذا جاء الأجل و رأوا علامات الموت هم لا يطلبون التأخير ، الذي يرى علامات الموت و حضور الملائكة و يرى كل شيء أمامه لا يطلب التأخير .

     

    ثالثا ً : سنن الغيير و موت الأمم ،

    طبعا ً هناك سنن كونية ، من ضمن هذه السنن التغير الذي يكون في الأمم ،

    1. لأمم حياة كالأفراد ، حياة ثقافية خاصة و حية ، كيف نعرف ان هذه الثقافة حية ، ترون الأمم بثقافتها و ثقافة ليست ميته حتى الجاهلية ليست ميتة فيها حياة فيها نمو فيها سقوط فيها تقدم فيها تأخر ، كمثال لها ، حياة اللهجة او اللغة ، اللغة لها حياة فهي تنمو و تتأخر و تتراجع و تتقدم ، مثلا الآن لو أن شخص ساكن في بلد آخرى و تعلم لغة تلك قبل عشرين سنة رجع الان لبده و بعد عشرين سنة اراد الرجوع لتلك البلد يرى لهجتهم مختلفة عنما عن ما تعلمه هو قبلا ً و هي اللغة نفسها ، البحرين لو أردنا ان نتحدث بلهجة البحارنة قبل عشرين سنة تراها مختلفة عن اللهجة الحالية يقولون لانها تتغير فيها حياة ليست ثابته ليست راكدة ، فالأمم لها حياة ثقافية متغيرة لها ذووق خاص لهجة خاصة الى اخره ، فكل امة لها شأن خاص و ترى هذا في تغير مستمر .
    2. لإستمرار أي أمة تحتاج الى استمرار عدد من السنين كثيرة لتبقى أمة ثابته ، بعض العلماء في هذا المجال يقولون تحتاج الى ثلاث مشة سنة حتى تكون امة ثابته لا تتغير تبقى مستمرة على منهجها لذلك قالوا ان وظيفة الأئمة عليهم السلام هو الحفاظ على الإسلام فكان لابد ان يتحملوا المشاق و الصعوبات حتى يسير الإسلام و يبقى ولو بصورته الظاهرية و بشكله الظاهري ، فإذا إستمر و رسخ جيل بعد جيل بعد ذلك يكون ثابت تغيره يكون شبه مستحيل يكون صعب ، لذلك يقولون عندما يأتي شخص و يعتقد عقيدة اخرى وتناقشه و ترشده فيقتنع بمنهجك و عقيدتك يتحول ، يقولون التأثير الذي توقعه عليه انت لا يتعدى الثلاثين بالمئة من ناحية نفسية مع انه إقتنع فكريا ً لكن لم يكن كاملا ً في الجيل الثاني يتغير ايضا ً ثلاثين ولده في الجيل الثالث يصل الى تسعين و هكذا يتغير و يكون بعد ذلك تغير حقيقي و عميق و حتى يستمر عن التراجع يحتاج الى سنين طويلة .
    3. مثلان للثقافة في حياة الأمم و التضارب فيها ، تكريم البنت او دفنها و إعتبارها عار تجد مجتمع بثقافته يعتبر ان وئد البنت كما كان في الجزيرة العربية في الحجاز يعتبرونه فخر و شرف و إذا أبقى البنت ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ( 5 ) *  يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ( 6 ) يعتبره عار وهو صادق في نفسه الفكرة خطأ لكنه صادق في حملها متأثر بها و تذهب ، و تذهب لليمن و هي مسافة ليست بعيدة إمرأة تحكم و المجتمع مختلف ، تذهب في هذا العصر  الى بعض الدول حتى في أفريقيا يبيعون الأولاد ، قبل فترات تصويت في البرلمان هل يقنون قانون يجرم بيع الأولاد نتيجة التصويت كلهم يرفضون ، انه إترك الناس ، الناس يريدون و يطالبون ان يبيعون اولادهم ، في مكان آخر يضحي بنفسه و بكل شيء من أجل ولده ، هذه ثقافة و حياة في الناس هكذا يكونون و هي تربية يبقى لها أثرها في نفوس الناس .
    4. الهلاك لا يخص الظالمين و إنما يشمل حتى الصالحين في الأمم ، إذا فسدت الأمة لذلك يقول تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  ( 7 )

     

    الهوامش ،

    1. سورة الأعراف الاية 34
    2. سورة الأعراف الاية 25
    3. سورة الحجر الآية 4
    4. سورة المؤمنون الاية 43
    5. سورة النحل الاية 58
    6. سورة النحل الاية 59
    7. سورة النفال الاية 25
  • تفسير سورة الأعراف الحلقة 21 – حرمة الفواحش

     

    28/6/2019

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 1 )

     

    مواصلة للحديث حول ايات سورة الأعراف ،

    اولا ً : المفردات ،

    قُلْ إِنَّمَا إنما أدات حصر ٍ و تفيد ان المشمول بالحكم هو ما سيأتي بعدها مباشرة ً قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ إلى آخر ،

    حَرَّمَ رَبِّيَ  اي منع و إعتبره حكما ً شرعيا ً لا يمكن التعدي عليه و لا الإقتراب منه ،

    الْفَوَاحِشَ هي المعاصي القبيحة و الشنيعة كالزنا و اللواط و هي اقبح القبائح و هي من الكبائر ،

    مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ  ما ظهر منها على تفاسير ما يأتي من ظهوره و وضوحه و ما خفي و لم يكن ظاهرا ً من هذه الفواحش

    وَالْإِثْمَ  قال الراغب الأثم إسم ٌ للأفعال المبطئة عن الثواب فالأثم هو ما يبطأ عن فعل الخيرات كانه عائق يعيق الإنسان من التقدم و السعي و الحركة وَالْبَغْيَ هو الطلب لما ليس له بحق فهو التعدي و الظلم للناس بأخذ مالهم من غير مشروعيته فالبغي جميع ما يصدق عليه ظلم و تعدي على حقوق الناس فهو بغي .

     

    ثانيا ً : البيان ،

    قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ

    إنما جائت هذه الآية لتكون جامعة ً مبينة ً لما يحرم فلا يتوسع المسلم في مورد الإباحة الذي مر قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ  كي لا ينفلت الإنسان جائت هذه الآية لتحدد له وجهته الصحيحة و تبين ان هاك افعالا ً شنيعة ً و فاحشة ً يدركها الإنسان بطبيعته و ينفر منها فالفاحشة هي بنفسها منفرة و هي بنفسها يدرك الإنسان انها لا تلائم طبعه و سجيته ،

    قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ

    من مصاديق الفواحش الزنا يقول تعالى وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا  إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ( 2 ) يعني يدرك الإنسان بطبيعته ان هذا الفعل قبيح و أنه خطأ ،

    نكاح زوجة الأب من الفواحش أيضا وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ  إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ( 3 ) نتيجته سيئة وهو فاحشة ،

    اللواط من الفواحش ،

    وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ  بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ( 4 ) فهذه من مصاديق الفواحش ،

    الفواحش هي ما يتجاوز أثره الفاعل نفسه ، يعني ليس المعصية التي يعصي بها بينه و بين الله و إنما ما يكون له أثر على الطرف الثاني أيضا ً ، الذي يمارس الفاحشة او يزني هو يتأثر و أيضا غيره  ومن يمارس معه يتأثر ، فهناك أثر سيء و سلبي عليه هو و على الطرف الآخر .

    مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

    قيل في مصاديقها ،

    1. قيل هي الأثم منها البغي و منها الإشراك بالله سبحانه و تعالى فكأنما الآية ذكرت الفواحش ثم عددت مصاديقها .
    2. قال بعض المفسرين ما ظهر منها هو الزنا ،  وما بطن هو التعري في الطواف لأنه كما مر في الجاهلية يطوفون بالبيت عرات فالله سمى التعري و كشف الستر هذا فاحشة ، فاحشة ولكنها غير ظاهرة و أما الزنا فهو فاحشة ظاهرة  .
    3. قيل في هذه أيضا ً هي الطواف ما ظهر منها هو طواف الرجال عرات بالنهار و ما بطن طواف النساء بالليل عندما تطوف النساء بالليل عرات فهذا ما بطن من الفاحشة .
    4. قيل ما بطن أي ما خفي على الناس من الفواحش وهم لا يعرفونها ، هناك فاحشة لا يدركها الإنسان يقول السيد فضل الله فاحشة و لكن لا يعرفها الناس ، الفاحشة هي الظاهرة الواضحة و لكن ما بطن لا نعرفه نرجعها الى أهلها و هم المعصومون عليهم السلام يفسرونها .
    5. في الكافي بإسنادة عن علي إبن يقطين عن ابي الحسن عليه السلام قال قال الله عز وجل مَا ظَهَرَ مِنْهَا  يعني الزنا المعلن و نصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية ، كانوا في الجاهلية بيوت ذعارة بيوت زنا يرفعون عليها أعلام فيُقال فلانه صاحبة علم يعني معروف محلها للزنا فيقول هذه فاحشة ظاهرة و اما قوله عز وجل وَمَا بَطَنَ  يعني ما نكح من أزواج الآباء لأن الناس كانوا قبل ان يبعث النبي صل الله عليه و اله إذا كان للرجل زوجة ومات عنها زوجها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن إذا لم تمكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك و أما الأثم فإنها الخمر بعينه .
    6. قيل تفسير الفاحشة الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ  فسرتها بعض الحاديث بالاحكام الظاهرة و الأئمة ، قيل الأحكام هي الظاهرة و الأئمة هم الباطن جاء في الكافي عن محمد إبن منصور قال سألت عبدا ً صالحا ً عن قول الله عز وجل قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قال فقال إن القرآن له ظهر ٌ و بطن فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر الواضح و الباطن من ذلك أئمة الجور ، المحرم مقابل أئمة الجور فهم الباطن الفاحشة الباطنة و جميع ما حل الله تعالى في الكتاب هو الظاهر و الباطن من ذلك أئمة الحق و يقول السيد الطباطبائي في ذلك ان هذا تفسير تطبيقي و يشير الى ان هؤلاء يكونون سببا ً إما للخير و للطاعة فيكونون أئمة الحق و إما ان يكونون سببا ً للفاحشة فهم أئمة الجور .
    7. قيل مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ هو نفسه الزنا و لكن كان الخطاب لأهل الجاهلية الذين لا يستقبحون الفاحشة و الزنا إذا كان مخفيا ً فيحرمونه إذا كان علنيا ً ، كانوا في الجاهلية إذا كان الزنا علنا ً يستقبحونه و يعبرونه فاحشة ام لو كان شخص يمارس الزنا مخفيا ً بالسر فيقولون ليس فاحشة فالله قال في القرآن أن هذا كهذا ظاهرا محرم و باطنا ً محرم ايضا ، وَالْإِثْمَ  قيل ان الاثم هو الخمر بعينه كما ذكرنا قبلا ً الرواية و إستدلوا على ذلك بالشعر المعروف يقول شربت الإثم حتى ظل عقلي كذاك الإثم يصنع بالعقول ِ ، فالإثم هو الخمر ، و قيل ان مطلق الذنوب المعاصي هو إثم و قيل الأثم ما دون الحد كما عن الفراء أنه إذا كان  لم يبلغ الحد حتى يجلد عليه فهذا إثم ، و قيل الإثم هو الذنب الذي يجلب لصاحبة الهوان و الذل و الإنحطاط في روحه و جسدة و جاهه و هو اصل معنى اُم ، الأثم هو الذي يجعل الإنسان بطيئا ً عن عمل الخير متوانيا ً عن الطاعة متجها ً للركون للمعصية و الفواحش كما يقول تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ  قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ( 5 ) يعني لو كان فيهما شيء ٌ من المنفعة  الأثم الذي يحبط الإنسان و يبطأ الإنسان عن عمل الخير ، الذي يذهب عقله اين يذهب من اين يعمل الخير ؟ الذي يكون سكران هل يرجى منه خير و هو سكران ؟ فهذا يمنعه عن عمل الخير و و هذا هو الأثم ،

     

    وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وهو طلب مال الناس لنفسه بغير وجهه وهو التعدي عليهم كما في مجمع البيان و حده طلب الترأس بالقهر من غير حق ، الذي ظلم الناس و يعتدي على الناس هذا هو الباغي الذي يبغي على الناس و يطلب مال الناس لنفسه ،

     

     مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا  هذه الفقرة للتأكيد ان المشركين لا يملكون دليلا ً على شركهم  إنما هم في جهل ٍ و جهل متراكم و جهل ٌ مركب يتصورون انهم يعلمون ن

     

    وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ وهو من اكبر الكبائر  ان ينسب الشخص لله سبحانه و تعالى شيئا ً بغير دليل نسبة الشيء لله سبحانه و تعالى يقول الله قال كذا و هو لم يقل هذه من اكبر الكبائر ، او انه ينسب للنبي صل الله عليه واله فهو كذلك او ينسب للأئمة او ينسب للدين ، في كل ما يُنسب للدين بغير علم ٍ و يقين فهو من اكبر الكبائر ،

     ومن هذا نعلم الله لا يرضى للإنسان الجهل و إنما يريد منه التحرك للمعرفة ان يكون على معرفة في حديثه و سلوكه دائما ً ، وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ  إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( 6 ) ،

    تسمع انت مسؤول عن سمعت فلا تأخذ بغير علم و لا تنقل بغير علم و لا تمشي بغير إجعل منهجك الوضوح برنامجا ً واضحا ً في سلوكك في إختيارك فلا تقل شيئا ً إلا وانت تعلم به و خصوصا ً إن كان ذلك مستندا ً أو منسوبا ً للدين ، كما عن النبي صل الله عليه واله يقول من أفتى بغير علم ٍ لعنته ملائكة السماء و الارض ، شخص ليس عنده علم يقين بحكم ٍ معين و يقول هذا حكم الله عليه لعنة الله ،

     

    من أكبر المصائب أيضا ً و الخلافات الإجتماعية القول بغير علم خصوصا ً في الأمور التي لها ربط ٌ بسمعة الناس ، لها ربط ٌ او بحياة الناي او  بدين الناس ، بل حتى في الأخبار المؤمن مفترض فيه ان يكون على معرفة ٍ و وعي ٍ و لا ينقل إرتجالا ً ، يعني في كثير ٍ من الأحيان أخبار ٌ مهمه شخص ينسخها ثم يعيد الإرسال و هكذا وهو غير متيقن هو مسؤول عنها ،  كما يقع الراوي في سلسلة السند إذا نقل شيء يكون مضبوط متأكد منه صحيح ليس فيه ضرر ليس فيه إشاعة لأنها تحكم المجتمع .

     

    ثالثا ً : الفاحشة ،

     

    1. سبب تحريم الفاحشة ، لماذا الله سبحانه و تعالى جاء بهذا التحريم الذي ذكر في القرآن ؟ ان الله رحيم بعبادة ورحمته لاتحد و لاتوصف و لا يدرك كنهها و مداها احد ٌ إلا الله سبحانه و تعالى ، لذلك حبب لهم ما فيه سلامتهم نجد الأحكام قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ما دام طيب ما دام سليم ما دام يتناسب مع صحة الإنسان مع سلامة الإنسان مع روح الإنسان مع جسد الإنسان مع ظاهر الإنسان فهو مطلوب ٌ و ليس حرام بل يوبخ من يقول انه حرام ، أما ما فيه ضرر ٌ على الإنسان على روحه على باطنه على ظاهره على جسده على صحته على علاقاته الإجتماعية مع أسرته مع الناس فهو حرام  ، سبب هذا التحريم و سبب هذا  بالآيتين الأولى و هذه الآية ان يكون الإنسان في هذا المنهج واضحا ً و تحت رحمة الله وعناية الله ، لذلك الله سبحانه و تعالى أحل و حرم و أوجب ، بعض ألأمور يوجبها على الإنسان لأن فيها سلامة الإنسان و بعضها يحرمها و لا يعود على الله شيء ، لا يتصور المتصور ان الله فقط إختبار الإنسان في كل الأمور التي نراها و نقول هي إختبار للإنسان لابد ان تجد لها المصلحة في كمال الإنسان و تكامله سواء كانت تحريما ً أو إيجابا ً عليه .

    أمثله لما حرمها الله ذكرها في هذه الآيات  ،

    1. الشرك قال تعالى قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا اولا ان لا يشرك الإنسان بالله شيء لأنه إذا قدس غير الله لأنه إذا عبد غير الله و خضع لغير الله إنحرف يعني لم تكن الوجهة صحيحة و لم تكن الفطرة سليمة ، أما بالفطرة السليمة ان يكون مع الله مرتبطا ً بالله مستمدا ً عزته و كرامته من الله سبحانه و تعالى و ذلك بالتوحيد الخالص ، فهو يوحد الله سبحانه و تعالى في ذاته و يوحد الله في قانونه و أحكامه فلا طاعة لغيره و لا خوف من غير الله سبحانه و تعالى ، القوة بالله و التوكل على الله و إمتداد القوة من الله سبحانه و تعالى ،
    2. عقوق الوالدين قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا  وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  ان يكون انسان طبيعيا في علاقته ، توحيد في ذاته في عقيدته و في علاقته وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا  في حياة الإنسان مع منبع الخير الذي لا يعوضه شيء وهو الأب و الأم تقابله الإحسان بالإحسان و لا يبلغ أحد ٌ حق الوالدين ابدا ً ، لو قال الشخص لوالده كم صرفت علي َّ كم تعبت ؟ لو انك عملت لغيري بهذه الأوقات و اتعبت نفسك كم ترجو ان يعطوك انا اعطيك هذه المبالغ لها لمئات السنين لا يعوض لأن انت و خيرك و نتاجك هو فرع ٌ عن الأصل ، فهو ليس نتاجك انما نتاج الأصل ، فلا يستطيع شخص و يقول ان اعوض الله ، لو فرضا ان الإنسان يستطيع ان يخلق إستطاع ن يكون شخص و قال لله انت خلقتني فأنا أخلق شخص أفضل مني ايضا ، يُقال له انت و هذا النتاج من الله و ليس منك القدرة التي تملكها هي ليست منك بل هي من الله سبحانه و تعالى فكل ما تصل اليه هو من الطريق لذلك يقول الامام زين العابدين عليه السلام ان من حقوق الأب ان يعلم الشخص انه اصل ُ النعمة عليه .

    الثقة بالله وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ  نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ايضا من الواجبات ان يكون الإنسان واثقا ً بالله لا يقول فقير فيتعدى على احد لانه فقير على اولاده لانه فقير الله سبحانه و تعالى يتكفل به  .

    القتل ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الله في هذه الآية يعدد ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تتقون لا يجوز لشخص ٍ ان يقتل أن يتعدى ، لا يجوز التعدي على احد إلا بالحق ، إذا إعتدى عليك احد لك ان ترد و لكن أيضا ً ضمن القانون فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ  وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ لا يجوز لأحد ان يعتدي و يتجاوز و يبغي ، و لكن إذا أُعتدي عليه يرد في ضمن القانون و الشرع فقط ، الاية مطلقة لا يجوز قتل الإنسان لأنه مخالف لك  ، حتى لو كان كافر من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا  مطلقا ً مادم هو غير غير قاتل لا يجوز قتله غير محارب لا يجوز قتله ، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا  ، الخلود في النار إذا قتل مؤمن .

    1. الوعيد على الفاحشة ، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ يحب ان تشيع الفاحشة ، حبه حتى ولو لم يقترف الفاحشة له عذاب ٌ في الدنيا و الآخرة .
    2. حب الفاحشة و تخيلها أيضا ً يوجب العذاب كمن يرتكب الفاحشة قال الإمام الصادق عليه السلام إن عيسى عليه السلام قال للحواريين إن موسى أمركم ان لا تزنوا و أنا آمركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا فضلا ً عن أن تزنوا فإن من حدث نفسه بالزنا كان كمن اوقد في بيت ٍ مزوق فأفسدت تزاويق الدخان و إن لم يحترق البيت ، لمجرد التفكير في الفاحشة يجعل الإنسان مهيأ و يسود قلبه .
    3. حب إشاعة الفاحشة إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  لمجرد انه يحب الفاحشة او يحب ان يرى الفاحشة منتشره .
    4. من ينشر خبر الفاحشة كمن يرتكب الفاحشة ، شخص لا يرتكب الفاحشة و لا يحب الفاحشة و لا يروج للفاحشة في نظره و لكنه يتحدث عنه او حديثه واقعي فهو قد إرتكب ، البعض عندما يتحدث عن اشخاص يقول لم أتي بشيء غير واقع هم هكذا يقال له لا يحق لك ان تتحدث يقول انا اراه يشرب خمر او اراه يزني قل لا يجوز ، لا تقل هو فيه هو واقعا فيه انت لست كاذب و لكن صرت شريكا ً معه لأنك تتحدث  عن الإمام الصادق عليه السلام قال من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ   يعني تهديد ٌ من الله في الدنيا و الآخرة لأنك قلت شيئا ً من الفاحشة رأيته أنت او سمعته انت فقط و لم تكذب و لكن الله سبحانه و تعالى يتوعد بالعذاب الأليم في الدنيا و الآخرة ، و عن الإمام الصادق عليه السلام من ستر عورة مؤمن ستر الله عز وجل عورته يوم القيامة ومن هتك ستر مؤمن هتك ستره يوم .

    الهوامش

    1. سورة الأعراف الآية 33
    2. سورة الإسراء الاية 32
    3. سورة النساء الاية 22
    4. سورة الأعراف الايتان 80 – 81
    5. سورة البقرة الاية 219
    6. سورة الإسراء الاية 36