تفسير سورة النور آية (19ـ20) الحلقة 10

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَتَعْلَمُونَ(19) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(20)﴾

تفسير سورة النور – الآية :(19ـ20) – الحلقة العاشرة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم

نبارك لرسول الله (ص) واللآئمة المعصومين مولد الإمام الحسن المجتبى (س) ونبارك لكم جميعا

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَتَعْلَمُونَ(19) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ(20)﴾

مقدمة : مر الحديث في بعض الآيات التي تحدثت عن عدة أمور ملخصها هي : (العفة)

1ـ العفة لكل مسلم رجلا كان أو إمرأة

ولا يمكن التهاون في أمر العفة بأي حال من الأحوال ، مر الحديث هكذا ، أنه ليس لأحد أن يقول هذه حريتي الشخصية ويتصرف كيف ما يريد وإنما العفة فرض على كل إنسان أن يكون عفيفا نزيها لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصلحته فهو الذي يهيئ له ما يناسبه ويشرع له من الأحكام ما يلائم خلقة الإنسان وفطرته

2ـ حكم التزاوج مع من لا عفة له.

مر أنه لا يجوز الزواج من الزاني أو الزانية إذا كانا معروفين مشهورين بالزنا إلا إذا كانا تائبين

3ـ ركزت الآيات السابقة أكثر على موضوع وأد أي شائعة:

أ ـ من جهة من يقذف ويفتري(والذين يرمون المحصنات..)

ركزت أن حكمه أن يجلد كي لا يتجرأ أحد بالحديث في أعراض الناس

ب ـ من جهة ما ينقل أن المادة التي تنقل والتهمة التي تنقل أمر عظيم ويجب أن لا يكون المجال مفسوحا لنقل هذه التهمة (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)

ج ـ من جهة من ينقل (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه) من جهة النقل ، هل يجوز ؟

هل يترك الإنسان أن ينقل هكذا من غير تثبت ومن غير وجه حق؟

طبعا لا

دـ من جهة من يستمع , كل هذه مر فيها التفصيل ، الذي يستمع لا يجوز له

(لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنين والمؤمنات في أنفسهم خيرا ) لا يجوز أن يستمع

طبعا فرق بين (السماع والإستماع )

الإستماع : أن يستمع وهو قاصد أن يستمع ، عندما يعلم بوجود شائعه هو يصغي لها ، هو يريد أن يستمع الخبر

السماع : يسمع من غير قصد لكن الخبر وصل إلى أذنه ، الآيات أيضا لا تقول ليس أن لا يستمع فقط ، بل تقول لم سمع من غير قصد ، عليه أن ينكر وعليه أن يقول (هذا بهتان عظيم )

هنا في هذه الآية التي نحن فيها نتحدث في نقاط:

أولا: الإسلام يريد بناء المجتمع على الثقة وحسن الظن

الإسلام ركز أن تكون أجواء المجتمع كلها حسنه ، ليس فيها شك , وليس فيها إتهام وليس فيها قذف وليس فيها أي عمل ينافي تحقيق المجتمع الفاضل .

أي كلام يشوش المجتمع ويخلق في المجتمع الشك والتهم فهو مرفوض , يعني الإسلام يريد أن يكون المجتمع مجتمعا فاضلا طاهرا مثال للعفة والطهارة , ويريد أن ينظر أفراد المجتمع للمجتمع على هذا الحال , أنه خال من كل سوء ، لذلك يركز القرآن على تحريم الغيبة مع أن الغيبة حديث عن أمر واقعي ، إذا تكلم شخص عن شخص فهو إنما يتكلم عن أمر وقع حقيقة وليس إفتراء أو بهتان ولكن أيضا حرمت ، حرمها الإسلام فلا يحق لأحد أن يتكلم بل أكثر من ذلك في كثير من الأحيان الإسلام يرفض الحديث حتى لو كان من غير إسم ، لأنه يخلق أجواء فاسدة .

الدول الواعية هي التي عادة تمنع كتابة الجرائم في الجرائد والتركيز عليها , لأنه إذا مثلا كتب وقعت حادثة كذا ، إعتدي على إمرأة أو أنه قتل فلان ، هذه الحوادث يقولون تهيئ النفوس للإرتكاب أمثالها ، لذلك الإسلام يبعد الناس عن الحديث حتى فيما وقع من غير اسماء

عن رسول الله(ص) قوله (من أذاع فاحشة كان كمبتدئها)الذي يتحدث في الفاحشه كأنه هو مرتكب لهذه الفاحشة

ثانيا: ذكر الراغب الإصفهاني مفهوماً واسعاً للفاحشة

فقال: الفحش والفحشاء والفاحشة، ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال.( و الزنا والقذف من أوضح المصاديق)

ثالثا: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة)

من هذا نفهم أمور منها :

1ـ الحب وإن كان قلبيا فهو حرام ومرفوض

بل يحاسب عليه ويعذب صاحبه عذابا شديدا،لا يقول أنه لم يفعل ربما يكون شخص مثلا يحدث نفسه بالمعصية أو أنه يتمنى أن تكون الأجواء مهيئة لإرتكاب الفاحشة يحب أن تكون في المجتمع فاحشة ، يحب أن يكون الوصول للفاحشة سهلا , يحاسب على هذا الحب أيضا وإن كان عملا قلبيا يحاسب عليه والآية قالت ليس فقط أن يحاسب عليه بل قالت

(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) فيعذب عليها في الدنيا عذابا أليما والآخرة أيضا

عن رسول الله(ص):(يحشر الناس على نياتهم يوم القيامة)

فإذا كانت نيته ورغبته أن تكون الفاحشة منتشرة في المجتمع يحاسب عليها ويحشر عليها كأنه من الذين إرتكبوا الفاحشة فيحاسب على هذه النية

2ـ أن ما مر من الأفك والقذف ليس المقصود به شخص فقط

وإنما هو طريق للمجتمع بأكمله.لماذا ؟ لأن الآية تحدثت إستمرارا للآيات السابقة والآيات السابقة كانت تتحدث عن قذف إمرأة ، زوجة من زوجات الرسول ولكن هذه عبرت الأية الآن (الذين يحبون أن تعيش الفاحشة في الذين آمنوا)، يعني كأن هذه التهمة لم تأتي لشخص معين فقط أو المقصود بها شخص وإنما من أجل أن تعم الفاحشة في المجتمع، تهيئة أجواء لوجود الفاحشة أو إيجاد الفاحشة في المجتمع

3ـ الإشاعة حرام حتى لو كانت حقيقة

حتى لو كان لها واقع فهي حرام , عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال الله عز و جل : (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا…) له عذاب يعذب في الدنيا والآخرة ، مع أنه لم يتكلم إلا في شيئ رآه ، لم يتكلم في شيئ لم يره ، لم يختلق الشائعة من غير واقع , مع هذا الإمام طبق عليه أنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ، لأنه ليس مطلوبا منه أن يتكلم ، عليه أن يستر

رابعا:معنى (لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)

1ـ عذاب الدنيا : قيل الجلد, والفسق, وعدم قبول الشهادة.

الذي يحب أن تشيع الفاحشة ، له العذاب في الدنيا وهو الجلد كما يقول بعض المفسرين , قال العذاب الأليم في الدنيا يعني الجلد ، أنه يجلد ، هذا الذي يحب أن تشيع الفاحشة له عذاب أليم في الدنيا الجلد والفسق وعدم قبول الشهادة

ولكن يرد عليه

الجواب عن هذا والرد عليه :

1ـ أن حب إشاعة الفاحشة لا يستوجب الجلد

يعني لم يوجد حديث ولا تطبيق عملي من النبي (ص) أو من الآئمة على أن شخصا عرف عنه في قلبه أنه يحب الفاحشة ثم جلد ، فهذا يدل على أنه ليس هذا هو المقصود من الآية

2ـ التقييد بحب إشاعة الفاحشة,ليس شرطا فيما يوجب الحد

الحد إذا كانت الآية تتحدث عن إقامة الحد فالآية تتحدث عن حب الإشاعة ، حب في القلب وإشاعة إما في الخارج أوحب الإشاعة فقط ، مع هذا أن الحد حتى لو لم يكن الشخص يحب إشاعة الفاحشة ، ولكنه تكلم وقذف أحدا ، حتى لو كان كلامه واقعي كما مر لكنه تحدث وقال فلان زنى هنا يقام عليه الحد حتى لو لم يكن يحب إشاعة الفاحشة

3ـ يمكن قبول هذا المعنى على فرض أنه الحد

متى ؟ إذا كانت الآية مرتبطة مع الآيات السابقة وهي تتممة للآيات السابقة فهي لم تغير الحديث كأنها تتحدث عما مضى من الذين يرمون المحصنات وهم نفسهم يحبون إشاعة الفاحشة ، فلهم هكذا من العذاب

خامسا: المقصود بــ(والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

1ـ الله يعلم بخطورة هذه القضايا وأبعادها.

عندما شرع الله هذه الأحكام ، لماذا شرعها ؟ لأنه يعلم أن هذه الشائعات في الأعراض أمر خطير فلا بد أن يقف ، لذلك شرع هذه الأحكام التي تبدو قاسية , لتحفظ المجتمع مما هو أخطر منها وأقسى على المجتمع , بل يوجب تدمير المجتمع المسلم.

2ـ يعلم بالعقاب الذي ينتظر من يشيع أو يحب إشاعة الفاحشة.

أنتم لا تعلمون والله سبحانه وتعالى يعلم من الأزل ، يعلم بأن الذي يشيع الفاحشة يحق له ويستحق هذه العقوبة وهذا العذاب

3ـ يعلم من يبيت في قلبه الخبث وبث الشائعات.

(والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) يعني هؤلاء الذين تكلموا في الشائعه قبل أن يتكلموا الله يعلم بنواياهم ويعلم ما يبيتون ويعلم ما يحبون من إشاعة الفاحشة

4ـ يعلم بحكمته ما يضع من أحكام تحفظ المجتمع وإستقراره

(الله يعلم وانتم لا تعلمون ) يعني الله وضع الأحكام وهو يعلم بحكمته ما يناسب الناس ، فشرع لهم ما يناسبهم وما يخدم إستقرارهم وإيصالهم للكمال الذي خلقوا من أجله فهو تشريع من الله بعلم وحكمة من الله لأنه أعلم بما يناسب الإنسان

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

شاهد أيضاً

تفسير سورة النور – الحلقة 16

تفسيرسورة النور الحلقة16 الآية (23ـ25) أعوذبالله من الشيطان الرجيم بسمالله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *