تفسير سورة الأعراف الحلقة 8

28/5/2019

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ

 

نواصل الحديث حول هذه الايات و هي تروي قصتين قصة ادم في خلقته  و قصة عصيان ابليس و دخوله الجنة و إخراجه من الجنة من الاية 11  الى الاية  25 ، ذكرنا قبلا ً القصة و نذكر شيئا ً من الفوائد ،

فوائد من القصة الاولى ،

  1. معنى الخلق ثم التصوير وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ قيل تعني خلق آدم و حواء يعني خلق الاصل فعندما يخلق الاصل يعني خلق الباقي كله كما يقول تعالى وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ هو لم يأخذ ميثاقهم مباشرة و لم يرفع فوقهم الطور مباشرة و إنما أخذ على أسلافهم لكن نسبه إليهم لان كان لاجدادهم ، و قيل معناه اننا خلقناكم في الأصلاب ثم صورناكم في الأرحام كما عن عكرمة خلقناكم في اصلاب الرجال ثم صورناكم و بعد الخلق الذي هو مجمل في اصلاب الرجال ثم تشكل في ارحام النساء و قيل تعني مراحل الجنين اي الخلق في الرحم من نطفة ثم يتشكل ثم شق السمع و البصر الى غير ذلك من التفصيل مراحل الخلق في مراحل  الجنين ، و ربما يكون المقصود كما إستقربه بعض المفسرين خلق المادة الأولى ثم تشكيلها بصورتها و إيداع القابليات التي يحملها هذا المخلوق من العلم  و القدرات الخارقة التصرف في الوجود لذلك قال فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ   سورة الحجر الاية 29 فخلق المادة ثم بث فيها الروح و جعل فيها القابليات .
  2. التكريم ، ثمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ التكريم و التشريف بالسجود  لم يكن لآدم وحده و إنما كان للبشر من ابناء آدم و حواء و ذريتهما قاطبة إذا ً هو لنوع البشر و ليس لآدم بما هو فرد ، لذلك إبليس عندما يعترض تفهم هذا ان الامر لم يكن بالسجود لوحدة و إنما السجود للبشر كلهم قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  فإبليس لم يتوعد آدم لوحدة و إنما توعد البشر قال  لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ  لم يقل لهما و إنما لهم للبشر ثمَّ لَآتِيَنَّهُم  الى ان يقول وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ اكثرهم من هما إثنان و السجود لادم إذا ً الكلام عن الأمر بالسجود ليس لآدم وحده و إنما هو للبشر قاطبة .
  3. هل الخلافة حكر ٌ على آدم و ذريته ام لغيرهم ايضا ؟ الجواب نعم لآدم و ذريته  لانه يعلم الأسماء ، يعلم الاسماء ليس العلم الصوري او النظري و إنما العلم الحقيقي الذي تكون بين العالم و المعلوم علاقة تكوينية تأثيرية فآدم عندما علم الأسماء يختلف عن علم  الملائكة بالأسماء يعلم بالأسماء بحيث ان هناك علاقة بينه و بين كل شيء ٍ اسمه شيء في الوجود يستطيع ان يتصرف فيه و يستطيع ان يفعله و يستفيد منه لذلك صار الحديث بين الملائكة و بين الله في مراحل ، المرحلة الاولى التساؤل وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ  سورة البقرة الاية 30 هم يتسائلون لماذا هذا الخليفة إن كان للتقديس ان كان للتسبيح نحن نسبح و نحن نقدس الله قال عندي علم خاص لا تعلمونه المرحلة الثانية الله يعلم آدم ب وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا  عد علم ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  إن كنتم تناقشون في دعوى الخلافة في الارض و انكم اهل للخلافة في الارض أخبروني بهذه الأسماء توقفوا لا يستطيعون إخبار ، المرحلة الثالثة الإقرار قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ  سورة البقرة الاية 32  لم تعلمنا فلم نكن نعلم قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ سورة البقرة الاية 33 كان المفترض ان يقول الملائكة لو علمتنا لصرنا نعلم كما علمته لكنهم اقروا بعد ان رأوا ادم يعلم الأسماء أقروا بأن ادم هو الصالح للخلافة و اننا حتى مع هذا التعليم لسنا صالحين للخلافة  و  كما يقول السيد الطباطبائي لو كان هذا التعليم سمعه الملائكة فعلموا لكانوا هم الاولى بدعوتهم لانهم لا يسفكون الدماء و لا يقتلون و هم يسبحون و ينزهون و يقدسون يقول السيد الطباطبائي لكن تبين ان علم الملائكة بالأسماء هو علم إجمالي فقط بمعنى انهم علموا بوجود الأسماء التي لا يستطيعون الوصول إليها و علموا ان آدم في علمه بالأسماء علم ٌ تكويني بينه و بين كل شيء بين جميع الاسماء علاقة تكوينية يستطيع التصرف و يستطيع تحريك هذا الوجود عليه فقط ان يرتقي و يهتدي للسبيل و يستطيع التصرف في كل ذلك  ، إذا ً الملائكة لا يستطيعون ان يكونوا خلفاء و آدم يستطيع و يتبين ايضا ان كل شيء ٍ  في الوجود له إسم ٌ و حياة  علمه الله لآدم بحيث يكون قادر على التصرف في الوجود و ان هذه الأسماء الموجودة التي أشار إليها القرآن هي موجودات حية و عاقلة و أيضا محجوبة عن الملائكة ، الملائكة إكتشفوا انهم في جهل بهذه الأسماء كما يقول بعضهم يقول الملائكة عندهم جهل مركب يعني عندهم جهل بالأسماء و عندهم جهل انهم يجهلون ما كانوا يتصورون ان هناك شيء موجود و هم لا يعلمونه فتبين ان هناك شيء موجود في غيب السماوات و الأرض له وجود و هم لا يعلمونه و آدم يعلمه و عنده علاقة بهذه الأسماء و هذه الأسماء حية ٌ عاقلة و ليست جماد لذلك كانت الضمائر في الآيات كلها تتحدث عن ضمير العاقل ثم عرضهم حرف هـ و حرف م ضمير العاقل يعني هذه الأسماء عرضها لو كانت جماد لقال عرضها لكن قال عرضهم إذا هذه الموجودات حية و عاقلة و آدم يعرفها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ   فلم يستطيعوا ان يخبروا بها و هذه الأسماء ايضا محجوبة عنهم فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  يعني هذه الاسماء موجودة في السماوات و الارض و انتم عنها جاهلون لا تعلمونها و آدم  يكون خليفة بهذا العلم و بهذه القدرات المودعة عنده .

شاهد أيضاً

تفسير سورة الاراف حلقة 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *