تفسير سورة الأعراف الحلقة 16 — الجبر و الإختيار الجزء 1

17/6/2019

بسم الله الرحمن الرحمن

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  *  فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ  ( 1 )

 

مقدمة ،

أ . من الاية الاولى من هاتين الايتين وقفنا في الحلقة السابقة على اساس التشريع الاسلامي و هو ،

  1. التوحيد و العبادة و الإخلاص .
  2. العدل و الإتزان و القسط و الإلتزام بالنظام في كل شيء .
  3. ضرورة الحساب و المعاد يوم القيامة .

و من هذه الاية و الاية الاولى ايضا نستفيد ضرورة الدعاء و لكن بشرط الإخلاص وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ دعاء و لكن بشرط الإخلاص و من مجموع الايتين نقف على شبهة الجبر و الإختيار ايضا و الحديث فيها و الرد على شبهة الجبر و نسبة عدم الإختيار للإنسان ،

اولا ً : المفردات  ،

وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ الإخلاص إخراج كل شائبة ٍ من الجنس المتحد كالشعير مثلا ً او غيره او الحنطة او الرز او التمر إخراج الشوائب المغايرة منه يسمى إخلاص و منه إخلاص الدين لله سبحانه و تعالى وهو توجيه العبادة دقيقة ً خالصة لله ليس لها اثر للشرك بغيره فتكون لله سبحانه و تعالى ،

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  البدأ الفعل اول مرة بدأكم خلقكم انشأكم اول مرة .

تَعُودُونَ العود فعل الشيء ثاني َ مرة بعد ان كان ثم يُفعل ثاني مرة .

فَرِيقًا هَدَىٰ الفريق جماعة ٌ إنفصلت من جماعة  و تكونت و تآلفت على شيء ٍ متحدين فيه .

إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِين الإتخاذ بمعنى اعداد الشيء لغرض ٍ و لامر ٍ إتخذوا الشياطين اولياء من اجل نصرتهم من اجل ما يطمحون اليه .

وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ الحسبان بمعنى الظن وهو ما قوي من الظن اي الترجيح القوي و لكن لا يصل الى اليقين و انما هو ترجيح قوي و لا ينفي الطرف الاخر فيسمى حسبان .

 

ثانيا ً : البيان ،

وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

مر الحديث في نفس الاية ولكن هو تتممة و توطئة لإشكالات الجبر و الإختيار ،

وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

قيل في معناه  ،

  1. ادعوا الله و تضرعوا له بعد إخلاص الدين بعد ان تكونوا مخلصين لله لا تشركون به مطلوب ٌ من الإنسان ان يدعوا و يبتهل و يتضرع و يتوسل لله سبحانه و تعالى فهذا معنى و ادعوه مخلصين له الدين .
  2. إعبدوا الله مخلصين له الدين و ليس الدعاء و انما العبادة نفسها هي و ادعوه مخلصين له الدين يعني توجهوا له مخلصين في عبادته .

كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ

قيل في ربط هذه الفقرة بما قبلها و مرة الاقوال فيها كثيرة ، ربط هذه ان يتفكر الإنسان كما بدأكم تعودون إدعوا الله مخلصين له الدين انتم تعودون للحساب و للجزاء و تعلمون بذلك فالشخص الواعي الذي يعلم بالجزاء يجب ان يكون مخلصا ً حقيقة الإخلاص و يدعو الله و لا يفوت فرصة و لا وقتا ً يسيرا ً من غير دعاء الله سبحانه و تعالى لعلمه بهذه العاقبة كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  انتم تعلمون بذلك فلأجل هذا العلم عليكم مواصلة الإخلاص و التركيز على الخلوص لله سبحانه و تعالى كما مر تفصيله ن

او هي مرتبطة بغير هذا مرتبطة بإثبات المعاد فهي تقول كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ مرتبطة باللآية التي مضت قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ( 2 ) هي مرتبطة بإثبات المعاد لان المشركون اهل مكة  كانوا ينفون المعاد الجسماني  يقول إذا إندثر الإنسان و تلاشت اعضائه و صار تراب و ذرته الرياح و إنتهى لا يمكن إعادته ، الله سبحانه و تعالى يقول الذي أنشأكم من ماء و انشأ كل شيء قادر على ان يعيدكم كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  فهو إثبات للمعاد .

فرِيقًا هَدَىٰ  أي فريقا ً قضى لهم الهداية و هذه مقدمة ٌ في دخول الاشكالات

فرِيقًا هَدَىٰ  أي فريقا ً قضى لهم الهداية و ذلك ،

  1. بقبول الهدى بإختيارهم قضى لهم الهداية بإختيارهم .
  2. لطف الله بهم و حب اليهم الهدى في نفوسهم ، هدى بمعنى لطف بهم و هيأ لهم الهدى في نفوسهم و حبب حب اليهم الهدى في نفوسهم .
  3. او هيأ لهم مقدمات الهداية وسهل لهم سلوك سبيل الهادية كشخص يولد عند ابوين مؤمنين السُبل مهيأة الذي يكون مع النبي غير الذي يكون بعيدا ً عن هذه الايمانية ، فهيأ لهم مقدمات الهداية .

إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ هذا المقطع يبين سبب القضاء الحتم في حق الكافرين  ومصيرهم الى النار ، ما هو سبب هذا القضاء الحتم الذي لن يُخلف و لا بد ان يكون !  هو يبين لهم ان لزوم الشقاء و الضلال إنما هو متفرع ٌ على إتخاذ الشياطين اولياء لانهم اتخذوا لاشياطين اولياء الله سبحانه و تعالى قضى و حتم عليهم الضلال  و العقاب يوم القيامةكُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ سورة الحج الاية 4 لأنه إتبع الشيطان إتخذ الشيطان و لي الله سبحانه و تعالى أقر و اثبت و حتم ان يكون مصيره الى ان النار  .

 

ثالثا ً : إشكالات ٌ مرتبطة ٌ بالآية وهو توطئة للحديث  في الحلقة القادمة ان يكون مفصلا ً

هو بحث مختصر جدا  في قضية الجبر و الإختيار ،

الاشكال الاول ، التقدير الازلي يلزم منه الجبر و عدم القدرة على التغيير هذا المشكل يقول إذا كان هناك تقدير من الازل الله سبحانه و تعالى قال فريقا ً هدى و فريقا ً حق عليهم الضلالة و قال كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ  الذي كان ضالا ً سوف يعود ضال حتم ٌ من الأزل فيقول إذا الإنسان مجبر و ليس مخير و الجبر ، و الجواب على ذلك ،

  1. العلم بكل شيء ٍ كما كشف ٌ و ليس تحريك و الآية تتحدث عن العلم بالمصير ، عندما تعلم بشيء ليس معنى العلم انك تحرك الشيء ، الذي يعلم بإن الشمس تخرج من جهة و تغيب في جهة اخرى فإذا سأته يوما ً من اين تخرج الشمس يقول من هنا و اين تغيب يقول هنا هل له دخل بعلمه بتحريك الشمس لا ليس له دخل هذا العلم يكشف فقط ، عندما يؤتى لك بأطفال و تعلم ان هذا يسلك سلوك سيء و خطأ و تقول هذا سوف يعمل كذا و كذا إذا كان عندك قطع و لكن انت لم تحركه للفعل و إنما فقط العلم فنقول اولا ً العلم علم الله سبحانه و تعالى بما سوف يعلمون وما سوف ينتهي اليه مصيرهم هو ليس تحريك و ليس جبر .
  2. و التقدير الله سبحانه و تعالى قدر و حتم و كتب في اللوح المحفوظ ان فلان سوف يكون ضال و لكن بإختياره انه هو الذي سوف يختار فكتب ما سوف يختار لعلم الله الازلي بالأمور الله سبحانه و تعالى يعلم بالناس و بنواياهم و بقابلياتهم و بما سوف يختارون فكتب ذلك وقرر و قال هذا سوف يختار كذا فحتم ٌ سوف يختار كذا و لكن ليس جبرا ً بإختياره سوف يكون مصيره الى النار ، إذا ً العلم الازلي ليس له دخل علم ٌ ازلي و تقدير ٌ ازلي لما يختاره الإنسان .

الإشكال الثاني دلالات الايات على الجبر ،

هناك ايات كما هذه الاية التي إفتتحنا بها الكلام فيها تلميح ٌ و إشارة ٌ كأن الإنسان مجبورهناك آيات تقول هذا الكلام و تطرح هذا المعنى ، مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ  ( 3 ) من يهدي الله     الله هو الذي يهدي وهو الذي يضل فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة إبارهيم الاية 4 الله يضل وهو الذي يهدي و يقول تعالى فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ  ( 4 ) الله اراد ان يهديه جعل صدره مفتوح اراد ان يضله جعل صدره ضيقا ً ،

الجواب على ذلك ن

  1. انها مرتبطة بالعلم الواقعي فمن يعلم ( بإختلاف تصوير ) فمن يعلم الله فيه خير لو خلي و نفسه أكرمه الله و هيأ له الأمور و جعل صدره  رحبا ً و جعل قابليته للخير و من يعلم لنه بما يعطى لن يفلح و لن يستقيم يجعل صدره ضيق إذا ً العلم من الله سبحانه و تعالى لكونه مسبق و هو جواب لبعض الإمتيازات التي تكون للأولياء و الأنبياء لانه لماذا يكون النبي عيسى في المهد نبيا لماذا يكون  الولي و الإمام في بطن أمه يحدث امه لماذا يكون بهذه الإمتيازات ؟ الجواب ان الله سبحانه و تعالى يعلم مسبقا ً فيهيأ لمن يعلم بهم الإستقامة سُبل الإستقامة  كما نحن في عرفنا و في عملنا الإجتماعي لو جيئ لشخص بطلاب صغار و قِيل له درسهم و نريد منهم نتاج يقول اريد ان اعمل لهم
    إمتحان تقيمي  لكي اخذ المتفوقين واجعلهم في صف و عناية خاصة و الذي هو اقل تفوق و اقل جد اجعله في جهة فيميز هكذا يعمل الناس في كل مكان يعملون للشخص إختبار و يكتشفون قدراته و إستعداده هذا الإنسان لانه يجهل يحتاج ان يتوسل بهذا الإختبار ثم يميز ثم تأتي العناية بهذا التلميذ بحسب ما إكتشفه المدرس و المُمتحن من القابليات اما الله سبحانه و تعالى فهو يعلم مسبقا ً بأن هذا لو خلي و نفسه فإنه سوف يكون مستقيما يعني لو كانت العناية بالنبي عيسى  و بالشقي بنفس العناية ولو كانت العناية بعلي إبن ابي طالب عليه السلام و بالشقي عبد الرحمن ابن ملجم فسيكون بينهما تفاوت انت تحتاج لمعرفة ذلك الى إختبار الله لا يحتاج الله يعلم فلعلم الله سبحانه و تعالى ان هذا سوف يجد و يجتهد و يسعى و يتقدم الله يعنتي به و يميزه و يهديه السبيل و صدره رحبا ً منشرحا ً و ذاك الله يعلم انه مهما إعتنيت به لن يختار إلا الفساد فيجعل صدره ضيقا ً حرجا ً .
  2. ان هذه الايات تتحدث عن الهدايات الثانية الضلال الثاني و ليس الهداية الأولى و ليس الضلال الأول يعني إبتداء ً الله لا يضل الإنسان و لا يجبره على الهداية إبتداء و إنما هو مخير كما يأتي التفصيل ، الله سبحانه و تعالى ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ( 5 ) من هو الذي متقي ؟ متقي يعني مؤمن و بلغ التقوى جعل القرآن هدى هداية بعد التقوى هداية ثانية و هنا أشارت الآية التي قرآناها في الإشكال ايضا فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ   جعل الرجس و الإنحراف و السوء و القذارة على الذين لا يؤمنون اما الذي يريد الإيمان و متوجه للإيمان فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا  ( 6 ) لانه هو فيه خلل لانه لا يريد الخير فيكون في ضلال فيأتيه ضلال آخر و ليس جبرا ً فالآيات لا تتحدث عن الجبر .

 

الهوامش ،

 

  1. سورة الاعراف اليتان 29- 30
  2. سورة الأعراف الاية 25
  3. سورة الاعراف الاية 178
  4. سورة النعام الاية 125
  5. سورة البقرة الآية  2
  6. سورة البقرة الاية 10

شاهد أيضاً

تفسير سورة الاراف حلقة 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *