تفسير سورة الأعراف الحلقة 24

13/7/2019

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 1 )

 

مقدمة ،

بعد ان بين الله سبحانه و تعالى في الآيات السابقة منه و تفضله بنعمه المختلفة من الطيبات من الرزق و الزينة و ما انزله من لباس و ريش ٍ للناس وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ بين هنا الطريق الصحيح لمنهج الإنسان في الحياة الذي يضبط به حياته و يسلك به في هذه الحياة ، فجاء الخطاب لبني آدم مرة آخرى يوضح فيه سبيل الفطرة وهو الإذعان للحق و إتباع الحق و رفض الباطل و الكفر به ، و سبيل الفطرة يقتضي إتباع الرسل و الإلتزام بالرسل كما بيت هذه الآيات و فيها وعد ٌ و وعيد ٌ ، وعد ٌ للمؤمنين بالأمن و الأمان و عدم الخوف و عدم الحزن في الدنيا و في الآخرة ، و وعيد ٌ للظالمين و من ينكر و من يكفر بالله و آياته و يستكبر عنها و عيد ٌ له بالنار و الخلود في جهنم ،

اولاً : البيان ،

يَا بَنِي آدَمَ  من الخطابات العامة لجميع بيني آدم كما مر و هي تبين ضرورة إتباع الرسل ، خطاب للجميع و حكم ٌ للجميع البشر بضرورة إتباع الرسل ، وهو بيان تفضل  الله سبحانه و تعالى و تمنن  الله لأن الحديث كان عن الزينة و اللباس و عن نعم الله و الطيبات من الرزق كله تفضل و هنا تفضل ٌ آخر في الجانب المعنوي و في جانب الهادية و الإستقامة ببعثة الإنبياء ،

فبعثة الأنبياء هي اعظم النعم لذلك فسر بعض العلماء ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ( 2 ) قال النعيم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام لأن افضل النعم ليس هو الأكل او الشرب و إنما النعم الحقيقية ان يهتدي الإنسان للطريق الصحيح و يصل للغاية التي خلق من أجلها و هي بلوغ رضا الله سبحانه و تعالى و الجنة ، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( 3 )  إِمَّا  يَأْتِينكُمْ رُسُلٌ هذا المقطع مع سياق الاية يفيد ،

  1. حتمية وجود الرسالة السماوية فهي توجد مع وجود البشر ما دام الله سبحانه و تعالى خلق الإنسان فلا يترك الإنسان سدى لابد ان يجعل له هاديا ً و مرشدا ً يرشده للطريق الصحيح إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ( 4 ) في كل الأمم لابد ان يوجد فيها هادي لابد ان يوجد فيها مرشد و نذير .
  2. الرسالة طريق الهدى فلا هداية تامه من غير رسالة السماء سياق الآية و حديث الآية هكذا و يدل عليه وجدان الإنسان و فطرة الإنسان و تدل عليه روايات اهل البيت عليهم السلام أمير المؤمنين في رواية ٍ في مضمونها يقول لو خلي اكمل إنسان في الوجود بنفسه لوحده في الأرض لن يهتدي للسبيل من غير ان تكون الهداية و الإرشاد من السماء لا يهتدي ، و من الذي يستطيع ان يقول انه يهتدي لكل هذه المنظومة المعرفية و الأحكم الشرعية بخصوصياتها مثلا هل صلاة الصبح ركعتين ام ثلاث من جلوس ام قيام ، من الذي يدركها بعقله ، الوضوء يكون على الرأس مسح ام غسل ، الى غير ذلك ، هذه الخصوصيات التي لها آثار ٌ تكوينية و لم تشرع عبثا ً من الذي يستطيع ان يقول بإمكانه  ان يصل إليها و يستنتج وجوبها  او حرمتها و خصائصها و مبطلاتها ، يستنتجها لوحده  و من غير رسول و من غير سماء و من غير رواية لا يستطيع ، مع وجود الأحاديث الناس تتخبط فكيف مع عدم وجودها فلا يمكن ان يهتدي الإنسان إلا برسالة السماء مهما بلغ من التقدم في الأمور المعنوية هو بعيد ٌ جدا ً و في الأمور التي لها إرتباط ٌ معنوي أيضا ً لا يستطيع ان يدرك الجانب المعنوي كم عندنا من أحكام مثل التذكية و الذبح إسقبال القبلة و الإستدبار هل يمكن ان يصل الإنسان الى جزء ٍ منها او شيء منها لوحده لا يمكن .
  3. أن العذاب و اللوم إنما يتفرع على الرسالة فلا لوم و لا عذاب يمكن يقبله الإنسان من غير ان يُحذر و يُعلم ، رفع عن أمتي ما لا يعلمون لذلك قال تعالى مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا  وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ  وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ( 5 ) ،

لا يمكن ان يعذب الله شخص لم يخبره بأن يترك الشيء الفلاني او ان هذا حرام و هذا واجب ، و هذا أيضا ً يتعدى الى من لم تصل إليه الرسالة ، توجد رسل في مناطق و لكن شخص بعيد لم تصل إليه الرسالة لا يمكن ان يُعذب ، شخص ٌ بسيط في تعريف علماء العقائد مستضعف الذي على نياته و وجد تحت ابوان يعتقدان شيء هل يمكن ان الله يعذبه لأنه لم يعتقد بالحق الذي لم يسمع به و لم يخطر على باله رسلا ً منكم ،

رسول من بني آدم لا هو ملك و لا هو إله ، رجل ٌ من البشر الله سبحانه و تعالى يرسل رسل من البشر و لكن إمتيازاتهم معنوية فلا يكن في تصوير النبي غلو فلا يُقال مثلا انه لا يأكل و لايشرب و لا يحتاج الى خلاء و لا يقارب النساء بشر ٌ من البشر ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ  وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 6 ) وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ  لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( 7 ) يستنكرون ان يكون رسول و يأكل كيف يكون ، الله سبحانه و تعالى جعل رسول له خصائصه له كرامته و منزلته و لكنه من هؤلاء البشر ،

 

يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي  أي بمعنى يعرضونها عليكم و يفصلونها لكم من القص كأنه يفصل  الشيء و يخصصه القصص هكذا  ،

 

فَمَنِ اتَّقَىٰ  قيل من اتقى تكذيب و إنكار الرسالة إتقى ،  و أصلح عمله ، و قيل من اتقى المعاصي و إجتنبها وهو الأظهر ، إذا يعني عمل بلوازم الرسالة و إجتنب المعاصي ،

 

فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ فلا خوف عليهم في الدنيا ، و قيل لا خوف عليهم في الآخرة لا يخافون العاقبة في الاخرة و هو المتناسب ان يكون الحديث عن الاخرة لان الاية الثانية تتحدث عن الخلود في النار للكافرين و المنكرين فيكون الكلام كله عن الآخرة ، إذا ً لا خوف عليهم في الآخرة إذا ً هم على إطمئنان انهم يأتون للآخرة بسكينة ٍ و إطمئنان و لا يخافون من النار بل يستقبلهم الملائكة و يبشرونهم بذلك اليوم ،

 

وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ و لاهم يحزنون على ما تركوا  ، عندما يعرضون يوم القيامة فهم في إطمئنان لما يستقبلون و ليسوا متأسفين و ليسوا حزينين على ما مر او تركوا في الدنيا ،

 

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 8 ) الذين أنكروا الرسالة طغيانا ً و عنادا ً مع علمهم لهم العذاب و لهم الخلود في النار ، أما الذي يجهل ليس كذلك ،  و الذي يرتكب و لكنه ليس عنادا ً و إصرارا ً لا نقول عنه أنه خالدا ً  في النار ،  كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام فباليقين اقطع  لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك و قضيت به من إخلاد معانديك المعاند هو الذي يخلد في النار   .

 

ثانيا ً : إشكال خاتمية الرسالة ،

 

البعض قال انها تخاطب المسلمين و تشير الى ان الرسالة ليست خاتمية ، إذا كان الخطاب للمسلمين او لبني البشر قاطبة و يشمل المسلمين و تقول هم إذا جائكم رسول فإتبعوا الرسول هم مسلمون إذا ً محتمل ان يبعث رسول بعد النبي محمد صل الله عليه واله فيكون النبي محمد صل الله عليه واله ليس خاتم ،

الجواب ،

الاية تتحدث عن بني آدم و خروج آدم من الجنة سياق مرتبط بما مر و إن كان الخطاب يشمل الجميع فهي تخاطب الجميع انه كلما جائكم رسول ونذير إتبعوه و لم تتحدث عن هذه الأمة انه قد جائها الرسول لم لا و هذه  جائها ام لا و إنما تعطي القاعدة العامة لمن يأتيهم نذير ان يأخذ بإنذاره و يعمل بمقتضى الرسالة .

 

الهوامش ،

  1. سورة الأعراف الاية 35
  2. سورة التكاثر الاية 8
  3. سورة ال عمران الاية 164
  4. سورة فاطر الاية 24
  5. سورة الإسراء الاية 15
  6. سورة إبراهيم الاية 11
  7. سورة الفرقان الاية 7
  8. سورة الاعراف الاية 36

شاهد أيضاً

تفسير سورة الاراف حلقة 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *