تفسير سورة الأعراف الحلقة 25

13/7/2019

بسم الله الرحمن الرحيم

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ  حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ( 1 )

 

هذه الآية تفريع ٌ على الخطاب الذي مر لبني آدم بوجوب إتباع و هنا الآية تبين عاقبة من يحيد عن هذا الآمر و هذه الدعوة الربانية و ينحرف و تبين مصيره .

اولا ً : المفردات ،

فَمَنْ أَظْلَمُ  الظلم التجاوز و الجور و التعدي عن الحق و هو ظلم ٌ ، و أَظْلَمُ  هو الأشد تجاوزا ً و  الأشد تعديا من كل ظلم ،

يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم  النصيب السهم المفروض و المحدد لكل واحد ٍ منهم ،

الْكِتَابِ ،  الكتاب ما هو مقدر ٌ من مصير ٍ و رزق ٍ و مال ٍ و صحة ٍ و مرض ٍ و سقم الى غير ذلك مما هو مكتوب على الإنسان .

 

ثانيا ً ، البيان ،

في الآية تفريع ٌ على ما مر من الخطاب العام مفاده نتيجة التكذيب للآيات و ما ينتظر الإنسان المكذب و العاصي و الذي لم يأخذ بالرسالة من الوعيد الآلهي من العذاب في الدنيا و في الآخرة فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  ما أشد من هذا الظلم الذي يمارسه من يستكبر و يكذب بالآيات ليس هناك أشد و لا أبشع من هذا الظلم ، من يرفض رحمة الله و من الله سبحانه و تعالى ، الله كما مرت الآيات تمنن وأنعم على الإنسان نعم ظاهرية و نعم  مادية ثم أعقبها بنعمة الرسالة و الهداية فمن أظلم و من أشد بشاعة في ظلمه ممن يرفض و لا يأخذ بهذه الرسالة بل يفتري و يكذب على الله ،

 

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا معنى الإفتراء بصورة عامة يشمل  كل باطل ٍ ينسب لله سبحانه و تعالى  ، و لكن في هذه الآية الإفتراء على الله تعني جعل آلهة مع الله عبادة الأصنام التقرب بالأصنام بالأوثان لله الإستشفاع لله بالأصنام و غيرها و يدل عليه ما يأتي في نفس الآية قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  ، يعني هم يفترون فيدعون من دون الله ،

أشد الظلم هو التكذيب لآيات الله و الإفتراء عليه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ بشع ٌ شنيع لأنه ظلم للنفس و خسران ٌ ليس بعده خسران خسران ابدي ، ظلم بإنكار الرسالة تعقبه حسرة ٌ و ألم ٌ لا ينتهي ابدا ً يوم القيامة لذلك تكون امنية المكذب العاصي المتجاوز عن حدود الله يوم القيامة ان يرجع للدينا التعويض لذلك يقول تعالى وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ  أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ  فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ سورة فاطر الآية 37 مصيرهم الى جهنم و إنتهى ليس لهم مجال للرجوع ،

الظلم شنيع  هذه الآية الى هذا الظلم الشنيع وهو ثلاثة ،

  1. ظلم لله سبحانه و تعالى وهو ظلم و تجاوز ٌ و تعدي ٍ على الله لأن الله أراد الخير و أراد ان يطاع بربوبيته التشريعية و أوامره و لكنه يجابه بالرفض و بالعناد و بالإستكبار و بالإفتراء عليه و هذا ظلم من الإنسان لله سبحانه و تعالى .
  2. ظلم للنفس وهو بحرمان النفس من بركات هذا الإمتنان و من بركات هذه الهداية الربانية التي جعلها الله فالذي يحرم نفسه ظلم نفسه تجاوز عن الحق و إعتدى على نفسه و المطلوب منه العكس من ذلك .
  3. ظلم للناس و تعدي ٍ للناس لذلك يكون مسؤول و ما مر في الأحاديث الكثيرة ان الذي يساهم في إشاعة فساد في المجتمع يناله قسط ٌ من وزر من عمل و ينال نفسه وزرهم أيضا ً فهو يحمل وزر نشر الفساد و وزر من يعملون ، فالذي يفتري على الله كذب و الذي يكذب و الذي يدعو الناس لعبادة الأصنام و طاعة غير الله فيكون آثما ً و مفتريا ً و متجاوزا ً و ظالما ً و يشارك أيضا فيمن تجاوز و خالف و إرتكب .

سؤال في هذه الآية ،

كيف يتناسق وصف الأظلم لطوائف مختلفة ، كلمة أظلم تعني أشد الظلم يعني الدرجة النهائية في القرآن جائت هذه اللفظة في مواضع مختلفة فما هو التوجيه لها كيف نقول هذا أشد ظلم ثم نذهب لشيء ٍ نراه اقل ونقول هو أشد ايضا ً و هكذا فما هو الجاوب  ؟

مثلا التكذيب بالله عبرت عنه الآية بأنه أشد  ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ  إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ المجرمون

( 2 )  ،

كتمان الشهادة ايضا عبرت عنه الايات بأنه أشد ظلم وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ  وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ عبرت عنه أنه أظلم ،

منع المساجد  ،  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا  أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ  لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 3 )

ما هو الوجه لهذه الفروقات و كلها موصوفه بأنها أظلم و أشد ظلم ،

الجواب أنها تشترك في الكفر بالله و الشرك بالله و الدعوة للتمرد على الله سبحانه و تعالى فالذي يمنع مساجد الله نرى الجزاء واجد ، مثلا في هذه الآية لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ لهم عذاب ٌ عظيم لأنه فيه منع عبادة الله منع طاعة الله ، فالذي يفتري على الله و يجعل الأصنام هو نفسه من يمنع مساجد الله ان يذكر فيها إسمه فالنتيجة واحدة كلها تعبر انه اظلم لأنه يمنع عبادة الله و طاعة الله أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ في هذه الفقرة دلالات هي ،

  1. ان هذا الكتاب مكتوب ٌ فيه كل شيء مقدر لبني آدم في هذا الوجود ، مكتوب ماذا سيكون وماذا سيحدث للإنسان مكتوب من دلالة أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ .
  2. ان هذا كتاب ٌ المُعبر عنه بـ أم الكتاب لذلك يقول تعالى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، هناك محو و إثبات و هناك أم الكتاب الثابت الذي لا يتغير و يقول تعالى مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا  إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  ( 4 ) في كتاب ثابته لا تتغير هو أم الكتاب المقدر فيه كل شيء .
  3. ان ما قدر للإنسان هو علم الله سبحانه و تعالى معلوم لله و لا يختلف عن علم الله .
  4. أن ما قدر للإنسان لا يخطئه و لا يتعداه ثابت ٌ له و سوف يقع لا محال لذلك عبرت الآية أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ينالهم نصيبهم لم تقل يَنالوا نصيبهم صار الفاعل و الذي ينال هو النصيب كان النصيب هو الذي يفرض على الناس و ليس هم يأخذون حصتهم و سهمهم فيكون الأخذ من الله سبحانه و تعالى يوصل النصيب إليهم و كأنه يفرضه عليهم و هي إشارة الى حتمية ان يأخذ كل حصته في هذه الدنيا ، التقي يأخذ حصته و الفاسد يأخذ حصته من الخير و من الشقاء .

 

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ  المراد به وصول اجل الموت ، يعني حتى إذا جاء أجل الموت

رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ   حضور ملك الموت و أعوانه ،

قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ  يسألهم ملك الموت و أعوانه  أين ماكنتم تدعون  أنهم شركاء لله سبحانه و تعالى فيكم او انهم شفعاء لكم عند الله ،

قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا  طبعا ضلوا عنا بمعنى ضل وصفنا لهم ، يعني نحن وصفناهم بوصف ٍ خاطئ و هم ليسوا كذلك وصفنا الحجارة بأنها شفعاء بأنها واسطة بيننا و بين الله و تبين لنا ان الوصف صار خاطئا ً و ليس صحيحا ً ،

وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  شهدوا الحقيقة عند إنكشاف الحقائق وقفوا و نظروا عيانا ً أن هذه الآلهة لا تقدم و لا تأخر و لاتنفع فشهدوا على انفسهم أنهم في ضلال ٍ و في كفر كان سابقا ً  ليس أتى لاحقا ً كانوا من الأصل في كفر بالله سبحانه و تعالى و شرك ٍ بعبادتهم لغير الله .

الهوامش ،

  1. سورة الأعراف الاية 37
  2. سورة يونس الآية 7
  3. سورة البقرة الاية و 114
  4. سورة الحديد الاية 22

شاهد أيضاً

تفسير سورة الاراف حلقة 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *