تفسير سورة الأعراف الحلقة 26

15/7/2019

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا  حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ( 1 )

هاتان الآيتان تُبينان الوعيد الإلهي الذي تصدر بالآيات السابقة و مصير الكافرين بعد ما مر البيان حول وفاة الكافرين و حضور الملائكة عند الكافرين و توبيخهم و سؤالهم عما كانوا فيه هنا جائت الآية لتبين مخاصمتهم و مصادمتهم و إحتجاجهم فيما بينهم في النار ، عندما يدخلون النار من ضمن ما يكون من العذاب هو المخاصمة و المحاججة فيما بينهم ،

 

اولا ً : المفردات ،

أُمَمٍ  ، جمع أمة و هي الجماعة ،

  لَّعَنَتْ ، اللعن الطرد من الرحمة ومن كل خير ، او طلب اللعن وهو يسمى لعن ،

اختها ، تعني مثلها ،

ادَّارَكُوا أي إدارك بعضهم بعضا ً بمعنى إجتمعوا ،

ضِعْفًا  الضعف المثل الزائد على مثله ، واحد بزيادة مثله يكون ضعف فيسمى  إثنين .

 

ثانيا ، قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ،

نستنتج من هذه التالي ،

  1. أن الخطاب من الله لا من الملائكة ، عند وفاة الكافرين كان الملائكة و الرسل هم الذين يسألون الكافرين و أما هنا فالخطاب من الله سبحانه و تعالى مباشرة .
  2. المخاطبين بعض الكافرين و ليس كل الكافرين لأنها تشير الى ان الله يخاطب هؤلاء و يقو لهم عن أمم ٍ قبلهم و أنهم يدخلون بعدهم فالخطاب للمتأخرين للأمة المتأخرة في دخولها للنار .
  3. الخطاب نوعه من الله سبحانه و تعالى إما تكويني و إما تشريعي ، و التكويني بمعنى انهم يساقون الى النار و هذا هو نفسه كأنه الخطاب ، و يشير اليه السيد الطباطبائي ، و يمكن ان يكون تشريعيا ً بمعنى الله سبحانه و تعالى حكم عليهم و قال في حكمه و هم يسمعون هذا الخطاب و لكنهم لا يستطيعون مخالفته فينساقون الى النار .
  4. الهدف من هذا الخطاب هو الوصول الى بيان التخاصم في النار ، يعني هذا الخطاب تدرج ليصل الى نوع من العذاب و يبين احوال الكافرين في النار و سيأتي انهم يتخاصمون كما يقول تعالى إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ( 2 ) حقيقة لابد ان تكون و هي ان اهل النار يتخاصمون فيما بينهم .
  5. يستنتج من هذه الاية ايضا ان الجن أمم كم ان الأنس أمم قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ .
  6. قال بعض المفسرين على ان الآية تدل على ان بعض الأمم من الجن يموتون قبل يوم القيامة ، و قبل اليوم المعلوم الذي حدده الله لإبليس ، يعني أمم تموت قبل و أمم تموت بعد ذلك أي ان الإمهال الى يوم الوقت المعلوم الذي ذكره الله هو خاص ٌ لإبليس و ليس لجميع الجن ، و لكن النقاش في هذا انه لا دلالة على ذلك الاية ليس فيها دلالة ان امم تموت قبل و امم تموت بعد و إنت الاية تشير الى ان هناك أمم ، و هناك أمم تدخل قبل أمم و لكن هل هذا قبل يوم القيامة او لا ؟ لا دلالة على ذلك ،

 

و ذلك لأنه ،

  1. يلزم ان نقول بدخول قبل يوم القيامة يعني حشر قبل يوم القيامة .
  2. لأن حتى على فرض التقدم زمانا ً أمة تدخل اولا ً ثم أمة تدخل ثانيا ً يمكن يكون في يوم القيامة ، زمانا ً الله سبحانه و تعالى يحاسب امة ثم يدخلهم لماذا ؟ روايات كثيرة تشير الى ان اناس يؤخرون و انا سيقدمون و اناس يعاقبون اشد فيمكن ان يكون كل ذلك التقدم و التأخر على فرض التقدم زمانا ً يمكن ان يكون في يوم القيامة .
  3. على فرض التقدم رتبة ً او مكانة ً او منزلة وهو ما يمكن إستنتاجه من الايات ان هذا التقدم امة سابقة و امه لاحقة هي إشارة الى رئساء و الى مرؤسين و الى دعات و الى مدعوين فيمكن ان يكون كله في يوم واحد و في وقت ٍ واحد فلا دلالة ان يكون هناك من الجن يموتون قبل يوم القيامة .

كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا   اللعن هو  الإبعاد والطرد من الرحمة وهذا من التخاصم الذي يقع في النار تلعن كل أمة متاخره من تقدمها ، تلعنهم لانها تراها قبلهم و سببا ً لضلالهم ،

من اهوال يوم القيامة المصادمات بين من كانوا احبابا ً  في الدنيا يوم القيامة يكونوا أعداء لأنهم في النار ،

وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا  ألأباء و الأبناء و القيادات و المقودين يلعن بعضهم بعضا ً لأنهم السبب في دخول جهنم كما صرحت الآية هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا  اضله ابوه او اضله شيخه او اضله اميره او سيده فهناك في يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا و هو من اعظم البلايا ان يكون هذا الإفتراق و تتحول المحبة الى عداوة يوم القيامة ،

و من اعظم البلايا ان يكون  مع اهل النار حتى لو هو فيه معاصي لكن لا يريد أجواء النار و اجواء اهل النار لأن اجواء اهل النار تختلف عن اجواء اهل الجنة اجواء اهل الجنة محبة اجواء تنكشف البواطن فيخرج باطن الإنسان يكون شيطانا ً يكن سبع و أمثاله فكله شر لا يمكن تقبله و لا العيش معه لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام فلأن صيرتني للعقوبات مع اعدائك و جمعت بيني و بين اهل بلائك  فرقت بيني و بين احبائك و اوليائك ، من ضمن العذاب يتصور الشخص مع الأعداء في النار نستجير بالله من النار ،

حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ، ادرك بعضهم بعضا ً بمعنى إجتمعوا في النار

قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عندما تدخل الأخيرة يبدأ التخاصم

قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ قال المفسرون  في هذا التعبير  ،

  1. المتقدمون و المتأخرون رتبة ً بمعنى رؤساء و مرؤسين قيادات و مقودين و يؤيد هذا قولع تعالى وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ( 3 ) هذه تؤيد على ان الأمة المتقدمة هم السادة الرؤساء الذين يؤثرون

 

المتقدمون زمانا  و يمكن ان يكون الجمع في ذلك ،

 

  1. ، المتقدمون زمانا ً هم الأمة الأولى و المتأخرون زمانا ً هم الأمة اللاحقة و المتاخرة ، الأمة المتدقمة هم الاباء و الاجداد و من لهم التأثير على اولادهم هم المتقدمون و من جاء بعدهم من اولادهم الذين بعد ذلك سوف يلعنونهم هم الامة المتأخرة ، وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ( 4 ) يعني اباء هم يتبعونهم تقدموا زمانا ً عليهم .

 

قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا يستفاد من هذا المقطع ،

  1. البلاغة في التعبير و إيصال المعنى و الإختصار الجميل ، إختصار جميل في هذا المقطع ، المقطع هو مخاصمة و حوار ، الحوار الذي تكشف عنه هذه التعابير البسيطة ان الكافرين فريقان فريق ٌ يلومون فريق و يقولون انتم ضللتم و ظلمتم انفسكم و لم تكتفوا بظلمكم لأنفسكم و ظلمتمونا و صرنا ضالين بسببكم الآن يجب ان تحاسبوا على جرمكم انتم في انفسك و تحاسبون حسابا ً ثانيا ً الضعف الثاني لإضلالكم إيانا ، ثم يتوجهون للشكوة لله سبحانه و تعالى الاية إختصرتها في هذا التعبير الجميل قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا إختصرت الحوار كله في هذا التعبير و أعطى المعنى كاملا ً .
  2. الالتفات في المخاصمة التخاطب من الكفار الى الله و الدعاء و طلب اللعنة على الأمة المسببة للضلال ، قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ الضعف هو الواحد مثله مرة ً اخرى يطلبون من الله ان يعذب رؤسائهم و آبائهم و من تقدمهم بأشد من عذابهم الذي يتعرضون له هم أنفسهم .
  3. طلب المغرر بهم طلب معقول ، الذين ضلوا بسبب من تقدمهم طلبهم معقول منطقي و عقلي ببداهته لان اولئك ضلوا كما هؤلاء ضلوا و اولئك سببوا الضلال فيحتاجون الى ضعفين من العذاب هذا هو المنطق الطبيعي و لكن المفاجئة من الله سبحانه و تعالى في الجواب تختلف قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ، الله لم يقر على ان لكم عذاب واحد و لهم ضعفين مع انه بالتأمل يكون لهم عذابين الله سبحانه و تعالى   قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ المراد بالضعف للمضلين لأنهم أضلوا لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ  وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ  ( 5 ) يحملون عذابهم و عذاب الذين يضلون ، و ضعف ٌ للمضللين ، الضعف الثاني للمضللين من اين جاء ؟ قال المفسرون ان الضعف الثاني لأن المضلَلَين هم اعانوا على انفسهم و اعانوا غيرهم لأنهم إستجابوا للطغات للمستكبرين للمضللين و كثروا السواد لهم و قووهم ايضا ، صاروا اقوياء بهم و إلا فإن الطاغية و الظالم كيف يستطيع ان لولا الأتباع لولا ان يكون معه من يتبعه و يسنده فغن المستكبر لا يستطيع ان يعمل شيء من غيرهم هو يأمر هم ينفذون هم يسندونه فهم شركاء ايضا ، فلهم ضعف ٌ في ضلالهم و لهم ضعف ٌ آخر في إسنادهم للمضل و إتباعهم ،

وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ  أنتم جميعا ً واقعون في العذاب تائهون غافلون بشدة العذاب انكم فعلا ً في ضعفين من العذاب مضاعف لك و لمن سبقكم .

 

وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ،  الان الأولى تكلمت انتم ليس لكم فضل إستهزأت بهم أنتم تعذبون و ليس لكم فضل ٌ علينا ، و أيضا لقد شاركتمونا في كل شيء فإن فعلنا فقد أيدتم و أن أمرنا فقد أطعتم فأنتم شركاء في كل شيء لا تقولون نحن اضللناكم انتم شاركتمونا ، فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فليس كفرنا بأشد من كفركم و ليس بطاعتكم بأفضل من بأفضل من طاعتنا نحن مشتركون في كل شيء فنستحق الضعف جميعا ً الأولى تستحق الضعف و الثانية ايضا ً .

 

الهوامش ،

  1. سورة الأعراف الآيتان 38-39
  2. سورة ص الاية 46
  3. سورة الأحزاب الايتان 67-68
  4. سورة الزخرف الاية 23
  5. سورة النحل الاية 25

شاهد أيضاً

تفسير سورة الاراف حلقة 103

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *